الجمعة، 20 نوفمبر 2020

خليل

اذا دق كأنه زائر عند باب بيتي، عرفت انفي قلبي شيء مألوف، فرح أعرفه، فإذا ولج عرفت أنه باقٍ معنا

ثلاثتنا

لكن في حالة ارتفاع دقاته زيادة في موجة الغضب نعرف أنك رحلتل، لم نبكي وان كنا نبكي ان جاءت بهمومك كل الأشياء، ولم تبادلنا ذات الدموع، كنا نحفر لأحزانك في في غور الليل الحالك ثقباً أسوداً لا يبقي على قلبك ما يراعهُ. 

ثم ثمة سنونوة ألفت درر سنية تشجيك وتطربنا،تذكر اسمك، 

نزرعه كادي على الشرفات

ونطرب لصوته اذا عانقه الهواء

ونعد إبريق الكمون ونحن نسرد حزن الليل

وعندما يرتفع وجه الشمس صباحاً على اعيننا، نرفعها فيرتفع موج السحاب وتصبح خطواتنا على الارض قضية وحكاية تسلي من لا يسلى

وحريقاً قد اشتعل وانا اكتب هذه الكلمات لك

على وريقاتي

وناري لا تضيء

وأن كنت قد طيبتُ أبريق الشاي على لهيبها

لأنك يا صديقي المخلص قضيتي التي لا افرط بها

ولأنك - مثلي - تحكافح

والله كان له خليلاً فلا تترك خلتي وانت تعرف خلتي

السبت، 14 نوفمبر 2020

اليه.. بعد التحية الطيبة

"‏إلى العزيز...

تحية طيبة،،

أعجز عن التعبير لكن لنمضي لحظتنا بين الأحياء."

... 
... 

أعلم ذلك، كلنا في لحظة فارقة وفي وقت متأخر من الليل، او الصباح في عرف الناس، نعد القهوة ونحن نستمع او نشاهد شيء ما للتسلية، ياتينا هاتف او خاطر ما لكن لا نستطيع له دفعاً او شرحاً، ونظل مقهورين أمامه. 
لا تبتئسي، فكل هذا الحديث عابر، وكل ما يجول في الخاطر خارج، فالمهاجر هو الكلام، والنفس باقية بقاء الجسد في دنياه

الخميس، 12 نوفمبر 2020

‏بنخاف نحب لا منتحبش...

من رحم الفقد، خرجت هي تقف بين فينة وأخرى عند طلله، تستذكر وتبث اشجاناً، وفي محيط العمل، تمتص كل العائدين له عيادةً، كاسفنجة، لكنها في لحظة ما في جو العاصمة الرمادي العليل، تحت سماء كُحلية، في مكانٍ يطل على طريق رئيسي، ولعلها في لحظة كأنها ضجر، خربشت على ورقة زرقاء، عن خوف المحبة:

‏"بنخاف من حزن النهايات وخداع البدايات الأولى 
وبنخاف من بعد المسافات ومن الكلمات المعسولة

بنخاف من معنى الخوف ذاته..نهايات الخوف أو بداياته"

ولكن سحاب السماء الرمادية نقل لي هذا، فابتسمت ابتسامة متعجب، لأن الحياة ما هي إلا هذا، ونحن نواجة الخوف بالشجاعة، ولا ضمانة على شرط الغيب، لكن الرجم به، والتَطَيُّر من التَزَيّد ومن التبدع، لكن كل الأشياء تحتاج اقدام بقلب جسور وصبر ورضى، وعلينا المعاش والمواجهة ولا ندري لعل كل الاشياء التي يضخمها القرين تصبح اقل من الحنظل الجاف

ثم هب نسيم العاصمة العليل ليقلب صفحة هذا اليوم،، 

الاثنين، 9 نوفمبر 2020

ما معنى أن لا يكون لك مكان لا تذهب إليه؟

المكان ليس جغرافيا،
المكان ليس موضع، 
المكان ليس ملجأ، 
المكان قد يكون قلب أحدهم، 
أو روحه، 
أو مشاعره، 
كم مرة فكرت في الحديث ولم تجد من تفضي له، ولا احد يستمع، او يهتم، 
كأنك شخص في دائرة خاوية جوفاء لا أحد فيها، ولا احد يستطيع ان يخترقها،
او ببساطة: لا تجد من يهتم او يهتم لما تحكيه، فما الذي عاد ليثير الانتباه؟ 

الخميس، 5 نوفمبر 2020

عندما غنّت أمامي

كانت تبلغ من العمر ستة وثلاثين، 
ترتدي معطف كحلي اللون تحته قميص عنابي، 
وتنورة حتي منتصف ساقها، أيضاً كحلية اللون، 
كان شعرها الأسود الحالك ينسدل حتى منتصف ظهرها، مع جزء منه تتركه تنسدل حتى اسفل صدرها من الأمام، كأنه ظفيرتين،
لم تكن طويلة، في ظني أنها تبلغ مائة واربعة وخمسين، فإذا وقفت ظن الرائي البعيد انها تصل لخاصرتي،
عيونها السوداء كخرزتين تلمعان في وجة دمية بيضاء مشرّب باسمرار طفيف كأنه حنّاء،
وترتدي قبعة سوداء لتظفي صورة إيمائية؛ لم تكن تعرف لغتي، وأنا اتلقط من لغتها ما اعرفه منها من التكرار السماعي لها،
وتحمل عصا رأسها كانه كريستال، وعند بائع التذاكر، في المحطة، رأيتها، فاعطتني إياها وهي تبتسم، عن طريق متشرد يعزف لحناً بالهارمونيكا، أرسل قرداً يردتي قبعة رسامين إيطالية، وبادلتني البسمة، وارسلت لها مرآة زينة قديمة تحمل بيد واحدة نحاسية!
وعند الشباك ابتعنا التذاكر، واترك هُنا عقلك لكي يحدثك؛ لأن هنا كانت كل الأضواء جميلة وهذه الضوضاء حولنا، تثير ما تثير من شجن وذكرى وشجوى، وكأن حياتك تلمع لمعان النجوم.
لكني وجدتها تبكي، أو تحبس بكاءً بالأحرى، وتترجمه في محاولة حديث بائسة، فسالتها أن تريني التذكرة، فكانت لباريس!
باريس، اثينا، فينيسيا، هارلم، وموسكو كلها أماكن الولوج لها قد يبدو غريباً لكنه ثقيل الوطأة عسير على العبور، ولا ودعي لحالك الذي يريد التعبير أن يخرج كل ما فيه؛ حتى وإن بدت انها بجانبك هذه الأمكنة؛
لعل هذا اليوم سيكون يوماً كأي يوم من أيام الشهر!
لأن الوقت لا يترجم الا كأيام تُحسب علينا!
ثم كان كمان - لي - ووردة بيضاء لها خلفت بسمة عريصة ابانت بياضاً لأسنانها كالؤلؤ، لانها رأت الوردة كيف تخلقت من مسودة ورقة صنعت أمامها لتمنحها هذه البسمة.
وهمست بلغتها التي اتلقط منها ما التقط:
"هذا جد كافٍ بالنسبة لي"
وتولدت حُمرة قانية في وجنتيها في محاولة منها للخروج من المشهد! 

الأحد، 1 نوفمبر 2020

باسماً في أسى.... كالحسناء!

هل فكرت يوماً في طلوعك خارج المنزل في يومٍ بارد أن هنالك ما يشتعل بعيداً عنك؟
كأن كرة الثلج تُكور، ولا تدري أين ستهوي؟
الحقيقة: أن هذا الشعور قد يبدو كتجلي لشيء لم يحدث بعد!
لكن في ذات الوقت، أن لملمة شتات هذا الشعور، هو الأجدى دوماً، فكل المشاعر التي في داخلك تغلفها بإفعالات متعددة، وتقرأ عليها الصلوات، وترسل معها الرسل طرائد، بلا مجيب طبعاً!
كهذه الرسالة، التي خرجت من رحم مشابة... 

الأربعاء، 28 أكتوبر 2020

في معرض حديث في جوف الليل

"‏هل الكتابة تخفف من ثقل الكلمات؟" - سألت هي
"هل وجدوها مسطرة أمامك يمحيها من جوفك!" - تجيب باستغراب! 
"هل نشرها للأصدقاء توضع النقاط!" - تعيد السوال من جديد! 

قلت لها:
لم تظنين أن هذا هو مآل الكتابة؟ 
الكتابة ليست فعلاً مقدساً، لكنه هو كتنسيم البالون لأن لا ينفجر، اللهم أن بالون نفوسنا ليس كذلك! 
فنفوسنا المُثقلة، بذاكرتنا المُرهَقة، تلجأ للكتابة لطرد أي رتوش أو تكثف لمعاني ومضامين، تعتري أي موقف ما. 
الكتابة تؤدي لنا هذا الغرض بعناية فائقة، وبجودة تورية لا تجدينها حتى عند اعتى عُتاة الباطنية، وقد تحيل الى كشف دونه كشف الصوفية. 

ردت: "كنت أظنها منفس وأصبحت مهرب، وهذا يحبطني ويحزنني ويقيدني كغراب منتوف الريش هذه اللحظة، حيث أجدني أرغب بالتعبير ولكن النص يعيد نفسه. والكاتب ضجر من ختم الرسائل."

قلت:
الكتابة ليست هروب، إنما مناجاة!
والمناجاة تكون في السر، وما يخرج منها للعلن هو تأثيرها، فالحالة التي تُلجِئ للمناجاة تفضي لما بعدها، كما يخرج الله اللبن من بين فرث ودم!
هل تعين قولي؟

صمتت!

فقلت: اعلم ان هذه الأسئلة مرهقة، ولهذا نعتذر، لكن حتى هذا الحديث لبس هروب إنما مسرّةٌ! 

السبت، 24 أكتوبر 2020

الرحيل من حلم الذاكرة - قصة قصيرة -

شاهده وهو يبكي وانحنى له تحية من شخص عظيم لهذا القطار الذي غادر برلين متجهاً إلى سويسرا.

لم يكن يعرف كيف يرتدي القبعة، ولا حتى تنظيم أي شيء يخصه،لكنه يستطيع فهم اي شيء منظم.

منذ أن تركني لكي يلحق القطار لعله يدركه وانا لا ادري اين ذهب.

لم يبرق لي ولم يراسلني

 لا زلت انتظر

 نسبياً

في شتاء ١٩١٤م عاد

عاد وكأن شيئاً لم يكن، وبراءة الاطفال في عينيه

قلت له:

"كل ذلك الحنين خبا؟"

قال"لم يكن عليها ان تأخذ الأولاد، كنت فقط طلبت أن ننفصل، لا أن أخسر عائلتي!"

"وما أنت فاعل؟"

"ايييي لا أدري، لعلي كبرت وضعف قلبي، دعك من هذا، هل أحضرت كاميرات التصوير؟ سنسافر للقرم غداً!"

"في هذا الوقت؟"

"؟!"

"القيصر أعلن الحرب على الزار"

"وما شاننا نحن؟"

"هدئ غضبتك، سيكون الأمر كما ترجو، إن شاء الباري"

"لا تدخلنا أيضاً في هذه المجالات"

"انت رجلٌ متعب" قلتها ساخراً

فضحك وسحب الكرسي وجلس وبدأ بالعزف لحناً فلكلورياً مسلياً دفعنا للابتسام

- فيما بعد - 

في مقطورة يقطرها قطاراً يحاول الخروج من رحم أوروبا، 

كتب:

"تفتح الندبات وتأخذك إلى عالم لم يكن فيه ذلك البحر ولا تلك الجثة كأني بها السنين وذلك الماضي التليد أريد أن أخبرك بتفاصيل يومي، عن عائلتي، وكيف احتملت، أريد أن أخاف قليلاً، أو أن لا أخاف، من اصدقائي، زملائي، هل تعرف اسماءهم؟ ينتابني الفضول، وكأني طفلاً ينظر لطفلٍ في........

سقط عنه القلم وهو يرتجف!

"آلبيرت"

"آل"

هززت كتفه بقوة، وجعلت أردد اللعنات..

اللعنة... اللعنة عليك،وعلى هذه البعثة،والحرب والقرم،وهذا القطار الذي يزحف، اجبني بالله عليك!

بعد الهزة الأخيرة تركته واستلقى رأسه، نظرت وإذا الحبر سال من القلم، تلقفته كصبي وأوقفت نزيف الحبر، فسمعته يتمتم، قال:

"كأني أسمع رعداً!"

قلت:

"هو ذا عندك، ممسكاَ بقلمك النازف من مأزق الموت، لا تخف لا يزال يزخر دماً أسود"

-"سأحتاج للفصد"

ثم غفى...

صوت باب المقطورة يفتح...

"مرحباً... اتسمع لي؟"

تحركت من مكاني، فجلس!

"منذ متى وهو مستلقٍ هكذا؟"

"منذ نزيف القلم! أيهمك هذا في شيء؟"

"كنت أنا من أخبرك أنه تاخر عن موعد القطار!"

أعلم، ولهذا لم أندهش، لكني استنكر عليك أنك تهتم له ولا تساعده"

"هو لا يساعدنا لنساعده،،سيجارة؟"

"شكرا"

كان يقرأ له:

"حبيبتي ماريانكا, أريد أن أدخل! وكأنما قد بوغتت بكلامه, فمحت أثر الدموع من عينيها, وبدا وجهها أكثر جمالاً وروعة في حزنها, ونظرت إليه في صمت رهيب ولكن اولينين لم يحتمل ذلك فعاد يكلمها: معبودتي ماريانكا.. لقد حضرت.. ولكنها أجابته في رزانة: بالله عليك, اتركني وشأني! وظل وجهها جامدا، أما الدموع فقد تدفقت منهمرة من عينيها.لماذا تبكين يا حبيبتي؟ ماذا هناك؟ ما خطبك؟ ورددت كلمته الأخيرة: ما خطبي؟ لقد قتل القوقازيون،هذا هو الخطب فقال اولينين:تقصدين لوكلشكا؟ اغرب عن عيني ماذا تريد مني. فدنا منها اولينين وهمس حالماً:"

عندها استيقض آلبيرت وقال: أأحضرت نوعي المفضل؟

 فرد عليه قائلاً:" هذا مزيج تبغك المفضل، من الهند، وروائيك الأثير ليو تولستوي، كنت أقرأ لك جزءاً من نهاية حب"

فاعتدل في جلسته والتفت إلي وقال:" يريدنا أن نظل محاطون بهذا البرد خلال هذه الرحلة" وضحك متهكماً...

دخلوا علينا يسألون عن جوازات السفر، وعن تذاكر الرحلة للقرم، وبعدها دخلت مضيفة المقصورة تسأل عما نريد،ورأته مستلقياً،فسألت إن كنا نحتاج للطبيب،لكنه عندما رآها تذكرت زوجه ملينا،وكأنه لم يستيقظ من حلمه،قال لها:

- Ты русский-

قالت نعم!

فأكمل وصوته كأنه سيغفو

وبلسان ثقيل: Я тебя люблю

المسكينة احمرت وجنتيها خجلا وجاء بدلاً عنها ضابطاً روسياَ جلفاً كريهاً أنهى هذه الإجراءات الكريهة مقله، ورمى في وجوهنا اكياس الشاهي خرج بخطواته المثلقة الغاضبة!

اعددناها ونحن نختزن ضحكاتنا حتى لا تنفجر المقصورة فكاهة، ونحن نرى لوحات الوصول للمحطة

وعندما نزلنا ونرى دخان القطار تمازج مع بخار الماء، جمعنا امتعتنا في عربة، وبحثنا عن كشك لنبتاع صحيفة،أي صحيفة وأشياء للتسلية في الطريق، عند الكشك وجدنا ذلك العازف ذي الصوت الدافئ قد تجمع حوله الناس، ينشد اغنية قديمة. 

 استقلنا سيارة أجرة تقلنا إلى سيمفروبول، وضعنا الحقائب، وتركت معي سلة صغيرة، وابتعنا القهوة للجميع قبل أن ننطلق،وضعت السلة على قدمي وفتحتها،فقالوا:هذا الذي ابتعت لذيذ، ما اسمه؟

- بيروشكي!

- لكنها تختلف عن التي عندنا - قال آلبيرت

قلت:التي عندنا بلقانية،المهم هو التسلية!

- انت محق!

طال هذا السفر، وقررت أن أغفو، نمت وكأن ارسال بث هذه الحياة قد قطع، آخر شيء اتذكره منظر الشجر وهو يمر امام شباك كرسي الراكب الخلفي، كنت أحاول أن أظل مستيقظاً، لكن النعاس غلبني.

كان حينها الجو عليل والضجيج قليل، ولم نجد قنوات تفتيش عسكرية كثيرة، يبدو ان سعار الحرب لم يشتعل بعد.

اشتد هذا الشتاء في العاصمة، لم نتمكن من الذهاب للمرصد الفلكي،لأننا تجاوزنا الحدود فظل دوماً فوق رؤسنا أننا من دول المحور داخل احد دول الحلفاء يحملون الكاميرات، هل نحن جواسيس؟

هاجس جعلنا نرتعب حتى من فكرة الخروج،لكننا تعاقدنا مع سكرتيرة انجليرية تعيش هناك،من الحلفاء،لعلها تساعدنا!

"اعجبها المرتب؟" قالها الذي شاهده

"مسمها؟" سأل آلبيرت

"ما اسمك؟" سالتها

"هيلن يا سيدي!" هي أجابت

في صيف ١٩١٥

...

..

رمت اوراق الآلة الكاتبة، ثم قالت:" أوووف انتم مجانين! مجانييين! مجااااااااانيييييين"

طبعا قالت ذلك لان الرفيق الأول كان يريد منها قراءة الجرائد له وهو يدخن، وانا كنت اطلب منها بعض الأفلام بينما كنت منهمكا في شرب الشاي،

بينما آلبيرت كان يكلفها بترجمة مقالات الفلكين والاحوال الجوية للمنطقة وهو يعزف على الكمان سمفونية بيتهوفن الخامسة،انتشلت منه الكمان وحطمته!

فساد صمت مطبق الا من صوت بكرة الفيلم الذي يدور في هذه الصالة، كان فيلما لتشارلي تشابلن، يبحث فيه عن عمل هو الآخر، ويتشاجر مع احد المتقدمين للوظيفة على سيجارة. 

فقد حولنا صالة المعيشة لصالة عرض، بقي فقط شباك تذاكر حتى تصبح رسمية!

المهم ان الكل نظر اليها، عداي الذي كنت منهمكا في مشاهدة المتشرد وهو ينتظر وظيفته الجديدة، ونسيت فنجان الشاي حتى برد

 قال لها بكل برود، وهو يعدل شاربه، "ما بك؟" واشعل غليونه... آلبيرت

قالت - وهي تصرخ- : "اولا ما اسم ثالثكما الذي لا يهتم الا للصحف، ثم كل هذه التراجم لم؟ وانت لم تخرج منذ ان قامت هذه الحرب اللعينة! وهذا الذي كلما اضعناه عرفناه من عدد اباريق الشاي التي يخلفها....

قاطعها وقال: الذي كأن صوته رعد؟

قالت: مهما كانت الطقس، هو، انتم هنا ثلاثتكم على كاهلي مللت، ملللت ملللت

فقال لها: "لكنك كنز اثير يا هيلين!"

قالت:" حقا؟ بلا مجاملة؟ اترغب بكعك مع كوب القهوة؟"

فاوما براسه، فقالت:"تأتيك يا سيدي"

وخرجت انا وثالثنا، لنتركها وسيدها مع الكعك والقهوة وانسحبنا بهدوء مع صوت خشب الصالة

"لِمَّ أذهب للمرصد؟

لم اعد قادراً على شيء ، ولا إضافة أي شيء، فقط تدخين الغليون! لقد كبرت يا هيلين!"

".........."

"تحبين دوما الصمت، أين هم عائلتي الآن؟"

عند الباب ونحن نرتدي الأحذية:

"لم تقل لي... ما اسمك؟"

ثم سمعنا صوت قذيفة دوّى، وصوتها الساقط دمر المرصد الذي امامنا، وتناثرنا مع الجليد في كل جهة، ارتطمت بثيب ثلجي، ورأيت قبعته تطير، وانا اغمض عيني رأيت الجند يعبرون أمامنا!

شتاء ١٩١٦

في سجن انفرادي بمدينة كازان، استيقضت على صراخ للنفير، وصراخ السجناء وهم يلهثون في سكب الماء البارد على رؤوسهم في هذه المدينة في العمق الروسي حتى تتقطع اما قلوبهم او عروق اعناقهم من هذا الصقيع، صراخ في كل الجنبات وانن في عرفة بطولك كالقبر، لا تعرف جارك الا من النقر، عرفت مع مرور الأيام أن ثلاث نقرات لتتري حيث عادة نببهم،فالقوم احناف على كل حال،وإذا كانت خمسا فهو روسي،وإذا سبعا فهو من قومية خارج الإمبراطورية الروسية،اما اسرى المحور لا ينقرون،لانك تسمع صيحاتهم مع صوت رمي الرصاص في الساحة، انت لا ترى شمسا هُنا،فقط ثلج أبيض يشقه عرق دم أحمر!

معظهم من رجل أوروبا المريض،وهذا بدوره قومياته كثيرة، لكنك لا تستطيع تميرهم من الصراخ الا اذا نطقوا،تعرف ان كان عربيا او كرديا او تركيا او ارمنيا او غيرهم.

انا كل هذا لا يهمني الان،صاحبي لا ادري ماذا حل به بعد ذلك الانفجار،اذكر اني سحبت مقيدا،لكازان في هذا العمق القارس من الحكاية!

سمعت صوتاً خافتاً يتمتم:

"بينما كنتُ أومئ،بالكاد أغفو،

فجأةً هُناك جاءَ دَقّ،

وكأنّه شخصٌ يرقّ،

على باب حجرتي يطُقّ،

“إنّه زائرٌ ما!”تأفّفتُ،“يدقُّ بابَ حجرتي؛

هذا فقط،و لاغيرَه معي”

فقلت وانا اضرب الجدار براحة يدي كلها:

"ادجار الان بو...ادجار الان بو..."

قال:" كأنه هزيم الرعد"!

قلت:" الأجواء تنذر بعاصفة رعدية، لكني هُنا الأن، ماذا حل بك؟"

"إني في الزنزانة المقابلة، ظنونا جواسيساً من الامبواطورية الألمانية!"

"لم يعلموا أن آلبيرت المسكين، فقط يريد رؤية الزُهرة!"

"فقط، ولا غيره يريد!"

"لم؟"

"لانه قرين رحلة القطار، تذكر حينها عندما لحقت به عاد لساحة المدينة، ووقف عند الساعة، بقبعته المائلة التي لا يعرف كيف يرتديها، ووقوفه المتأمل،تميزة بين الناس،ينظر للساعة، كانت الثامنة صباحاً،علم حينها أنه فات الموعد الذي يقترن فيه الزُهرة مع القمر، يلمع نجماً، فطفق يقرأ في المقالات العلمية، يبحث عن الاقتران التالي ليشاهده!"

"ومتى الاقتران التالي؟"

"في السابع من نوفمبر ١٩١٧م،هذا ما اشارة اخر مقالة ترجمتها هيلين له،لكن لم تجبني: ماذا كان اسمك؟"

"نيلس،من الدنمارك!"

"ما الذي جمعك به؟"

"الجامعة في زيوريخ،كانت بيننا اهتمامات مشتركة،وكان هنالك شاب قصير القامة أصلع ذو لحية قصيرة،يعكف على كتب كارل ماركس، كان دوما يردد أن من رحم الأحزان تولد الثورة، كانت ملامحة حادة،تبين عن نهم شديد للمعرفة،لم أتبين ملته، رغم أنه قال ذات مرة ان لديه أصولاً تركية تشوفاشية من ناحية والديه، لكني لم اهتم كثيراً،المهم كانت افكاره ملهممة، للامانة اختياراته للكعك متميزة،تشعر أنه إنجليزي، كان يحب الشاي، اتصدق أنه ذات مرة قي معرض حديث مع الشاعر الإنجليزي إدوارد توماس تنبدأ بهذا الصدام الوشيك، والساخر كان يكره ضابطا للبحرية عندهم يدعى وينستون"

"هل تتذكر اسمه؟

" اظنه.... فلاديمير لينين! "

وعند المرصد المتحطم:

"هيا أخرج أنت وعشيقتك الشمطاء،ظنناك ذلك القانوني البغيض المقيم في برلين، فلاديمير،أترك هذا المكان وعد لديارك،فقد سمح الزار بعودة بعض الألمان تكرماً لأجل الإمبراطور"

خرج حاملاً حقيبة ناجية متكئاً على هيلين، وإن كانت تعلقت بساعده كقطة تلاعب مربيها، أوليس سيدها،

ألتفت على ذلك الضابط وقال:

"هل أنتهى هذا التحقيق إلى الأبد؟ ستة أشهر كأنها يوم الحساب، ولأجل رجلٍ واحدٍ تهابه إمبراطورية بحجمكم، رُباه، ما كان لهذه المدة المتململة من آخر، كل يوم ذات الأسئلة ذات الشخوص، ذات الأجوبة، في ذات المكان المتهالك،في العاصمة سيمفروبول،على طرفها المنزوي وليت كل هذا أنتهى لقرار، فوق كل هذا طرد من المكان وكأنه قتل رحيم، ولا أعلم أي مصير ينتظرنا،..."

فإذا بكعب البندقية يضرب رأس آلبيرت ويوقعه دامياً، وهو يقول:"ألم تنتهي مرافعتك بعد؟"

فقام متثاقلاً وأخذ ثلجاً بارداِ وضعه على رأسه وقال لهيلين:"هل في حقيبتك الملك لير؟"

فأومت برأسها

فقال لها:"إقرأي لي مونولوج لير عندما طُرِدَ من عند بناته في الغابة!"

وبمشيته المتثاقلة وإتكاوه عليها، فتحت الفصل من الكتاب وما إن قالت:"أنت ايها الرعد الذي..

حتى دفع هيلين من يديه وألقى بالحقيبة وطفقت تجمع الحاجيات من خلفه،وهو بصوت غاضب حزين تحت زخات المطر ووميض البرق وصوت الرعد

 "انت ايها الرعد الذي يزعزع الكل 

أضرب هذه الأرض حتى تصير مسطحة ملساء 

صدع قوالب الطبيعة

بعثر جميع البذور التي ينمو منها الإنسان العاق"

ثم جثى وربت على كتفه وقالت:"العربة امامنا يا سيدي...انت خذنا للطبيب أولا"

"أجل يا سيدتي"قال السائق

ثم ضرب الخيل بسوطه فانطلقت مع الرعد وهو يموج! 

 في زنزانتي في كازان، سمعت ثلاث نقرات علي جداري، فرددت بنقرات متتالية دون توقف لعله يفهم اني لست تترياً، لكن النقر توقف فجأة!

وإذا بمنادي ينادي:

"نحو الجولاك، تحركوا.... تحركوووووا!"

ونسمع السياط تضرب الخيل، وصهيلها يدمي وهي تجر الناس لحتفهم، بت اشفق على من بالخارج ليتهم معنا هُنا، صار السجن جنة بأعيننا، حتى أن ساجينا ألفونا، صاروا يلقون علينا التحية قبل أن يبصقوا في وجوهنا، ليس فعلياً على كل حال، لكن كما في أفلام السينما، المهم أنهم بدوا يعرفون حدثني مع أجواء اليوم، فكلما كان صاحبا تبين القول عندي، كان سجاننا يدعى سيرجي، ليس كأقرانه، يبدو لأنه أبٌ لبنات عدة، طلبت منه شيئاً للتسلية، فطلبت ذكريات من منزل الموتى لفيودور دوستويفسكي، هو كان يستغرب اختياراتنا، فآلبيرت كان يحب ليو تولستوي، ونيلز نيكولاي جوجول، طبعا عرف كل هذا من حديثي معه، فهذه الأيام من نيلز في ترتيب وتنظيف الساحات والملاعب،ولهذا لا أجد وقتاً لنفسي وإن كنت طول الوقت محبوسا، كان دائماً إذا قلت له:

 "لا أجد لنفسي الوقت" نتبادل الضحكات الساخرة! "كيف وأنت في محبسك لا تجد لنفسك الوقت، كل الوقت لك حتى كسوف الشمس كنت ترقبه، وصاحبك الذي تحكي لي عنه لم يجد كوكبه بعد!"

 وذلك كما يقولون من سخرية القدر، "لكن النصيب" كنت أقول له. 

يحسدني على كسوفٍ للشمس، وقد كُسِفَت حياتي هُنا، زنزانةٌ كالقبر، وأنين المساجين يلف المكان، وتمتات التشفير تعج بالمكان كأنها نغمة موسيقية لبيتهوفن قلقة،لا تعرف الإستقرار كروحةِ الثائرة!

كان سيرجي هو السجان الوحيد الذي لم يكن كأقرانه،يبدو أنه كان متأثراً بشيء ما،لم أعرف كُهنه بعد!

في ربيع ١٩١٧ ومع اشتعال سعار الحرب، افتقدت سجاني سيرجي، فلما أتو بالطعام، سالت ساجني: " اين سيرجي؟" ضحك وقال:" مسجون في الزنزانة المقابلة لك!"

 ما هذا البلد الذي نحن فيه؟ إما جنود تحارب وإما مساجين في السجون؟ منذ الرتل الذي اخذنا، ولم أشاهد مواطناً عادياً، إما مجند أو مسجون!

حينها كانت هيلين قد وجدت سكناً مناسباً في سانت بطرسبرغ، وقد جهزته لآلبيرت، ووضعت في غرفة المعيشة طاولة وكرسي عزاز بجانب عدة الغليون الخاصة به بجانب منفضة السجائر.

 اثثت كل شيء فيها، حتى الغرفة التي بدت كصالة عرض تركتها، وتركت اشتراك الجرائد اليومية ساري،كان آلبيرت قد التقى جوالاً

جاب الإمبراطورية الروسية، وهو الذي اقترح عليهما ترك القرم، والذهاب للعاصمة، بعيداً عن رحى الحرب، وفي العمق هناك، بجانب الجامعة، حيث يستطيع التمتع بكل الامكانيات كباحث مستقل دونما قلق من المخابرات التي تبحث عن مواطني المحور، وقد نصحه أن لا يغادر المنزل كثيرا،

- "لم؟"

 - "لان الاضطرابات مشتعلة في العاصمة يا آلبيرت، نحن نريد الخروج من هذه الحرب، ولعل الاضطرابات هناك تجبز الزار علي الخروج منها"

 - "هل تتنبأ بثورة يا أليكس؟ أنا لا يهني شيء الا رؤيتها!"

 - "أرجو لك ذلك!" 

- وإذا برجل كأنه الفرعون ترتدي النظارات وقبعة، يلقي التحية علينا،

وقال:" المعذرة، ولكني أريد مكسيم قليلاً!" ابتعداه عن آلبيرت قليلاً وهو يشرب فنجان القهوة، وشاهدهما يتهامسا، ثم اعطى لأليكس، اوراقاً، دعاه لشرب فنجان قهوة، امتنع بتلطف قائلا: "لا استطيع، فاني انتظر موعد لقطار ما قادم من برلين، المعذرة"

 - "كما تشاء يا ليون"

 ثم تركهما وانصرف

سأله:" من هذا؟ ولم يناديك بهذا الاسم؟"

قال له: "هذا ليون تروتسكي أحد الأشخاص المقربين لفلاديمير لينين، أما الإسم فهذا اسم شهرتي مكسيم جورجي، لا أعطي اسمي الحقيقي الا لمن لا اخشى شرهم، وأنت بعد ليس لك علاقة بكل هذا"

-" أتدري أني عرفت هذا المدعو فلاديمير عندما كنت بالجامعة في زيوريخ، كانت يعكف على كتب كارل ماركس، وكان يبدي اعتراضاً على شياء كثيرة حينها"

ضحك وقال:"خُلقنا لنعترض"

قطع الحديث وصول هيلين لتأخذه لأخر زيارة للطبيب لفك غرز الجراحة بعد ضربة ذلك الجندي، فتركا الطاولة على أمل اللقيا!

عندها اخبر هيلين بفكرة الرجل، وهي رحبت، لا تريد له العودة إلى برلين او زيوريخ، لعله يجد سلوى عن فقد العائلة القصري.

المسكينة،لم تعلم أنه كلما رأى قطاراً لمعت عينيه،وعند المحطات تذكر هذا الألم،وهي مهما حاولت فهم ذلك الحادث القديم،لم تجد له بين ثنايا حديثه إجابة.

لكنهما الأن هُناك.

نزلت من العلّية، ووجدته، يقلب في الصناديق، ثم أخرج علبة كمان، ونفخ الغبار الذي عليها، وفتحها واخرجه، وبدأ بالعزف لباخ مقطوعته الثالثة، عندما رأته منهمكا في عزفها، علمت أن نهار سيدها رائق ومزاجه عليل كهواء هذا اليوم، فمشت مشي الهوينا للمطبخ، تعد فنجاناً من القهوة، له، وهي معه، وعندما اقتربت انتشلت وردتين من الأصيص ووضعتهما مع الفناجين في طبق التقديم، ودخلت عليه وهو يدور حول نفسه منتشياً وتكاد أوتار الكمان تتقطع، فمتلأ وجهها الباسم فرحة من فرط الطرب، لكن المسكينة، انها في غمرة فرحها اغمضت عينيها فارتطمت به وهو يدور وتناثر كل شيء…

-" اووه انا انا . هـ هل انت بخير؟ با لي من غبية، لااااا حتى الفنجان كسر،....."

أما آلبيرت فشاهد أحدى الوردتين سليمة، فنفض بها الغبار عن قميصه ومدها لها حمراء، فتوقفت امام يديه كساعة صدئة، لكنه اقتحم وقتها وقال:" هل لك، وبقية الكعك هُناك على المنظدة، لم الجزع؟" وعلق الوردة على يمين رأسها فوق اذنها اليمنى، وهي كالمشلولة.

قام واخذ الكمان، واستكمل العزف، وكان يكمل وهو يمشي حتى جلس عند منظدة الكعك ووضع رجليه فوق بعضهما، واشار لها أن تاني.

هيلين قامت لكنها عادت للعلية وهي مسرعة حتى سقطت من فوق اذنها اليمنى هذه الوردة، وصعدت، وهو دخل في موجة ضحك من عذوبة الموقف وكأن هذه اللحظة جعلت ليومه لمسه فتّانه.

"منذ أن دخل نوفمبر، وجدته منقبصاً، بالرغم من سعادته مؤخراً ومزاجه العالي، مع قرب الاقتران، إلا انه منقبض، ولا أدري ما يشغله، فلم يعد يخبرني بما يدور في ذهنه وداخل نفسه، يا لهفي عليه، لم أتوقع أني سأتاثر على حاله يوماً ما، لكن الأجواء العاصفة تذكرني به"

هيلين تقول وهي تنظر لآلبرت

كان لا يهدأ،أو لا يريد أن يهدأ،وفي كل لحظة أو تصرف ينظر للساعة، وكانها هي التي تُهديه السكينة بالرغم من رناتها المزعجة وسط هذه الأجواء الباردة،لم يمكن يتكلم كثيرا،ولم يبدي أي امتعاض،ولا أي رغبة أخرى،فقط: تدخين الغليون وشرب القهوة ومتابعة الأخبار،حتى عادت هيلين ذات يوم من المكتبة!

"أنظر!" قالت هيلين.

"وجدت هذا المصنف مهملاً مرمياً ليس على أي رف، وكلا يمر بجانبه ولا ينظر إليه، ولكن لأنه بالإنجليزية جذبني الحنين إليه، وعندما نظرت له، عرفت أن هذا المصنف مهمل كصاحبه، منسياً من الناس، منسياً من الزمن!"

"أرينيه!" قال آلبيرت.

"من جاي فوكس هذا؟"

"إنجليزي كاثوليكي حارب مع الإسبان ضد البروتستانت في حرب المستعمرات الشهيرة، قلت لنفسي لعلها تخرجك من هذا الذي أنت فيه!"

لم يقل شيئاً وبدأ بتصفع المصنف، وبعد ساعة سمعته يناديها: "هلا احضرتي كعكاً مع الشاي؟ أريدها أجواء إنجليزية كاملة!"

"نجحت!" هيلين قالت بصوت خافت!

لم تمر هذه الأيام، حتى أنهى المصنف، لم يخرج يوماً واحداً خارجاً حتى لشراع تبغه المفضل، كان يرسل هيلين لذلك، حتى كان الخامس من نوفمبر في الساعة الثامنة صباحاً، فتح النافذة التي اشرقت على إعلان لإحياء افتتاحية ١٨١٢ تشايكوفسكي وهي احدى الليالي التي تحتفل فيها الإمبراطورية بمناسبة فشل الغزو الفرنسي عليها، إبان حملة نابليون بونابرت عليها، إذ أن في مثل هذه الأيام، عبر نهر بيريزينا في أخر محاولة له للبقاء في روسيا قبل ان يعود نهائياً لباريس.

طلب منها أن يحجز له ولها تذكرتين لحظور هذه الليلة، من باب محاولة الخروج من قتامة الأيام التي كان ينتظر فيها

"الزُهرة آتٍ لا محالة في ليلة السابع،دعينا نروح عن أنفسنا قليلاً، فالشكر لك على كل هذا، أنتِ كُنتِ مؤنسي الوحيد" ثم مد لها آلبيرت النقود لتذهب لشراء التذكرتين لهما لهذه الليلة.

أخذتها وهي تقول لنفسها:"لم شعرت في داخلي وكأنه حديث مودع! لعلي بدأت أدخل في ذات القتامة التي خرج منها!"

لبس قبعته كعادته مائلةٌ،وأغلق أحد أزرار معطفه الصوفي كحلي اللون مائل السواد، وأشعل غليونه، ممسكاً به بيده اليمنى،وقوس يديه اليسرى لسكرتيرته هيلين، وهي تحمل حقيبة عدة الغليون، ودخلا القاعة،لشرفه في العلية، وهي فرحة بسيدها وإن كان بداخلها ذاك التساول!

كانت ليلة تشايكوفسكية بإمتياز! 

خرجا سعيدين وهما عند الباب، اذا صوت صفير الشرطة يدوي، والمكان صاخب رغم تاخر الوقت، وكانت الجلبة تعم المكان حتى أرتطم به رجل فاسقط قبعته وتوارى خلف الجموع، أخذت هيلين القبعة ونفظتها وألبسته إياها، لكنه أمالها لليسار،وعندما التفت يبجث عمن أرتطم به، وجهه مألوفا يقول له بإصبعه: أششش!

كانت الشرطة تبحث عن أقلية تُرمّز لنفسها أنها أكثرية، تحوم حولهم شائعات كثيرة، لكن لشخص كآلبيرت غير مهتم، عنده المهم أن يقضي الشاعات الثقيلة في اختفاء وبحث، فهو لا يريد العودة ويمكث مكوث القط الخائف حتى تنتهي غايته، دائما يردد لهيلين:"جيد أننا نجونا وعين الرقيب غافلة عننا"


هناك في كازان، عند الرقيب، دخل الجند على كل من كان في العنبر، وحملوهم وقد غطيت وجوهنا معهم،في عربة سوداء كان اخر شيء رايناه قبل ان تغطى وجوهنا،ثم سارت بنا العربة أيام، لا تتوقف الا لتغيير الاحصنة،واعطائنا ما يبقينا على قيد الحياة،حتى وجدنا أنفسنا في مكان يبدو من ضجيجه كساحة عامة!

أُنزلنا عنوة، وصراخهم يجلجل في آذاننا،كان الموقف مهيباً صوت السلاح وقرع احذية الجند على الأرضية الحجرية،وبردٌ قارسٌ وصوت تجمعات الناس، وصوت ريح ينبئ بجو ماطر كئيب!

خُلعت اغطيتنا،فبدت لنا ساحة حمراء كالدم فيها بناء سوره مُحمر كشاهد كبير على الحدث!

اصطف الجند امامنا وبنادقهم معهم، مر أمامنا ضابط، أدى التحية، ثم رفع اعلاناً وشرع يقول:

"كُل المتهمين مدانون بالسعي للإطاحة بنطامنا الإمبراطوري المقدس، وقد حكم عليهم بالإعدام رمياً بالرصاص، في الساعة الواحدة ظهراً اليوم الخامس من نوفمبر ١٩١٧م"

خيم الصمت، لأن كل شيء يدفعك للذهول، حتى من أراد أن ينتحب لم يستطع! 

تقدم أحد الكهنة يقرأ بلسانه الثقيل الشعائر الأخيرة، وهو لا يفرق بين مللنا، وكأن الكل هُنا من ملته، رفع الجنود بنادقهم، ورفع الضابط سيفه، وكانت لمعته هي آخر ما رأيناه قبل أن تُعاد تغطية وجوهنا، هل هذه المغامرة الجنونية ستنتهي بحياتنا هُنا؟ هل خروجنا مع صديق لموازته انتهت هكذا؟

ثم هبت ريحٌ باردةٌ لمع معها سوط الرعد برقاً وأذ بعربه تقف في وسط الساعة يصرخ منها رجل يتكلم بصوتٍ عالٍ ثم سمعنا طلق النار وتوقف كل شيء فجأة!

ساد هدوء ثم هطل المطر غزيراً، وسحبت أقنعة وجوهنا منا، كان الرصاص قد أطلق في الهواء، وكان هذا القادم من المحكمة يحمل أمراً بوقف الإعدام

إيذانا بأمر الزار القاضي بعودة كل من كان قادما من الإمبراطورية الألمانية قبيل الحرب بالعودة، فهم لا علاقة لهم بذلك اللعين القادم منها رئيس حزب الأكثرية الأقلية في أعينهم.

الكل طفق يتحسس نفسه انه باقٍ ينظر لبعضه، وأنأ في غمرة بحثي عن صاحبي، وجد الجند يسحبون معهم ميتاً وهم يرتحلون! 

كان سيرجي هو القتيل المسجى، والوحيد الذي استثني من العفو، كان مارقاً في نظر قاتله، لكنه فارساً في نظر من تلقفوا جثته!

آه! الشيء الوحيد الذي كان جميلاً في ذلك السجن القاتم كأنه حلم الخروج قد أغتيل!

كأحلام كثيرون مروا معنا في الحكاية.

علمت حين رأيته أني أُولد من جديد، وبذات الذهول!

وكأني أسمع الناي يبكي، عندما شعرت في قرارة نفسي أني أولد من جديد، وأنا انظر لسجاني المسجى وعليه عجوز ثكلى، وقلُب إمرأةٍ مفطورٌ لا يدري لأي جهة يلوح ليبكي!

وكأني أسمع الناي يبكي، حنينٌ يكوي الظلوع، هُنا فقط، ولا غيره معي!

وكأني أسمع الناي يبكي، لروحي المتعبة التي لا تعرف أي قدرٍ او عاصفة ألقت بها في هذا الجحيم البارد، برق وريح هادرة، كأنها روح تريد أن تستقر!

وكأني أسمع الناي يبكي، لشيء يفيض ولا يجد إناء يفيض فيه ليحتويه، وهذه الروح ليست زجاجة ولا حتى قدح، كوعاء مثقوب لم يجد صانعاً له!

وكأني أسمع الناي يبكي، لهذا الألم الذي لن يندمل، لن يموت!

وكيف يموت وقد غدت صورة الموتى الباكين على موتاهم ماثلة، لمن وهبت له الحياة، هنا فقط تتجدد في عينيك كل المعاني!.

وكأني أسمع الناي يبكي…

وكأني أسمع الناي يبكي…

وجدت نفسي مدفوعاً أن أربت على العجوز الباكية، وكأن الذي مان علي عزيز قريب، قد كان سجاني وإن كان لطيفاً معي، يظل سجين الظلم مما أحسنت إليه تراك ظالماً، كانت رحلة مواساة لصديق مر بمأساة، زوج خذلته وسرقت منه سعادته: العائلة!

وهنا عائلة مزقتها أحجار الرحى في ليلة كانت كفوهة التنور!

لفيتهم خلفي وأنا أموج، سقط الثلج الأبيض ليسدل الستار، وفي داخلي نار تتأجج، ولم يأتي أحد ليتدفأ، سرت على غير هُدى، مطرقاً، واجماً، مسبلاً يداي، حتى نهاية الطريق الذي بدأ كأنه الهاوية!

اتتني طفلة صغيرة، ورفعت يديها لي، فقد غرفت بهما الماء لأشرب!

"اشكرك!"

شعرت الآن فقط بالحياة!

طفقت ابحث عن اي ساعي يرسل رسالتي بالحمام الهادي في هذا الجو العاصف!

لا هم لي بعد ان استعدت حياتي الا ان اطمئن على آلبيرت، كأني أم فقطت رضيعها، هذا الصاحب الذي بعد رحيل القطار دخل في ثوبه القاتم وإن أبدى فرحاً، الحياة التي تُعاش مرة، تستحق أن تجرب كل ما فيها

وجد ساعي بريد يلتقد الرسائل بعصى آخرهت دبوس، وكأنه يلتقد قمامة، هذه الرسائل فيها من اللوعة والاشتياق والحسرة والفرحة تلتقط هكذا كأجساد الشهداء، رسائل صرعى كأصحابها، لعلها تجد سبيلاً لمن صدرت إليهم، او أنها مثل رسائل البحر، لا يتلقفها الا سارح مهموم يجد هماً ملقى عند شاطئه

ناديته، وقلت "أعطني قلماً"

 وبيدي التي ترتعش من البرد كتبت ما كتبت، ثم قلت له: "اثقب يدي لادمغ الرسالة!"

 "هل انت جاد يا سيدي؟"

 "افعل!" صرخت في وجهه!

 ودمغتها وتركتها معه وقلت دعها معك متأكد أنه سيبحث يوماً عن رسالة!

هناك في سانت بطرسبرغ كأنه لمح رجلاً قصيراً اصلعاً بين الجموع يعرفه، لكن لم يظن مطلقاً أنه هو الذي كان يدرس المحاماة في زيورخ، لكن هيلين اجتذبته لتعود له للفندق، كان هذا اليوم أبى الا أن ينتهي شؤماً

"لنعد، تذكر ما قاله لك آليكس، الإضرابات في العاصمة كثيرة"

كان السابع من نوفمبر ١٩١٧م تاريخاً لا ينسى من هذه الحكاية التي عبرنا فيها جميعاً.

 نزل آلبيرت ليبتاع تبغه الأثير يريد التدخين قبل الذهاب لمرصد الجامعة فاليوم هو اليوم الموعود، ليلاً وهو في الطريق شاهد سيلاً أحمراً من الرجال، عيونهم كالصقور، ويطلقون لمقرات الحكومة المركزية،

يقودهم ذلك الذي لمحه مطارداً

 "فلاديمير!" صاح بصوته آلبيرت! 

لكن الحرس الإمبراطوري كان في مرصاد هذا الجيش الأحمر، مستعداً لهذا السيل، أنه الموت بحضوره الطاغي المخيف يصوغ المشهد، فإما الزار وإما لينين!

 هرع الناس في كل اتجاه، كلاً يريد سلامة من موت محقق!

ارتطم بالناس وسقطت قبعته التي لا يعرف كيف يرتديها، وفي غمرة هذا الضياع، كانت تلك المسكينة بقدرها، قد راعها ما حصل فنزلت تبحث عنه، لكن ما ان رفعت يدها عندما رأته يدور حول ذاته، ويلملم شتات غليونه المهشم،

 -"هنا يا سيدي!"

 ما إن إلتفت لها، وشعره الأشعث قد خر مع جسده عالأرض.

الكل هنا الآن صار كالهشيم، إما مع الحمر أو البيض، إما هي جحضت علينيها وفتحت فمها للصراخ لكن الصوت احتبس! 

وكان صوتها قتل مع هذا الذي كانت جل أمنياته فقط أن يرى لمعان الزُهرة في آخر لياليه! 

رمت كل ما في يديها، وخلعت نعليها وركضت كالثكلى إليه وهي ترتطم مع المئات، لا صوت يبلغ المعنى

ولا حركة مسيطر عليها، ولا تجد سبيلاً لكي تعبر فيه إلا بحركات المحب الذي حيل بينه وبين حبيبه، حثت عنده وهو ينتفض، تمسح عن جبينه العرق، ولا قول يواسيها، وهو يغرغر في دمه قال لها: 

"لعلم ارسلوا رسالة،هم في مكان قريب،ابحثي بالبريد عن اي شيء باسمي...ثم سعل وقال لا تنسي لمعته حين تريه"

كان الستار قد اسدل على كل شيء.... 

اجتاح البلاشفة العاصمة، وفي طريقهم إلى موسكو،

 وكانت بداية صفحة حمراء جديدة على هذه الصفحة البيضاء، 

دخان المعركة يلف الأفق، وأصوات النحيب تملأ المكان، إلا من واحدة فقدت نحيبها!

 هل كان كل هذا يستحق هذا الثمن؟

كأني بسنين عمره الماضي قد انتفضت بين يدي! 

جاء وجيء بي، لا ليعزف لي، ولكن ليرسل بقايا ذلك الحنين أنغاماً نفقت أمامي كما ينفق البعير!

 آمال ذهبت في مهب الريح، ورغبةٌ خفيةٌ لاقتناص كوكبٍ بعيد! هذا الرحيل كحنينه الذي تكتوي له الضلوع!

 أي حرقة هي التي أذهبت كل ما فينا جميعاً؟

هذا العمل المرهق الذي وكلت به!

 استأجرني عاصفٌ كهذه الحرب واختفى كأنه شبح هذا المكان القاتم كقتامة ما غور أروحنا،يا إلهي عجيبة كيف أني الآن عندما فقدت صوتي صارت رغبتي بالكلام جامحة كحصان أندلسي لا يريد الفرار! 

أطول مسافات العمر ماتت بين يدي،وقبعته المضحكة ارتمت في حضن الغريب!

ليتني لم أقبل طلب العمل هذا!

 عملٌ تعيسٌ أكلني وجعلني أبحث أنا الآن عن شيء أجد فيه سلواي من لوعتي؟

 وعلى أي شيء كانت؟

 كُنت مجرد عاملة!

 سكرتيرة!

 أترجم المقالات وأجمع الصحف وأرتب أثر العاصف الذي جمعني به! 

آآآآه ليته هو الآن بيننا

كل حديث النفس هذا هاجس رددته هيلين وهي في طريقها لمركز البريد!

 عند الباب طرقت وانزلت ركبتيها تبكي، أي حال لها وهي الفقيدة التي لا تدري أي شيء تبكي عليه؟

 على من ودعت ام صوتها الذي اختفى أو عملها الذي فقدته 

جائها بشربة ماء وقال:"إلى الداخل يا سيدتي!"

اشارت أنها لا تريد الا العودة للنزل، ولو أن رسالة كانت قد عنوت لآلبيرت!

 سلمت له ورقه فيها كل التفاصيل التي تريد وعنوان المكان، وطلبت منه عربة تقلها وسط ركام الخارج الصاخب منظراً الهامس صوتاً.

 وعادت وهي كالعمياء المبصرة تتحسس حتى الأصوات!

نامت نوم الأسير لم يوقضها الا طرق الباب!

 فتحت الباب:" ساعي البريد يا سيدتي! رسالتين!" فحيته برأسها وأغلقت الباب، وقلبت الرسالتين وجدت احدها مدموغة والأخرى لا!

 هشمن دمغتها وفتحت لتقرأ:

 "آلبيرت... آلبيرت، هذه الحياة في هذا المكان لا تتوقف، كتنور يفور تحته بركان نشط، أهرب أهرب...هذه الرغبة الجامحة لديك كانها نزوة فاجرة! تستطيع أن ترى لمعان الكوكب في ليلة أخرى، اقول لك وأنا الناجي كأني مذهول من المذهولين الذين وصفهم دوستويفسكي. 

عد!

 تلك النذلة الذي سرقت منك أسرتك لا تستحق أن تستذكرها في اللحظة الأولى التي عرفتها فيها، ميلفا هي التي بعثرت كل هذا داخلك

آلبريت اسمعني، انت تخدع نفسك، هذا كله محاولة هروب منك جعلتنا أسرى، فكن أنت الوحيد الحر الذي يستطيع أن يبقي فينا أملاَ بالعودة، قد مهرت رسالتي لك بدمي، فلا تجعله يضيع هباء! 

لا تأتي إلى هُنا نحن آتون إليك، فقط أبرق لنا لنعرف مكانك" 

أي مكان وقد صارت كل الأرض قبره، إينما إلتفت رأيته! 

فتحت الرسالة الثانية، لم يكن فيها ختمٌ ولا دمغة، جاء فيها: "أنت لا تتحمل خسارة جديدة يا آلبريت،أمكث في المكان الذي انت فيه، لا تحدث أحداً ولا تخرج،وأجعل هيلين تأتيك بحاجياتك،نحن هُنا نجونا من موت محقق، عدا سجاننا السابق الذي أردي قتيلاً، فقط لأنه كان يعكف على رسائل ليون تروتسكي"

ظهرت عليها ابتسامة جميلة وهي تشهق وتمسح دمعتها تقول: "عاش آلبيرت ومات وأنا لا أعرف اسم هذا الكرية، عرفته من خطه! إإإييييي ليتهم هُنا يواسوني"

٩ نوفمبر ١٩١٧م 

موسكو

 ليلاً قبل منتصف الليل…

 كنت في المستشفى استجمع ما بقي من قواي، لا أعرف اين نيلس، لكن المكان مريح وهادئ،، 

فجأة سمعنا قرع خطوات خيل، وصهيل حصان نفق وعربة انقلبت! 

قمت من سريري متثاقلاً وأنا اسمع صوت رجل يقول لعياله: "هيا اسرعوا اسرعوا"

 التفت يسارا تجاه الساحة، فإذا برجل بدت عليه آثار القتال ذو سن، يجر معه اربعه خيول، يقول لهذا الناجي من العربة: 

"بسرعة يا سيدي، وسالحق بكم"

 وعندما صعدت آخر فتاة في حجر أبيها وهو يرفعها له، اذا نسمع صوت صوت ابواق عميقة في جوف المدى، ومعها دق طبل طفيف كأنه ارتاد لصداه! 

كلاَ ذهل من الصوت، وتوقف ينظر

التفت يساري تجاه الصوت عند مدخل المدينة، بدت كأنها غيمةٌ سوداء، ومع هذه الأبواق العميقة وصدى الطبول، تقدمت فرس سريعة كانت ان تزلق فوق حجر المدينة المرصوف، ثم عدل من وقفتها، ورفع سيفاً امام انفه:

تقدم من وسط الظلمة رجلاً قصيراً لكن قصره متناسب مع طوله، له شعر اسود كثيف وشارب مميز، كان يرتدي جاكيت أبيض وبنطال أسود مميزين، أدى له الفارس التحية، وهو لبس قبعته وابستم ساخراً وهو ينظر للعربة المنقلبة!

 في وسط هذا المشهد المهول امسك الرجل ابنته وقال للرجل الذي رفعها له:

 "امتطي الحصان الذي خلفي، هذا الجورجي جوزيف جوغاشفيلي قد وصل، بسرعة"

 وانطلقا وسط الساحة

ارتدى هذا الذي دخل من الظلمة قفازيه، ونقر بأصابعيه كأنه ينادي جرواً وأشار لساحة البلد، فاستحالت الغيمة السوداء لجموع بشرية مرصوفة تتقدمهم هذه الأبواق والطبول يعلو صوتها شيئاً فشيئاً إيذاناً منهم بدخول المدينة!

 وكأنه دخول أحد القياصرة الفاتحين!

كأنت موسكو هي جائزتهم التي قطفوها كأنها ثمرة ناضجة حان حصادها.

 كنت في شرفة المستشفى مذهولاً، كانت العساكر تنتشر في المدينة انتشار النار في الهشيم، يطوقون كل شيء فيها.

 دخل علي طبيبي ويقف خلفه أحد الجنود:

 -"من هم؟" 

ذكر له الطبيب اسماؤنا، ثم دفعه وخرج!

كان الهدف حصر كل الناس الذين لا يحملون أوراق ثبوتية تخص الإمبراطورية السابقة لعودتهم لبلادهم، وفعلاً ما إن أتى الصباح حتى جُمعنا جميعاً عند محطة القطار خارج المدينة، ننتظر القاطرة التي ستنقلنا عائدين، هل هذه الرحلة تنتهي هُنا حقاً؟ 

كان النهار هادئ وبارد في آن، وتجنعنا مدهوشين

لا ندري متى يحين الرحيل، وللأمانة، هذا أول رحيل قسري أُسعد به، ولا هم لي الآن إلا أن أعود!

 لكني لا أدرى أي ارض حملت نيلس،ارجو ان يكون ممن سيرحلون معنا

 -سيدتي، ألا تعلمين لأين؟ 

-الى القطار يا سيدي!

 -اعلم لكن إلى أين؟ 

-إلى القطار!

 -لا تعلمين الوجهة؟ 

-ليس مهما المهم أن نركب القطار!

كان الانتظار عجيب، ثلج اختلط بطين الارض، عند محطة قديمة، وجموع الناس تنتظر عند خط السكة، وداخل المقطورات القديمة، قد خلقنا من هذا العدم محطة انتظار! 

ايييه ههه فقط لو كان آلبيرت هُنا، لتقلبت شجواه؛ الغبي يريد أن يري الزُهرة لأن أول لقياه بميلفا كان في ليلة ظناه أنه بدرههما،

لكنه كان محاقا وذلك البدر الصغير هو الزُهرة، هو يريد أن يقتل تلك اللحظة في داخله، حتى ينهي كل ارتباط للأبد مع الماضي، لكن الماضي هو الحاضر الغائب دوما!

 لا أريد هذا الانتظار يطول، مكاناً فقط لنتفقد البريد!

 -احييه هذا الجو باردٌ ومشمس في آن، نستدفئ من البرد!

وكيف نستدفئ من البرد ونستبرد من الدفء؟

 أي لُغزٍ هذا الذي نحمله نحن الغرباء عند هذه السكة الساخنة، نشعر اننا مرتوين ولا ندري مم؟ 

لعله رغبة العودة للحياة هي التي لم تعد تشعرنا بالظمأ!

 ننتظر اللحظة التي نسمع فيها صافرة القطار الذي سقلنا، وفعلاً مسامعنا لم تكذب الخبر 

ولكن ما ان اقترب القطار، وكانت اعناقهم مشرئبة تجاهه، تعلوا رقابهم لتنظر للمخلوق الاسطوري الذي سنقلهم، حتى من من جانبهم ينثر عليهم الثلج الممزوج بالطين وهو يصفز نكاية فيهم وامعاناً في السخرية منهم!

 قد تجاوزنا القطار؟

 هل بهذا إنتهت أعمارُنا؟ ولا عودة مبعث جديد؟

 جلست في زاوية، وتذكرت أول وصولنا إلى هذه الأراضي وتذكرت أول أغنية سمعتها مع آلبريت ونليس في محطة القطار ونحن نأكل البيروشكي

في هذه الأثناء، خرج من وسط المقطورة المتوقفة، أشعث الشكل أغبراً،يسأل بصوته المميز"هل مع أحد لفائف تبغ؟"

 إلتفت والضحكة تملأ وجهي"نيلس!" 

كأن الأحمق كأنه في سوق شعبية يبدل قصص نيكولاي جوجول بلفائف التبغ،بزعمه أنه يحرق لحظة خير من أن يحرق روحا في قراءته! الساخر كان يرتديي معطفا ممزقا

- كيف لم أعرف أنك معنا؟

 - لم يجمعونا سوية، منذ ذلك اليوم، وقد تركتني وأنت تشرب من يدي ابنه سيرجي المسكين، ذهبت مسرعاً وأبرقت لآلبيرت أن لا يتحرك من مكانه،كي لا يصيبه مكروه فلما عدت لم أجدك، لكني قدرت أيضاً أنك في المستشفى تتعافى، فذهبت أبحث عن طريقة للخروج، لكني بت الليالي في نزل

لكن بعد دخول الجورجي للمدينة ليلا وسيطرت خيوطه على أطراف المدينة وانبعاث رائحة الموت في كل مكان، تمشى حتى بلغ منتصف الساحة تماما معلنا تنحية القيصر وتولية قيصر جديد: فلاديمير لينين!

 دخل هذا الأخير وهو مرفوعاً على أكتاف الناس يمنيهم ويعدهم ويعلن أول أول ما سيصنع انسحابهم من الحرب!

كانت هيئتي الرثة ساعدتني أن اختلط بالجموع، لكن ما إن أنهى كلمته حتى صرخت باسمه، أكرره على مسمعه، اناديه مناداه العارف به، لكن اجتذبتي شخص يشبهه، لكن أقل حدة منه في المظهر، قال: "ما تريد؟"

قلت:"صاحبي زميل دراسة له، أريد أعرف أن كان قد التقيا"

قال:"صفهُ لي!"

قلت: نحيلاً ليس بالطول المميز، لكن تلحطه، أشعث الشعر ذو شارب متسق مع ملامح وجهه البيضاء، في نهاية عقده الخامس، لا يعرف كيف يرتدي قبعته، يحب أن يميلها... 

وما إذ ذكرت القبعة حتى قال رجل بجانبه: اسمه آلبيرت؟

 قلت: بلى!

 قال: هل معه سيدة انجليزية متأنقة كأنها معاونة له؟

 قلت: بلى!

قال: كنت نصحتهما بالذهاب لسانت بطرسبرغ حيث مرصد الجامعة هُناك، كان يردد شيئاً عن متابعة أحد الكواكب، الا تتذكر يا ليون؟

 رد عليه: اظن ذلك يا مكسيم! 

قلت: قد استديتما لي أجل خدمة!

 وتركت المكان، لكن حتى صدر قرار الترحيل، وكانوا يظنوني عامل مناجم فحم، وها أنا عندك!

- هههههه أنت لوحدك حكاية!

 - لفافة تبغ؟

 - هات! 

- كيف سنشعلها؟

 - بسيطة! من حرارة اللحظة! 

- فضحكنا وتبادلنا الحديث على أمل أن لا يتجاوزنا القطار التالي!

حل الشتاء وكان الثلج غزير،كان يلج في خلدهم انه اذا بقي على هذا النحو سيتجمد الناس

 هُناك كانت هيلين تعد الحقائب،وتعيد ترتيب الغرف،وكأنها تنتظر زوارا

 نزلت للطرقات تستجمع الاخبار،يبدو أن البلاد مقبله على تغيير جديد،يبدو أنهم اعطوها اسما جديدا "الإتحاد السوفييتي" 

وسينسحبون من الحرب!

نزلنا واستأجرنا عربة لوسط سانت بطرسبرغ، كان كل شيء يبدو كما لو كانت المدينة حصان يجفل في وسط ساحة القتال أن لا يخوض غمارها.

 صحيح ان الناس منخرطون في يومياتهم، لكن لا احد يبذو عليه مخايل انه يريد الحديث، الكل يبدو مدهوشاً 

نحن أيضا مدهوشين منذهلين من شكل المدينة، وكأن شيئا بها تغير

سألنا أحد المارة:

 "أين نُزل هيرميتاج؟" 

رد: "لم يعد كذلك، صار متحفاً يا سيدي، لكن على العموم ستجده في وسط لينينغراد"

 التفت على نيلس وقلت:"لينينغراد؟!"

 قال الرجل:"أجل يا سيدي، مسقط راسه على ما يقال والمدينة التي تحمل اسم المؤسس الذي انقذنا"

 قلنا:"وانقذكم ايضاً!" 

تركنا وتوجهنا لهناك

عند باب المتحف علقت لوحة:

 "ممنوع الزيارة"

 ولوحة عند الناصية تقول: 

"المكان تحت إعادة الإنشاء"

 فتشنا عن مكان نجلس فيه فلم نجد امامنا الا طاولة عندها نادلة صهباء قد قطع وجهها حب الشباب،في نهارٍ باردٍ كأنه الليل،جلسنا عندها وطلبنا فنجاني قهوة

 "هل من شيءٍ آخر يا سادة؟"

 "جريدة الصباح!"

في الجريدة صور لما حدث في الأيام الغابرة، وتعليقات صحفيي الثورة عليها، وكان يقرأها نيلس بصوت عالٍ وهو يرفع فنجان قهوته، لكن ما ان التفت للصفحة الثانية حتى هوى الفنجان منه!

 "ما بك؟" 

"تمعن بالصورة هذه؟ أليست قبعة آلبيرت؟"

 "هذا طالعٌ سيء!"

 "قم لنبحث عن هيلين!"

في غمرة بحثهم عن أقرب نزل من هذا المكان القريب من الجامعة، صاروا يسألون عن إمرأة تحمل انجليزية تحمل أشباه هندية شقراء كأن شعرها ستار الذهب، فدلهم عليه أعمى، سألته:"كيف عرفت لونه وأنت ضرير؟"

 قال: "ليس اللون عرفت، بل انسداله كستارة نوافذ غرف الأزواج، فقد كان يتدفق"

 اعطيناه مما معنا

في تلك الليلة التي بدت كأنها موحشة، بينما كانت تومئ تريد أن تغفو، فجأة جاء دق على الباب، "هل يبدو أنه زائر ماء؟ هل أتو؟ كيف لي أن أعرف؟"

 ودق.. دق.. دق..

 "وظلت مدهوشة أريد أن أسأل لكني لا استطيع" 

الطارق: من أنتِ؟ هيلين؟

لكن هيلين كانت في الشقة تنتظرهم يعودون، ولم تجد لهذا الوقت لتسجيته الا القراءة، فنزلت لمكتبة الجامعة تستعير كتاباً ما، فقال لها أمينُها:

 عمّ يتحدث هذا الكتاب؟

 فأشارت له انها تريد ورقة وقلم لكي تتحدث له، مد لها ما طلبت وكتبت: 

"كتاب مذكرات،أحب أن أقرأ السير والمذكرات الشخصية"

فسألها عن السبب فقالت على الورقة:

 "أحب دوماً أن أشعر أن هنالك حياة واقعية! ولكن لأني نادراً ما أهتم لكاتب،فتجدني أمل مما اقرأ..."

 تملين؟ - قال لها.

 كتبت "هل قابلت فتاة أحلامك من قبل؟ وشعرت أنك قد وصلت؟ الأمر ذاته مع كل شيء! عندما نقرأ فنحن نبحث عن شيء فريد،لكن بالتأكيد لا نجده"

وماذا لو وجدته؟ - باغتها بالسؤال

 كتبت - وقد لمعت عينيها -

 "عندها ستنقلب حياتنا، أنا حصل لي ذلك، وجدت رجلاً ألقى بظلاله على بقيتهم، عرفت فوراً أن سيرته معي هي ما أبحث عنه، ومن بعد رحيله صرت أتحدث كتابة، وصارت قصتي رواية، رحل عنها البطل باكراً" 

قال: "لم يكن ثمة قارئ قبلك،سأنسخه لك!

خرجت من المكتبة، ليشدها منظر احد المتسولين، لكن احدهم يشبه متشرد تشابلن الصغير، ويجلس معهم ثلاثة اطفال، مفترشين الرصيف بمعاطفهم، أحدهم يلف لفائف التبغ، والاخر يغلي ابريق الشاي على الأرض، والصبية يلعبون حولهم، بدا المنظر مضحكا لجميع المارة، يظنون انه مشهد هزلي لاحد المتجولين

لكن عندما اقتربت وامعنت النظر فيهم، تبينتهم، حتى في وسط حالهم الكسيف هذا ما زال يشرب الشاي استقراطياً، والثاني يدخن السجائر وهو يحاول جمع بقية الأخبار، ركضت اليهم وهي تحمل الدمع معها، ركضت كمها عرفت يقيناً أُمها، 

ركضت..

 وطار شالها

 وسقط منها الكتاب

 وصرخت بلا صوت

 فالتفت لها وقلت:

هيلين!... هل تريدينه بحليب ايتها الإنجليزية الغبية؟ - مع ابتسامة غامرة اعترتني - 

لكنها تعلقت بي تعلق طفلة بأبيها، وطفقت تضربني على كتفي وراسي وهي تضحك وتبكي معاً، وانا احاول انزالها عني لكنها تتمسك بي اكثر، مستمرة بضربي، والاطفال حولي كسناجب أو قنادس النهر ينظرون باستعجاب علينا

انزلتها واجلستها وهي تسمح دموع فرحها، واحضر لها بطانية وضعها على كتفيها، وقدمت لها شاي ساخن،وجلس الصبية حولها يلعبون بشعرها، وعندما استجمعت قواها،واشارت للجريدة التي يحملها نيلس، لتكتب عليها قولها:

"آسفة لقلوبكم أيها الأصدقاء، لكن هذا البعد قد كواني بناره، وبنار البين هُدَّ كياني

لم تكونوا معي عندما رأيته يخر صريعاً، وقد اختنق صوتي، وكان يقول: كنت فاشلاً بعد كل هذا، ولم أسبب لكم غير المتاعب، وهذه النار التي في داخلي لم تدفئ أحداً، والذي يفهمني رحل، وبقيتي والدافع لي سُرِقَ مني.

خر صريعاً وسرق صوتي معه، لكنه ولم يبقى لهذه الحياة أي معنى فروحها قد رحلت!

سادت لحظة صمت داخلي ببرود جوف الإنسان المصاحب لبرودة المكان، وجمود للمشاعر، وكل ذلك الحُطام الذي في الداخل يصمت!

فما كان مني الا ان وضعت كأس الشاي على الأرض، وجذبتها لاسفل صدري - كانت راكعة على ركبتيها - وربت علي كتفها وهي تبكي، قلت: الانهيار هذا لا تسعة كلمة، ولا يواسيه الا صديق

لكن آلبيرت أورثنا هذا،ليست مأساة الرحلة خلف رغبته بإماتت كل ذكرياته القديمة،لكن في أننا عرفنا أخيراً إلى أي مدى كنا نحتاج أن نكون بالقرب ممكن يحتاجون إلينا - وجعلتها تنظر إلّي - ونعم هو لم يكن يحري خلف ذلك القطار الا كي لا يبكي حسرة،ولكن نحن نرث له ثأره، وقد نُجّينا من موتٍ مُحقق

- هلا احتسيتم الشاي وسكتم لكي نتفرغ لإسكات هولاء الاطفال المتطلبين؟ 

- هيييه! اسكت! وكأن لا شيء يعنيك هُنا!قلبي ينفطر عليها وعليهم.

 ... ومر عابر سبيل رأى انهم كومة بشر متجمعين حول بوميل مشعل نار عليه ابريق شاي فقال:

 "اترغبون بغطاء لهؤلاء الأطفال؟او للبكماء؟أو لكما؟ بطانية؟إحرام؟"

انت بائع؟ - قلت له

 قال: لا عامل نظافة اجمع البطانيات التي تلقى على المحكومين، لا ادري يا سيدي لكني قدرت انكم تحتاجونها!

 - محكومين؟ - قال نيلس باستغراب! 

قال: نعم محكمة الثورة المتجولة، انتظر انهم هناك عند ذلك الضرير، ذلك النائب العام، والقاضي بينهم، وتلك هي المدعية، و..

 - الشقراء؟

قلنا سوية ونحن ننظر لبعضنا: أهي هي؟

 قال الرجل، لهذا من قرابة اليومين تقول ان لها اطفالا اخذوا منها عنوة، وتريد استعادتهم باسم الثورة العادلة، والان يا سيدي تريد بطانية؟

 - دع ثلاثة أغطية وانصرف!

 ..

 والان ماذا نفعل؟ - نيلس يسأل

 قلت له: لا شيء!

 - لا شيء!

 - نعم لا شيء، واغلِ الإبريق!

الاول من يناير ١٩١٨م

 صباحاً

 أتت المحكمة الثورية!

 نصبت طاولة عريضة جلس القاضي في منتصفها، وحولنا وضعوا الواح خشب كانها قضبان،

 وعلى زاوية يسارنا وضعت منضدة النائب العام،

 والعكسر محيط، 

والجموع كالعادة اتت فقط للفرجة، من التالي، بطانية من ستؤخذ، وكان بينهم هذا العامل وكانه يتلهف لها

صدى صوت بعيد....

 "بدأت المحكمة"

 القاضي: باسم الشعب افتتحنا الجلسة،،

 المدعى عليهم نيلس و... محب الشاي!

 قال نيلس: الشاي الانجليزي!

 القاضي: صحح يا حاجب! الشاي الإنجليزي!

 اسمك؟ - اشار إلّي

 قلت: انا اسمي محب الشاي! 

النائب قال: الانجليزي يا سيدي! 

القاضي: الانجليزي!

 اكتب يا حاجب:

بما ان الحكاية ليس فيها اسمه، تكتفي المحكمة بلقب محب الشاي! 

نيلس: الانجليزي!

 النائب: انجليزي! 

الحاجب: انجليزي؟

 القاضي: اه الانجليزي!

 عمرك: انا عمري من عمر هذه الرحلة التي ورثني اياها صديقي! عملك: راوية! 

الدعوى!

 وتقدم النائب العام ليلقى نصها…

مولانا القاضي،يا سيفَ عدلٍ مسلطٍ فوق رقاب العُصاة، يا شمساً تضيء بنور حق القانون الذي الذي أشرق به منقذنا،يا من يريح خواطر هذه الجموع،وباسمهم افتتحت الجلسة!

ولهذا هنالك حق عام وخاص على هؤلاء الموتورين،الذين اختطفوا أبناء هذه السيدة الصربية المسكينة،ميلفا، بدعوى أنهم أولى بهم منها

القاضي:ما تقولون؟ 

نحن! - تحدثوا واشارت لهم

 القاضي: فليتحث الراوية باسمكم، ما تقولون؟

 - لم نخطفهم!

 القاضي:المدعية!

 المدعية: طرقوا الباب يظنونني إمراة يعرفونها،فلما فتحت عرفني هذا الذي كان يتكلم،وسألني عن هدف وجودي،فاخبرته ان الاولاد يرغبون برؤية ابيهم،ولهذا اتيت بناء على رسالة منه

وكان قد ارسل لي أن آتي الى هنا قبل نوفمبر العام الماضي، قائلاً لم يكن لك الحق أخذ الأولاد، ومددتها لهم، قرأها بحنق، ثم دفعني وأخذوا الأطفال مني عنوة وافترشوا الطرقات، وهرعت إليكم لتنصفوني.

القاضي: لم فعلتم؟

- كان يقول دوماً "لم يكن عليها ان تسرق مني عائلتي، وقد قال كذلك

ولم نكن حينها نعلم انه ميت، لكن رأينا من واجبنا أن نحقق لصابنا ما يطلب، عائلته!

مااااات - صرخت ملفا! 

- آلآن تبكينه وقد كنت أنت السبب في كل هذا!

 - اصمت! لم استطيع تحمل هذه الحياة القاسية التي كان يفرضها، وكان جل وقته مقسم بين العمل المكتبي، وساحة المدينة، لم نكن نطلب الا حضوره

- ايتها البلهاء! وتظنين انه كان سعيد بهذا، كان يبدي لنا امتعاضه من هذه الحياة ايضا، اذ ان كل وقته منصرف لرفاه العائلة واذا عاد لم يجد سُكنى الا من صخب تعبرين به لوماً وتقريعاً،....

القاضي: سكوت! اي حديث مبذول خارج اطار هذه المحاكمة سيعاقب صاحبه بالحبس!

اين الشهود؟

- شهود؟

القاضي: من أنتم؟

- الشهود!

القاضي: لكن أسمائكم ليست مدونة! فقط متشرد اغطية المعدومين، وحارس البناء، والمتشرد الأعمى!

والاعمى أيضاً - قال نيلس!

- ولكن نحن نرغب بالشهادة!

الادعاء العام: لا ضير في حال توافقت الشهادات على متن واحد!

القاضي: تقدموا بالشهادة! 

الشهود: اتو كاستقراطيين لمقهى مقابل البناء وصعدوا بعد سؤال الأعمى الذي أفاد بسُكنى شقراء في هذه البناء لا تشبه هذه البكماء في شيء الا في ذلك اللون،ثم لبثوا ما لبثوا من وقت عندها، وخرجوا ومعهم هؤلاء الأطفال كأنهم مشردين حتى اتتهم البكماء وكانت وكنتم وكنا.

القاضي: وتقر يا حارس البناء؟

أقر!

القاضي: بم تدفع؟

- بلى، عندما اطلت من طرف الباب عرفت انها مليفا، ليس لاني رأيت مقلة عينيها المتأرجحة رهبة، ولكن لأني سمعت صوت هانز وادوارد، فعلمت انها هي، فصرخت في وجهها لانها هي سبب كل هذه الحكاية والرحلة المرهقة.

القاضي: تقر اذا!

- نعم، لكن ليس بدافع الاختطاف والحرمان، وانما نحن نرث ارثه ونحن اولى الناس بمن خلّف خلفه، وكنا حينها لم نرى هيلين ولم نكن نعلم انه قُتل!

والان زاد اصراري برعايتهم، فأم كهذه الام تأتي لأرض حرب معها أطفالها ليست لديها اهلية الرعاية!

ميلفا: اقد تبعثرت كل التناهيد في داخلي...

- اذا كنت انت تقولين هذا فما نقوله نحن؟ خسرنا كل الأشياء من اعمارنا وارواحنا وليتنا تحصلنا على شيء واحد يتيم نُسهد به، فقط محاولة فاشلة لاستعادة شيء من ذكرى قديمة!

صوت المطرقة جلجل المكان المفتوح!

القاضي: النيابة العامة؟

النائب العام: حضرت القاضي، حضرات الشغب الموقر، الدوافع هي الأساس، ثأر قديم أو انتقام لجرم متوارث، او مسألة قديمة لم تتم تسويتها، وعليه هم وضعوا انفسهم في مرتبة متساوية مع طليقها الهالك، وعليه القضية فيها من التفاصيل ما يستحق ان يقال وان ما لا يقال، لكن دوافعهم هذه فيها تمرد خفي لنكث الجراح المندملة، وعليه لابد على المحكمة أن تحكم عليهم بجد، وتربيهم!

- أنحن في محكمة أم أصلاحية؟!

القاضي: أصمت!

حكمة المحكمة حضورياً حكماً نافذاً غير قابل للنقض، أن يتم جلاء الراوية للجولاك، وكل من شاركة في هذا الجرم، والبقية يتم ترحيلهم مع الأفواج المطرودة، ويعاد الأولاد لأمهم!

"ها نحن اضعنا آلبريت مرتين يا نيلس"

"هيلين اسمعيني: احتفظي بما تبقى من هذا هُنا وأنتي تعودين لمنزلنا القديم في برلين، سأكتب لك العنوان في هذه الورقة، وأروي هذه القصة لكل من ستشاهدينه، لبتقى الجراح مشتعلة، وأنا سآخذ حزني وحزنك وأرحل مغلفاً اياهم بالذكريات، ودعي معك هذه، يومياتي عندما افترقنا، ضميها مع ما بقي معك من بقية البقية، واكتبيها كانها قصف الرعود على المحيط الشاسع، ولا تقلقي، إن لم أرجع، سترجع لك الذكرى يا هيلين"

" نيلس هل ستأتي معي؟ "

" وهل عندي خيار؟ "

والتف الجند وقيدوهم، تشبثت هيلين بهم، ولكن القاضي طلب منهم ان يبعدوها وان يحضر هؤلاء الغجر، للعربة!

نفض منه يديها واسدلها، ومسح على رأسها وتركهاوهي تمسح عينيها، وكانت تنظر اليهما وهما يصعدان العربة والطفلين ينظران اليهما، وبدأت العربة تختفي في صفحة الافق الممتد وعندها ارعدت السماء مؤذنة بهطول المطر ليغسل ما بقي من ركام هذا المكان المبعثر.

وقد كان، كل شيء بدأ يرتفع من هذا المكان وكأن شيئاً لم يكن، ورأيت ميلفا تصعد مع الأولاد، عائدة، كل شيء بدأ يعود بعد توقف المطر، كانت نهاية آخر ساعات النهار الطويل الممتد، لم تكن تعرف إلى أين إلا من طيف ذكرى قوله: "منزلنا القديم في ببرلين"

وبدأت تشعر أنه لشيء شاق أنها تعرف وجهتها لكن في ذات الوقت لا مكان تذهب إليه!

هل أنا الآن في عزلة؟ وحيدة؟ كل شيء قد ابتعد حقاً واصبعت في مكاني الخانق لوحدي بلا صوت يُردد!

ولكن لابد لي من استجمع قواي، لكن الراحة من يوم مضني ضرورية. 

عادت للنزل الذي كانت فيه وجمعت حاجياتها، ومن داخل جورب قديم معلق عند النافذة الشرقية اخرجت منه مائة روبل، ومن ثم دخلت في نوم عميق طيلة اليوم.

عندما استيقظت تحهزت بعدة السفر، وارتدت قبعة آلبيرت السوداء، وأمالتها قليلاً، ونزلت لتطلب أجرة تقلها لمحطة القطار. 

- الوجهة؟

- برلين!

وصعدت المقصورة كمهاجر يبحث عن ميلاد جديد!

فيديو

كان القطار يعبر الكثبان الجليدية وبخار الماء المتصاعد، والاجواء الملبدة، كان يخرج من هذا المكان خروج الجنين من رحم امه، لينقطع اي ارتباط بها الا من رابطة دم تجمعهم، كان للدم دم آلبيرت الذي سال، ورقاقه الذين اختفوا داخل قتامة اللحظة ولم يعد ترون على مد البصر، دخلت هيلين في حالة استرخاء لتفكر بعدها في فتح هذه اليوميات التي بين يديها لتقع عينيها عليه عندما قال بُعيد نجاته من الاعدام:

"الشيء الوحيد الذي كان جميلاً في ذلك السجن القاتم كأنه حلم الخروج قد أغتيل!

كأحلام كثيرون مروا معنا في الحكاية.

علمت حين رأيته أني أُولد من جديد، وبذات الذهول"

دخلت هيلين في نوبة بكاء تحاول كتمها، حتى دخل مفتش التذاكر فبدأ بتهدئتها وتقديم عصير الليمون لها حتى تهدأ... 

وما ان هدأت حتى طلبت ورقة وقلم، لتكتب له:

" انا لا اتحدث الا هكذا، فقدت صوتي في حادث مؤسف، فترفق بي حتى أصل"

فاومى براسه وصار لها كالقرين يخلص لها حاجياتها طوال رحلة الألف ميل هذه

في اليوم التالي شرفت على مدخل المدينة المنهزمة، والناس تريد تغيير الحزب الحاكم الحالي، والصحف والمنشورات السياسية تلقى في الشوارع والأزقة، ولكنها تتبعت الطريق حتى ذلك البناء القرميدي القديم، وصعدت الادوار ومعها الحقائب، والمذكرات، وجلست تتأمل الغرف:

بقايا من حقائب كاميرات وعدة تصوير تشبه ما كانت في ذلك الكوخ الذي تهشم

صحيفة بجانب فنجان شاي معنونة بـ "الامبراطور الالماني يعلن الحرب على الزار الروسي"

وبيانيو عليه نوته لباخ

وجدول رحلات القطار إلى القرم

لكنها جلست وقد ارتاحت من وعثاء الرحلة الطويلة، استحمت واسترخت، واشعلت سراجاً قديماً وجلست على الطاولة وفتحت المذكرات امامها، حتى تجمع اول الحكاية وما شهدته منها وما بقي منها، ثم بدأت تكتبها لتروى من جديد لمن سيشهدونها ليرونها من بعدها. 

كتبت:

" شاهده وهو يبكي وانحنى له تحية من شخص عظيم لهذا القطار الذي غادر برلين متجهاً إلى سويسرا.

لم يكن يعرف كيف يرتدي القبعة، ولا حتى تنظيم أي شيء يخصه،لكنه يستطيع فهم اي شيء منظم.

منذ أن تركني لكي يلحق القطار لعله يدركه وانا لا ادري اين ذهب.

لم يبرق لي ولم يراسلني

 لا زلت انتظر

 نسبياً.... كانت دونها بعدما عاد نيلس من اللحاق بآلبيرت عند محطة القطار، أراد ان يوثق اللحظة التي فزع فيها لرحيلها بعائلته.... "

وجلست في خضم هذا التدوين حتى طَلُعَ الصباح، فشعرت بالتعب، لكنها نزلت للدكان اسفل البناء القرميدي لتبتاع بن للقهوة، وعند المتجر، رأت رجلا اشعت الراس يرتدي قبعة سوداء مائلة يبتاع تبغ غليون، تملكها سعادة غامرة، وجذبته، لكنه دفعها وهو يضحك ويقول:" لعلك اخطأتي الرجل" فلما رأت وجهه، طلبت اي شيء لتكتب عليه، فناولها مسودة لمعادلات رياضية، وإعطائها قلما، فكتبت:

"انك تشبه رجل اعرفه، بدوت لي مألوفا جدا، ولك عادات تشبهه، اعتذر، كان يدعى آلبيرت!"

قال لها:" وهل يشبهني ايضا بالاسم؟!"

كتبت:"وانت أيضا تُدعى آلبيرت؟ "

رد:" آلبيرت آينشتاين!"

كتبت:" هل اعمل عندك؟ كنت أعمل عنده سكرتيره، لعلهت تكون اخر رغبة لو علموا انها عندي لشكروك لذلك؟! "

قال: لكن إيسا زوجتي تغنيني عن ذلك!

امعنت بالترجي فوافق، وقال لها:" لعلي احتاجك فب اتمام اوراقي للرحيل من برلين للولايات المتحدة، فهنا حتى المكان يلفظني بعد الحرب"

داخت في مكانها وهي واقفة فمسكها، وسألها ما بك؟

كتبت:" رحلة اخرى ومعك انت أيضاً، لعلها هي النهاية هذه المرة!" 


تمت

الأحد، 18 أكتوبر 2020

لينور

تنويه: "ما بين الاقواس مقتبس ممن الهمني هذا النص" 


لينور:

"مبتلة جدًا من البكاء رغم جفاف عيني .....لا أحد ينقذني ! من حولي موتى... أخوتي يغرقون معي قهرًا.
كنت أرغب بالرحيل ولم أكن استطيع تميز ماهية الرحيل؟ ...كنت أظنه الموت ولكن أصبح الرحيل من نزعة الحياة والاستسلام لاي الشطين يجرفني الموج الكبير؟"

- قد قلتيها يا لينور، لأي الشطين يجرفني الموج؟ 
حقيقة لا أعلم، لكني دوما أجد بين ثنايا كلماتك فراغات تستحق أن تُملى، وعندي لكل نقطة فيه تتمه!

لا أحد يبتل من البكاء حقيقة، لكنه إيذاناً بأن الساعة قد أزفت للاشتعال، لكن لا عود ثقاب يشعل هذه الحقول التي جففتها الشمس، فتظل تحت وطأتها تموت قهراً.
تظنين يا لينور أن الرحيل نجاة، لكنه مع الأسف هو دخول في دوامة جديدة من غرف الأبواب، ولا تحدين لها من ينزعك، حتى عمرو لا تسعفه ولا يدك معه! 

أظن أن هذا الموج الهادر يقترح أن تأخذين حزنك معك - وإن رحلتي - لأنه هو مخزون الغضب القاصف كالرعود ليعطيك خطوة باتساع الوجود ممتطية صهوة النشيد! 
نشيد غراب بو الذي حبسك داخل الصورة في بهو المنزل! 

"لقد قتلت فرحتي وشكرًا"

- هنالك دوماَ صباحٌ جديد وساعي بريد وبرتقال وليد! 

"مشاعر كره كبيرة لهذا المنزل وارغب بالرحيل"

- إلى أين؟ 

"ساعدني؟"

- خذي وجهك أولاً! 
أنتي لم تفقديه، لكنك احرقتي كل تلك الذكريات الملتهبة، كتلك الحقول التي جففتها الشمس،خذي وجهك وإن أردتي الرحيل فأرحلي، فما هو الا حزنك الذي يلتحف اناشيدك فيه، تبدينه للصغير الذي كبر يوما بين عينيك، وسيغفو بعد حين... 

" طفونا، لا الدفّةُ تدري أين؟ ولا أوتنابشتم، والمركبُ سكرانْ
 يا إينانا.. كيف نعودُ لأوروكَ، وقد دمّرها الطـــــــــــــــــوفانْ
تتهادى فينا اللجةُ تلو اللجة، شـــــطآنٌ تطوي شـــطآنْ
ما كنا نحسبُ أن المنفى سيطولُ، ورحلَنا لمْ تجنِ غيرَ الخســرانْ
فتعالي؛ يكنِ الشعرُ لنا وطناً، والحبُ، الناي، الكأسُ..
وما أجملها من أوطانْ"

- دعي عنك هذا، واتركي الغراب يطير من النافذة يا لينور، واحبسي ادجار الان بو في صورتك! 

الأربعاء، 16 سبتمبر 2020

عندما حذفت الرسالة

كنت استريح من وعثاء يومي، بعد ليلة سمر جميلة مليئة بالاحاديث العائلية والذكريات المتنوعة المتداخلة المتضادة، في غمرة القرارات المصيرية، رحل كلاً من الندماء يصيب بعضاً من الراحة، وجلست معه ننظر للتلفاز...
- "تبي نطلب شيء؟"
- "سلامك!"
واخرجت هاتفي لكي اطلب من أحد تطبيقات التوصيل، ثم دخلت لأحد مجموعات الرسائل، وقد كُتِبت رسالة لكنها خُذِفت ساعة أن دخلت، مما دفعني لسؤال صاحب العلاقة عن فعلته الشعناء... 
- لم؟ لم اقرأها! 
- ايهم؟ 
- التي كانت في مجموعة الرسائل؟ 
- ههه شعرت انها حمل، دعها مجهولة، لكن تأكد قد كانت ايجابية! 
ثم شرعت في تجهيز أحد حلقات المحقق كونان... 
- أتدري أني الأن منهمكة في متابعة أفلام مارتن سكورسيزي، أنت تحب أفلامه صحيح؟
- ماذا شاهدتم له؟ 
- رفقة طيبون، سائق التاكسي، ذئب وول ستريت، كازينو، للتو بدأت مشواري معه، ماذا تنصح؟ 
- الثور الهائج وملك الكوميديا... 
- جميل، أخي أيضاً امتدح لي ملك الكوميديا
- ممتاز جدا، ويصلح كفاصل بين مجموعة الأفلام السابقة وبين ما بعدها، وبعده الثور الهائج ثم الشوارع
- شكراً قد رتبت أولوياتي هههههه، أتدري أحببت سرده للشخصيات، وكيف تمضي معه في خط معين، وترى تطورها شيئاً فشيئاً، ممتعه هذه الرؤية، كل هذا لأجل أن أفهم أسلوبه، وأعطي الإيرلندي فرصة! 
- الإيرلندي 💔
- استأذنك... 
رحت أعددت كوب شاي، وجلست أستعيد مشاهداتي مع الإيرلندي..... 
So before the light
Hold me again
With all of your might
In the still of the night


الأربعاء، 9 سبتمبر 2020

حقل الزنبق

لم تأتي أغنيتي لترسمني رمادياً في هذه المسيرة..
الذكريات وراء ظهري، ولا أرى أمامي إلا زنبقة ملتوية تثير الريبة تنمو وتتفتح... 
هذه زهور لا تريد لها أن تنمو في حياتك، لأنها تجعلك تدخل في حالة كانها قوقعة الحلزون، ملتوية هي الأخرى... 
أحياناً تحتاج منك السلوى جهداً حتى تدخل إليك، لانها تعلم أن أبوابك قد رصف أمامها هالات كالأسوار لا تستطيع سلوى ان تلج إليها، وكانها ضوء شمس لا يجد له نافذة للدخول للمنزل...
لكن من الجميل أن يحيط بك الناس، لكنك لا تستشعرهم الا وكأنهم في عقلك الباطن، كخلفية في مشهد سينمائي، لأنك تشعر بحقل الزنبق يتكاثر، وسلوى خارجه... 
لكن قلبك يتسارع بالنبض اذا شعرت وكأنها حرب، لا تترك لك حال ان تفكر في التالي، لكنك تترك كل شيء متكلا وأن الله سيكون لك هو المعين

الاثنين، 7 سبتمبر 2020

أيا هيَ، وأنت من تكون؟

كانت حرف نداء في فمي، كلما غلبتني سكرة الفكرة، ناديتها، لكنها لا تجيب هذه البنت!
تحسبني في حالة هيام؟ لا، لكن الأفكار تحوم حولك كبنات آوى تظهر لك من الحُسنِ حتى يختبل عقلك سكراً من حسنها، ثم تنقض عليك كالشاة القصية إن لم تصطادها قبلاً!
وإذاً فأنت لا تناديها إلا لتناجيها، وعند المناجاة يحلو التبسط في الحديث، تحت جنح ظلام الليل الطويل، وتخيل فقط لو كان مقمراً.... الله! ستتمنى لو ان الموصيلي يضرب عوداً وأبي نواس غلبته سكرته وقال غزلاً لا يمحى.
فإذا أقبل الصبح ونادتك بذات النداء فقل:
هل عرفتني الآن؟ انا كاتبك الذي سيصوغ لك كل هذه الاختلاط في هذا التدفق من الأحاسيس التي تغلفها حكاية قشرية، وأنتي أنتي بالنسبة لي، فكرة أغرب باصطيادها، فكل الافكار بناتي، وهن يخطبن ودي!

على كرسيين متقابلين

أُتِيَ بكرسيين ووضعها عند الشاطئ
أحدهما يتخلله الماء والآخر يطل عليه
جلست وجلس
اخرجت ورقة وزعمت انها صنعت وعداً، لكنه أزاح عن كل الخواطر ما كانت ترسو عند شواطئ قلبه
فرفعت ورقة ثانية، تزعم أنها مرفأ مهجور، لكن لم تكن عنده سفينة لترسو
أخرج هو قلباً ينبض، وأشار لثقبٍ فيه
تحسست الأمواج تحت الكرسي، وأن ورقة المرفأ أشعلت نور منارتها، لكن النور لم يجد من يصطفيه
لان الصمت الذي عم المكان لم يعد ينفع معه صوت
فالوقت قد فات على كل هذا... 

الأربعاء، 2 سبتمبر 2020

MGS V: ‏TPP ‎- ‏E3 2014 ‏Trailer ‎- قلبٌ مُنكَّس!



MGS V: TPP - E3 2014 Trailer - قلبٌ مُنكَّس!




وقفة العزاء فارغة هذا الأحزان محضة قلبك الواحد لا يسع الا لشيء واحد لا تحاول أن تكون ملاكاً أنت شيطان!

عندما تملأ فكرة ما قلبك - كالإنتقام مثلاً
تندلع النار - في صدرك - لتتنفس ولسان الحياد يخرس!

وهذا الغضب العارم؟ لماذا؟
هي فكرةٌ واحدةٌ وبطريقتين مختلفتين، فما الذي يجعلك صاحب الحق دون الآخر، أنه معيار القوي يا صديقي!

كل أؤلائك الأشخاص الذين عرفتهم في رحلتك الطويلة أو لم تعرفهم، كانوا ينسجون وإياك سيرتهم وسيرتك معاً، كأنها شبكة الصياد، أنت محكومٌ فيها وبها، من غير أن تدرون، ولكن تشعرون بذلك، وكأن في الأمر فخٌ أو خدعة ما ...

فتستمر أنت في الهروب من فكرة لا تموت، ولكن الأشباح تطارد الهارب، وأوجاعهُ الكثيرة تزداد، لا هو يحيا ولا هو يموت، فالمواجهة - وإن كانت بقلبٍ خائفٍ - أجدى، فكل الشجعان حتى الشهداء يخافون، أما الجبناء فلا يحملون أي خوف،





أيها الشقي التعس، لا تبدو حزيناً هكذا،فرفاة الموتى هذه تعرّيك!
فلا تزيف أي صورة لك؛ فظلالظ تُحبس داخل هذه الصور من جديد، ففي كل مرة لك معها حكاية،

فلا تبكيهم ولا تتشبه بهم، ولا تتلقط آثارهم كأنها بقايا لشيءٍ مقدس؛ أنسى ذلك هذا لن يكون، فقد خُلِقتَ للهروب، جوالاً ينتقل من مكانٍ لآخر، لا يعود مطلقاً لذات المكان؛ فكل البقع التي زرتها ملطخة بالذكريات المريرة!





أنت بينهم الزعيم، ليس كأفعى ولا حتى حرباء لا تجرؤ، أنت مجرد فاقد لذاكرته غضبان أسفاً على ما جرى، وأي أسف؛ أختياراتنا هي ما يحدد مصائرنا،
ما تفكر فيه الآن هو شيء تشوه في غبار الكهوف والمعارك، وتبعثر في غياهب الحلم والفكرة، فهل يجتمعان؟
إذا كيف تحلمُ أو تتغنى بمستقبلٍ وأنت تكبرُ بقلبٍ مُنكَّس؟




فهل كان الأمر يستحق كل هذا العناء؟



حرر في 13 يونيو 2014م
الموافق 15 شعبان 1435هـ
من صباح الجُمُعة
الساعة 8:11
المكان: غرفتي


METAL GEAR SOLID V: ‏THE PHANTOM PAIN Trailer ‎- لا نريد له أن يموت!




~ مقدمة لابد منها :

تم تفسير تعبيرية الصورة بتعبيرية اللغة لأوصل للقارئ ما استقر في نفسي!


انا بديت بحوار ? what about him واستلهمت كلمات الاغنية " الكلمات التي بالارزق " كفحوى نص اعبر فيه عن حالة استقرت في ذهني بعد رؤية التريلر واسير بالحديث مع تصاعد الاحداث واللحن والاغنية
وجعلت فيها اكثر من مخاطب مرة كأني انا المتكلم ومرة كانه كوجيما يتكلم عن طريق الاغنية ومرة كأن نحن كجمهور نحن المتكلم واستخدمت لذلك الضمائر واسماء الإشارة وحروف الجر تلاحظونها تحديدا في نهاية الموضوع مع صورة الدراجة النارية وصورة الإفاقة من الغيبوبة (عندما فتح عينيه) بالذات جزئية المخاطب حيث كان اكثر من مخاطب فيها اختيار الكلمات الي ساعدني فيه المامي بجوانب الشخصيات واللعبة وبالتالي اسقط الحدث عليها إضافة إلى أني كتبته - اقصد التدوينة - بعد مشاهدة كاملة للتريلر، أي أني ما مسكته فقرة فقرة تحليلية بل انطباع عام وجداني للمقلب الذي قدمه لنا كوجيما

الفقرة الاخيرة هي الي تكلمت شوي فيها على الاعلان لما قلت ان قراوند زيروز افضل لكن هذا قدم لنا مثل الـ "الكاتش فريز" لأمور كثيرة عن اللعبة ويذكرنا بها كانه يقول يمكن كذا او كذا او كذا ولكي اوصل لك انطباعي بجمال الاعلان استخدمت اللغة التي ستقرأون وتشاهدون
ممكن مرهقة او تجبرك أن تقرأ اكثر من مرة لكن تدخلك لعالم آخر


كُتِبَت هذه الكلمات في الثلاثين من مارس لعام 2013 ميلادية في الساعة 1:27 من صباح السبت بعد صدور هذا الإلأان عن جزء فانتوم بين بعد أعلان موبي ديك الخدعة!


~~ ~~~ ~ ~~~ ~~
~~ ~~~ ~ ~~~ ~~


METAL GEAR SOLID V: THE PHANTOM PAIN Trailer - لا نريد له أن يموت!







- ? what about him
- ماذا عنه؟


~~~~~~~~~~


قد لا نبدو أناساً لطفاء
قد نبدو زائفين
ربما كل شيء كذب
ربما لسنا لطفاء
شيء ما فيك
فقط تمعن!

ماذا عنه؟
وماذا عنه؟
هل سيموت؟
هل نجى؟
لا يمكن!

منذ قليل فقط كنّا نتقاتل هنا معاً عند مهبط الطائرات، لأجدني أنا وإياه في هذا المشفى!
لتقول لي أنه دخل في غيبوبة!
مدة تسع سنين!
بهذه البساطة!
هل خُدعنا!
أم استسلمنا لكذبة هذا العالم الذي يتحرك بواسطة أشخاص ينجون دائماً من موتٍ محقق!


~~~~~~~~~~





نحن لسنا أناساً لطفاء
لا نريد أن نكون مثلك
نريد للحياة أن تمضي

لابد للميت أن يصحو صحوته الأخيرة ...
كما لابد للمريض من أن يهذي ...


وهذا ما حصل لجاك المسكين!
كُل تلك الهلاوس وتلك المعاناة وذلك العالم الغرائبي .. حوتٌ يقفز وخيلٌ تسير .. وحتى النيران تتكلم، كأني أعرف هذا الرجل قبلاً ؟!
ولكن الحرب لا ترحم!
ليأتيني الطبيب ليقول لي:" كُنتَ في غيبويةٍ فقط تسع سنين! "
فقط!
ليس بالوقت الطويل!
قليلاً؟ ... ربما!


~~~~~~~~~~





جئت قبلاً وأنا نائم
جئت لترى كل هذه الضجة
وعندما استيقضت بدأت بالضحك
كل تلك الطرائف حولي صعب تصديقها!

أيها الطبيب .. أيها الطبيب ..
قد فتح عينيه أيها الطبيب!لا نريد له أن يموت أيها الطبيب ..
ففي ذهنه أسئلة كثيرة تتفتق عن تسع سنين!





~~~~~~~~~~


مع تصعيد إحتفائي للموسيقى، تتحطم أسوار الكذبة!
ونحن الذين بكل جوارحنا صدقنا الكذبة التي علمنا سلفاً أنها خدعة!
لكننا نريد أن نخدع؛ لأننا في الأساس نهيم في ذكرى قديمة لمطور عظيم ومحارب عتيق!
مع سينمائية شديدة، وإضاءة كأيقونة شعرية، فجّرَ كوجيما كذبتهُ في وجوهننا وطارت كما طار جسد بطلنا أمام أنفجار المصعد في الردهة!
" أسستيقظوا أيها المجانين؛ ... كانت مجرد فكرة عابرة ،، تحققت! "
فهل استيقظنا؟

كوجيما بهذا العرض جعلنا نتذكر عدة أشياء رماها لنا في الخلاط على وجوهنا،خذوا .. ..

مع الفارق بينه وبين عرض جراوند زيروز ( والذي هو لصالح جراوند زيروز ) إلا أن هذا العرض به تصعيد بزخم لكل ذكرياتنا التليدة مع اللعبة أحضرها لنا شخص سينمائي الهوى.


~~~~~~~~~~


نحن لسنا أناساً لطفاء
لن يتحكم بنا الشيطان
لن نحتقر!





بل سننتظر
فأنتظر؛ إنا معك منتظرون!



Metal Gear Solid: ‏Ground Zeroes Trailer ‎- ماذا أقول ؟!


~ مقدمة لابد منها:

هذه تدوينة إنطباعية...، بمعنى:
وهي ليست نقدية بحتة بالدرجة الأولى، إنما أنا صغت حالتي التي شعرت بها عن طريق الإعلان، ووضفتها لأعبر عن اللحظات المؤثرة في الأعلان،
أي أنه تسليط ضوء على عمل المخرج، وإن كان بطريقة غير مباشرة،
على القارئ والمشاهد والمطلع لكل عمل فنّي أن يكون لماحاً ولا يجب أن يحصل على كل شيء بمباشرة فجة.

كتبت هذه الكلمات في التاسع من مارس لعام 2012 ميلادية, في الساعة 02:58 من صباح ذات اليوم، في الوقت الذي ظهر فيه إعلان جراوند زيروز للعيان،





-- --- - --- --
-- --- - --- --


Metal Gear Solid: Ground Zeroes Trailer - ماذا أقول ؟!





هه ..، حقا ؟ وبكل هذا البرود ؟!

~~~~~~~~~~

في ذلك اليوم العاصف، أتى ذلك الطارئ الغريب، أقتحم علي شاشتي، غرفتي، بكل جبروت، وألقى بمسجلة بها شريط، وطلب منّي أن أنقل تحياتي لرئيسي!
كُنتُ أنا ذلك الطفل السجين، ذبتُ حتى أخمص قدمي في ذلك المشهد، أحسست وكأني أحد حرس ذلك المسخ، مع أني كنت قبل قليل سَجينه!
وقد كان يوماً عاصفاً ماطراً! مع كل تلك العذابات!

ثم تبدأ الجوقة:

- على ضربات البيانو -

طن طن طن طن ..
طن طن طن طن ..
طن طن طن طن ..
طن طن طن طن ..

ثم تبدأ بالتصاعد؛ ذاك العبق الكلاسيكي من سمفونيات العبّاد، وحتى أولائك الموسيقيين الذين لا يجدون لذة الحياة، وما أن تبدأ الجوقة بالصدوح، حتى تغدو أغنية كَنَسيّةٌ عزائية أحتفالية، تقف بإجلال أمام أولائك الناس الذي قدموا حياتهم لأجل ما آمنوا به!

Here's to you,
..Nicola and Bart Rest forever here in our hearts
..The last and final moment is yours
!That agony is your triumph

نحن هنا لأجلكم ،
نقولا و بارت أبقوا للأبد في قلوبنا هنا ..
اللحظة الأخيرة في الدقيقة الأخيرة هي لكم ..
ذاك العذاب هو إنتصار لكم !

رباه! ماهذا الأغنية الكَنَسيّةٌ، التي أخذتني من موقعي وألقت بي في غيابت سبعينات القرن الماضي، إلهذا كان ذلك المسخ يقول لذلك الطفل السجين:"أنقل تحياتي لرئيسك!"
أي تحيات وأي سلامات، مع كل هذا الحزن البادي على الوجوه، وتلك الثارات الدفية؟!
هنالك أموراً في الحياة لا تنطفئ!

ثم ظهور تلك الأفعى، ذاك الثعلب، هه ... لقد كبر حقاً، وغدا شيخاً، لكنه لم يهرم بعد؛ الأفاعي لا تهرم كما المسوخ، إنما فقط تزداد حدة نظرتها لذات الحياة، كما المسوخ، كما العظماء.
لكنه وصل أخيراً، ولو متأخراً، لكن الثعالب لابد أن تظفر بصيدها.

~~~~~~~~~~

ها أنا الآن أضع قلمي على طاولتي، وأغلق محبرتي، وأضع سماعاتي على أذني، وأشعل سيجاري، وأردد:

نحن هنا لأجلكم ،
نقولا و بارت أبقوا للأبد في قلوبنا هنا ..
اللحظة الأخيرة في الدقيقة الأخيرة هي لكم ..
ذاك العذاب هو إنتصار لكم !

وكأني بكم تحاولون الكلام عن ما ظهر حتى الساعة! لكن عبثاً تحاولون؛ فـ كوجيما أخرس كل الأفواه!
سيداتي وسادتي، اليأس أحد الراحتين، وأنتظروا؛ فلهذا فقط خلق الله الإنتظار!
 

الثلاثاء، 18 أغسطس 2020

من العزيز إلى العزيزة


تحية طيبة،،،

كم جعلتني هكذا أيام أعرف كدراً من نوع آخر، ذلك النوع الذي يجعلني استيقض في الصباح قبل شروق الفجر، كاذبا بضوئه أو صدق، هذه الأيام سحابتي رعدية تزورك كسحابة صيفية. 
إن كنتي ترتبكين عندما ترسلين لي، فأنا أستعيد تلك اللحظة التي كان قلمي مهك، قلمي ما أسعدك قربي وما أبعدك، ولأننا أعزاء، فنعم هي إجابة السؤال! 
اه ياعزيزتي..ما دمتي تعلمين كل هذا فأنت تعلمين العز الذي يرفث يمعيتي
يا عزيزتي .. إن كنت تعلمين كيف خلقت مجالي في عالمي، فأنت لا توهمين نفسك إن عرفتي أنك أحد تداولاته
"آه ياعزيزي..قد عدنا لتلك الأرجوحة، أتذكرها؟"
تذكرتي أول الأمر ونسيتي آخره؟ 
 تالله إنكِ لفي ظلالك القديم!

تحيات الساعة ٧:٣٠ صباحاً 

الاثنين، 3 أغسطس 2020

عندما وصلتني الرسالة

تمهيد:
الرسالة التي كتبتها هي، كانت من كتابتها فعلاً، ولم يدر في خلدي وخلدها ان ارد عليها، ولم أكن لنوي مشرها، لكن مع تقادم وقت الاختفاء، عدت إليه ونشرته، لسبب:
كنت أريد لنصي أن تنشره هي بنفسها كأنها كتبته هي، حتى وإن زادت فيه أو عدلتله، فكنت متبرعاً بذلك لها، اما ان الرفض غير المفهوم والمبرر كان حليفها فجمدته، وبعد كل ذلك الوقت عدت له وابقيت الوضع على حاله، رسالة منها كتبتها، وردي عليها. 

وقد يكون الامر برمته خيال إلا من رسالة! 
فخيال المرء لذيذ كلذة حياته التي يعتاشها، يتزود من هذا لذاك. 


النص:

كتبت في متنها

"إلى العزيز:

تحية طيبة،،

يعذرني النوم في أوقات متأخرة مؤخرًا فكان يصعبني الوصول إليك رغم وقت فراغي الكبير، لطالما رغبت أن أزف لك أخباري المستجدة لكن جف حبر أقلامي ورسائلي القديمة طواها النسيان. هل مازلت تذكرني؟ تلك الفتاة بعمر عشر سنوات بالقبعة الوردية التي لم تخلعها طول المناسبة الاجتماعية لقد نسيت أنا كذلك من الجيد أنه تم التقاط تلك الصورة لي حينها فعادت مشاعر السعادة لارتدائي تلك القبعة من الخوص الوردي كم ارغب باقتنائها مجددًا لكن كل شيء يهم رغم ماقوله لك أن لايهم لك وتلك ليست بحقيقة. هل تذكر حديثنا عن الحقيقة وماخلف الحقيقة مضحك كيف تداهمني الذكريات أيها العزيز وتتدفق لمدركاتي وتهاجم مشاعري كملامسة الموج أقدامي برمال دافئة. أردت استذكر معك منذ متى ونحن نتراسل؟ ومنذ متى انقطع الوصال؟ وأن كان مازال هذا العنوان؟ فكلما طرأت تكثر الاستفهامات ويهرب السؤال ويبقى الجواب في صفحات مجهولة السائل والمسؤول؛ ألا لهذا تعليل بما جعل رسائلي في درج النسيان! ولما التعجبات؛ لأن أعلم أنت من خبأ السؤال واختار الترحال. 

تحياتي."

فطويت الورقة، ثم اطرقت!
رفعت رأسي وابسمت!
ثم ما إن أردت الضحك متأملاً حتى أحجمت!
فتركتها على المنضدة، وذهبت للبرادة، جلبت كأس ماء ورجعت لمكتبي وجلست خلف المنضدة، وشرعت بعد شرب الماء بالكتابة، فقلت:

"إليكِ تعود، وقد كنت أنوي أن أكتب خلفها، لكني فضلت الاحتفاظ بها، وتسأليني كل هذه الأسئلة، وهن هاتيك الأمور، تالله ما زلتي في ضلالكِ القديم! 
كانت بداية صفاقة السؤال قولك: هل ما زلت تذكرني؟ اونسيت حين رحيلي للرحلة التي ظننتها الأخيرة قلت ما دمت أنت تتذكريني فلو تنكر لي زمني فلا أبالي، فيني دائمة الأسى وقلبي الثائر عليها لا يبالي بهما، ثم كجزر البحر تسألين عن ذكراي لك؟ أفي شك من هذا؟ 
هذا الشكك هو الذي قطع الوصل بين نافذتينا، فلم يجد الطير طريقاً للانتقال، وحتى حتى الحمام الهادي. 
تسألين عن حالي المحتبس داخل غضب عارم كالسيل، رميت بندقيتي في الجبهة التي قاتلت فيها وعدت بغضب لم يفرغه طلقات البندقية التي حاربت بها، اشعث اغبر لم اهزم ولم انتصر، لكن ذكرى محيا القبعة الوردية الخوص هي التي كانت ترسم لي بسمة كابتسام عنترة لما تذكر ثغر عبلة تحت ظلال السيوف. 
ولكني لم اختر شيئاً بالمرة، وليس هذا تعليلاً، لكنها محاولة مني أن أنهي مد النص الذي القي إلي من خلف السور وتلقفته قبل أن انهي هذه الكأس.... "

وفعلاً ما ان شربتها حتى تركت الكأس وشققت الورقة من الدفتر وذهبت لزوجي وقلت؟ ما رأيك؟ أجميلة هي؟ 
فما كان من وجنتيها الا ان اخذت لون الورد وقالت: قد مات بسبب سؤالك فلا تعدها! 

ثم كان الزفاف لثائر يبحث عن ترجمة لنصه المثلوم! 

تمت


الثلاثاء، 28 يوليو 2020

2007 ‏- ‏The Darjeeling Limited‏

في مشهد لمسافر يلهث في الهند خلف قطار سفر فاته، يقفز بجانبه مسافر يستطيع اللحاق بهذا القطار، ليجد ملاذاً أخيراً بين أخويه، هو الأوسط!

بعد ان استراح تكتشف أن كل هذه الرحلة الطويلة في شبه القارة الهندية ما هي إلا محاولة هروب!
الأكبر هارب من مشاكساته التي لا تنتهي(اوين ويلسون)
والاوسط صديقنا هارب من مسوولياته العائلية خصوصاً أنه على مشارف بنوة جديدة (أدريان برودي)
والأصغر هارب من عدم الاعتراف به كروائي أو قاص محتمل (جيسون شوارتزمان)
وثلاثتهم هاربين من عزاء والدهم إلى امهم التي لم تحضر هذا العزاء!

وخلال هذه الرحلة الطويلة يدخلون في مراسم عزاء هندي وهم الذين هربوا من طقس مشابه، وفي كومة هذا الترحال العجيب، يصلون لتلك الكنيسة فوق ذلك الجبل على أقليم التيبت، ليجدوا أن أمهم أيضاً لم تهرب مثلهم من العزاء فحسب، بل هربت منهم أيضاً، ليعود بهذا هذا الثلاثي لنقطة البداية: مطاردة القطار، ولكن هذه المرة تخلصوا من كل ما يتعلق بما سبق، وعادوا لنقطتهم الأولى.

ما تهرب من شيء الا هو خوفاً من المواجهة، ولهذا تفشل كل مشاريع الهروب، فأمهم لا زالت تهرب، لا يهم مم هرب الجميع، المهم ان ذلك الماضي الذي الذي كان يطبق عليهم تخلصوا منهم لبداية جديدة، وأن احتاجت لرحلة مضنية فيها عثرات عدة.

الفيلم يقدم صورة جمالية لفكرة محاولة الهروب من واقع يظل صاحبه أنه مأزوم، وهو ابسط من ذلك بكثير. 

تمت

الأحد، 28 يونيو 2020

مذكرات النينجا الأخير

شقراء، وذات مبسم عريض، لم تتجاوز التاسعة والعشرين ولم يزد طولها عن مائة وأربعة وخمسين، كانت تسكن عنده في منزله الخشبي المتواضع.
لم يكن يعرها اهتماماً، مع أنها كانت توليه الإهتمام بمتابعة اخباره وما يقول وما يصرح به، حتى حروبه الصغيرة مع القبائل الأخرى كانت تنظر لها، وتتمعن بها.
حتى كان ذلك اليوم الذي رأته يدون ذكراه عن ذلك النينجا المحارب التليد، الذي أفزع حاكم الاقطاع الجديد فراح يصرخ عند والده: "كيف عاد هذا من عالم الموتى"!
كان يكتب تلك الكلمات ويديه الصغيرتين ترتعشان، وكانت اللون الاحمر يغطي المنضدة، لكن لما تمنعت وجدته يمهر كل شيء بلون الدم: الأحمر.

أغلقت اللفافة التي كانت معنونه بـ: مذكرات النينجا الأخير! 

الجمعة، 26 يونيو 2020

الإعتقاد

الإهداء:

لـ @EchoSiren_ إذ ان نصها كان جزءاً منه ضمنته هذه الحكاية فهو الذي الهمني أن أعيد كتابته وأعدل فيه بتصرف! 

------------------------

اليقين: هو التسليم دونما انتظار شيء جديد، لانها هذا البرد الذي فيه هو ما يهون عليك تعب الأيام. 

عدت للبيت وفتحت صندوق البريد ووجدت وسالة ممهورة باسم: غصن! 

فتحنها فإذ بها تذكرة سفر على متن القطار، للمدينة القريبة منا، فأخذتها واتجهت لمحطة القطار وسط البلد. 

ما إن وقلت ومددت يدي إلى جيبي وجدت أن الموعد المضروب عليها قد فات، فاستغربت فذهبت لموظف الصالة اسأله، فأفادني أن لعل مرسلها لك قد ترك لك شيئاً في صندوق إمانات المحطة. 
تركته وانصرف لهناك وتذكرت ان المفتاح ليس معي فلا طائل من هذا، فذهبت لأبتاع شيئاً بارداً وجلست على طاولة في تلك الكافتيريا، فبينما أنا أتأمل المسافرين إذ جلس رجل بجانبي يلهث، وبعثر الحاجيات ومنظره رث، ثم قال: "هلا اعنتني بشربة ماء؟" فاعطيته قارورتي ورحت لابتاع واحدة جديدة لي. 
إلتفت إلي أمين الصندوق وقال:
"تحدثت مع هذا شخص قبل ساعات، كان منظره عجيباً، أأنت على قيد الحياة؟ فأشار للمنديل واخرج قلماً، فآجاني وأجابني بحسب ماتتضمنه اللحظة كاتبًا (على حسب) على المنديل! 
تسائلت بناء على هذه اللحظة ماهي الأجابة ياصاح؟ فكتب: "أعتقد نعم!"
قلت: فقط! ولكنه تحدث معي! 
عدت أدراجي وجلست بجانبه، وانا اشرب الشاى، وقلت له: اتعرف رسالة فيكتور هوجو التي لم تتضمن الا علامة استفهام؟ فتبسم! وبدأنا رحلة الحديث عن فلسفة الأعتقاد التي حقيقة أثيرت في لحظتها دون استناد فلسفي مكتوب أو مرجع كتبادل الآراء، فسألته إذا كان الأعتقاد متعدد من الخيارات المطروحة حينما نعتقد أن كذلك أم ليس بذلك أن اعتقادنا حقيقة أم افتراض، قال -وقد خلع نظارته الشمسية، فقد كان كريم العين- هل تعلم أنني قرأت أن الاعتقادات تميل للحقيقة الكامنة بالأجابات وأننا نخطئ استخدامها ....
- ماعلينا، كيف حالك؟ 
- اعتقد أن مش كويس، اعتقادي هنا حقيقة أم افتراض؟ سائل بتحري! 
- ليش؟ 
- شف هالتذكرة، بالأخير موعدها طلع فايت ولكن قالي حق التذاكر يمكن به شيء بصندوق الأمانات لكن كيف وأنا ما معي مفتاح، المشكلة انها جتن برسالة موقعة من غصون! 
- كان يومك متعب؟ 
- ايه بس وشدخل؟ 
- لأنك متلطم فافترض انك ناسي كمامتك! 
- طيب؟ 
- عموماً مب بالضرورة أنها لك، وممكن جتك بالغلط! 
- هذا إعتقاد والا افتراض؟ 
- لا يمنع هذا من هذا، وترى الأشجار تستغل العواصف للتخلص من غصونها الزائفة! 
انتقلنا لمكتب التحريات لعلهم يجدون حلاً، وبالفعل اتو بالمفتاح الاحتياطي وفتحوا صندوق الأمانة، فوجدت قصاصة من ديوان شعري تقول:
"وليكن ...
بدَّ لي أن أرفض الموت
وأن أحرق دمع الأغنيات الراعفة
وأعرّي شجر الزيتون من كل الغصون الزائفة
فإذا كنت أُغني للفرحْ
خلف أجفان العيون الخائفة
فلأنَّ العاصفة
وعدتني بنبيذ... وبأنخاب جديدة
وبأقواس قزح
ولأن العاصفة
كَنست صوت العصافير البليدة
والغصون المستعارة
عن جذوع الشجرات الواقفة"
لما عرفت النص ضحكت والتفت فإذا ذلك الرث قد تركني ليلملم حاجياته من الكافتريا، وانت طفقت الملم قصاصات الديوان وخرجت لمنزلي وانا اعيد تشغيل هذه القصيدة في السيارة

- استمتعت بالحديث كثيرًا 
أعتقد 💬
وأنت عزيزي؟ 🤗


الجمعة، 19 يونيو 2020

في مجيء الغداء ...

تمهيد :

كثيرة هي اليوميات التي تستحق أن نلتقطها، وبعضها من تكرارها ورتابتها تحتاج لعين حذقة لتلتقط مكمن الجمال فيها، ولأن أُمورنا اليومية مكرورة فهي مملولة، فلذة العيش أن تختلس هكذا لحظات لتوثقها، لتصبح صورة شعرية مكثفة قد تتلقفها عدسة مصور يوماً ما. 


النص:

كانت الساعة تشير للواحدة، وكان الجوع قد بلغ منا مبلغاً عظيماً، منا من تناول إفطاره مبكراً جداً، ومنا من لم يتناول هذه الوجبة، ودخلنا معترك اليوم منهمكين لم نشعر بالوقت!

- يا ولد الساعة وحدة، كنت احسبها ١١ "قلت الزملاء" 
- علشان كذا اخلص، خل تتغذى أو نقزرها قهوة وتمر "قال الثاني الذي يبدو أنه الأكبر سناً، قد لعب الشيب في شعره رغم أنه لم يتجاوز الرابعة والثلاثون" 
- تبون البيك؟ "اقتراح من الاصغر والذي يبدو كحديث تخرج، بالرغم أنه دخل الثلاثين تواً"

وتم ذلك حتى ما كادت تشير الساعة الثانية حتى وصل الطعام، فنزل صاحب الحكاية التي أروي ليصعد بالطلب، في ظل الكورونا لا يمكن أن نتكل على غريب يلمس حاجياتنا. 

خرج مسرعا، يبدو من فرط جوعه، لكنه عاد ومحياه باسم، ويريد ان يشغل نفسه بقصص جانبية لا معنى لها، وكان أول شخص فينا أنهى وجبة غدائه وذهب ليعد له إبريق شاي، ثم قال وهو يستعد لشرب أول جرعة منه:

"ليتكم ما طلبتم البيك، وليتي ما نزلت، ما شفتوها، كانت صبية صغيرة كأنها الكادي إذا سقي الماء، يملأها الحياة، وكأنها للتو ولدت للحياة، ثم دخلت معتركها ببراءة الفتيات ذواتي الطموح الوردي، ومضها وضاء كنجم تلألأ في كبد السماء، وابتعدت عندي وأنا آخذ أكياس الطعام، وكأنها ارتحلت خلف التلال، الحقيقة أنها جلست بجانب الكرسي عند جهاز تفتيش مدخل البناء، كان كل شيء فيها محتشم، لولا بشاعة كمام الكورونا، لتذكرت الدارمي إذ يقول: قل للميلحة في الخمار الأسود..."

وظل مسترسلا وهو يروي تلك اللحظة الحالمة، ونحن نقول له:" وش بلاك سمالله عليك!! وبضحكات ساخرة" ويرد علينا ويقول:" للغنى اشكال عدة، لكن ألا يتحرك فيك شيء ما إذا شاهدت شيئاً ملفتاً، كجمال الرشا وهو يقفز فرحاً، هكذا كان قلبي عندما شاهد الريم، فنسي المكان، ونسج الشعور وسط الحكاية!
ولكني في مشاعر موازية مستغني لكن لعلها اللحظة التي فقز فيها الاديب داخلي، وإن نظر لظباء مكة فصيدهن حرام إلا في الحل".

- كمل شاهيك كمل، وخل نخلص شغلنا ونروح لعيالنا "قلنا له وحنا نضحك كلنا وهو معنا" 

اعجبتني هذه الصورة، وقررت إلتقاطها فوتوغرافياً لتوثيقها، لأن الحكاية كلما رُوِيَت صارت أجمل وأكثر سحراً


تمت


الاثنين، 15 يونيو 2020

حتى يسحن الحليب..

في صباح يوم الأثنين..
استيقضت لعملي كالمعتاد، لكني هرع اليه لتأخري عنه بسبب غلبة النوم الذي يجافينا سلطانه عادة، المهم اني منذ ان وصلت لم ادخل مباشرة لكني ذهبت لشراء الحليب الطازج صباحا من الدكان، وهناك جائني هاتف يقول:

"انه في ظل إعياء ألم به تبعثرت افكاره رغم جماليتها، فهل تحيك لي كنزتها؟"
فقلت له: "انت كصاحب إمرئ القيس الذي بكى دون الدرب، لكن هذه البعثرة تجتاحنا جميعا، فاذا اردت شاركني يا هاتفي بعضا من اعيائك فإني هرع، حتى لا ادخل في خمول ما بعد الانغماس في العمل"

فخرجت ودخلت لمطبخ الصغير الذي بجانب ادارتنا الصغيرة ووضعت الحليب على النار، فعاودني الهاتف :

" هل لإختفاء الفكرة المركزية التي نربطها دور؟ "

وما ان اودت الاسترسال حتى انسكب الحليب من فورانه، وضاع كل هذا الهاتف في لملمة الشتات، شتات الفكرة وكوب القهوة المفترض مع الحليب


رباه! 

الأحد، 14 يونيو 2020

مالك النزل المهجور الحزين

مشيت حتى بلغت المنتهى
هُناك عند نهاية الطريق لذلك النزل الذي بدت على جنباته هاله تحيط به والمكان، ساد صمت المكان، ثم بدأت أتحسس الأشياء...


صمتاً صمتاً...  - صوت في داخلي صاح -
- يا هذا الطارق! 
- أوششش ضوضائك تفزعني وتقض مضجعي، فأرجع لا تفجعني وتحرمني النسيان، يا غريباً عني لا ادري أي قدر بعث بك إلي؟

من ذلك الظلام الاسمر، اذ شعشع من فتحت الباب نوراً أبيضاً وكانه يرقبني ويرقب الزائز الذي رأيت، لعل احدنا كان هو الذي استفز المكان!
لكن ما جال في خاطري أنه كان يرقبنا، هل يعلم اني اتيت من رحلة طويلة؟

- انظر! - والتفت يميني- ذلك السخيف، صانع الأقفال!

فاستحالت سمرة الظلام لسواد، اذ ان النور الابيض قد اختفى، ترى اي سرٍ يحمله ذلك الذي يرقب؟ ومم كان يجفل؟ وعن أي شيء كان يبحث؟
المهم ان ذلك الصانع قام بعمله ونحن نرقب مندهشين، لكنه نسي مفتاح القفل فعاد وترك الباب وقفله مفتوحا، فاشرقت شمسنا فرحة حتى نرى ذلك الشيء العجيب!

فتزوت بجعبتي، زادي ورصاصي: "استأتين معي؟"
- لم ترى فرشاتي، كانت هنا؟
- شتجدين غيرها في الداخل المهم هو القلم!

ومشينا بقلب متسارع وخُطى بطيئة، لست مجبراً على هذا، لست مجبراً ابداً! كنت أعد نفسي للسفر، لا استطيع أن اخدم كل الناس!
- لكنه الفضول! "هذا قالت وبدون مقدمات، وكأنها تعرف خبيئة صدري"

بدى الباب كانه ستار حريري ذو لونٍ أرجواني فما إن لمسته حتى ملأتني مخاوف رائعة لم استشعرها من قبل، وتلبدت سماء المكان، وكان طيف يحوم عند مرسم توسط فناء هذه الردهة، فتقدمت وبدأ البيانو بالعزف، وهي طفقت تجمع الادوات!

" ويكون أن يأتي يأتي مع الشمس 
شيء روائعه بلا حد
شيء يسمى في الأغاني طائر الرعد "

فسمعنا صوت الرعد يلف المكان، فخرجنا هلعين وكأن الشمس كسفت من الظلمة، وقد اختفى الباب الارجواني، وخرجنا وعلى اصوات الرعد، لا برق يضيء ولا مطر يهطل، لكن تحسسنا اجسادنا.

"بلى بخير" وانزوينا لشجرة الدراق البعيدة التي تطل من بعيد على النزل، فوق هضبة صغيرة، وغططنا في نوم عميق!

عندما استيقضت، وجدت في جانبي قفل ومفتاح ورسالة، كتب فيها:
" يوما ما ستدرك يا وطن أن ذلك الثائر أحبك أكثر من هؤلاء الثرثارين"

غرفة رقم ٦٦٦ - كانت معلقة على المفتاح - 


السبت، 13 يونيو 2020

رسالة بخط يدي!

استل ريشته وغمسها في دواة الجبر وانشأ يقول:

" دائماً سعيت أن لا أخلف خلفي ذكريات عن الأشياء، لا احقاد ولا أهداف، هذه الأشياء هي لمن لديهم رغبة في الحياة!
كل رحيل لمن كان في المحيط القريب، كد يكون نهاية خط لهذه العلاقة، لكن ليس لمنشئيها، أعلم أنه التواصل بيننا قد انقطع، لكني لا احمل جريرة ذلك وحدي!
آثرت عن طيب خاطر أن أحيا منكسرا من التوتر الدلوماسي الذي كان أن يعيد الرابطة، على أن أكون في فزع من سيء هو كتهشمها!
كانت كل المبادرات تنتهي في زاوية محارب الساموراي، الهاراكيري هو الحل الذي تريد، ولكنه الحد الذي تستيقظ فيه غرائزي!
نظن ان ما بقي من العمر طويل، لكن ليس كذلك، فإن كان لك مني حاجة، فالحمام الزاجل بيننا ينقل الرسائل حتى المشفرة! "


الجمعة، 12 يونيو 2020

هيا جارتا لو تشعرين بحالي!

- أنت من جديد "وبدت على محياه بسمة مشرقة"
- لكنك تجيد لغة الطير أفضل من أبي فراس.
- وهل لاح لأبي فراس طيراً أزرقاً مثلك! زقزقته احرف، وتغريداته كلام!
- لكنها لعنة الشعر والتاج ومقاتل الرجال!
- دعي عنك هذا الحديث وقولي لي: ما أخبار القوم؟
- متصدرين للفتوى في كل شأن، ومن الجميل أنك آثرت السلامة وبقيت في محبسك!
- صومعتي يا هذه! أهذا محبس؟ "وأشار إلى شيء معلق بالجدار"
- أمازلت تحتفظ به؟
- وهل يسعني الا هذا؟
- أنت كثير الحنين؟
- ربما، وأنتِ؟
- انا سأعود، لأني لم اعتق من هذا الحزن إلا حين عاد؟
- حقا؟ عاد بشعره ام بتاجه؟
- بشعره فقط!
- هذا ما أخرجك، وتنتظرين السجين الجديد!

وغادر كلا منهما في حاله يرتحل! 

اتعلمين أي حزنٍ يبعث المطر؟

أتعلمين أنه السياب!
رأيته عند الخليج يذوي، رأيته يموت!
وعُزِفَ ناي في تلك الساعة!

تلك هي الحالة التي تعتري الفاقد، هذا الرحيل الحتمي من محطة السفر في هذه الدنيا، كل مدينة نعيش فيها ما هي الا محطة قطار كبيرة لنا جميعا ننتطر فيها قطار الموت يحملنا. 
سواء كانت يورك الجديدة ام القديمة، او كانت جو اليمامة او الرياض، الامر سيان، فم رحلوا ونحن حلمتنا الولادة للمحطة التي في المنتصف للرحلة التالية!
فهذه الرحلة الطويلة تحمل فيها من الامتعة والحقائب ما تعيه وما لم تعيه، شهور السفر الدائم هذا مقلق، فكيف اذا كنت تقطن في عدة محطات، وكان أيضاً عملك هو بين محطات أُخر؟ 

أحياناً تُكبلنا الحياة فنحاول الهروب من الاغلال، لكن عبثاً فهي فينا، وكل محاولاتنا هذه ما هي الا رأس النعامة المدفون، ما أن نستشعر انتهاء الخطر المزيف، تعاوتنا - الاغلال - من جديد؛ لأننها لا نريد المواجهة، ونفظل الهروب علينا، ثم نتستر بالمشاعر الزائفة! 
كل شيء مزيف في داخله مسحة حقيقة، لكن نراكم الزيف حتى لا نراه! 

- لكنك لم تقل لي، لم هذه الاستعارة للسياب؟ 
- لم هذه الاستعارة؟ هه! 
لكي لا تحترقي وانتي تنتظري المزيد!


~~~ ويهطل المطر ليسدل الستار. 

الاثنين، 8 يونيو 2020

Lincoln ‎...، والسؤال لا يزال حائر !


 


في الرابع والعشرين من جولاي 2013 ميلادية أنتهيت من مشاهدة فيلم لينكون لستيفين سبيلبيرغ ومن من بطولة دانيال دي لويس، عندما ظهر كريدت النهاية قلت في نفسي: " هذا الفيلم ليس فيلما عظيماً عن شخص عظيم! ".

بلى؛ ليس فيلماً عظيماً، لكنه سرد مختلف قائم على ثلاثة أمور:
الفكرة
الأداء
واقتطاع حقبة تاريخية محددة من حياته لتوثيقها

أما الحقبة التاريخية المقتطعة، فهي فترة تمرير تعديل المادة 13 من الدستور في البرلمان والخاصة بالعبودية، وإثارة السؤال التاريخي حول ما إذا كان إصرار لينكون حول الأمر حينها هو السبب في استمرار ويلات الحرب الأمريكية، أو أن تأجيل هذا التعديل من الممكن حسمه في المستقبل الأمريكي القادم بعد توقف الحرب.

كانت الفترة مختارة بعناية وبذكاء، والسير في جنباتها مع لينكون حتى منتهى الذروة كان كفيلاً لنقل المشهد من زاويته هو ونظرته للأمر، أليس كل عظماء التاريخ إذا قرروا أمراً بذلوا له كل المبررات والسبل والوسائل؟! هذا كان لسان حال من هم حول لينكون.

الفيلم أتى مثل صورة كـ Flashback، ومحاولة صنع وثيقة مصورة درامية لحقبة محددة من تاريخ لينكون تدفعنا للتساؤل من جديد:
هل عرفنا لينكون؟
هل عرف الأمريكيين لينكون؟
هل لينكون كان واثق من كل ما كان يفعله؟
وكل تلك الأسئلة كانت تظهر وتطفو على سطح شاشة المشاهد، كانت الصورة معبرة والألوان جميلة والديكورات والملابس منتقاه بعناية، وهذا ما يميز سبيلبيرغ تلك الصورة الشاعرية المبهرة، ولا شيء غير ذلك.

أما الأداء فكان هو الشيء الأبر والذي أنقذ فيلماً أعرجاً طويلاً من السقوط في مهالك الملل، كان أبرزهم بالنسبة لي هو الأداء الخلاق والرائع للممثل توملي جونز ذاك النائب المناضل الثائر الشرس صاحب الباع الطويل في السياسة الذي استسلم أخيراً امام خيار المساواة الكاملة إلى خيار المساواة أمام القانون ليس إلا، فقط " لنمرر التعديل عبر البرلمان! ".

بالنسبة لدانيال دي لويس فقد كان متمكن من الشخصية ومن جوانبها..إيهابها..حضورها..إلا أداءه بالرغم من تمكنه من الأمساك بخيوط الشخصية، إلا أن به فتور ما يجل ضوء الكنيك العالي للأداء يخبو، يظهر ذلك جلياً في بدايات كل مشهد جديد لدي لويس، تشعر انه عندما يبدأ وكأنه سأل: " هل أدرتم الكاميرا؟ " ربما بسبب التكنيك المسرحي الذي استخدمه والذي يعرف بــ " البناء والهدم " والذي يجعل الممثل في حالة بناء وهدم مستمرة للشخصية، وفي كل مرة يصورها وكأنه يصورها لأول مرة، له علاقة بذلك؟ ربما! لا أدري، لكني على يقين ان دي لويس ممثل له باع طويل في التمثيل، ولربما هذا الذي جعلني عندما رأيت دي لويس يستلم الأوسكار كان في نفسي من المشهد شيءٌ منه لم يندمل، لكن دي لويس فعلها للمرة الثالثة.

أعظم ما الفيلم والتي تشفعت للفيلم عندي هي فكرته!
هل لينكون كان على يقين مما يفعل ؟
كثير من العظماء عندما يتخذون قراراتهم التاريخية التي يقررون فيها مصيرهم ومصير من حولهم، يتخذونها وهم في كامل قواهم العقلية، لا مبالين بأحد ولا يتراجعون، " يجب أن يكون هكذا " هذا لسان حالهم، فإذا سكنوا إلى نفوسهم، تفكروا، وأعادوا السؤال من جديد: هل ما فعلناه هو الحق؟ أم هو الوهم ؟ هل نحن أُمةٌ في رجل ؟ أم رجلٌ في أُمةٌ ؟ من نحن ؟ وماذا نفعل هنا ؟ وتثار كُل تلك الأسئلة في وجدانهم..ويراجعون..ويقلبون تلك الأسئلة من جديد لتتفتق عن اسئلة جديدة..حتى إذا انجلى ذلك اليوم الحائر، وأصبحوا على من حولهم في اليوم التالي، وجد الناس عظيمهم متمسك برأييه بعزيمةٍ أكبر، هم لم يكونوا أصناماً بل بشراً، حتى الطغاة يحتارون، فهل لينكون كان طاغية ؟!
وما الطغيان ؟
في عرف الناس .. في عرف الدين .. في عرف التاريخ .. في عرف المنطق ؟
عندما يستغني الإنسان يطغى! ولهذا يحتار!
والعظماء يستغنون برأيهم عن الناس، ولهذا يحتارون! 
أهم وأعظم مشهد في الفيلم بالنسبة لي والذي يجسد ما قلته قبل قليل، هو اللحظة التي قبل فيها لينكون زيارة مفوضين ريتشموند الجنوبيين للسلام، فأراد إرسال برقية للملازم غرانت بذلك أنه لا يمانع بزيارتهم لواشنطون العاصمة على أن يبقى هو والجيش على أهبة الإستعداد ...

عندما التفت موظف البريد للرئيس وقال له: " هل أرسل البرقية يا سيدي ؟ "
رد عليه الرئيس بعد صمتٍ طويل: " هل تعتقد أننا أخترنا أن نولد ؟ "
رد موظف البريد: " لا أفترض ذلك "
الرئيس: " هل نحن ملائمون للأوقات التي ولدنا بها ؟ "
موظف البريد: " أنا لا أدري عن نفسي .. أنت .. ربما .. "
الرئيس ملتفتاً لموظف البريد الآخر: " ماذا تعتقد أنت ؟ "
 رد الموظف الآخر:" أنا مهندس! "
الرئيس:" لربما قرأت عن نطريات أقليدس في الرياضيات أيها المهندس، يفترض ان كل شيء بدأ بالتساوي....البداية كانت بالمساواة..، أليس كذلك؟ المساواة هي العدل..، أليس كذلك ؟ "

ويظل حائر، يريد لمن يؤكد له ما هو متأكد مما يفعله، ولكنه لا يريد الإجابة؛ كيف! وهو من هو في هذا المقام، "لكنّي لستُ متيقن" هذا لسان حاله.

ويظل السؤال "هل أخترنا أن نولد ؟ " الفيلم كان عبارة عن تساؤل طويل، وصراعات المبادئ وألاعيب السياسة ومدى الإيمان بهذه المبادئ، يجعلك قلق لا تهدأ، متى يكون المستقر؟

بقِيَّ لدي تمنّي، وهو أنه ليت الفيلم لم ينتهي مع مشهد مقتل لينكون الذي لا أدري كيق ظهر على الشاشة بهذا الغباء، لو أن الإضاءة بدأت تخبو وهو يتحدث مع غرانت عند البيت الخشبي قريب من نهاية الحرب، لكانت نهاية أبلغ وأعمق من النهاية الفعلية للفيلم.


كتبت في ٢٧ - ٧ - ٢٠١٣م