الاثنين، 28 مارس 2016

ما بين Seven Psychopath و In Bruges

كيف تكتب قصة فيلم عن مأساة؟

لربما كانت فكرة في ذهن كاتب الفيلم، أراد الحديث عنها، ولكن عندما تصور شخوص حكايته، نظر إليها وكأنهم أناس عرفهم تواً فأراد أن يتعامل معهم كما لو كانوا حوله!

كيف تريدني أن أحكي حكاي أشخاص لم أجاورهم ولم أتعرف عليهم، وكأنهم يعيشون معي وحولي.
حتى تجد شخص الكاتب في أحدى شخوصه ويسير مع البقية كأنه هو ليروي حكايتهم المتخيلة وكأنه هو الشاهد الوحيد عليها.

أن يغوص الكاتب في عقول شخوصه التي أبتكرها في عقله، ثم يبث أفكارهم في فيلم، أفكارهم هم لا أفكاره هو، أنه شيء يشبه التماهي الذي يعيشه الممثل عندما يتقمص شخصيته ويغوص بها، حتى لا ينفك عنها وتغدو جزءاً منه، ويغدو هو كذلك جزءا منها، لا ينفصلان إلا بعملية فصد قد تكون قاتلة لأحدهما!

فحتى شخوص الحكايا المتخلية والمروية عن قصة معاشة، لهم أفكارهم التي يبثونها بعيدا بعيدا عن تصور راوي الحكاية، كانت شخصية الممثل كولين فاريل تمثل شخص الكاتب وسط الشخصيات المتخيلة، حيث أنه هو الذي مر وسطهم وشهد على ما جرى مع كل واحد منهم، ليبقى هو كما في مشهد النهاية في الفيلم، يعبر فكرة الكاتب: أنه يحاول أن يكتب فيلماً!

Seven Psychopath
رحلة عقل ووجدان، وليس رحلة نفس وروح مثل
In Bruges
وهنا يكمن الفارق الكبير بين الفيلمين، فزملائنا السبعة كانت ملخص حكايتهم فيها أمل، لأن حكاية الأمل ذاتها تأتي بعد الشقاء، أما في براغ، كان صديقانا الأيرلنديين، يسيران في رحلة مسيرة سلفاً، أحدهما مهموم والأخر يغالب همه، فكانت حكايتهما المروية أشبه بقصيدة رثاء،
أضف لذلك أن شخص الكاتب لم يكن حاضراً مطلقاً في براغ، عكس مع رفقائنا السبعة، حيث أنه تجسد في أحدهم!

في النهاية فيلمين يستحقان المشاهدة حقاً.

الثلاثاء، 15 مارس 2016

عن الثمانية الذين أبغضهم ترانتينو

يبتدئ هذا الفيلم الصاقع الطويل بصورة عريضة من رحلة طويلة لعربة يستوقفها شخص أسود البشرة في وسط الثلج الأبيض الناعم ككرات القطن، وكأفلام كوانتين ترانتينو يحاول شدك من اللحظة الأولى بموسيقى هذه الصورة، يحاول (ومنذ إنجلورياس باسترد) في جعل اللحظة بكل حيثياتها هي بطلة الفيلم، لا ممثل ولا نص؛ لأن كل هؤلاء جزء من اللحظة التي يقدمها لكي تتربع على بطولة أفلامه.

فكرة الفيلم هي حكاية ما قبل في النوم في زمن رعاة البقر، والحكاية رواها في 6 فصول، هو حاول ان يرجع للنمط القديم (المكان مثل مستودع الكلاب، والنص في بلبفكشن) مع حفاظه على الشكل والسرد من أقتل بيل و انجلورياس باسترد، كما انه حاول الغوص في العقل المريض البشري(كما صنع في قتله بالفطرة مع اوليفر ستون) لكنه في السرد كان متسلسل مثل جانجو لكن حدد الفصول حتى تعرف مراحل رواية الحكاية، ولم يرويها بطريقة سرد روائية مثل انجلورياس فكان التقسيم هنا بلا معنى، فقط مجرد التاكيد على هوية الشكل الاسلوبية لترانتينو التي التزم بها ليس إلا، وقدم تركيبة فيها من مراحل التوقف اثناء المشاهدة تذكرك بجاكي برون.
الفيلم يبدأ بأفتتاحية أخاذة وينتهي بختام بارد، لربما تبتسم بعده اذا شاهدت تتر الاسماء؛ لأنك توقن أنها مجرد حكاية شتوية ما قبل النوم، لم يكن يقدم فكرة "ماذا لو؟" التي قدمها في انجلورياس وجانجو، ولا الانتقام الجامح الذي في أقتل بيل، حاول الإحاله لفكرة تغيير الموقف كما حصل مع ويليام ماني في غير مسامح، لكن بلا تبرير حقيقي؛ لأن كل الشخوص لم يكن لديها شيء لتخسره، ومع ذلك مشهد الإقتتال يذكر أيضاً بحالة ويليام ماني (كلنت ايستوود) مع جين هاكمن عندما كلاً منهما أطلق العنان لرغبته الشخصية المحضه، الموسيقى باردة مع برودة طقس الفيلم إلا في مراحل معينة، لكن كالعادة الشخصيات غنية وحوارات طويلة والإخراج يشد بموسيقى معبره عن اللحظة، لتكون اللحظة سيدة الموقف لدى ترانتينو.

يختتم الحكاية قبل أن ينام الصبية المتوحشون الصغار الذين يسهرون على هكذا قصص، أو المشاهدين لهذه الحكاية، أو حتى بطلانا صاحب البشرة السوداء، وصاحب العنق الأحمر الجنوبي، بقصة خطاب لينكون الأسطوري الذي سار به الركبان بين مكذب ومصدق لقصة الخطاب، حتى حين ثقلت الأجفان، أُخرِجَ الخطاب المختضب بالدماء كالعروس، ليُقرأ فيه الكلمات الإخيرة في كل هذه الحكايا.

وطلع الصباح وسكت الجميع عن الكلام المباح.

الخميس، 10 مارس 2016

عن المديح ...

ما شئتَ لا ما شاءتِ الأقدارُ
فاحكُمْ فأنتَ الواحد القهّارُ
و كأنّما أنتَ النبيُّ محمّدٌ
وكأنّما أنصاركَ الانصارُ

قالها ابن هانئ الأندلسي والذي كان معاصرا للمتنبي ونافسه بالمرتبه، في حق المعز لدين الله العبيدي الفاطمي عندما دخل فسطاط مصر وجعله القاهرة

هذا الحالة الفجة في المديح تكررت عبر عصور مديدة ومستمرة لا تنتهي

فهل السائس يحتاج لمثل هذا المديح وهذه الوصوف حتى يعمل؟

لهذا كان عمر بن الخطاب يحب مديح زهير بن أبي سلمى لأنه لا يمدح الرجل إلا بما فيه من صفات وفعال فعلها حقا.

تكررت ذات الصورة مع حفيد ابن الخطاب، عمر بن عبد العزيز الأموي، حيث كان جرير الخطفى الوحيد الذي يدخل عليه، لأن شعره نابع من صدق وإن هجاء مقذعا أو مديحا.

على الأقل كفار قريش عبدت الأصنام تتزلف بها لله، وإلا فهي عندها علم اليقين أنه لا إله الا الله، ولم تتزلف غير اصنامها، فهل ما فعله ابن هانئ وزميله المتنبي الكذاب في مديح سيف الدوله للحمداني هو إنشاء وتخليد وثنية جديدة غير مسبوقة، كما صنع النابغة الذبياني وعبيد بن الأبرص في حياة سابقة مدرسة شعراء البلاط إيام الممالك العربية القديمة؟