السبت، 10 سبتمبر 2022

وان راوند وَ تَمِيزْ سوبر خان!

 وان راوند وَ تَمِيزْ سوبر خان!



منذ دخول شهر آب اللهاب، وصار لدينا عادة شبه اسبوعية، أن يتخلل فطور يوم السبت، قرص الخبز الأفغاني التقليدي أو كما يعرف شعبيا بالتَمِيزْ!


كل فجر سبت، أخرج بعد الصلاة مشيا للفوال، في الطريق، أمر على ثلاث قطط، احدهم ذكر المنطقة الذي بال في هذا المربع اعلانا منه عن توتر العلاقات مع الذكر الآخر الذي يحوم في حاويات القمامة بحثا عن حل!


بعد تجاوزهم، أمر بجانب محل ألعاب شبكات اسمه "وان راوند1" أي جولة واحدة! يتجمع فيه مجموعة من المراهقين الليليين قبل ان يتناقصوا مع شعشعة نور الصباح، كل الالعاب عبارة عن ألعاب سيارات، مثل جراند توريزمو وفورزا وما شابهها، ولهذا تتكاثر هنا رسائل مورس للدرباوية، اذ يتخلل الرسالة بقايا علب حمضيات متروكة، وأعقاب سجائر مدعوسة!


واذا تجاوزت المحل، أجد أمام الحلاق كرسي قديم متهتك، يجلس فيه عاشق ولهان يبحث في كلمات يرسلها إلى گرتشين، لدرجة أنه يطرق برأسه لعل الكلمات تنهمر، ثم يغلق السناب شات عند مروري بجانبه، وينسى أن يرد السلام!


ثم نأتي للفوال، الذي أصل إليه في تمام الخامسة، بعد تجاوز مظاهر الحياة الفطرية هذه، لأدخل فأجد باكستاني واقفا أمام التنور، ممسكا بالحديدين الاسطوريتين الخاصتين بجلب خيرات التنور للجياع في محل الفوال، وهنالك فتحة بين مكان المخبز وبقية الفوال ينظر منها بنغلاديشي نظرات كلها شزر للباكستاني ينتظر فيها التَمِيزْ الخاص باصحاب الطلب المحلي.

هذه العلاقة لو توترت بين الباكستاني والبنغلاديشي، لسبب بازمة غذاء داخل المحل قد تؤدي باليماني صاحب الجرة بأزمة قلبية!

المهم أني رميت ريالين حديد في الصندوق الكرتوني ولم أقل الا كلمة واحدة:

"واحد بسكوت!"

ثم ثنيتها:

"خله يتقمر"

ويتقمر لغير الناطقية بالمحكية النجدية:

"جعل الخبر مقرمشا ويكسوه بعض السواد الكربوني، وبه بعض الانتفاخات المتميزة من شدة الحرارة!

المهم ان الباكستاني هز رأسه بالموافقة، وما زال يقلب الحديدتين، والبنغلاديشي ما زال ينظر، وانا انظر لهما بترقب!

ثم فجأة، يخرج من التنور ابريق أصفر قد اسودّت جوانبه وتقشر مقبضه، وفار!

أنه كرك!

تشاي كرك!

ووضع الأبريق بجانب التنور، ودخل يجلب العجين ليفرده أمامي وضعه في التنور، وأنا أضحك من عظمة مزاج الباكستاني، وتأفف الينغلاديشي الذي ما زال ينتظر!

ثم اخرجها وقال:

"هازا كويس؟"

قلت: "أيه! هات كيس ورق!"

ووضعته فيها، وعدت من طريقي وانا اقضم في كل خطوة قضمة منه وانا افكر في هذا النص!

دخلت لبيتي وأنا مبتسم وأقول لأهل بيتي:

"لا يفوتس التَمِيزْ! مقمر! وسوبر خان مسخن شاهيه جوا"

ردت:

"وش الهرجة!"

فكحيت لها ما حكيت لكم!



تمت في العاشر من أيلول ٢٠٢٢ الموافق الرابع عشر من صفر ١٤٤٤ يوم سبت الساعة السادسة والنصف صباحا


الخميس، 8 سبتمبر 2022

عندما فُقِدَ الوعي

 

حدثت هذه الحكاية في نهاية صيف السنة الثانية بعد فايروس كورونا، كانت الجوع والعطش والملل وتدمير النكات وتفجير الملصقات الواتسابيه والشرهات قد بدأت تفتك بمجموعتين من الشباب المسلم المبارك، وسنرمز للمجموعتين بالملعونون بالوعي والمتخاذلون!
حتى قرر أحد الرفاق المشتركين بين المجموعتين، وهو المبشر بتفاحة آدم الإلكترونية، أن يصور نفسه وهو على عرش الزوجية ليقول لنا: عقدت قراني!
ونحن لم نكذب الخبر، الحقيقة اننا نبحث عن أي فعالية للاحتفال: عيد ميلاد، تخرج، قبول بوظيفة، العودة من سفر، اي شيء! المهم نجتمع لنحتفل، لينتهي الاحتفال بالتحليق في عالم موازي عن مآلات الماضي وآفاق المستقبل!
فكان السادس والعشرين من آب الجمعة هو موعد اللقاء، الحقيقة كان هنالك تجلي لمجموعة من الرفاق المنعوتين "بالزلايب" ترافق مع خذلان مبين!
ولم تكن كعادتنا المباركة في توزيع اتهامات عدم الحضور، الكل أكد هذه المرة، الا زلابة واحد ومتخاذل اخر، تخاذل في اللحظة الأخيرة!
بالنسبة للزلابة الاول، غني عن التعريف، المشعوذ النحيس (لمزيد من المعلومات، انتظر للمدونة، صفحة: لعنة الوعي!)
أما المتخاذل في اللحظة الأخيرة، كان أحد المبشرين الثلاثة في مجموعة الملعونون بالوعي، هو مبشر سوني!
وكونه تخاذل، هذا يجعلنا في حلٍ من الحديث عنه، والحقيقة، يكفي حضور مبشري آبل ومايكروسوفت، ستكون جرعة تبشير كافية!
كان يوما صباحه بارد ابتدأ بتخاذل من صاحب شنطة العلوم، ونتوقف هنا قليلاً ...

... جزء من النص مفقود ...
على طريقة الهواتف المحمولة قديما ،،
ليس مفقوداً حقيقةً، إنما فُقِدَ!

أما صاحب الشنطة، شنطة العلوم طبعا  فبعد انتهاء موسم الهجرة إلى الشمال، واستقر، ترك كل شيء الا هذه الشنطة، وصارت ملجأ كل من يريد معرفة آليات التواصل المجتمعية، إذ لديها تأثير سحري مثل الهاكي الملكي الونبيسي.
المهم أنه في ذلك اليوم البارد تخاذل، تخاذل عن وجبة الأفطار المقدسة لدى السيد رازييل (لمزيد من المعلومات، أنظر للمدونة، صفحة: لعنة الوعي!)، بالنسبة لرازييل فهي تضاف لقائمة من التخاذلات التي حدثت مؤخرا، المهم أن العملية قد تمت، ثم انطلق لجلب ما تبقى، من احتياجات، وأكد على السيد تشيرمان (لمزيد من المعلومات، أنظر للمدونة، صفحة: لعنة الوعي!) ان يجلب الكثير والكثير من صلصلة "الطحينة" ، وخلال السعي المضي للبحث عن "شطة كريستال" انتهى كل شيء تقريبا في الساعة العاشرة صباحا، كانت الشمس ساخنة جدا، وتستعد لطبخ بقية احداث اليوم!
وقبل الاستمرار في سرد بقية الحكاية، يجب التعريف ببقية الشخوص الجدد، فبالإضافة للملعونون بالوعي، كان من ضمن الحضور:
السيد: بيدرو، متخصص في جدولة كل المشاريع الترفيهية، التي غالبا تبوء بالفشل، ثم يأتي متململاً، لمشاريع ترفيهية تاليه، يتفجأ أنها تحضى باستحسان الجميع.
تقول الأسطورة: ما من طبق طعام يوضع أمامه الا ويختفي، وله في هذه المنقبة نظائر.
اما التالي فهو السيد: الاستاذ ابن الرومي، كسحابة صيف محملة بالمطر، لكنها تمطر في اوقات من اليوم لا يكون السكان مستعدين لهذا المطر، وبالتالي يغرق جميع المتخاذلين في بحر من الأفكار يُعاد فيه تجميع الصورة.
تقول الأسطورة: أنه بعد الساعة الثانية من فجر اليوم التالي، يبدأ بالتحدث بالألمانية القديمة، يعينه عليها رازييل والمطوع، وذلك القابع مؤقتا في الجزء البريطانية الباردة!
اما الإثنين الآخرين، هما اثنان من الزلايب الذين حصلا على تراخيص حضور مبكرة، الأول فمع تقدم الزمن يستمر في النحافة حتى يتضائل الا من انفه وشاربه، والثاني يتقدم بالسن بطريقة اسوأ من سوليد سنيك، حتى فقدنا احساس العمر معه، فضلا عن كونه مبشر مايكروسوفت.
تقول الاسطورة عنهما: أن الأول سيختفي من فرط نحافته، والثاني أنه أعاد تشكيل اللغة اليابانية باضافة واو اخر كل كلمة عربية، وصارت لهجة عامرة داخل الأرخبيل الياباني!
ثم نأتي لزعيم الزلايب: أخلاق- Less! مواطن المعلم، اعني انهما ينتميان لنفس الولاية، باختصار: للتزليب عنوان! يستطيع بغمضة عين تدمير اي شيء بهي في عينيك، ولعل الشعب يتذكر كمية الملح التي نثرها على كل الخيول في انحاء المعمورة (لمزيد من المعلومات عنه وعن المعلم، أنظر للمدونة، صفحة: لعنة الوعي!)
وأخيرا: مدير مصنع Moonshine! كيميائي من الطراز الرفيع، يستطيع تحويل أي سائل الى مشروب قابل للشرب ذو نكهة رنانة ورائحة نفاثة، وبالرغم من أنه يشارك جميع المقادير الخاصة بهذه المشاريب، وتستطيع أن تعدها منزلياً، الا أن طعمها من يديه له شأن آخر.
تقول الأسطورة: أنه يستطيع تحويل الماء العادي إلى شاهي بارد معتق بإضافة مكون واحد فقط، والقليل من الثلج، لا بأس به!
هؤلاء هم الابطال الجدد في هذه الحكاية!
وهنا اضع قلم الرصانة جانباً، وأجلب القلم الآخر.
يوم اكتمل جمعنا، بدت الطعة لما قال كنتارو تشان(لمزيد من المعلومات، أنظر للمدونة، صفحة: لعنة الوعي!) لرازييل: اشوفك خبصت القروبين!
قال: ايه، امانة الاقتراح كان بدايته من بيدرو والمعلم ...
وهنا نقز المعلم وقال: وش دخلني!
رد عليه: فكرة اللمة هذه!
- شلون؟
- انه كيف بدت .... بعدين اقولك!
- لا قل!
- خلاص ياخي خلها لا تعشينا!

قال التشيرمان: ايش هذا كان بينكبنا!
رد رازييل: شفت شلون، لازم بنموت من بلاغة الشف!

كان من ضمن الجايين، اخوان كلا من:
راعي شنطة العلوم، والمطوع.
الأول اخوه الكبير حاول يلم الموضوع، لكن الثاني تم اكتشاف انه كروجي كبير ومخضرم كمان!
وخلال هذا الحديث، جاء شعور عند أخلاق- Less وكأننا في مجاعة في أفريقيا، أن عدد الكولا الربع هذه ما راح تكفي، وجلسوا نص ساعة، يقولون أن العدد زين وبيشرب، ويوم شاف انه مافي فايدة من النقاش، طلع جواله وجلس يبحث في موقع فور تشان!
بعدين صوت المجموعة بدأ يطلع، ويزيد صهلله مع ازدياد جرعة السكريات الي تعاطوها، هذا غير ترامس القهوة الثلاثة الي قاعدة تدور كنها مبخرة عرس.
ولأن المطوع -مع اخوه- راحوا يزورون أعمامهم في مكان جوار البقعة الي تجمعوا فيها، فاتتهم فقرة مهمة: لحظة وصول العشاء!
جاء سواق المطعم اليمني، وطلع له رازييل والتشيرمان، وقف وفتح الباب حق الفان وناظرنا ...
جلسوا يناظرونه ....
- مالكم؟
- منت منزله! - قال التشيرمان!
- انتم شلوه!
- طب عاونا! - صاح التشيرمان!
وهم ينزلونه، سأل رازييل: وين كرتون المويه الثاني؟
قال السواق: فيه زبون قبلكم، قال انتم وعدتوني بكرتون مويه وشله!
رازييل: شله! الله يشلك ويشل توصيلاتك!
قضت المهاترات الحين ونزلت الصحون وتصبصبت الطحينة وتوزعت البباسي - تراها كولا بس يلا - والشطات، وجلسوا، وعلموا عريس أبل، أن هالعشاء من المجموعة المخبوصه علشانه، وهنا التفت رازييل للمعلم وقال: ارتحت الحين!
وتناولوا طعامهم بكل اريحية وحب وناسه، ثم خروا صرعى، في مجلس البقعة، متسدحين قدام المكيف، كلن يقول: بس دقايق ناخذ لحظتنا!
لكن اللحظة امتدت من الساعة حدعش بالليل لين ثنتين ونص الفجر!
مافي شيء ما شربوه،ا الكيميائي راعي المونشاين، سوالهم خلطات بكذا سيرب -كذا هنا غير معلومة لان احد الحاضرين لم تسعفه الذاكرة بنوع المكونات- هذا غير إن مبشر أبل جايب شاهي بارد رمان وخوخ وحتى كركديه!
الكركديه هذا لحاله اسمه يخليك تحس بالخطر، ناهيك عن لونه الأحمر!
ويوم خلصوا من هذا كله وتبادلوا فضايح كل واحد وكبوا العشاء، وصارت الساعة ثنعش، جاء دور نبيذ الكاميليا: شاهي الحبق!
يقول التشيرمان: فيه شنطة برا فيها ترمسين شاهي، وفعلا راح وجاب ترمسين شاهي، وفجأة تحولت كل سواليفهم الى +١٨ لدرجة انها صعب أن تُروى، لأنها مثل بعض أفلام المهرجانات: بث لمرة واحدة!
وكل ما خلص ترمس، راح واحد لشنطة التشيرمان، وجاب ترمس جديد، كانه فيه احد داخل الشنطة يعد الترمس ويمده للقادم التالي، فلما خلصت الترامس كلها وصارت الساعة ثنتين، قال رازييل: مافي شاهي؟
قال التشيرمان: فيه واحد برا! بكل ثقة قالها!
خرج وجاب الترمس وحطه، وهنا ابديت ملاحظة في غاية العمق والسريالية من الاستاذ ابن الرومي:
قال: يا الله! وش كمية الشاهي هذه! كل شوي ترمس شاهي طالع من العدم!
وفعلاً كان هذا رقم سبعة الي يقحنونه! ولو خلص وراح للشنطة، كان لقا ترمس جديد جاهز للقحن!
جربوا كل الانواع، حار، بارد، حبق، خوخ، قرفة، زعتر، الي يجي ببالك عزيزي القارئ، لدرجة أن بطونهم مصدومة، وعقولهم لا تستطيع تدرك حقيقة ما يحدث الان!
هنا أطلق المعلم مقولة مقولاته التي دوما يخلدها التاريخ!
قال:
الجمعة القادمة
اسم التجمع سيتغير
من
( استراحة لعنة الوعي والهروب من الخذلان )
إلى
( استراحة *فقد* الوعي ولا تيأس فثمة خيبات أمل جديدة)

ثم صدحت في الأفق الأغنية التالية:


Two cigarettes in an ashtray

My love and I in a small cafe

Then a stranger came along

And everything went wrong

Now there's three cigarettes in the ashtray (In the ashtray)


تمت

المحامِد السبعة!

 - كم محمداً تعرف؟

- أعرف محامِد!


 هكذا افتُتِحَ الحديث بينهما ...

ثم عُزِفَ لحنُ "قف بالطواف"

فخرج المحامد واحداً تلو الآخر،


اقدمهم هو تاجرهم، ويصغر نفسه لتويجر، كنت ذات مرةٍ معه، نمزح ونضحك ونمرح، في نهاية جلسة السمر عند باب الديوانية بجانب سيارتنا، فقال لي:

- انت تحب ترفع ضغط العالم!

قلت له: لا، لكني احب ارفع ضغطك انت بالذات يا ابا القاسم!

قال لي: خلاص يا ولدي اعقل! كبرنا!

قلت له: أبداً! انا معك ما أكبر!

قال: ياسلام!

ثم تبادلنا الضحكات وكلا منا مضى لمنزله.

في البيت استوقفتني كلمتي "انا معك ما اكبر!"

علمت حينها يقينا ان الصديق ينسى كل شيء مع صديقه، الزمان والمكان وحتى اللحظة، مع تراكم المواقف، الافراح، الاتراح، حتى غدت ذكريات، والتي لطالما تشاركناها، فصار كلا منا جزء من حكاية الأخر، فهل رأيتي يوما شخصا يكبر على نفسه فضلاً عن اخيه؟‏

"أنا معك ما أكبر" 

جملة أرسلتها تستحق أن تغدو مثلا!

تدرين لم لا أكبر معه؟

لأني اشعر انني مع من يشبهني، هذه العلاقة تبدو كثيرا مثل قرابة الدم، لكن فيها قرب مختلف، لكن الاختلاف هنا هذا الحس بأننا كلما التقينا كأنه أول لحظة من تعارفنا بدأت فيه جدران الرسمية بالزوال

بهذا ما اكبر معك!


- والثاني؟


الثاني طبيب أسنان أعرفه منذ زمن، أكثر من عشر سنين، يدعى أبا القاسم قاف!

 طبيعة عمله، عقلي ونفسي بدآ يصوران لي أن طريقة العمل في العيادة تنعكس على طبيعة تكوين العلاقة، او لنقل مدى شدة توطئتها! 


أما مشوار الذهاب لعيادة الأسنان مهما كانت فهو مثل الذهاب لورشة صيانة السيارة، كل ما هو مصاحب له كئيب حتى الأغنية التي تختارها، وكأن أبرز ما يرافقك كخلفية أغنية فيلهلم سترينز: "إنجلاندليد" التي غُنيت خلال القصف النازي على إنجلترا خلال الحرب العالمية الثانية، وإذا خرجت ليلا لا تريد أن تنظر للقمر حتى لا يتغير شيء من تكوينك البشري وأنت منتجه لعيادة يعمل فيها رجل سادي يوصف من الأطباء الآخرين أنه ليس بطبيب! 


 أنا آسف يا أبا القاسم قاف، لكن عند الخروج من العيادة أيضا ستستمع لأوبرا دير فرايشوتز: لكارل ماريا فون ويبر! وهي تصدح تقول: 

"ابني، 

 تحلى بالشجاعة! 

 من يتوكل على الله يبني الخير،

 لنذهب! 

 في الجبال والهاوية 

 غدا تحتدم الحرب السعيدة!"


 نعم فمزاجك منذ لحظة الدخول إلى الخروج من سرير المجزرة وأنتما تتبادلان مشاعر حمراء يكبحها العقل أن لا تنفجر!

 فهذا السرير الأزرق مثل طاولة الجزارة، على حد تعبير أحدهم في مستشفى مانشستر لطب الأسنان، حيث أن ذلك المستشفى الغريب يحتوي كل الأنواع الفئوية من الأطباء وبتوجهات صوائبية أيضا، ففي كل حديث كنت تفتحه مع أحدهم تُعاد لك ذكريات القصف النازي وتتسائل ما إذا كان القصف طال مانشستر أم أنه كان على السواحل الجنوبية لإنجلترا وويلز فحسب؟

لكن طبيب الأسنان هذا، أبا القاسم قاف يفهمني جيداً.


- والثالث؟


سألتني، الثالث هو المهندس أبا القاسم سِنَّوْر، بهي الطلعة كأنه القمر، مع لدغة في حرف السين، يتحول إلى شين على لسانه، برغم نرجسيته الواضحة، واعتداده بشكله الذي لم يكن له الخيار فيه، فهو يراوح بين علاقاته الشخصية والرفاق الآخرين، يحافظ على المساحات متساوية بين الجميع، كل من شاهده يستحيل أن يخطئه، رغم اشتراك علاقته مع عبادلة وأحامد آخرين.

ومع هذا ظهوره وان بدى ماقطعا بهي، وإن آثر العلاقة الشمسية معك، اي ان تكون على مسافة مناسبة كن الشمس، لا أنت عطارد ولا الاخرين المريخ!

- والرابع؟


الرابع طبيب أسنان أخر اعرفه منذ سبع سنين تقريبا، وبشكل يشبه الفواصل الأعلانية، يدعى أبا القاسم شين، وهو يشبه حروف شين كثيرة في المعمورة، لكن شينُهُ مميزة، وكذلك عمله، يده دقيقة لكنها كترزي، ترسم أولأ ثم تفكر بالنحت، الساخر في كل هذه العلاقة ان صدمته جلية عندما عرف أن علاقتي بأبا القاسم قاف وطيدة بشكل مرعب، لكنها ساهمت ايضا بتخفيف حدة التطريز في عملة على كرسي المجزرة الأزرق.


- والخامس؟


الدكتور أبا القاسم ابن الرومي، كسحابة صيف محملة بالمطر، لكنها تمطر في اوقات من اليوم لا يكون السكان مستعدين لهذا المطر، وبالتالي يغرق جميع المتخاذلين في بحر من الأفكار يُعاد فيه تجميع الصورة.

الكل يعلم يقينا ان هنالك احتراما متبادلا بيننا، لا ينكره من ينظر أيها، أقريبا كان أم بعيد، ولهذا هو مسلمة تحاوزناها لمساحات نشاط لا تنتهي.

ونعم، أبا القاسم ابن الرومي يفهمني في نواخي اخرى.


تقول الأسطورة عند بقية الرفاق المتخاذلين: أنه بعد الساعة الثانية من فجر اليوم التالي، يبدأ بالتحدث بالألمانية القديمة، وبكل ثنايا الكلم، يكون الشاي حاضراً من العدم، وكل خلاف مستدرك، ففي المشترك مكسب يوافي الفهم ويقارب عدم الكِبر!


- والسادس؟


سادسهم شيخهم، أبا القاسم حسون، دخل بقعتنا على ناصية حملة صليبية تعهدها بنفسه، مرددا عبارته الشهيرة: يا إخوان .. يا إخوان .. ومع ذلك يعتبر نسخة تايوانية او صينية، إذ أنه يتقاطع مع كل الاشياء التي في البقعة، ثم يطوعها طوعا ليذيقها نبيذا رومانيا عتيقا حتى تخرج من هناك بحملة صليبية تنطوي على "سالفة" جديدة!

تقول الأسطورة: برغم من انه دخيل قديم، إلا أنه يحب ختم الأمكنة التي يذهب اليها بسحر ريفيا!

ومع هذا، بيننا من الاسرار ما لا يصح فيه قول انه قاسم مشترك


- بقي السابع؟


السابع هو المتهتك بينهم، ولا يستحق أن يُكنى بها، وهو الوحيد من المحامد الذي لم احفل بعلاقتي معه كثيراً، اذ ان احد الأسباب زمالة العمل المقيتة، وثانيها هي أم الرجل لا يأبه بما نأبه له، او حتى يحاول وداً، هو أناني مستسلم لرغباته، لا يستطيع حتى ان يحاربها بالاستغناء.

لم احزن على رحيله، ولم افرح ببقائه، لكنه كان مسليا في مقر العمل كقط يؤنس وحدتك في البيت.


- هؤلاء هم؟

- هؤلاء!

- أتدري، ما أجمل شيء فيهم؟

- أعلم؛ أنهم محامد، كثيري الحمد، وأنا أحمد الباري أني اعرفهم!



ثم عام عزف لحنُ "قف بالطواف"

فعاد المحامد واحداً تلو الآخر.




تمت


الأحد، 4 سبتمبر 2022

قُبعة ساحر حُبلى بالرؤى



هل يُدوي الإلهام عالياً كمدفع يرمي في الآفاق؟

صاح مدفعٌ في الآفاق ...
وصاح جُنديّ الإبداع بمعيتي ...


كنت في مكتبي بعد ان انهيت دوامي في ايام عيد الأضحى، وجائتي الهام في أول يوم عمل بعد الإجازة، الإجازة التي لم آخذها، كعادة عملي الكريمة، أتتني إلهام تغني:
" هذا حديث الزمان .. بديع في فدائه ... فريدٌ بين الفرسان  .. كأنه خيال "
قلت لها: " يا ذكريات الطفولة أخذتيني بعيدا .. "

رأيتها أمامي، تداعب شعرها الأسود وهي تتغنى بي وكأنها تغني لمسقط رأس الفكرة، كانت عيناها تسحرني، تذكرني بذلك الطفل الذي يذهب يجمع اشرطة الفديو ليسجل تلك الأعمال من التلفزيون السعودي، قبل أن يبدأ اذان المغرب مؤذنا بإنها فترة الكارتون وانهاء حياتي مرحليا، لأني سأخلد للنوم، لأذهب للمدرسة!

"من أجل الناس، لكل الناس! من أجل الخير لكل الناس!"
"أي ناس؟"
"أصدقائك، أحمر، أزرق، أسود، أخضر!"
"أها، أقلامي!"

لم أتوقع يوماً انها ستحظرهم لي مرة أخرى، لكن بعد كل تلك السنين، منذ عام الثمانينات دخلت المدرسة!
خرجت منها مولوداً يبدو يافعا، لفظته المدارس!
تلقفتني الجامعة بكل قبح!
زارني هاجس، وهجرتني إلهام!
 هذا الهاجس كان يسمعني كل الأفكار التي قد تخرج من" إضراب لطلاب المدارس "، فكرت قليلاً فأضربت الجامعة!
الهاجس ساعدني، جعلني افكر، قال لي:" لا تفق .. ولا تنحني إلا للريح .. كن كأغصان الشجر التي تميل مع الريح ولا تنكسر .. ولا تترك كفيك بلا شمس؛ حتى لا تغدو شاحبا كالقمر ! "
خرجت من الجامعة بعد مخاضٍ عسير، فلقت الآن فقط أنا استحق إجازة!
بعد الإجازة كنت اتخبط في يأسي وكبريائي كنت ولا زلت احاول ... بدأ يغادرني يغادرني هذا الهاجس لكن ليس للأبد، تعرفت على عوالم جديدة له اخذني معها وقبض علي بها!
لبست شماغي وعقالي على رأسي وخرجت، وجدت كرسيان وطاولة على قارعة الطريق فجلست افكر، فرأيت امامي ذاك المبدع الذي لطالما كان يناديني: 
- هل تلعب معي؟
- ماذا نلعب؟
- احجار الدومينو! كي تهزم هاجسك!
وجلس هاجسي يراقب هاتفي!
ومع كل جولة انتصار، تخرج احدى بنات إلهام من تحت الطاولة، معها زنبقا أحمر، تزرعه في الحديقة الخلفية لكرسيي!

عندها فقط تذكرت إلهام وهي تركض مع البجعات حول الجداول والشلالات كظبية فوق الجبال وهي تردد: " أيامي سحرٌ وجمال أيامي حلمٌ وخيال "
ما السحر وما الخيال؟
وما الحلم وما الجمال ؟
قالها لي بنظراته الحبلى بالحزن، وأن أخرجها بضحكاته السعيدة التي يخفي فيها أي مشاعر أخرى!

نظرت فإذا أسير في ذات الطريق الذي سارت فيه هذه الأفكار النهائية!





هذا نص عمره فوق ١٠ سنين
قرر الان ان يكتمل
بعد أن مر بتعديلات كثيرة
من العنوان، لعلامة التعجب الأخيرة!

الخميس، 1 سبتمبر 2022

نوتات موسيقية

 فتح البيانو وبدأ يعزف لحنا شجيا يتخلله "ريمكس" لذات لحنه ...

- أتفتقدني؟

- أتعرف! ما عدت أعرف معنى الفقد، أو حتى تلك الحساسية المفرطة تجاهه، هل لأني جربت فقد ما هو غالي؟ حقيقة لا أدري!

ومع استمرار العزف، بدأ في رأسي حديث رجلين بلغتين شرقيتين، قريبان من البر الصيني،

فعاد لسؤالي:

- أتفتقد طرق أصابعي؟

- لا، يرن هذا اللحن الشجي القديم في أذني وفي قلبي، لكن نوتته تتمزق في حال مواقف ما، يخيل إلّي أحيانا، أن من هم في الجوار لا يريدون لهذا اللحن أن يكون طاغيا، ولهذا أحيانا يأتي ذلك الجامح يصيد صياد اللحظات من الغابة وفي اقصى الوديان بخنجره!

- أتريدني أن أغير اللحن؟

- لا عليك، أنظر هُناك! أتُراهم يطيرون؟ مُهاجرون؟

- الغربان؟

- والبوم أيضاً!

- لابد من تغيير اللحن!

رفع النوتات وجلب اخريات،،،

كان لحناً غضوباً،

متسلسلاً،

وتخف نغماته، وإن لم تخف غضبته!

أما الثاني جمع كل الخيوط التي تربط الأشياء ببعضها،

خلطها، ثم أحرقها

ونثرها!

رفع النوتات من جديد، وعاد ليعزف لحناً شاعرياً، به لغة شرقية، عدوة للغة أخرى، فتذكرها الآخر، فلَبِسَ كل أدرع محاربي الشرق القُدامى، وجلس بكل تافف أمام المروحة الكهربائية، يبحث عن شيء من الهواء البارد، بعد كل هذا الحر ....

- هل يجب أن يفعلا هذا كل مرة في الصباح يا بابرا! - صوت نسائي صدح من الغرفة المجاورة، يكلم هاتفاً!




تمت