الأحد، 31 ديسمبر 2017

كما لو كانت جدارية ..

‏ليس نصاً يُكتب!
ليس حكايةً تُروى!
ليس شعراً يُنظم!

كثر مروا
ارتحلوا
عبروا
كحديث عابر في كلام عابر، لم يكن سوى شيء يسرد على آذان مستمعين، كأهزوجة ترددها جوقة في خلفية حكاية لرقصة شعبية توثق كل ما عداها؛ لتظل حية!

وهل تموت؟

‏كل شيء يموت، حتى المحبرة تجف!
لا عنب يرطب الحلق، ولا رطب يرطب الجوف، ولا ماء يروي الأرض، كل شيء يستحيل للسكون.

فهل تموت؟

لعل الرواية هي الباقية، تذكيها ألسن، كألسنة اللهب، تذكي الجمر، حتى تظل النار متقدة.
لكن ما أن تخبو حتى يطير الرماد كرفاة تذروه الرياح، فتعود سيرتها الأولى.

‏لم تكتب!
ولم تروى!
ولم تنظم!
فقط: عابر في حديث عابر، كمسافر مر من هنا، ولم يقيم.

أتُراه يعود؟
ربما يعود ..
لعله يعود!

الخميس، 28 ديسمبر 2017

بين الاحتفائية والانتقائية

فكرة وعنوان المقال قد خرجت من رحم نقاش مع محمد السدحان @0MOS0

وأهديها للرفيق العزيز يزيد العيسى @YzdAE

....

في ظل ارهاصات عديدة، تبرز أهمية مسألة معينة، وسؤال قديم قدم الوجود:

أيهما أسبق: الحالة الفنية أم الحالة النقدية؟

معظم الفنانين والنقاد والأدباء ميالون للفكرة التالية: "أن الحالة الفنية توجد الحالة النقدية"
وإن كان البعض بؤمن بالعكس، في الحالين، الحالة النقدية ضرورية في تقييم الحالة العامة، وتوجيه الذوق العام، وتقنين الكيف مقابل الكم.

عند أي ظهور جديد على ساحة ما، خصوصا ان كانت ساحة لا تعاني عسر هظم أبدا، تبرز حالة احتفاء بما هو جديد، لانه يقدم محتوى مختلف عن السائد، واذا صادف انه ذو جودة في نواحي ما، فيزيد من سعار نار الاحتفاء سعارا، لكن مع مرور الوقت، لابد من الخروج من هذه الحالة الاحتفائية، الى حالة انتقائية!

لان السماح بمرور كل ما هو مختلف عن السائد، لمجرد انه مختلف، وهو يلوك ذات الأطر والأفكار واللوحات، ويعيد تقديمها بذات القوالب وان بدت جماليتها، لكنها تجمد المبدع في نقطة محددة، تحت فكرة ان الساحة لا تعاني عسر هظم أبداً.
الحالة الانتقائية تساعد على وجود حالة تفضي لمناخ نقدي مستقبلا، تساعد على ان يفرز ما بين ما يستحق الاحتفاء حقا، وبين ما هو مكرور، سواء كان جيدا أم غير ذلك، أو ما هو غثاً يجب أن تلفظه هذه الساحة التي لا تعاني عسر الهظم أبداً، لانها في النهاية ستصاب بتخمة، لا يرجى معها الشفاء أبداً

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب.

الأربعاء، 6 ديسمبر 2017

أنتا بتحب مصطفى متلي؟

أنا بحبك يا مصطفى....

هذا المصطفى، كان بمثابة أعلان أنه ابن الإسكندرية التي أشعت بنور منارتها العالمية في مطلع خمسينات القرن الماضي، جاء هذا الإعلان على لسان رفاق هذا المصطفى الذي كانوا يقولون عنه:

"يا مصطفى يا مصطفى
أنا بحبك يا مصطفى
سبع سنين في العطارين
امتا حتيجي يا مصطفى"

سبع سنين؟ وفي العطارين؟
هذا يبدو مثل لغز محير!
ثم من هذا المصطفى الإسكندراني؟
وتزداد الأحجية تعقيداً في المقطع التالي:

"تعالا يا مصطفى يا إبن السرحان
جيب تعميرة عجمي و لف ع الجيران
و اما ييجي كيفه .. كيفه
يشرب على كيفه .. كيفه "

حتى نستطيع أن نحل هذا اللغز علينا ان نعود مع الأغنية لمطلع الستينات في مصر، وتحديداً عندما منع مجلس قيادة الثورة هذه الأغنية ظناً منهم أن هذا المصطفى هو "النحاس باشا" مصطفى النحاس مؤسس حزب الوفد ورئيس الحكومة ومجلس الأمة أيام الملكية، المتوفى بالإسكندرية 1965 ، وان السبع سنين المذكورة بالاغنية ماهي إلا ترميز لسبع سنين مرت على اسقاط الملكية وقيام الجمهورية، وذلك عام 1960

لكن كل هذا الحديث يفسر المقطع الأول، لكن ما حكاية التعميرة العجمي للمعسل والأرجيلة والي ييجي كيفه كيف يشرب كيفه كيفه؟

حتى تفهم أكثر يجب أن نعود بالزمن لحقبة أقدم، مطلع الخمسينات عندما صدحت هذه الأغنية للتعبير عن دخول الإسكندرية لبوابة العالمية، حيث كان الكثير من اليونانيين ويهود مصر الإيطاليين والأتراك والإنجليز والفرنسيين يعيشون بها، وتحديداً في "منطقة العطارين" بالإسكندرية، يرتادون الكافيهات والمقاهي والكازينوهات، حيث تجمعات الخواجات "خبيبي" والكثير من النرجيلات والأغنيات الشعبية.
كان بوب عزام مصرياً يهودياً من أصل لبناني، حقيقة الأمر أن بوب مثل مصطفى الذي أخترعه، حيث مع مرور الزمن أصبحا كالأساطير الشعبية، الأكيد أنه هو من إستطاع نقل هذه الأغنية، ذات الكلمات المركبة من المحكية المصرية واليونانية والتركية، للعالم خارج مصر، هاجر مع مطلع السيتينات لسويسرا وابتاع مقهى ليلى هناك في جنيف، وبقي فيه يحكي حكاية مصطفى الذي من حارة العطارين بالإسكندرية ويحب الخلطة العجمية للشيشة المصرية ويشربها، حتى وافته المنية عام 2004

عندما منعت الأغنية مطلع الستينات، استقال مدير التصنيف والرقابة السينمائية من منصبه، احتجاجاً على منع الأغنية، بسبب التأويل الهزيل الذي ذكرناه آنفا، خصوصاً أن مصطفى النحاس لم يتوفى بعد حينها، كان ذلك المدير هو الأديب نجيب محفوظ، والذي بدوره أيد السادات في خطوته بخصوص كامبديفيد!
الذي ساعد في نشر الأغنية عربياً هو فيلم إسماعيل ياسين "الفانوس السحري"، وفيلم "الحب كده" والذي جمع صباح مع صلاح ذو الفقار، ومنها الى دول العالم القديم: اسبانيا، فرنسا، بريطانيا، اليونان، قبرص، وحتى الهند.

عندما تجمع أطراف هذه الحكاية المثيرة خلف هذه الأغنية البسيطة الشعبية، تكتشف أن الأمر لا يتعدى بساطة الحكاية الشعبية، وإن كان بعمق الأسطورة.

ويا مصطفى يا مصطفى .... انا بحبك ياااااااااا مصطفى ،،،
https://soundcloud.com/moh-talaat/mjsy7rwduwps