الأحد، 16 أكتوبر 2022

Kleo هل تخوننا منابتنا؟

 

يبدأ المسلسل بعملية لفريق غير رسمي تابع لوزارة أمن الدولة (شتازي) في ألمانيا الغربية، في عام ١٩٨٧م.

تتم العملية بنجاح، ويعود الفريق لأماكنه المعتادة مرة أخرى.


لكل محبي انمي مونستر، اتصور سيهيمون في هذا المسلسل الالماني. اذ يتحدث عن الفترة التي سبقت انهيار جدار برلين والاتحاد السوفييتي، تحديدا الاعوام ما بين ١٩٨٧ حتى ١٩٩٠ ومحاولات اعادة الاتحاد. كثيرة من الاعمال التي ستاتي في ذهنك، من ضمنها ايضا الفيلم الاماني: وداعا لينين!


لكن هل ألمانيا عادت للاتحاد حقا؟


الاحداث تقع في ألمانيا الشرقية، في برلين الشرقية تحديدا، وهذا النزاع الذي يتشكل داخل ذلك القطر الواحد، القطر الذي قاده نمساوي لاحتلال كل اوروبا، ثم الاتحاد السوفيتي، ليأتي الأخير ليتربع وسط مبنى الرايختاج! تنشأ كليو مثل اطفال كندرهايم ٥١١ مرددين نشيد الشباب الألماني الحر!


لكن تتوالى في حياتها صدمات واحدة تلو الأخرى من كل محيط او دائرة تحيط بها. من اسرتها لدائرتها الكبرى: المانيا! بشرقها وغربها! غربها المقيت! 


تجد كليو نفسها، متهمة بالخيانة العظمى رغم أنها لم تقترف ذنباً، ومن قام بالتبليغ عليها هو جدها! وتخلى عنها حتى زميلها الذي حملت منه بطفل، وفقدت جنينها الذي حملته في رحمها داخل السجن، لتخرج منه منهارة كجدار برلين في عام ١٩٨٩م بعفو عام، ولكن عاقراً لا تستطيع حتى أن تحمل، أن تحمل طفلاً أو أملاً أو حتى حُلماً أو عائلة!


هل تخوننا منابتنا؟

هل الحياة عقيدة وجهاد فحسب؟

هل يولد الحُلم من رحمٍ عقيمة؟

هل أرواحنا تُستنزف؟

هل تستطيع تسجيل دخولك للحياة من جديد؟


فتقرر كليو الذهاب برحلة انتقام من كل من تسبب عليها!

ولكن من الذي خان كليو؟

هذا سؤال كلما بحثت فيه، خرجت لنا اغنية من اغنيات الجيش الأحمر السوفييتي تصدح في العلن!


العمل اجاد في تفاصيل الحقبة، ونقلك اليها كما لو كنت في كبسولة زمنية! تسحبك حلقاته للداخل مع موسيقاه واغنياته واهازيجه. التفاصيل فيه مدقنة! من وجة كليو الطفولي، حتى موضوع الحقيبة الحمراء السرية المنشودة، التي تحمل فيها الحقيقة المطلقة لكل شيء عن كل شيء!


تتفاجأ كليو أن الجميع قد انقلب عليها، حتى الرجل الذي حملت في داخلها طفلا له في يوم من الأيام! ولم يساعدها في هذه الرحلة الا محقق أرعن يبحث عن ذاته ولكنه من برلين الغربية!


هذا المحقق نفسه وجد مرؤوسيه في ألمانيا الغربية ايضا يحاولون ردعه عن المضي في مسيرة التحقيق بالتنمر والتهكم عليه، فيجد في عملية الشتازي السابقة ضالته؛ معرفة الحقيقة!


لكن أي حقيقة؟

التحقيق في عملية اغتيال حدثت في عام ١٩٨٧م؟

ام حقيقة الاتهام الذي لفق لها؟

ليقود كل شيء للحقيبة الحمراء!


ولكن السنا شعبا واحدا؟

وسقط الجدار؟

فما بال كليو تنكر ما ترى، وتنكر الوجوه والأماكن، كحال سيفن الذي تخلى عن حياة قد تبدو رغدة مستقرة لصالح ذات الانكار، ولكن من زاوية مختلفة!

هل من الممكن أن تغتال منابتنا ما ينبت فينا؟


طريقة اخراج الحلقة السادسة، لا أعلم لم ذكرتني كثيرا بفيلم دوق فالي!

لعل الأمر عائد الا كونه مراجعة لشريط الذكريات، أو لأقل بتعبير آخر: البرمجة الكندرهايمية!

هل هذا حقا جدي؟

وتلك أمي التي تخلت عنا لصالح الغرب؟

وهؤلاء الرهط أهلي وناسي؟

أم منتدبون للعيش معي؟

أهذا حينا؟

مدينتنا؟

برلين التي تخصنا؟

سيفن الذي عبر بسيارته بسلاسة ليقول له حارس المدخل:

- أنت من الغربية؟

- نعم!

- تفضل!

- بهذه البساطة!

- بهذه البساطة!

فهل برلين تخصهم ايضا؟


يستمر العمل في هذا الجو من المطارة والثأر والجاسوسية للبحث عن هذا السر الخطير خلف هذه الحقيبة الحمراء. كأنك تعيش سيناريو معد سلفا، مثل اختبار S3 الذي صنعة الوطنيون في لعبة #MGS2 او قريب به! لكن ما الثمن المقابل من رحلة العمر؟


التمثيل والأجواء واللغة والموسيقى التصويرية اجادت نقل الحالة تماما، منذ استهلال الحلقة الأولى بعبارة: "هذه قصة حقيقة! او لعل ليس كل ما ذكر هنا حقيقي!"

لكن الحقيقة التي اراد قولها المسلسل هي:

ما هي قيمة المكان؟


 تحديدا ثنائية الممثلين: ديميتريج شاد وجيلا هاس! كانت تحلق في حالة فريدة من الاداء، ولا يعني هذا الكلام بالضرورة ان البقية لم يجيدوا، ولكن من ظهورهما الأول يأسرانك!

ويبقى السؤال:

هل الحياة كما قال أحمد شوقي عقيدة وجهاد فحسب؟ ما الغاية إذا؟

هل تخوننا منابتنا؟

هل يولد الحُلم من رحمٍ عقيمة؟

هل أرواحنا تُستنزف؟

هل تستطيع تسجيل دخولك للحياة من جديد؟

ما قيمة هذه المنابت إذا؟

هل نستطيع أن نسامح من حرمونا الوقت؟


لتجد نفسك تردد في نهاية كل حلقة التهويدة التالية:

"ثم جائت رصاصة العدو

خلال لعبة ممتعة

بابتسامة شجاعة

سقط عازف البوق الصغير

بابتسامة شجاعة

سقط عازف البوق الصغير

شعرنا بالإرهاق" 


وعازف القيم؟

تلاعب بها من حمل الحقيبة الحمراء اخيرا!

الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي ورئيسا الألمانيتين!


- ثم ماذا جرى للعازف؟

- نام!


"نوم هانئ يا عازف البوق الصغير"




الجمعة، 14 أكتوبر 2022

Barry هل يعيش الإنسان ممثلا؟

 


 باري هو مسلسل من ثلاثة مواسم بكوميديا سوداء عن قاتل كان جندي سابق في الجيش الأمريكي، يجد نفسه وسط درس في حصة تمثيل رغم أنه في مهمة لقتل شخص ما داخل هذا الفصل!

لينتهي به الأمر أن يكون هذا الفصل هو سجنه الروحي، والعملي، اذ يوفر له الغطاء لعملياته، وكذلك الخلاص الروحي اللحظي كحالة سكر عند ساقي حانة كغريب.


 خلال الحلقة الأولى، تجوب ذهنك أعمال مثل لعبة Grand Theft Auto و فيلم Mr. Brooks وما شاببها

 ذلك الجو الساخر المضحك رغم جدية الحدث والقصة.

 ورغم هذا، باري وجد في مونولوجات التمثيل فرصة للتنفيس عما يعتريه، فيقول الحقيقة التي تبدو للآخرين كذباً درامياً أدبياً، لا يدرون إلى أي زاوية أخذته ذاكرته الانفعالية حتى يخرج بهذا الأداء الساحر للألباب، وكأنه ممثل من المدرسة الأسلوبية.

بجانب هذا الفصل الدراسي، هنالك فصل أدبي لعالم أبطاله شيشانيين!

موضوع الشيشانيين في عالم الجريمة وشراستهم، هذه ثيمة تكرر بين فينة وأخرى، يشتركون مع جيرانهم الإقليميين الروس في الشراسة، ولكن لديهم أيضا طباعهم الشرقية الخاصة، التي قد تشعرك بالمشترك بينك وينهم، في ذات السياق كان لهم ظهور ملفت بهذه الطريقة الصاخبة في فيلم وعود شرقية ٢٠٠٧، حتى في موضوع الوشوم ترتيبهم داخل العصابة، خصوصا وشم "المسجد" العجيب عند معاون بازا.

 

المسلسل لا يكتفي بشرط العمليات الإجرامية التي يوكل بها باري فحسب، أو حتى كيف يخرج من هذه اللحظة القاتمة للحظة السُكر داخل تكنيك تقمص الشخصية، بل يتعدى الى فكرة تطهير النفس، مثلا:

استخدام موضوع بقعة ماكبث في الحلقة السادسة بديع، لان باري يتورط اكثر واكثر في المعمعة، بسبب رجل واحد، وتغافل عن حسه الغريزي، الذي لم يفقده رفيق دربه، وبالتالي هنا تنازعه روحة مثل ماكبث تماما: هل يستمر في طلب الغاية، أم يبحث عن سلامه الداخلي، وهل له سبيل؟

أم أن السبيل أنه وُجِدَ في ماكبث ذاته؟

وهنا تأتي ميزة نهاية الموسم الأول، تنتمي لنهايات الاستمرار في المهزلة! بمعنى انه المدمن على شيء لا ينفك عنه وان جافاه. تستيقظ فيه غرائز الصياد، حتى لو أراد اختطاط حياة جديدة فستكون له معاناة جديدة معها، وكما قالت خليلته:

 "ليس لدي تأمين طبي، حصص التمثيل تغنيني عن الذهاب للعيادة النفسية!"

ولهذا يستمر هذا القلق الروحي والنفسي!



بالحلقة الرابعة من الموسم الثاني، نشاهد ثلاثة خطوط، الأول تطور علاقة باري بخليلته، والثاني لُقياها زوجها السابق، وأخيرا تطور علاقة مدرس التمثيل بابنه!

 الفن قطعا هو أحد أشكال التعبير، لكنه أيضا قد يمثل حالة هروب للشخص! هروب من الواقع الفعلي إلى واقع مفتعل! بمعنى اخر: جلسات عيادة نفسية!

المفكر قد يمارس الهروب من طرح فكري لتأليف رواية! وكذلك المؤرخ قد يهرب من تأليف كتاب عن إعادة قراءة التاريخ لتأليف مسرحية! وكذلك الشاعر، يهرب للرمزية التاريخية عن الهجاء المباشر!

 في حالة مدرس التمثيل، هذه الحصص واستخدام الذاكرة الانفعالية ما هي الا حالة هروب من علاقة المضطربة مع عائلته!

ولهذا استشهد بقول لعلي عزت بيجوفيتش في كتابه: الإسلام بين الشرق والغرب:

 " الفن بسبب خاصيته الروحية دائم البحث عن وسيلة أخرى للتعبير، عن "لغة إضافية" "

ولهذا، هل كانت لحظة دخول خليلة باري (سالي) للمسرح في الحلقة السابعة من الموسم الثاني تعني شيئا ما؟

 هل المسرح التجلي الأخير للممثل؟

 لا أعلم لم ذكرني دخولها بلحظة دخول المطربة انديلا للمسرح مع القرد قبل الدخول في الجزء الثاني من الأغنية، اعني اغنية Indila - Parle à ta tête

 ما بين الربكة والرغبة يحدث التردد!

 هل في الحياة مبعث لمثل هذا؟

 كرحيل الرفاق الشيشانيين؟

هل الرحيل هنا في معنى النجاة؟ أم تقرير المصير؟



العالم الموازي في الحلقة الأولى من الموسم الثالث، من اللفتات الجميلة التي ظهرت على الإخراج في هذا الموسم، كأنها بالمعنى الفني: المعنى خلف الصورة!

بقعة ضوء على خشبة مسرح الحياة!

 ولعل هنالك لحظات كثيرة خلال رحلتنا مع مسلسل باري، تجعلني أتذكر واستحضر لحظات من مسلسل: The Kominsky Method

 شريكه في الكوميديا السوداء التي يحملها والمجاز الفني

 

في الحلقة الثانية والثالثة هنالك مشهدين ملفتين:

 الأول: مشي سالي خليلة باري في الحلقة الثانية بين مواقع التصوير حتى آخر باب ثم اغلاقه ليستحيل المكان لظلمة، تكسر بإضاءة حمراء، تصحو فيها لتدخل تاليا الى الشخصية!

 الثاني: هو استحضار اسطورة بولانديلا وسُمية الانتقام في نهاية الحلقة الثالثة

كلا المشهدين كانا يمثلان انتقالان للشخصية من مكان إلى آخر، بالنسبة لسالي فهي لا تزال ابنة الستة عشر ربيعا لكنها مع باري، وفي حالة فيوكس، كان هو أحد الأرواح التي فضلت أن تتحول لأحد ضواري الغاب فقط لتظل هي المهيمنة بدالته على باري في أنه انقذه من سُعار الحرب!

وهنا يبرز سؤال: هل يعيش الإنسان ممثلاً؟

لعلي أجد إجابته في لقاء للمثل القدير مارلين براندو، عام 1973 مع المذيع ديك كوفيد يتحدث فيه أن الانسان بطبعته يمثل، وبهذا ينجو في هذه الحياة، وبه - أي التمثيل - يواجه صعوباتها وتقلباتها، لدرجة انه قال للمذيع: انا وانت الان نمارس التمثيل بيننا وامام جمهورنا الحاضر في الاستديو!


الممثلة الصغيرة شريكة سالي مزعجة، وتثبت أن بعض الأحيان أن المحيطين بك قد يتسببون في تدمير حياتك، هي احداهم، ظروف الانسان قد تتشابه في بعض التفاصيل، لكن المحصلة بالصورة العامة وقد يكون هنا الاختلاف، لكن قد يطرأ للإنسان طارئ بحياته، كتطور مهني (مثل سالي) فيرى نفسه بموقع أفضل على أقرب الناس له.


مشاهد البرزخ (الشاطئ البارد) بالحلقة السابعة من الموسم الثالث، وتعارف بعض الأرواح هناك ونكران بعضها، هو بطريقة أو أخرى انعكاس للواقع الذي مرت به!

 عندما استيقظ من نوبة السيانيد ووجد نفسه أمام الشاطئ، باري، قفزت لذهني فجأة

 Death Stranding 

والعودة للشاطئ بكل مرة يريد التأكد هو في أي جانب!

فإذا كان الشاطئ هذا هو معناه، فالصحراء هي التيه، وقد يمتد التيه الى حيث لا تدري أين سيفضي.

 ويسدل الستار على الفصل الأخير، الفصل الأم من الحكاية!

 فهل عُولِجَ المُمَثل؟

 وانتصرت الذاكرة؟

وما زال الناس يحتاجون للعبور الجديد في الحياة، مثل مسافر عند بوابة المطار، يدخل في رحم تُولده في مدينة جديدة!

  هل كان باري متفرجاً على الحياة؟

 كمشاهد عند خشبة مسرح؟

 يعاين كل شيء كغريب عنه، ولا احقاد ولا كراهيات، ولا هدف في الحياة، ما يملكه هو ما يملكه فيوكس منه ومدربه المسرحي

فهل لعبوا به حتى بأنماط جنونه، ولا يقحم هو في ذلك أي عاطفة؟

 يؤمن بفكرة، وغداً بنقيضها، يدافع عنهما معاً، أو يلعب بهن معاً!

 لا يُمَكن بأي شيء الآن، كاحتراق شمعة!

 كل هذا كان مجرد لعب برؤوس الأفكار؟


:لعل هذا يذكرني بقصيدة أدونيس: صوتٌ آخر ..

يقول:

  ضيّعَ خيطَ الأشياء وانطفأتْ"

 نجمةُ إحساسه وما عثرا

 حتى إذا صار خطوُهُ مِن مَلَلِ ،

 جَمّع أشلاءَهُ على مَهَلِ ،

 جَمّعها للحياةِ ، وانْتَثَرا."



 

الاثنين، 3 أكتوبر 2022

٣ تشرين

 

الثالث من أكتوبر/تشرين الأول

يومٌ صباحهُ بارد، ظهيرته دافئه

وأخبار تراوح بين هذا وذاك


شعورٌ يعتريك مثل لحنٍ يغلفه الشجن

وقلبٌ ينبض كأن به غصة

غصةٌ تنعكس على تنفسك

ولكنك تمشي بين الردهات، محاولاً تسجية الوقت

وعندما تدخل "الكريدور" تشتد وطأة كل هذه الأشياء


ثم يهب نسيم،

بارد،

نسناس،

ولو كنت في بقعة أخرى من العالم، لربما بدأت تندف،

بلورةً ثلجيةً شفافةً وكأنها اللحظة الأخيرة لك أمامها،

أو تُمطر،

المهم أنه نسيم بارد يسليك،

ويتابع اليوم همته معك


ثلاثةُ عمالٍ بجانب مكنسة كهربائية يحاولون تنظيف اصيص نبات في زاوية المبنى، امتلأ بالغُبار والأتربة، لا الاصيص ينظف، ولا التراب بقي، كلما نظف جزء، كال جزاً آخر وأضافه للأصيص، كنشاط سيزيفي بلا أي طائل ولا معنى،


"حبة مزيكا رايقين"

صوتها يتردد على مسمعك،

تسمعها تناديك،

ليست مسافرة، وإن كانت معها حقائب،

تناديك بهمس!

هل جربت هذا قبلا؟

"أتسمع لحني؟"


- هل كنت تلهو أم تكتب؟

- كنا نلهو!