السبت، 18 سبتمبر 2021

the card counter - 2021 ورهانات المجتمع الخاسرة

كما هو متوقع من فيلم كتبه بول شريدر كاتب سائق التاكسي، لكن هذه المرة انبرى للإخراج لنصه واكتفى مارتن سكورسيزي بانتاج الفيلم. 

 الفيلم يفتح المشهد بحديث للبطل "تيل-بيل" عن لعبة البلاك جاك مع خليط لحديث عن الأيام التي أمضاها في السجن، ليخرج بعدها وليس من همه في الحياة الا دفن هذا الماضي في اعماق اعماق ذاكرته السحيقة كي ينسى، وفي غمرة انعماسه في لعبة الورق بشتى أنواعه في الكازينوهات اذ بصدفة يجد ندوة لرائد سابق في الجيش ليدخلها فيلتقي بابن زميل سابق له في تلك الندوة، ويطلب منه اللقاء ليفصح عن خبيئته للإنتقام لأبيه، فيقنعه بيل بالتوقف لأن هذه محرقه للنفس!
 لكن ذلك الحادث يوقظ في نفسه تلك الذكريات السحيقة لتكتشف أن ذلك السجين ما كان الا جندي أمريكي كان يمارس التعذيب غير المبرر بحق مساجين سجن ابو غريب وللحجة المعتادة: الأمن القومي الأمريكي! وهو يعلم يقينا ان هذا غير صحيح!
 لكن بيل يقرر ان يقنع ابن زميله بعدم الانتقام وان يبدأ حياة جديدة خارج هذه الدوامة، لكن نداء الدم لابد أن ينادي لينصدم أنه اختار الرهان الخاطئ لأنه كان يتحاشى الرهان الأساس، لقرر حينها الانتقام لذاته ولرفيق السلاح وابنه وللمساجين الذي اهانهم ومن المجتمع الذي اصر له ان يلوث يديه عنوه! ذلك المجتمع الذي اكتشف ترافيس بيكل سابقا انه لا يستحق ان يقاتل في فيتنام لاجله، مجتمع تفسخ وانهار ولا يحمل ذات القيم التي قاتل لها، رغم انه شخص في داخله متهتك، هو ذات المجتمع الذي لم يريد لهذا الجندي الذي اختار ان ينعزل مع ذاته في داخل عالم الورق وينزوي على هامش المجتمع، الا ان يسحب لداخل دوامة المستنقع، ولا خيار الا هذا، فكان مصير الرجلين بيكل وتيل أن يطهرا يديهما بدماء هذا المجتمع الذي يتشكل في كل مرة في صورة رجل من المفترض أنه يجسد هذا المجتمع، فمرة يكون سيناتور ومرة رائد في الجيش وهكذا. 

 الفيلم هو اعادة لذات المحاولة القديمة عام ١٩٧٦ فنفس ذلك الفيلم الخالد يصرخ وبقوة، وكيف لا وقد توافق نفس الرفاق القدامى بذات الهم: تنقية المدينة او البلدة او المكان من الفساد، الذي قد يتشكل على اشكال عدة ويتمظهر بتمظهرات مختلفة. 
هو حاول أن يقارب هذه المقاربة خصوصا أن بول مهموم بفكرة الجنود العائدين من الحرب في الأساس، ويحاول من خلال رحلتهم دراسة التغيير الذي حصل فيهم وفي المجتمع. 
الغموض والاثارة في الفيلم ممتازة، والمواقع والتصوير والموسيقى التصويرية معبرة تماما عن حال المقال، والسيناريو مهما كان فمكتوب بترابط قوي والرمزية فيه واضحة ولعل ابرزها هي موضوع تغطية الغرفة بالأغطية البيضاء ولاعب البوكر الذي يدعى: يو اس آي! امريكا التي لا تهزم، لكن هل مجتمعها قد انتصر؟ قدم بول ومارتن نموذج ترافيس بيكل، واليوم قدموا لنا وليام تيل، وما زال يو اس آي يو أس آي يفوز عنوة بكل مقامراته، فما هي المقامرة التالية ومن سيكون الضحية؟ هل لهذا انسحبوا من افغانستان، فانتهى آخر رهان؟