الأحد، 28 أغسطس 2022

الكتاب الذي إلتهمني مع إلياس بونفين!

ذكر أبو هلال العسكري المتوفى سنة 395هـ في كتابه الأوائل:

"أنه لما بويع عبد الله بن المعتز بالخلافة سنة 296هـ، ولم يلبث فيها غير يوم وليلة ثم قُتِل، فقال الناس: "لم يكن به بأسٌ ولكن أدركته حُرفة الأدب""


الحُرفة (بضم الحاء) تعني سوء الحظ والطالع والحرمان والتعاسة، يقال: حُورف فلان أي ضُيٌّق عليه في معاشه، ومنها المحُارَف أي المحروم من الرزق.


كان مسلمة بن عبد الملك بن مروان المتوفى سنة 120هـ أديبا عالما، متعاطفا مع الأدباء ومقدرا لظروفهم، ولذلك يروي عنه أبو حيان التوحيدي المتوفى بعد سنة 400هـ في كتابه البصائر والذخائر: أنه أوصى بثلث ماله لطلاب الأدب لأنهم أهل "صناعة مَجْفُـوّ أهلها".

كأن تلك الوصية تعبيرا عن إحساسه العميق الذي يعاني منه أهل الأدب في عصره، رغم اعتناء إخوته أمراء الدولة الأموية وأبنائهم بالشعراء.


احب ان اشير الى كتاب الاعلامي والزجال طاهر ابو فاشا الصادر عن دار الشرق: "الذين ادركتهم حرفة الادب" حاول فيه أن يستقصي حياة الأدباء الذين وصلوا أنفسهم أو وصفوها بحِرفة الأدب منكرًا أنهم عاشوا حياة عوز.

الساخر ان طاهر ابو فاشا هو نفسه ترك الشعر وأمتهن الصحافة كي يهرب من حياة من حاول أن ينكر عليهم العوز.



نعود الى الكتاب الذي إلتهمني مع إلياس بونفين!


في أحد الأيام تقرر رواية الجريمة والعقاب التهام يفالدو، والد إلياس، الذي التهمتني حكايته وأنا أتتبع خطواته للبحث عن والده!

هل من الممكن أن يلتهمك كتاب؟

أن تدخل فيه وتخرج؟


لكن قبل كل هذا عندما انهيت من رواية "الكتب التي إلتهمت والدي" لأفونسو كروش، تذكرت القصة الأخيرة في حياة الشاعر الجاهلي زُهير بن أبي سُلمى!


زهير كان شاعراً من المقدمين الثلاثة وعاصر حرباً كان من ابطالها شاعر هو عنترة العبسي، وأمتدح من تعهد بديات القتلى وأوقف الحرب!


ثم أن الرجل عمّرَ حتى بلغ المئة، وفلما كانت سنة ١٤ قبل بعثة النبي الكريم، رأى في المنام أنه يصعد إلى السماء  فإذا بلغها وأراد مسكها سقط!


كان زُهيراً على الحنفية، فلما تكرر هذا المنام نادى ولديه: بجيراً وكعب، وأخبرهما بالحلم وقال: أن نبياً سيخرج أزف زمانه، فإذا كان فاتبعاه !


ثم مات قبل البعثة كما اشرنا (إذ أن النبي عليه السلام بقى بمكة ١٣ سنة)


فلما جاء الإسلام اسلم بجيراً وتأخر كعب، وقد وبخ اخوه، ثم هجاه، ولما أُهدِرَ دمه، دعاه بجيراً ودخل على النبي الكريم متلثماً، وأنشد واحدة من عيون الشعر: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول


فأمنه النبي وعفى عنه وحسن إسلامه!


فهل في رحيل زُهير من هذه الدنيا بعدما عمّرَ، هي بمثابة التهام يفالدو داخل رواية الجريمة والعقاب؟


وكأن لسان حال كعب (رضي الله عنه) وهو هائم على وجهه حتى أسلم، هو بحث عن القصائد التي التهمت والده، وكما صنع إلياس بونفين وهو يبحث عن والده في روايات مثل الدكتور جيكل والسيد هايد (المختفي).


فهل الوفاة في زمن الجاهلية اختفاء لأنهم من أهل الفترة؟


الرواية هذه التي من الممكن أن تتحول إلى فيلم سينمائي أو فيلم رسوم متحركة (إينميشين) في مثل سياق  فيلم Hugo ، أو هو كحلقة Psychedelic Pink   من النمر الوردي!


العمل (أي رواية أفونسو كروش) لا تكتفي فقط بتتبع الرحلة فحسب، بل أيضاً تعاتب بعض الأدباء عتاب المحب، ويظهر ذلك جليا عندما يرتحل بين دفات قصصهم ورواياتهم.


هُنا أفونسو كروش شاعر يريد أن يضل طريقة بين ثنايا مصنفاته ورفوف مكتبته،ودفات الكتب!


على عكس رواية "هيا نشتر شاعراً"،كان شاعرا لا يريد أن يضل طريقه! لا يريد لشاعر أن يذوب ويختفي في زمن الماديات والرأسمالية ذات الأظافر والأنياب.


هيا نشتر شاعراً عمل بسيط جداً جميل جداً واقعي جداَ ساخر جداَ

دميتي الصغيرة - هو هذا الشاعر المشترى

شيء لا يكلف كثيراً

لا تخرج منه الأوساخ كثيراً كالرسام أو النحات مثلا،

وغير مكلف ككلاب البلدوق أو القطط الشيرازية،

ولا يكون فوضى أيضاً،

فقط نريد شاعر كمهرج في بلاط السلطان

ويبقى السؤال:

كيف تقيم شاعر؟

هل إنتهى زمن الشعراء؟

هل بقى لهم مكان ومتسع بيننا؟

هل للقصيدة مستقر في نفوسنا وموقع أثير؟

هل تضاءلت قيمة الشعر، الشعر الذي رد أعمى لوسط نجد أن لا يُسلم، حتى تصبح سلعة كأي سلعة مادية؟

ما الذي بقى منا لم يُسعّر بعد؟


لكن هُنا (اي في رواية الكتب التي التهمت والدي) يريد رحلة الشاعر الذي أضاع عُمره في البحث عن معنى وقيمة يريد لها الخُلود، لكنه أمضى عُمره وهَرِمَ بلا طائل، فهل كانت وصية زُهير لإبنيه، ثم اسلام كعب ولو متأخراَ، خلوداً من نوع آخر؟


رواية تمثلك وتجعلك كأحد فصولها: تتأبط اقتباسات، تقفز لك في كل لحظة كما لو كانت برنامج تواصل اجتماعي!


وقد ارتكب جريمة في حق راسكولينكوف حيث أنه أكد معنى أن لا يكون له مكان يذهب إليه!


وبالتالي اعتبر ما صنعه فيودور دوستويفسكي معه (أي راسكولينكوف) مجرد أدب غلف حقيقة قصته، ويريد لها خلاصاً بتوبة! - كإسلام كعب ابن زُهير في الحكاية - لا يريد له أن يكون جاك السفاح الخاص بروسيا،الأرض الأم! الأرض التي تتحرك فيها كما لو كنت تسبر غور نفساً بشرية، كحال أدب دوستويفسكي، هل "حرفة الأدب" هي أيضا التهمت فيودور؟


وهذا أحد اشكال عتاب الكاتب للأديب الذي عنيته قبلاً!


ومما زاد الحالة، حالت اختفائي مع إلياس، بطل الرواية، وكأني رفيقهما الثالث - مع بومبو - نشهد رحلة تشبه رحلة ميجيل ديثيربانس تحارب دفات الكتب هذه المرة لا طواحين الهواء، وأنا سانشو ايها القارئ، فهل أفونسو هو راوية كيخوته في مقابل سيدي حمدي؟


ولهذا هذا العمل كان ملفتاً حقا، وهو رحلة جدوى الأدب في حياتنا، وعن الوقت الذي يضيع بين ما هو مفيد في الحياة وللحياة، وعن الغاية المرجوة بعد الرحلة الطويلة الممتدة.


لا أعرف، ولكن بما أني في منتصف عقدي الرابع، زادت رغبتي في أن احتفظ بذكريات شتاء محملة بمشاعر صيف عن فلاديفوستوك!




كُتِبَت في صباح يوم الأحد غُرةً صفر لعام ١٤٤٤ للهجرة

الموافق ٢٨ من أغسطس/آب لعام ٢٠٢٢ ميلادية

الساعة السابعة وثمان دقائق من صالة منزلي

وأمامي حكايات إيطاليا وروسيا لمكسيم جورجي

واستمع لموسيقى إنيو موريكوني لفيلم حدث ذات مرة في الغرب


الأربعاء، 17 أغسطس 2022

عندما حضرنا فيلمين في وقت واحد!

عندما حضرنا فيلمين في وقت واحد!



في ذلك اليوم البليد الذي لا يحمل شخصية، الثلاثاء الموافق الثامن عشر من المحرم لعام ١٤٤٤ للهجرة الموافق السادس عشر من أغسطس/ آب لعام ٢٠٢٢ ميلادية، عدت لمنزلي ولم أجد زوجي، ولكن وجدت خادمة أختي عندنا تقول: "سير الحين متى يجي أنبوبه علشان انجب العشاء من الجدر؟"

فوضعت يدي على ذقني وعضضت على شفتي السفلى وقلت في نفسي: "اشغلننا هالشغالة، خابصة أم اللهجتين، ما تعلمت عند الكويتيين الي كانت عندهم الا اللهجة!"

قلت: "يصير خير"

ورفعت السماعة على مندوب التوصيل، وقررت مهاتفته:

- وينك يا ابو علي؟

- متخفش يا باشا انا هناهوه! غمض عين فتح عين تلاقيني قدامك!

قفلت السماعة ورجعت رفعتها:

- انتم جمعة الجيران اليوم؟

- ايه، مجتمعين عند جارتنا أم صالح، صالح تعبان، وأبوه رايح المذنب، يجيب روثانه، واخته تزاعلت مع رجله، واخذها ابو صالح معه تغير جو في سوق التمر، و.. ...

- طيب يا لاري كنج، ما علي بذا كله، تراي عقب ما يخلص العامل، بروح احضر فيلم بالسينما.

- زين، اصلا انا واختك فلانه بكمل السهرة عندنا بالبيت!

- على خير.


ثم ما إن اغلقت سماعة الهاتف، حتى صعد مندوب التوصيل بالانبوبة وقال:

- انا وصلت يا باشا!

- ما معك لّي؟ ولا ساعتها؟

- لا، فكرت عندك!

اطبقت شفتاي ونظرت للأعلى، واشتغلت في رأسي اغنية: sarà perché ti amo ثم حلصت تفاصيل اخرى عن كيفية الخروج من هذا المأزق بكل "فهلوة" اصيلة، انتهت بجلب المواد الناقصة وهندسة الفرن المُشترى حديثاً وسعدت به شغالة اختي كي تعد لهم سهرتهم لهذه الليلة!


وخرجت اسابق الزمن، الى بوليفارد الرياض، لان الفيلم كان هناك، من بطولة مورجن فريمان، كان يحمل اسم: Paradise Highway وأمامي ساعة وثلث حتى اصل هناك، اذ ان رفيقي في المشاهدة سيخرج من عمله مباشرة لهناك، والرحلة الى هناك فجأة تحولت الى سفر من طول المسافة والزحام، إذ ايضا قفزت الى رأسي أغنية: Five Hundred Miles

If you missed the train I'm on

You will know that I am gone

You can hear the whistle blow a hundred miles

A hundred miles, a hundred miles

A hundred miles, a hundred miles

You can hear the whistle blow a hundred miles

ومع استمرار تعداد الاميال في الأغنية يقصر الوقت ولا تقترب المسافة ويزداد عدد السيارات المتعجرفة على الطريق، ولم اصل الا حين انتقل عقلي لمقدمة حلاق اشبيلية لروسيني، وكان الفيلم حينها قد ابتدأ، ولم اجد موقفا للسيارة الا بعد طول عناء في احد الحارات المقابلة، ثم المسافة الطويلة من المشي حتى ان ساعة اليد قالت اني كسرت الرقم القساسي في المشي اليومي مرتين، ثم تيه حتى وجدت صالة السينما المتستره، فقلت: "ما دام الوقت قد فات، لم لا نأخذ اشياء للتسلية، اذا سمحتي، قهوة وفشار صغير وقاروتا ماء!

ثم دخلت وقد كان مر على الفيلم منذ بدايته ساعة الا ثلث، والقاعة فارغة باردة، الا من ثلاثة صفوف:

صف A وبثالث مقعد فتاة تعيد ترتيب زينتها، ثم عن يمينها اربعة مقاعد فارغة ثم شابين متململين يتثائبان!

صف D انا ورفيقي الذي لم يأتي بعد في منتصفه!

صف E وقد اتصف فيه ثمانية مراهقين، وكفى بذلك وصفاً للحالة الحرجة التي كنا فيها!

دخل رفيقي وهو يلهث من تعب الرحلة وهو يرى هؤلاء الثمانية البغيضين، كانوا الاربعة الذين في المنتصف يتحدثون مع بعضهم البعض، واحدهم يكلم تساعهم بالجوال وهو مفعل مضخم الصوت ويحدثه بصوت عالي ايضا، فلما انتهى دخل لبرنامج "سناب شات" وبدأ بمتابعة القنوات بصوت عالي أيضا!

فلما طفح الكيل، صدح الفيلم باغنية One Way Or Another وبدأ احدهم يكح بعد ان علق في حلثة شيء مما كأن يأكله، حتى كاد يقيئ لولا أن تداركنا الله برحمته، وذهب لدورة المياه، وما زالت نفرتيتي نتقش نفسها وكأنها سجاد إيراني!

فقلت لهم: "يا شباب تراكم منتم في ملحق بيتكم!"

رد احدهم وقال: "ان شاء الله" ثم خرجوا جميعا!

بدأنا في لملمة الصورة المفقودة مما فاتنا من الفيلم حتى اذا ما تشابكت الخيوط، اذ عاد ستة منهم وجسلوا، والاثنين اللذين خلفنا قد ناما من البرد، ونفرتيتي مستمرة!

عاد الذي كاد يقيء وجلس خلفنا في صف C فقام احد الستة ولحق به خلفه!

ثم عندما اقترب مورجن فريمان من معرفة وجهة القاتل، خرج الخمسة، وعاد الثامن المفقود، يبحث بين الكراسي حتى وجد هاتفه ثم خرج هو الآخر!

مع رتابه مرت في الفيلم، كدت ان اغفو، لكني فتحت عيني مرة اخرى لاجد الستة قد عادوا ومعهم كمية مفرحات حديدة، ويريدون ان يجلسون في نفس الارقام التي جلسوا فيها اول مرة، ثم بعد نقاس هامس، جلسوا، وتحولوا لاعلان مأكولات من صوت الطحن، فلما انتهى ما بين ايديهم، خرجوا، ثم بقي واحد عند المدخل ينظر للاثنين اللذين خلفنا، الذي كان يقيء وصاحبه، ونفرتيني الان بدأت ترتب حقيبتها!

جلسنا نضحك رغم جدية المشهد الدرامي، اذ ان الفيلم الذي يحدث أمامنا صعب أن تتجاهله!

اتممنا الفيلم بسعادة، فلما انتهى كعادة الحوارات بعد اي فيلم، اعجبك، لم اتوقعه، وهكذا، فلما خرجنا، وجدناهم في الممر، وكأنهم مشهد ما بعد قائمة الممثلين في افلام مارفل!

خرجنا من صالة السينما، لساحة البوليفارد، وكانت الساعة تقريبا الثانية عشر والنصف بعد منتصف الليل، وهنالك اشكال ومواقف واشخاص غريية!

قال لي رفيقي: ايش هذا؟

قلت: هذا زي زمان، فيه قنوات العاب وانمي في الدش، بعد الساعة ١٢ بالليل تقلب المود!

ضحكنا، همت سالته ان نتعشى، فقال: "ما اظني، لأن أمي مسوية عشاء ومبقية لي!

فهذه من اللحظات التي اضعف فيها، فقلت: ابد، الله يساعدك!

وخرجت وفي الطريق توقفت عند Häagen-Dazs واخذت حصتني منه، تسليه الطريق الطويل حتى سيتارتي وهنا عقلي قرر ان تصدح فيه اغنية مايكل جاكسون thriller حتى طريق العودة!



كتبت في اليوم التالي الاربعاء شقيق الخميس من مكتبي

الرياض


الاثنين، 15 أغسطس 2022

في معنى استخدام الأبيض والأسود (الأفضل مهاتفة سول أنموذجاً)

 


‏في خضم الحديث عن الحلقات الأخيرة من مسلسل better call saul كونها جائت بالأبيض والأسود رغم كون سير الأحداث في القصة تقع في المستقبل، اي بعد احداث breaking bad  هنالك فكرو تقول: أن المتابعة اليومية قد تدخلك في فخ التشتيت وعم الربط أحيانا، ولهذا قد يختلط الأمر على المشاهد.

ومن هنا اريد أن أنطلق إلى الفكرة الرئيسة التي أنشأت لأجلها هذه المقالة، وهي استخدام التصوير الأبيض والأسود في الأفلام (والتلفزيون لها تبع)
صحيح ان احد الاستخدامات هي استرجاع اللحظة(مشهد من الماضي او ذكرى) لكنه احد الاستخدامات لكن من الاستخدامات أيضا هو عكس قتامة الواقع أو النفس!
كاستخدام الفعل الماضي في الحديث عن المستقبل، حتمية الوضوع، وصدمة حدوثه!

وسأضرب بمثالين:

الأول فيلم المنارة لعام ٢٠١٩
كان عدم تلوين الفيلم، كناية عن قتامة الحالة التي يعيشونها، داخل هذا الزمن القديم والبعد السحيق، ظلام دامس لا ينيره شيء حتى المنارة!
وموج البحر يزيد من قتامة الصورة وسوداوية اللحظة أفضت إلى الصراع الدامي الذي رأيناه!
فهُنا لا علاقة للماضي بعدم تلوين الصورة، ولا علاقة ايضا بأي مشاهد استخضار لأي شخصية!‏

المثال الثاني هو فيلم الثور الهائج ١٩٨٠
الفيلم أساساً يبدأ بمشهد من وسط الأحداث ثم يعود الفيلم بك في رحلة طويلة من استحضار اللحظة للبطل أمام المرآة قبل الدخول للنادي!
هنا كان عدم التلوين فيه اشارة للسماء السوداء المليئة بالنجوم الميتة التي يصل لك نورها متأخراً، فالنجم أنفجر لكن‏نوره للتو يصل إليك، ومن هنا كانت عظمة الافتتاحية التي كانت في مقدمة الفيلم، فهذا النجم الذي يتقد في نهاية عمره يوشك أن ينفجر وما اضواء الكاميرات الا نجوم اخرى لملاكمين سبقوه استحالوا لناس همل، سينظم لرتل النمل معهم، مهمشين، وهم الذين كانوا ملئ السمع والبصر!
كل شيء يموت وينتهي!
فأيضا هنا لا علاقة للماضي باستخدام اللون، او كونه استخدم مشهد من وسط الفيلم ليكون بقية الفيلم عبارة عن استحضار طويل من عيني بطل قديم تليد!

ختاما:
أفلام الأبيض والأسود، استخدام اللون له اشاراته الخاصة، وفي حاله "من الأفضل مهاتفة سول" هو الحالة التي انزلق فيها بيديه لقرار القاع!



الجمعة، 12 أغسطس 2022

Golden Kamuy أو الإله الذهبي ورحلة البحث عن الذات!

 

يقول عبدالوهاب البياتي:


" ليستعيد!

وأي ذكرى يستعيد؟

واللطخة السوداء في تاريخه الدامي اللعين

كالنار باقية تثير الخوف والحقد الدفين

حيث الرجال يقتحمون إعصار المنون

ويصنعون

تاريخهم ، ويدافعون

عن الحضارة، والغد المأمول بالدم والدموع

وحيث صحراء الصقيع

والثائرون

والريح تعول في الخنادق والجنود

يتساءلون: "متى نعود؟" "


الإله الذهبي، هو قصة عن الآمال العظيمة، التي زُرعت في النفوس، تريد لها أرضاً تُغرس فيها، دون أن تتطئها خرائب الحرب في هذا الصقيع الذي يغلف المكان.

من جندي يريد الكنز ليحقق وصية زميله الميت، إلى عسكري مجنون يكاد يذوب مخه من فرط رغبته في الكنز لتحديث الجيش الأمبراطوري في مواجهة قرينه المُثقل بهمه الخاص، إلى ذلك الجندي ابن الجبال الذي يرتحل حتى يجد غايته التي خُلِقَ لها، ومساجين وُشِمَ على ظهورهم هذا الكنز الأسطوري، جُل مراد بعضهم غايات سخيفة لا صله لها بالكنز الذي يحملونه على ظهورهم، وذلك المحارب العتيق العتيد الذي يريد أن يستعيد كُل أيام العمر الماضي بخيرها وشرها، والثوري التتري الذي يريدها ثورة إلى الأبد، وجد ضالته في جندي شديد بعيني صقر وكانه مثل غُرمائه في جيش الشمال الصاقع حتى البلطيق، وأخيراً فتاة الأينو زرقاء العينين التي جُل مرادها معرفة والدها: أحي هو أم ميت؟!

كل هؤلاء بكل تلك الغايات وغيرها، جمعهم هذا الكنز وصاروا أسرى له، وأوجد بينهم أواصر أيضا، من الصداقة اللدودة، الى العداوة الحميمة، كما قال شيخهم صاحب بندقية الونشستر العتيقة: "دعونا نتفق أنه ما من عدو هنا في هذه الغرفة حتى هذه اللحظة حتى نجد الكنز!"، يجمعهم الطعام ويفرقهم الذهب.

ووسط هذا الجليد الأبيض الناصع، تبرز ألوانهم!

أياديهم المغموسة بالدم، بشراً كانوا أو حيوانات، حرباً كانت أو غيلةً، سيان! المهم هو البقاء في هذه الرحلة لأجل أمل عالق في الأفق يبدي ولا يبدي، لا هو يمنعك ولا هو يمنحك، وتبقى صورته عالقة في ظهور المساجين، لتذكر: هذه الآمال لن تنسقط ما دمنا نأكل ونغني ونقاتل!

وخلال الرحلة لا يكتفي العمل بتكريس هذا الأمل فحسب، بل يجعل كل الشخوص تستعيد ذكرياتها المثلقة كحمل ثقيل لا ينفكون منه، بعضهم يريد أن يستريح منه، وبعضهم لا يستطيع، وقله لا تقدر!

وخلال الرحلة من هوكايدو إلى سخالين تجري الحكاية والرحلة كأنغام كأنغام الكالينكا على آلة البالاليكا، لتعبر عن حرارة اللحظة المشتعلة وسط هذا الجو القارس المُهلك، لتجد نفسك في شد وجذب بين الميل والكره، لهذا او ذاك من الشخوص، وتظل مثلهم تتسائل:

هل سننتهي حين ينتهي هذا البحث؟

ونجد نفوسنا التي مع شعلة هذا الأمل؟

ونعرف طعم الراحة أخيراً!

ولم نسعى كل هذا السعي؟

لم دخلنا الحرب؟

لم حاربنا؟

لم ارتحلنا؟

هل نحن أسرى لذكرياتنا أم آمالنا؟


وكما قال عبدالوهاب البياتي:


،وهؤلاء

يتساءلون وفي الضباب

يتساءلون: "متى نعود؟"

والرفاق العائدون يثرثرون:

"البحر مقبرة الضمير"


حتى ذلك الحين، حين صدور الموسم الرابع، استمتع بفنجان شاي تصبهُ في صحن الفنجان وتشربه وأنت تتاول السوكشا.


تمت


حررت في الرابع عشر من المحرم لعام ١٤٤٤ للهجرة

الموافق الثاني عشر من شهر اغسطس/آب ٢٠٢٢ ميلادية

يوم الجُمُعة

الساعة الثامنة وخمس دقائق مساءً

المكان: غرفتي