الخميس، 8 سبتمبر 2016

القول العليل عن القائد الأريب!

ما الذي يجعل الحالة الخاصة بنا تختلف عن حالة الأقوام من حولنا؟

لربما هذا سؤال شائك يحوم في صدر وعقل ووجدان كل منا، لكن لربما ليس بذات البساطة! وليس بما سأصف، لكنه تصور عابر لحديث عابر مع زميل رمى سؤاله فقلت ما قلت:

اتصور موضوع الإرث الذي يريد ان يخلفه وراءه يلعب دور كبير ويصبح غاية، وبالتالي يطبق القول الذي يقول: رجال العهد القديم لا يصلحون للجديد، وبالتالي يمشي على كل ما سبقه ب "استيكه" ويبدا من جديد.

اضافة لذلك ان في الثقافة ان كل قائد يترك اثره، وليس كرئيس القبيلة الذي يبني على ما ترك سلفه ويضع ارثه، نحن قلتنا القبيلة وجلدناها ولم نستفد من معانيها، نحن اناس لا نعي ثقافتنا ولا مجتمعنا، ونريد استنساخ كل ما هو جيد من حولنا كما هو، ولا نرى مصادر القوة فينا.

اضافة ان هاجس البقاء عند الانسان وبحثه عن الخلود يجعله يريد التحكم بكل شيء فاذا اختار قرارا بذل غايته كلها فيه حتى لو فشل لان الفشل يذكره بالموت ويريد الخلود بخلوده بوجدان الناس، وان كان على حساب ثمن باهض من مصائر الناس الذي يقضي في مستقبلهم برأيه الآني الحالي.

هذا والله اعلم....، أقم الصلاة!

الثلاثاء، 6 سبتمبر 2016

عن الشغف ...

شغف يشغف شغفا وشغافا فهو مشغوف، وعند العرب هو غلاف القلب وغاليه وغطاؤه، وهو مبلغ ما يقع في قلب المرء، لهذا ذكر رب العزة حب إمرأة العزيز ليوسف عليه السلام بقوله تعالى "شغفها حباً" كناية عن أنه بلغ مبلغا عظيما عندها، ولا يبلغ الشيء هذه المرتبة إلا انه هو وقلبه سواء، ولولا هذا الشغف ما أنهار سلمان الفارسي رضي الله عنه يقبل قدمي النبي الكريم الشريفتين لولا أن شغفه بالبحث عن الحق تمخض عن تلك الحقيقية الأيمانية التي تفجرت حبا، ولولا هذا الشغف ما حكم عبدالرحمن الداخل الأندلس الذي تملكته فكرة أن تكون نبؤة عم أبيه فيه صادقة.

هو شيء يخلق مع ولادة الإنسان، فحتى خامل الذكر تتملكه فكرة تمتلك فيه كل جوارحه، وكل رحلته في الدنيا هي بحث عن مشغوفه اين يصل إليه يريد أن يحققه، فإذا حققه كان كنخلة الداخل، شاهدا على هذا المرء كما شاهد القبر عند دمنته.

هو شيء يولد معه ويبحث عنه ليجده ليشعر انه يستقر، ولكن هو كمخادعة النفس، مثل البحث عن خلود كاذب، لا يصل اليه ابدا، كثأر إمرئ القيس الذي بكى صاحبه دونه، عندما ارتحلا لقيصر، فخلد بكائه بقوله "لا تبكي عيناك وإنما ... نحاول ملكا او نموت فنعذرا".

القلب لا تعرف التعقل، كما العقل لا يعرف التقلب، لكن لا يستغنيان عن بعضيهما، هما كما الاضداد يولدان من رحم واحدة ليصير توأمه المفارق.

فيلم بلال و معنى العبودية غير المروي بالفيلم

في خضم الزخم المصاحب للفيلم، يجدر التنبه لنقطة جوهرية، فكرة العبودية التي يراد تقديمها.

فالكل يعلم يقينا أن بلال حبشي ولد وعاش في مكة، وان كان ابن رباح التي هي من اسماء القرد عند العرب حتى اليوم، لكن بلالا كان يريد أن يجد صيغة لكي ينخرط في هذا المجتمع المكي، هو ومواطنه وحشي الذي لم يكن يرى في مكة الذي كان يراه بلال فيها، فهو مجرد عبد يبحث عن حريته، وهم السادة، أما بلالا فهو ينتسب وأن كان عبد أمية بن خلف، لكنه بلال ابن رباح أولا وآخرا، ولم يكتفي أن يقال فيه كما قيل في وحشي: "كان غلاما لجبير بن مطعم" رضي الله عنهما أجمعين.

هذا غير واقع الموالي الذي كانوا يصنفون أنهم ليسوا عربا صرحاء، كآل ياسر موالي بني مخزوم، فهم وإن كانوا أحرارا لهم أنسابهم ومتحررين من كل قيد، إلا أنهم يدينون بالولاء لبني مخزوم، وكأنما بني مخزوم بما صنعوه لهم فيما مضى - بصرف النظر عن ماهية صنيعهم - صاروا وكأنهم ساداتهم ويعاملون كما يعاملون بني عمومتهم من بني مخزوم، فسامهم عمرو بن هشام ما سام أخويه سلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة من العذاب عندما صبئا في نظره، فصاروا ومواليهم آل ياسر على وطار واحد، وإن أختلفت طريقة التعذيب، رضي الله عن صابئة قريش، أنتقم لهم ربهم من معذبيهم.

في زمن أقدم، كان عنترة - والذي هو فرث الذباب - ابنا لشداد العبسي، لكن لأن أمه فقط عبدة، صار عبدا وهو العربي ابن العربي القح، ولم ينل حريته إلا بحرب فعندما كر صار حرا، ولم يكن حاله كحال وحشي الذي كر وقتل الحمزة لينال حريته التي لم تكن كحرية عنترة، الذي اثبت عروبة دمه بفلته، لكن وحشي لم يصنع ذلك، وصنعه ابن رباح الذي رأى في حريته أنه تجعله مكيا كبقية المكيين الذين هاجروا الى يثرب حينها.

هذي الصور الثلاثة المتدرجة لمفهوم العبودية تعطيك تصور عن معناه في الثقافة العربية، والذي قدمه الفيلم - للأسف - وفق التصور الأوروبي المرتبط بمستعمرات الإمبراطوريات، أو رؤى المستشرقين لتاريخ المكان الذي سكناه قبلهم منذ سنين مضت، وكليهما نظرة ما فتئت لم تبارح المخيلة الأوروبية ومعها من تبعها من أعالي البحار.

مفهوم العبودية في الثقافة العربية مختلف عن مفهومة في الثقافة الاوروبية، هناك مرتبط فقط بالرق والقيد والحبس، في الثقافة العربية مختلف تماما، عنترة كان عبدا وعندما كر صار عنترة بن شداد لا يختلف عن اي عبسي اخر الا باللون، وصار عبدا فقط لأن أبوه العربي ذو النسب الحسيب في عبس تنكر له، وهو في زمن لم يحضر الاسلام قط، وبلال رضي الله عنه عبد تحرر في الاسلام فصار مساويا لنبيه الهاشمي عليه الصلاة والسلام،وصار يحن لمكة حنين نبيه الذي بكاها حينما هاجر عنها،ومرض بالحمى هو وأبو بكر في ليلة وصولهما لمقامهما الجديد بعد الهجرة، كاد المرض أن يفطر قلبيهما حزنا، وكأن الأربعين أوقية في فدائه كانت صلتهما حتى أخر الدهر، والموالي هم اقوام بنتسبون بالولاء لاحد قبائل العرب وكأنها منتهى نسبهم رغم انهم احرار لا عبيد، مثل عمار بن ياسر مولى بني مخزوم، وكأن الرق في المفهوم الاوروربي فقط يقصر عند العرب عند من يؤخذون من السوق او الحرب، فإذا العبيد هؤلاء فقط، فماذا نسمي الثلاث الأنواع السابقة؟ استعباط!

كلا المفهوميين مختلفة! فكيف تعيد الحياكة في ثقافة لا تزال حاظرة حتى الان وكأنها لم تعد موجودة!

وخير شاهد العمال الأجيرين!
في محكيتنا العامية نقول عمالي ،،، سواقي ،،، وكأنه ملكية رغم انه حر وأجير وله اسم وجد، اما بالمفهوم الاوروبي محمد علي الملاكم الله يرحمه غير اسمه بالكامل لانه اعتبره تحرر من قيد مثل الاصفاد، بالرغم أن الثلاثة في الأعلى لم يغير أحد منهم اسمه، لأن الاسم لا يرمز لأي قيد، أنما القيد في أصل الفكرة، وعندما أسلم العرب، أوجب الإسلام التكليف حتى على العبيد والموالي والمولدين، في دلالة على أن العبودية ليست قيدا يكسر بالفداء والمال، بل هي معنى يرسخ في ذهن المرء لا يتحرر منه إلا إذا نزعه من عقله وإن كان مملوكا، كما شعر وحشي رضي الله عنه بتحرره بقتله رحمن اليمامة الكذاب!

هذا والله اعلم