السبت، 12 مارس 2022

جاري الياباني!

 في كل يوم أنا ورفيقي في هذه الرحلة نستيقظ السابعة صباحا على صوت الغربان ونعد أبريق الشاي بالنعناع والحبق المستورد من السعودية، بالمقابل يقطع صوت غربان الصباح غناء الفتاة الإنجليزية التي تقطن بالشقة التي بجانبنا مباشرة، فيزداد عدد الغربان غرابا آخر وإن بدى ألطف قليلا، ونحن نقطع فساد الصباح هذا بصوت طلال مداح إذ تقول:

ما تقول لنا صاحب .. وينه زمان غايب .. نسأل عليه واجد

فهنالك ثلاثة روائح تنبعث من شققنا الثلاثة: 

فمن  شقتنا تنبعث رائحة النعناع بشكل صارخ، تكاد تتكثف في الأفق مع هذا الجو البارد لتشكل شتلة في الحديقة التي نطل عليها!

ومن شقة جارتنا الإنجليزية تنبعث روائح كريحة تكافحها بالعطور الفرنسية التي تكرهها هي فيزداد الأمر تعقيدا على أنوفنا!

أما شقة جارنا الياباني فلا تنبعث منه أي رائحة!

وعلى أنه من روتين يومنا الطبيعي قبل أن يذهب أي منا لعمله أن نتناوب في إخراج أكياس القمامة لحاوية المسكن العامة، فإني لم أراه يوما يخرجها، وهي على العكس تضعها أمام شقتها، فيبدو لبقية السكان أننا نحن الوحيدون من نحدث جلبة كل صباح في هذا المسكن!

النظافة من الأيمان! فكيف تخبر هؤلاء عن الإيمان؟ ولو أخبرتهم سيقولون لك: هل أيمان فتاة جميلة؟ عزباء؟ متفرغة لنهاية الأسبوع؟ فنتأفف ونقول: أيمان فتاة عزيزة! وفي الحقيقة خطيبة! وندعي وصلا ونحن نضحك! ونجعل اليوم يتابع همته!

وحتى عندما نعود ليلا ما بين السادسة إلى الثامنة نرى الأحذية أمام شقته: جزمة نسائية حمراء، وصندل رجالي أسود، أما شقتها فيختلط سوت المكنسة الكهربائية مع الأغاني التي يصدح بها مشغل الموسيقى من أمثال:

I've got a lovely bunch of coconuts

 (They're lovely) 

There they are all standing in a row

 (One, two, three, four) 

Big ones, small ones, some as big as your head 

(And bigger)

 Give them a twist a flick of the wrist 

That's what the showman said

ونحن في للغالب ندخل ونحن نتجادل على أشيائنا التافهة مثل:

- ياخي أنت وراك كذا

- ياخي ما يصير كذا

- هماي قايللك!

- أنتا ما قلت!

ودواليك دواليك من هاتيك الحكايات الثنائية بين الأصدقاء حتى اليوم التالي!

وفي صباح اليوم التالي:

إشراقة وغربان، وصوتها ورائحة النعناع ودوامة الصمت تحيط عند باب الصندل الياباني!

وكالعادة ترافقنا الجلبة أينما حللنا، ومن باب كسر روتين اليوم صرنا نشرب القهوة ونتناول التمر بعضي الخشب الخاصة بالسوشي من الباب ما جاء بالاحتكاك بالحضارات المجاورة، واثناء همهمة بعض الأغنيات تذكرنا أننا نسينا بعض الحاجيات المنزلية المهمة تتعلق طبعا بالنظافة حتى لا تغضب علينا إيمان الخطيبة، وفعلا كراتين المناديل والصابون وتفاصيل كثيرة تتعلق بدورات المياه نجلكم عن ذكرها، وغيرها من الاحتياجات المنزلية، وفي طريقة العودة ونحن نتحدث عن أحد الأفلام التي تتعلق بلحظات احتباس الكاتب عن الكتابة، عند باب البناية صادفتنا صهباء للتو أوقفت دراجتها الهوائية وتسأل عن شقة رقم 15 فقلنا هذه هي جارتنا! فاستبشرت لندلها على مكانها وعندما وصلنا سبقتنا الصهباء متلهفة لزيارة صديقتنا ففتحت هي الأخرى للباب لها  متلهفة فرأينا ذلك الغراب الذي كان يغني، في الحقيقة لم يكن غرابا، كان نورسا! لكن مثله ذو صوت بشع وأن كان ذو منقار أشهر!

وقبل أن ندخل التفتنا إلى جارنا الياباني فوجدنا ذات الحذاء الأحمر النسائي والصندل الرجالي الأسود في مكانهما، ودخلنا منزلنا!

لما جن الليل خرجت للشرفة معي كوب شاي استمتع بالهواء الطلق فاذا بالشرفة التي في يساري يخرج منها رجل ليدخن، تبادلنا التحايا ثم أنهى لفلفه تبغه ودخل، وأنا أكملت كوب الشاي بهدوء وقبل أن أدخل للداخل لمحت الشرفة التي على يميني قد خرج منها صاحب الصندل: جاري الياباني!

الذي بدى لي أن اليابانيين انعزاليين أينما حلوا وذهبوا كما هي عادتهم تماما، كذلك كان جاري الياباني في الكوخ المجاور لي في المالديف، وكذلك كان في الغرفة المجاورة في فندق سالونيك باليونان، وكأن شبح هو الساكن المجاور لك! مقارنة بالغراب .. عفوا .. النورس الذي يسكن بجانبنا!

الحقيقة: أن الجلبة التي نحدثها كل يوم بدأنا نكتشف أنها تسعد السكان، فهي تكسر رتابة الصورة اليومية المكررة التي يمرون بها وكأنهم داخل برنامج من برامج تلفزيون الواقع!


- تبي شاهي؟

- لا قهوة!

- مب مرة ترا!

- ياخي الرطوبة تعدم نكهتهم!

- تعال جبت رول مناديل؟

- أفا عليك! لا تخاف إيمان مهيب زعلانة!

- هههههههه






تمت في الثاني عشر من آذار/مارس 2022م الموافق التاسع من شعبان 1443هـ في الساعة 11:39 صباحا من شرفة سكننا في لندن.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق