السبت، 24 ديسمبر 2022

وداعاً يا ثيو! سأغادر نحو الربيع!

 سأذهب الى الربيع


قد هبت نسائم عذبة وعليلة

باردة

كنت تسير أمام البحر تنظر الى والدنا

مرتديا ثيابا سندس خضر

كأنت تنظر للوحة رسمت سلفا

وما زلت ترسم


عزيزي ثيو


انت غارق في هذا الحلم

وانا حولك وعندك

يسير حولنا طفلين

واحملك طفلا

كل شيء تضائل فجأة في هذه اللوحة


ثيو ثيو

عزيزي ثيو


صوتك ما زال يرن في اذني

تلويح يديك

ونظرات عينيك

انت قطعة من لوحتي

كالقمر الذي رسمته في لوحتي الزرقاء

الان بدأ يختفي

يستحيل كل شيء لهذا اللون الواحد


وداعا يا ثيو


الأحد، 11 ديسمبر 2022

عزيزي ثيو: يا جلدة وجهي كله!

 

عزيزي ثيو


كيف تزرع هذه المشاعر داخلنا؟

انا وانت، نفهم بعضنا جيدا بالرغم لو اعترت بيننا خصومات ومشادات،

هل رابطة الدم هي التي تجمعنا؟

ام طول المقام والعشرة يا ثيو؟


ثيو، ثيو، اسمعني:

قد مرت اوقات عصيبة، لكنك كنت معي وبجانبي، فلا تحطمني، هل استطيع ان ازرعك؟ لكن الزرع يذبل؟


ثيو، ثيو،

عزيزي ثيو:

في قلبي نار تتأجج ومع ذلك لم يأتي أحد كي يتدفأ

انت ناري وانت دفئي ومن يحنو علي

صمتك الذي يبدو قاتلا هو كهدوء الكون الواسع الذي انصت له

اشكرك انت معي دوما، انت دوما معي، لم تفارقني ولن افارقك!




الخميس، 8 ديسمبر 2022

ثيو: أنت عندي وحولي وإن كنت بعيدا عني!

 عزيزي ثيو


هل نحن تفقد البهجة تدريجيا؟

ثيو، أخي، ساعدني؟

ما هذا البريق الحزين الذي يحيط بي؟

كأنه لمعان شمسٍ خلف الغيوم، في سماء مدينة وسط الصحراء؟

كأنه الفرح الذي أريد الإمساك به لكنه يهرب من بين يدي؟


ثيو، ثيو،

هل تسمعني؟

أجبني بالله عليك!


ثيو:

انت الوحيد الذي تفهمني، هل أنت كنزي الوحيد، والفن الوحيد الذي وهبته؟


أنت أخي! أنت من تعرف قيمتي! من وهبنا الحياة سوية من رحمٍ واحدةٍ، لا أولائك الناس الذين وهبانهم الحياة من حياتنا، ولا نجد لهم براً، زوج، زوجه، ابن، ابنه، او حتى امتدادات اخرى في الحياة تبدو انها قريبة منك وهي الابعد عنك.


ثيو،

الان يبدو الوقت كأنه اول وقت المغيب، لا ادري، لكن الجو الملبد هذا، يجعلني في شك من الوقت، مهما حدقت الى الشمس، لعل هذا سيجعلني ارسم لوحة!


ثيو،

انا عاقلٌ فقط، وأرسم!


ثيو،

قريبا، سيأتي طائر السنونو، ليعود الى عشه القديم!


ثيو،

ثيو،


الاثنين، 7 نوفمبر 2022

ثيو: هنالك أشياء لا تفهمها النساء!


عزيزي ثيو:

إلى أين نحن ذاهبون؟

هل بدأت تفقد معي إحساسك بالحياة؟

أنت الوحيد الذي تفهمني!

ثيو: هل تذكر عندما اخبرتي عن فان عندما رسم صورة لنفسه؟

اليوم، انا ايضا اخذت صورة لنفسي أمام المرآة!

قد تتسائل لم؟

حسنا.. هممم لعلي تذكرت عندما ارسل فان اذنه لتلك المرأة الثرثارة على حد تعبيرك لي عنه!

هذه أشياء لا تفهمها النساء!

عندما تأتيك احداهن تبكي وتقول لك شكواها، وأنت تستمر بشرب قهوتك، ثم ما اذ فرغت تقول لها: اتريدين ان نخرج سوية؟

تحس ان سعادة ستغمرها، ولكن تنتابها رعشة واتغضب منك لانك بلا مشاعر، ذو قلب قاس كالصخر!

لم تفهم هذه البلهاء ان هذه محاولة مني لاخفف عنها وطأة اللحظة فضلا عن المكان؟

ولكن ... كما قال اخوك يا ثيو: هاك اذني ثرثري فيها كما تشائين!

ثم تاتيك مرة أخرى كالغراب، وتنعق في اذنيك، انك نسيت شيئا ما، عاديا، ويمكن ان نتجاوزه بامور اخرى، فلما انتهى نعيقها، واستحال كل شيء للون الرمادي، وكأن تبغا للتو قد احترق وانتهيت منه، ثم تنام!

تعود لمحاولة الاخفاق كما يحببن تسميتها، فتشغل الشموع في كل مكان وزاوية، ثم تجلب كعكة الحظ، وتقول لها: هاك!

لكنها البومة تفقد معني هذه الاشياء، ومن ضمن الصراخ الذي تصدره، محاولة قتل الطفولة، انها ليست طفلة حتى تعطيها صورة طفولية كي تهدأ!

فترجح اللحظة بؤسا رماديا، ويعاود التبغ احتراقة من جديد!


اعلم يا ثيو، إن لي عيني فنان وحسه، لا جنونه، ولكنك يا ثيو تفهم هذا جيدا، فلا زلت أكتب كما كان فان يرسم!

لكني اعي هذا جيدا، هذه المشاعر كأشياء عديدة لا تفهمها النساء!

من مشاعره اكثر طفولية او اكثر نضجا

ثيو لم اسبب لك غير المتاعب، لكني قررت ان اترك لك الرسالة تحت صخرة صغيرة اقول لك ما اقول كما كان يقول لك فان

اشكرك

صحيح كان يقول فان ان في قلبه نار تتأجج ولم يأتي أحد ليتدفأ، أحقا لم يأتي أحد؟




ثم ثنى الرسالة، ووضعها تحت صخرة صغيرة كي لا تطير!

المكان: أوفير سور وايز - شمال باريس




- الن تتوقفي؟ قد سال انفك!




الأحد، 16 أكتوبر 2022

Kleo هل تخوننا منابتنا؟

 

يبدأ المسلسل بعملية لفريق غير رسمي تابع لوزارة أمن الدولة (شتازي) في ألمانيا الغربية، في عام ١٩٨٧م.

تتم العملية بنجاح، ويعود الفريق لأماكنه المعتادة مرة أخرى.


لكل محبي انمي مونستر، اتصور سيهيمون في هذا المسلسل الالماني. اذ يتحدث عن الفترة التي سبقت انهيار جدار برلين والاتحاد السوفييتي، تحديدا الاعوام ما بين ١٩٨٧ حتى ١٩٩٠ ومحاولات اعادة الاتحاد. كثيرة من الاعمال التي ستاتي في ذهنك، من ضمنها ايضا الفيلم الاماني: وداعا لينين!


لكن هل ألمانيا عادت للاتحاد حقا؟


الاحداث تقع في ألمانيا الشرقية، في برلين الشرقية تحديدا، وهذا النزاع الذي يتشكل داخل ذلك القطر الواحد، القطر الذي قاده نمساوي لاحتلال كل اوروبا، ثم الاتحاد السوفيتي، ليأتي الأخير ليتربع وسط مبنى الرايختاج! تنشأ كليو مثل اطفال كندرهايم ٥١١ مرددين نشيد الشباب الألماني الحر!


لكن تتوالى في حياتها صدمات واحدة تلو الأخرى من كل محيط او دائرة تحيط بها. من اسرتها لدائرتها الكبرى: المانيا! بشرقها وغربها! غربها المقيت! 


تجد كليو نفسها، متهمة بالخيانة العظمى رغم أنها لم تقترف ذنباً، ومن قام بالتبليغ عليها هو جدها! وتخلى عنها حتى زميلها الذي حملت منه بطفل، وفقدت جنينها الذي حملته في رحمها داخل السجن، لتخرج منه منهارة كجدار برلين في عام ١٩٨٩م بعفو عام، ولكن عاقراً لا تستطيع حتى أن تحمل، أن تحمل طفلاً أو أملاً أو حتى حُلماً أو عائلة!


هل تخوننا منابتنا؟

هل الحياة عقيدة وجهاد فحسب؟

هل يولد الحُلم من رحمٍ عقيمة؟

هل أرواحنا تُستنزف؟

هل تستطيع تسجيل دخولك للحياة من جديد؟


فتقرر كليو الذهاب برحلة انتقام من كل من تسبب عليها!

ولكن من الذي خان كليو؟

هذا سؤال كلما بحثت فيه، خرجت لنا اغنية من اغنيات الجيش الأحمر السوفييتي تصدح في العلن!


العمل اجاد في تفاصيل الحقبة، ونقلك اليها كما لو كنت في كبسولة زمنية! تسحبك حلقاته للداخل مع موسيقاه واغنياته واهازيجه. التفاصيل فيه مدقنة! من وجة كليو الطفولي، حتى موضوع الحقيبة الحمراء السرية المنشودة، التي تحمل فيها الحقيقة المطلقة لكل شيء عن كل شيء!


تتفاجأ كليو أن الجميع قد انقلب عليها، حتى الرجل الذي حملت في داخلها طفلا له في يوم من الأيام! ولم يساعدها في هذه الرحلة الا محقق أرعن يبحث عن ذاته ولكنه من برلين الغربية!


هذا المحقق نفسه وجد مرؤوسيه في ألمانيا الغربية ايضا يحاولون ردعه عن المضي في مسيرة التحقيق بالتنمر والتهكم عليه، فيجد في عملية الشتازي السابقة ضالته؛ معرفة الحقيقة!


لكن أي حقيقة؟

التحقيق في عملية اغتيال حدثت في عام ١٩٨٧م؟

ام حقيقة الاتهام الذي لفق لها؟

ليقود كل شيء للحقيبة الحمراء!


ولكن السنا شعبا واحدا؟

وسقط الجدار؟

فما بال كليو تنكر ما ترى، وتنكر الوجوه والأماكن، كحال سيفن الذي تخلى عن حياة قد تبدو رغدة مستقرة لصالح ذات الانكار، ولكن من زاوية مختلفة!

هل من الممكن أن تغتال منابتنا ما ينبت فينا؟


طريقة اخراج الحلقة السادسة، لا أعلم لم ذكرتني كثيرا بفيلم دوق فالي!

لعل الأمر عائد الا كونه مراجعة لشريط الذكريات، أو لأقل بتعبير آخر: البرمجة الكندرهايمية!

هل هذا حقا جدي؟

وتلك أمي التي تخلت عنا لصالح الغرب؟

وهؤلاء الرهط أهلي وناسي؟

أم منتدبون للعيش معي؟

أهذا حينا؟

مدينتنا؟

برلين التي تخصنا؟

سيفن الذي عبر بسيارته بسلاسة ليقول له حارس المدخل:

- أنت من الغربية؟

- نعم!

- تفضل!

- بهذه البساطة!

- بهذه البساطة!

فهل برلين تخصهم ايضا؟


يستمر العمل في هذا الجو من المطارة والثأر والجاسوسية للبحث عن هذا السر الخطير خلف هذه الحقيبة الحمراء. كأنك تعيش سيناريو معد سلفا، مثل اختبار S3 الذي صنعة الوطنيون في لعبة #MGS2 او قريب به! لكن ما الثمن المقابل من رحلة العمر؟


التمثيل والأجواء واللغة والموسيقى التصويرية اجادت نقل الحالة تماما، منذ استهلال الحلقة الأولى بعبارة: "هذه قصة حقيقة! او لعل ليس كل ما ذكر هنا حقيقي!"

لكن الحقيقة التي اراد قولها المسلسل هي:

ما هي قيمة المكان؟


 تحديدا ثنائية الممثلين: ديميتريج شاد وجيلا هاس! كانت تحلق في حالة فريدة من الاداء، ولا يعني هذا الكلام بالضرورة ان البقية لم يجيدوا، ولكن من ظهورهما الأول يأسرانك!

ويبقى السؤال:

هل الحياة كما قال أحمد شوقي عقيدة وجهاد فحسب؟ ما الغاية إذا؟

هل تخوننا منابتنا؟

هل يولد الحُلم من رحمٍ عقيمة؟

هل أرواحنا تُستنزف؟

هل تستطيع تسجيل دخولك للحياة من جديد؟

ما قيمة هذه المنابت إذا؟

هل نستطيع أن نسامح من حرمونا الوقت؟


لتجد نفسك تردد في نهاية كل حلقة التهويدة التالية:

"ثم جائت رصاصة العدو

خلال لعبة ممتعة

بابتسامة شجاعة

سقط عازف البوق الصغير

بابتسامة شجاعة

سقط عازف البوق الصغير

شعرنا بالإرهاق" 


وعازف القيم؟

تلاعب بها من حمل الحقيبة الحمراء اخيرا!

الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي ورئيسا الألمانيتين!


- ثم ماذا جرى للعازف؟

- نام!


"نوم هانئ يا عازف البوق الصغير"




الجمعة، 14 أكتوبر 2022

Barry هل يعيش الإنسان ممثلا؟

 


 باري هو مسلسل من ثلاثة مواسم بكوميديا سوداء عن قاتل كان جندي سابق في الجيش الأمريكي، يجد نفسه وسط درس في حصة تمثيل رغم أنه في مهمة لقتل شخص ما داخل هذا الفصل!

لينتهي به الأمر أن يكون هذا الفصل هو سجنه الروحي، والعملي، اذ يوفر له الغطاء لعملياته، وكذلك الخلاص الروحي اللحظي كحالة سكر عند ساقي حانة كغريب.


 خلال الحلقة الأولى، تجوب ذهنك أعمال مثل لعبة Grand Theft Auto و فيلم Mr. Brooks وما شاببها

 ذلك الجو الساخر المضحك رغم جدية الحدث والقصة.

 ورغم هذا، باري وجد في مونولوجات التمثيل فرصة للتنفيس عما يعتريه، فيقول الحقيقة التي تبدو للآخرين كذباً درامياً أدبياً، لا يدرون إلى أي زاوية أخذته ذاكرته الانفعالية حتى يخرج بهذا الأداء الساحر للألباب، وكأنه ممثل من المدرسة الأسلوبية.

بجانب هذا الفصل الدراسي، هنالك فصل أدبي لعالم أبطاله شيشانيين!

موضوع الشيشانيين في عالم الجريمة وشراستهم، هذه ثيمة تكرر بين فينة وأخرى، يشتركون مع جيرانهم الإقليميين الروس في الشراسة، ولكن لديهم أيضا طباعهم الشرقية الخاصة، التي قد تشعرك بالمشترك بينك وينهم، في ذات السياق كان لهم ظهور ملفت بهذه الطريقة الصاخبة في فيلم وعود شرقية ٢٠٠٧، حتى في موضوع الوشوم ترتيبهم داخل العصابة، خصوصا وشم "المسجد" العجيب عند معاون بازا.

 

المسلسل لا يكتفي بشرط العمليات الإجرامية التي يوكل بها باري فحسب، أو حتى كيف يخرج من هذه اللحظة القاتمة للحظة السُكر داخل تكنيك تقمص الشخصية، بل يتعدى الى فكرة تطهير النفس، مثلا:

استخدام موضوع بقعة ماكبث في الحلقة السادسة بديع، لان باري يتورط اكثر واكثر في المعمعة، بسبب رجل واحد، وتغافل عن حسه الغريزي، الذي لم يفقده رفيق دربه، وبالتالي هنا تنازعه روحة مثل ماكبث تماما: هل يستمر في طلب الغاية، أم يبحث عن سلامه الداخلي، وهل له سبيل؟

أم أن السبيل أنه وُجِدَ في ماكبث ذاته؟

وهنا تأتي ميزة نهاية الموسم الأول، تنتمي لنهايات الاستمرار في المهزلة! بمعنى انه المدمن على شيء لا ينفك عنه وان جافاه. تستيقظ فيه غرائز الصياد، حتى لو أراد اختطاط حياة جديدة فستكون له معاناة جديدة معها، وكما قالت خليلته:

 "ليس لدي تأمين طبي، حصص التمثيل تغنيني عن الذهاب للعيادة النفسية!"

ولهذا يستمر هذا القلق الروحي والنفسي!



بالحلقة الرابعة من الموسم الثاني، نشاهد ثلاثة خطوط، الأول تطور علاقة باري بخليلته، والثاني لُقياها زوجها السابق، وأخيرا تطور علاقة مدرس التمثيل بابنه!

 الفن قطعا هو أحد أشكال التعبير، لكنه أيضا قد يمثل حالة هروب للشخص! هروب من الواقع الفعلي إلى واقع مفتعل! بمعنى اخر: جلسات عيادة نفسية!

المفكر قد يمارس الهروب من طرح فكري لتأليف رواية! وكذلك المؤرخ قد يهرب من تأليف كتاب عن إعادة قراءة التاريخ لتأليف مسرحية! وكذلك الشاعر، يهرب للرمزية التاريخية عن الهجاء المباشر!

 في حالة مدرس التمثيل، هذه الحصص واستخدام الذاكرة الانفعالية ما هي الا حالة هروب من علاقة المضطربة مع عائلته!

ولهذا استشهد بقول لعلي عزت بيجوفيتش في كتابه: الإسلام بين الشرق والغرب:

 " الفن بسبب خاصيته الروحية دائم البحث عن وسيلة أخرى للتعبير، عن "لغة إضافية" "

ولهذا، هل كانت لحظة دخول خليلة باري (سالي) للمسرح في الحلقة السابعة من الموسم الثاني تعني شيئا ما؟

 هل المسرح التجلي الأخير للممثل؟

 لا أعلم لم ذكرني دخولها بلحظة دخول المطربة انديلا للمسرح مع القرد قبل الدخول في الجزء الثاني من الأغنية، اعني اغنية Indila - Parle à ta tête

 ما بين الربكة والرغبة يحدث التردد!

 هل في الحياة مبعث لمثل هذا؟

 كرحيل الرفاق الشيشانيين؟

هل الرحيل هنا في معنى النجاة؟ أم تقرير المصير؟



العالم الموازي في الحلقة الأولى من الموسم الثالث، من اللفتات الجميلة التي ظهرت على الإخراج في هذا الموسم، كأنها بالمعنى الفني: المعنى خلف الصورة!

بقعة ضوء على خشبة مسرح الحياة!

 ولعل هنالك لحظات كثيرة خلال رحلتنا مع مسلسل باري، تجعلني أتذكر واستحضر لحظات من مسلسل: The Kominsky Method

 شريكه في الكوميديا السوداء التي يحملها والمجاز الفني

 

في الحلقة الثانية والثالثة هنالك مشهدين ملفتين:

 الأول: مشي سالي خليلة باري في الحلقة الثانية بين مواقع التصوير حتى آخر باب ثم اغلاقه ليستحيل المكان لظلمة، تكسر بإضاءة حمراء، تصحو فيها لتدخل تاليا الى الشخصية!

 الثاني: هو استحضار اسطورة بولانديلا وسُمية الانتقام في نهاية الحلقة الثالثة

كلا المشهدين كانا يمثلان انتقالان للشخصية من مكان إلى آخر، بالنسبة لسالي فهي لا تزال ابنة الستة عشر ربيعا لكنها مع باري، وفي حالة فيوكس، كان هو أحد الأرواح التي فضلت أن تتحول لأحد ضواري الغاب فقط لتظل هي المهيمنة بدالته على باري في أنه انقذه من سُعار الحرب!

وهنا يبرز سؤال: هل يعيش الإنسان ممثلاً؟

لعلي أجد إجابته في لقاء للمثل القدير مارلين براندو، عام 1973 مع المذيع ديك كوفيد يتحدث فيه أن الانسان بطبعته يمثل، وبهذا ينجو في هذه الحياة، وبه - أي التمثيل - يواجه صعوباتها وتقلباتها، لدرجة انه قال للمذيع: انا وانت الان نمارس التمثيل بيننا وامام جمهورنا الحاضر في الاستديو!


الممثلة الصغيرة شريكة سالي مزعجة، وتثبت أن بعض الأحيان أن المحيطين بك قد يتسببون في تدمير حياتك، هي احداهم، ظروف الانسان قد تتشابه في بعض التفاصيل، لكن المحصلة بالصورة العامة وقد يكون هنا الاختلاف، لكن قد يطرأ للإنسان طارئ بحياته، كتطور مهني (مثل سالي) فيرى نفسه بموقع أفضل على أقرب الناس له.


مشاهد البرزخ (الشاطئ البارد) بالحلقة السابعة من الموسم الثالث، وتعارف بعض الأرواح هناك ونكران بعضها، هو بطريقة أو أخرى انعكاس للواقع الذي مرت به!

 عندما استيقظ من نوبة السيانيد ووجد نفسه أمام الشاطئ، باري، قفزت لذهني فجأة

 Death Stranding 

والعودة للشاطئ بكل مرة يريد التأكد هو في أي جانب!

فإذا كان الشاطئ هذا هو معناه، فالصحراء هي التيه، وقد يمتد التيه الى حيث لا تدري أين سيفضي.

 ويسدل الستار على الفصل الأخير، الفصل الأم من الحكاية!

 فهل عُولِجَ المُمَثل؟

 وانتصرت الذاكرة؟

وما زال الناس يحتاجون للعبور الجديد في الحياة، مثل مسافر عند بوابة المطار، يدخل في رحم تُولده في مدينة جديدة!

  هل كان باري متفرجاً على الحياة؟

 كمشاهد عند خشبة مسرح؟

 يعاين كل شيء كغريب عنه، ولا احقاد ولا كراهيات، ولا هدف في الحياة، ما يملكه هو ما يملكه فيوكس منه ومدربه المسرحي

فهل لعبوا به حتى بأنماط جنونه، ولا يقحم هو في ذلك أي عاطفة؟

 يؤمن بفكرة، وغداً بنقيضها، يدافع عنهما معاً، أو يلعب بهن معاً!

 لا يُمَكن بأي شيء الآن، كاحتراق شمعة!

 كل هذا كان مجرد لعب برؤوس الأفكار؟


:لعل هذا يذكرني بقصيدة أدونيس: صوتٌ آخر ..

يقول:

  ضيّعَ خيطَ الأشياء وانطفأتْ"

 نجمةُ إحساسه وما عثرا

 حتى إذا صار خطوُهُ مِن مَلَلِ ،

 جَمّع أشلاءَهُ على مَهَلِ ،

 جَمّعها للحياةِ ، وانْتَثَرا."



 

الاثنين، 3 أكتوبر 2022

٣ تشرين

 

الثالث من أكتوبر/تشرين الأول

يومٌ صباحهُ بارد، ظهيرته دافئه

وأخبار تراوح بين هذا وذاك


شعورٌ يعتريك مثل لحنٍ يغلفه الشجن

وقلبٌ ينبض كأن به غصة

غصةٌ تنعكس على تنفسك

ولكنك تمشي بين الردهات، محاولاً تسجية الوقت

وعندما تدخل "الكريدور" تشتد وطأة كل هذه الأشياء


ثم يهب نسيم،

بارد،

نسناس،

ولو كنت في بقعة أخرى من العالم، لربما بدأت تندف،

بلورةً ثلجيةً شفافةً وكأنها اللحظة الأخيرة لك أمامها،

أو تُمطر،

المهم أنه نسيم بارد يسليك،

ويتابع اليوم همته معك


ثلاثةُ عمالٍ بجانب مكنسة كهربائية يحاولون تنظيف اصيص نبات في زاوية المبنى، امتلأ بالغُبار والأتربة، لا الاصيص ينظف، ولا التراب بقي، كلما نظف جزء، كال جزاً آخر وأضافه للأصيص، كنشاط سيزيفي بلا أي طائل ولا معنى،


"حبة مزيكا رايقين"

صوتها يتردد على مسمعك،

تسمعها تناديك،

ليست مسافرة، وإن كانت معها حقائب،

تناديك بهمس!

هل جربت هذا قبلا؟

"أتسمع لحني؟"


- هل كنت تلهو أم تكتب؟

- كنا نلهو!

السبت، 10 سبتمبر 2022

وان راوند وَ تَمِيزْ سوبر خان!

 وان راوند وَ تَمِيزْ سوبر خان!



منذ دخول شهر آب اللهاب، وصار لدينا عادة شبه اسبوعية، أن يتخلل فطور يوم السبت، قرص الخبز الأفغاني التقليدي أو كما يعرف شعبيا بالتَمِيزْ!


كل فجر سبت، أخرج بعد الصلاة مشيا للفوال، في الطريق، أمر على ثلاث قطط، احدهم ذكر المنطقة الذي بال في هذا المربع اعلانا منه عن توتر العلاقات مع الذكر الآخر الذي يحوم في حاويات القمامة بحثا عن حل!


بعد تجاوزهم، أمر بجانب محل ألعاب شبكات اسمه "وان راوند1" أي جولة واحدة! يتجمع فيه مجموعة من المراهقين الليليين قبل ان يتناقصوا مع شعشعة نور الصباح، كل الالعاب عبارة عن ألعاب سيارات، مثل جراند توريزمو وفورزا وما شابهها، ولهذا تتكاثر هنا رسائل مورس للدرباوية، اذ يتخلل الرسالة بقايا علب حمضيات متروكة، وأعقاب سجائر مدعوسة!


واذا تجاوزت المحل، أجد أمام الحلاق كرسي قديم متهتك، يجلس فيه عاشق ولهان يبحث في كلمات يرسلها إلى گرتشين، لدرجة أنه يطرق برأسه لعل الكلمات تنهمر، ثم يغلق السناب شات عند مروري بجانبه، وينسى أن يرد السلام!


ثم نأتي للفوال، الذي أصل إليه في تمام الخامسة، بعد تجاوز مظاهر الحياة الفطرية هذه، لأدخل فأجد باكستاني واقفا أمام التنور، ممسكا بالحديدين الاسطوريتين الخاصتين بجلب خيرات التنور للجياع في محل الفوال، وهنالك فتحة بين مكان المخبز وبقية الفوال ينظر منها بنغلاديشي نظرات كلها شزر للباكستاني ينتظر فيها التَمِيزْ الخاص باصحاب الطلب المحلي.

هذه العلاقة لو توترت بين الباكستاني والبنغلاديشي، لسبب بازمة غذاء داخل المحل قد تؤدي باليماني صاحب الجرة بأزمة قلبية!

المهم أني رميت ريالين حديد في الصندوق الكرتوني ولم أقل الا كلمة واحدة:

"واحد بسكوت!"

ثم ثنيتها:

"خله يتقمر"

ويتقمر لغير الناطقية بالمحكية النجدية:

"جعل الخبر مقرمشا ويكسوه بعض السواد الكربوني، وبه بعض الانتفاخات المتميزة من شدة الحرارة!

المهم ان الباكستاني هز رأسه بالموافقة، وما زال يقلب الحديدتين، والبنغلاديشي ما زال ينظر، وانا انظر لهما بترقب!

ثم فجأة، يخرج من التنور ابريق أصفر قد اسودّت جوانبه وتقشر مقبضه، وفار!

أنه كرك!

تشاي كرك!

ووضع الأبريق بجانب التنور، ودخل يجلب العجين ليفرده أمامي وضعه في التنور، وأنا أضحك من عظمة مزاج الباكستاني، وتأفف الينغلاديشي الذي ما زال ينتظر!

ثم اخرجها وقال:

"هازا كويس؟"

قلت: "أيه! هات كيس ورق!"

ووضعته فيها، وعدت من طريقي وانا اقضم في كل خطوة قضمة منه وانا افكر في هذا النص!

دخلت لبيتي وأنا مبتسم وأقول لأهل بيتي:

"لا يفوتس التَمِيزْ! مقمر! وسوبر خان مسخن شاهيه جوا"

ردت:

"وش الهرجة!"

فكحيت لها ما حكيت لكم!



تمت في العاشر من أيلول ٢٠٢٢ الموافق الرابع عشر من صفر ١٤٤٤ يوم سبت الساعة السادسة والنصف صباحا


الخميس، 8 سبتمبر 2022

عندما فُقِدَ الوعي

 

حدثت هذه الحكاية في نهاية صيف السنة الثانية بعد فايروس كورونا، كانت الجوع والعطش والملل وتدمير النكات وتفجير الملصقات الواتسابيه والشرهات قد بدأت تفتك بمجموعتين من الشباب المسلم المبارك، وسنرمز للمجموعتين بالملعونون بالوعي والمتخاذلون!
حتى قرر أحد الرفاق المشتركين بين المجموعتين، وهو المبشر بتفاحة آدم الإلكترونية، أن يصور نفسه وهو على عرش الزوجية ليقول لنا: عقدت قراني!
ونحن لم نكذب الخبر، الحقيقة اننا نبحث عن أي فعالية للاحتفال: عيد ميلاد، تخرج، قبول بوظيفة، العودة من سفر، اي شيء! المهم نجتمع لنحتفل، لينتهي الاحتفال بالتحليق في عالم موازي عن مآلات الماضي وآفاق المستقبل!
فكان السادس والعشرين من آب الجمعة هو موعد اللقاء، الحقيقة كان هنالك تجلي لمجموعة من الرفاق المنعوتين "بالزلايب" ترافق مع خذلان مبين!
ولم تكن كعادتنا المباركة في توزيع اتهامات عدم الحضور، الكل أكد هذه المرة، الا زلابة واحد ومتخاذل اخر، تخاذل في اللحظة الأخيرة!
بالنسبة للزلابة الاول، غني عن التعريف، المشعوذ النحيس (لمزيد من المعلومات، انتظر للمدونة، صفحة: لعنة الوعي!)
أما المتخاذل في اللحظة الأخيرة، كان أحد المبشرين الثلاثة في مجموعة الملعونون بالوعي، هو مبشر سوني!
وكونه تخاذل، هذا يجعلنا في حلٍ من الحديث عنه، والحقيقة، يكفي حضور مبشري آبل ومايكروسوفت، ستكون جرعة تبشير كافية!
كان يوما صباحه بارد ابتدأ بتخاذل من صاحب شنطة العلوم، ونتوقف هنا قليلاً ...

... جزء من النص مفقود ...
على طريقة الهواتف المحمولة قديما ،،
ليس مفقوداً حقيقةً، إنما فُقِدَ!

أما صاحب الشنطة، شنطة العلوم طبعا  فبعد انتهاء موسم الهجرة إلى الشمال، واستقر، ترك كل شيء الا هذه الشنطة، وصارت ملجأ كل من يريد معرفة آليات التواصل المجتمعية، إذ لديها تأثير سحري مثل الهاكي الملكي الونبيسي.
المهم أنه في ذلك اليوم البارد تخاذل، تخاذل عن وجبة الأفطار المقدسة لدى السيد رازييل (لمزيد من المعلومات، أنظر للمدونة، صفحة: لعنة الوعي!)، بالنسبة لرازييل فهي تضاف لقائمة من التخاذلات التي حدثت مؤخرا، المهم أن العملية قد تمت، ثم انطلق لجلب ما تبقى، من احتياجات، وأكد على السيد تشيرمان (لمزيد من المعلومات، أنظر للمدونة، صفحة: لعنة الوعي!) ان يجلب الكثير والكثير من صلصلة "الطحينة" ، وخلال السعي المضي للبحث عن "شطة كريستال" انتهى كل شيء تقريبا في الساعة العاشرة صباحا، كانت الشمس ساخنة جدا، وتستعد لطبخ بقية احداث اليوم!
وقبل الاستمرار في سرد بقية الحكاية، يجب التعريف ببقية الشخوص الجدد، فبالإضافة للملعونون بالوعي، كان من ضمن الحضور:
السيد: بيدرو، متخصص في جدولة كل المشاريع الترفيهية، التي غالبا تبوء بالفشل، ثم يأتي متململاً، لمشاريع ترفيهية تاليه، يتفجأ أنها تحضى باستحسان الجميع.
تقول الأسطورة: ما من طبق طعام يوضع أمامه الا ويختفي، وله في هذه المنقبة نظائر.
اما التالي فهو السيد: الاستاذ ابن الرومي، كسحابة صيف محملة بالمطر، لكنها تمطر في اوقات من اليوم لا يكون السكان مستعدين لهذا المطر، وبالتالي يغرق جميع المتخاذلين في بحر من الأفكار يُعاد فيه تجميع الصورة.
تقول الأسطورة: أنه بعد الساعة الثانية من فجر اليوم التالي، يبدأ بالتحدث بالألمانية القديمة، يعينه عليها رازييل والمطوع، وذلك القابع مؤقتا في الجزء البريطانية الباردة!
اما الإثنين الآخرين، هما اثنان من الزلايب الذين حصلا على تراخيص حضور مبكرة، الأول فمع تقدم الزمن يستمر في النحافة حتى يتضائل الا من انفه وشاربه، والثاني يتقدم بالسن بطريقة اسوأ من سوليد سنيك، حتى فقدنا احساس العمر معه، فضلا عن كونه مبشر مايكروسوفت.
تقول الاسطورة عنهما: أن الأول سيختفي من فرط نحافته، والثاني أنه أعاد تشكيل اللغة اليابانية باضافة واو اخر كل كلمة عربية، وصارت لهجة عامرة داخل الأرخبيل الياباني!
ثم نأتي لزعيم الزلايب: أخلاق- Less! مواطن المعلم، اعني انهما ينتميان لنفس الولاية، باختصار: للتزليب عنوان! يستطيع بغمضة عين تدمير اي شيء بهي في عينيك، ولعل الشعب يتذكر كمية الملح التي نثرها على كل الخيول في انحاء المعمورة (لمزيد من المعلومات عنه وعن المعلم، أنظر للمدونة، صفحة: لعنة الوعي!)
وأخيرا: مدير مصنع Moonshine! كيميائي من الطراز الرفيع، يستطيع تحويل أي سائل الى مشروب قابل للشرب ذو نكهة رنانة ورائحة نفاثة، وبالرغم من أنه يشارك جميع المقادير الخاصة بهذه المشاريب، وتستطيع أن تعدها منزلياً، الا أن طعمها من يديه له شأن آخر.
تقول الأسطورة: أنه يستطيع تحويل الماء العادي إلى شاهي بارد معتق بإضافة مكون واحد فقط، والقليل من الثلج، لا بأس به!
هؤلاء هم الابطال الجدد في هذه الحكاية!
وهنا اضع قلم الرصانة جانباً، وأجلب القلم الآخر.
يوم اكتمل جمعنا، بدت الطعة لما قال كنتارو تشان(لمزيد من المعلومات، أنظر للمدونة، صفحة: لعنة الوعي!) لرازييل: اشوفك خبصت القروبين!
قال: ايه، امانة الاقتراح كان بدايته من بيدرو والمعلم ...
وهنا نقز المعلم وقال: وش دخلني!
رد عليه: فكرة اللمة هذه!
- شلون؟
- انه كيف بدت .... بعدين اقولك!
- لا قل!
- خلاص ياخي خلها لا تعشينا!

قال التشيرمان: ايش هذا كان بينكبنا!
رد رازييل: شفت شلون، لازم بنموت من بلاغة الشف!

كان من ضمن الجايين، اخوان كلا من:
راعي شنطة العلوم، والمطوع.
الأول اخوه الكبير حاول يلم الموضوع، لكن الثاني تم اكتشاف انه كروجي كبير ومخضرم كمان!
وخلال هذا الحديث، جاء شعور عند أخلاق- Less وكأننا في مجاعة في أفريقيا، أن عدد الكولا الربع هذه ما راح تكفي، وجلسوا نص ساعة، يقولون أن العدد زين وبيشرب، ويوم شاف انه مافي فايدة من النقاش، طلع جواله وجلس يبحث في موقع فور تشان!
بعدين صوت المجموعة بدأ يطلع، ويزيد صهلله مع ازدياد جرعة السكريات الي تعاطوها، هذا غير ترامس القهوة الثلاثة الي قاعدة تدور كنها مبخرة عرس.
ولأن المطوع -مع اخوه- راحوا يزورون أعمامهم في مكان جوار البقعة الي تجمعوا فيها، فاتتهم فقرة مهمة: لحظة وصول العشاء!
جاء سواق المطعم اليمني، وطلع له رازييل والتشيرمان، وقف وفتح الباب حق الفان وناظرنا ...
جلسوا يناظرونه ....
- مالكم؟
- منت منزله! - قال التشيرمان!
- انتم شلوه!
- طب عاونا! - صاح التشيرمان!
وهم ينزلونه، سأل رازييل: وين كرتون المويه الثاني؟
قال السواق: فيه زبون قبلكم، قال انتم وعدتوني بكرتون مويه وشله!
رازييل: شله! الله يشلك ويشل توصيلاتك!
قضت المهاترات الحين ونزلت الصحون وتصبصبت الطحينة وتوزعت البباسي - تراها كولا بس يلا - والشطات، وجلسوا، وعلموا عريس أبل، أن هالعشاء من المجموعة المخبوصه علشانه، وهنا التفت رازييل للمعلم وقال: ارتحت الحين!
وتناولوا طعامهم بكل اريحية وحب وناسه، ثم خروا صرعى، في مجلس البقعة، متسدحين قدام المكيف، كلن يقول: بس دقايق ناخذ لحظتنا!
لكن اللحظة امتدت من الساعة حدعش بالليل لين ثنتين ونص الفجر!
مافي شيء ما شربوه،ا الكيميائي راعي المونشاين، سوالهم خلطات بكذا سيرب -كذا هنا غير معلومة لان احد الحاضرين لم تسعفه الذاكرة بنوع المكونات- هذا غير إن مبشر أبل جايب شاهي بارد رمان وخوخ وحتى كركديه!
الكركديه هذا لحاله اسمه يخليك تحس بالخطر، ناهيك عن لونه الأحمر!
ويوم خلصوا من هذا كله وتبادلوا فضايح كل واحد وكبوا العشاء، وصارت الساعة ثنعش، جاء دور نبيذ الكاميليا: شاهي الحبق!
يقول التشيرمان: فيه شنطة برا فيها ترمسين شاهي، وفعلا راح وجاب ترمسين شاهي، وفجأة تحولت كل سواليفهم الى +١٨ لدرجة انها صعب أن تُروى، لأنها مثل بعض أفلام المهرجانات: بث لمرة واحدة!
وكل ما خلص ترمس، راح واحد لشنطة التشيرمان، وجاب ترمس جديد، كانه فيه احد داخل الشنطة يعد الترمس ويمده للقادم التالي، فلما خلصت الترامس كلها وصارت الساعة ثنتين، قال رازييل: مافي شاهي؟
قال التشيرمان: فيه واحد برا! بكل ثقة قالها!
خرج وجاب الترمس وحطه، وهنا ابديت ملاحظة في غاية العمق والسريالية من الاستاذ ابن الرومي:
قال: يا الله! وش كمية الشاهي هذه! كل شوي ترمس شاهي طالع من العدم!
وفعلاً كان هذا رقم سبعة الي يقحنونه! ولو خلص وراح للشنطة، كان لقا ترمس جديد جاهز للقحن!
جربوا كل الانواع، حار، بارد، حبق، خوخ، قرفة، زعتر، الي يجي ببالك عزيزي القارئ، لدرجة أن بطونهم مصدومة، وعقولهم لا تستطيع تدرك حقيقة ما يحدث الان!
هنا أطلق المعلم مقولة مقولاته التي دوما يخلدها التاريخ!
قال:
الجمعة القادمة
اسم التجمع سيتغير
من
( استراحة لعنة الوعي والهروب من الخذلان )
إلى
( استراحة *فقد* الوعي ولا تيأس فثمة خيبات أمل جديدة)

ثم صدحت في الأفق الأغنية التالية:


Two cigarettes in an ashtray

My love and I in a small cafe

Then a stranger came along

And everything went wrong

Now there's three cigarettes in the ashtray (In the ashtray)


تمت

المحامِد السبعة!

 - كم محمداً تعرف؟

- أعرف محامِد!


 هكذا افتُتِحَ الحديث بينهما ...

ثم عُزِفَ لحنُ "قف بالطواف"

فخرج المحامد واحداً تلو الآخر،


اقدمهم هو تاجرهم، ويصغر نفسه لتويجر، كنت ذات مرةٍ معه، نمزح ونضحك ونمرح، في نهاية جلسة السمر عند باب الديوانية بجانب سيارتنا، فقال لي:

- انت تحب ترفع ضغط العالم!

قلت له: لا، لكني احب ارفع ضغطك انت بالذات يا ابا القاسم!

قال لي: خلاص يا ولدي اعقل! كبرنا!

قلت له: أبداً! انا معك ما أكبر!

قال: ياسلام!

ثم تبادلنا الضحكات وكلا منا مضى لمنزله.

في البيت استوقفتني كلمتي "انا معك ما اكبر!"

علمت حينها يقينا ان الصديق ينسى كل شيء مع صديقه، الزمان والمكان وحتى اللحظة، مع تراكم المواقف، الافراح، الاتراح، حتى غدت ذكريات، والتي لطالما تشاركناها، فصار كلا منا جزء من حكاية الأخر، فهل رأيتي يوما شخصا يكبر على نفسه فضلاً عن اخيه؟‏

"أنا معك ما أكبر" 

جملة أرسلتها تستحق أن تغدو مثلا!

تدرين لم لا أكبر معه؟

لأني اشعر انني مع من يشبهني، هذه العلاقة تبدو كثيرا مثل قرابة الدم، لكن فيها قرب مختلف، لكن الاختلاف هنا هذا الحس بأننا كلما التقينا كأنه أول لحظة من تعارفنا بدأت فيه جدران الرسمية بالزوال

بهذا ما اكبر معك!


- والثاني؟


الثاني طبيب أسنان أعرفه منذ زمن، أكثر من عشر سنين، يدعى أبا القاسم قاف!

 طبيعة عمله، عقلي ونفسي بدآ يصوران لي أن طريقة العمل في العيادة تنعكس على طبيعة تكوين العلاقة، او لنقل مدى شدة توطئتها! 


أما مشوار الذهاب لعيادة الأسنان مهما كانت فهو مثل الذهاب لورشة صيانة السيارة، كل ما هو مصاحب له كئيب حتى الأغنية التي تختارها، وكأن أبرز ما يرافقك كخلفية أغنية فيلهلم سترينز: "إنجلاندليد" التي غُنيت خلال القصف النازي على إنجلترا خلال الحرب العالمية الثانية، وإذا خرجت ليلا لا تريد أن تنظر للقمر حتى لا يتغير شيء من تكوينك البشري وأنت منتجه لعيادة يعمل فيها رجل سادي يوصف من الأطباء الآخرين أنه ليس بطبيب! 


 أنا آسف يا أبا القاسم قاف، لكن عند الخروج من العيادة أيضا ستستمع لأوبرا دير فرايشوتز: لكارل ماريا فون ويبر! وهي تصدح تقول: 

"ابني، 

 تحلى بالشجاعة! 

 من يتوكل على الله يبني الخير،

 لنذهب! 

 في الجبال والهاوية 

 غدا تحتدم الحرب السعيدة!"


 نعم فمزاجك منذ لحظة الدخول إلى الخروج من سرير المجزرة وأنتما تتبادلان مشاعر حمراء يكبحها العقل أن لا تنفجر!

 فهذا السرير الأزرق مثل طاولة الجزارة، على حد تعبير أحدهم في مستشفى مانشستر لطب الأسنان، حيث أن ذلك المستشفى الغريب يحتوي كل الأنواع الفئوية من الأطباء وبتوجهات صوائبية أيضا، ففي كل حديث كنت تفتحه مع أحدهم تُعاد لك ذكريات القصف النازي وتتسائل ما إذا كان القصف طال مانشستر أم أنه كان على السواحل الجنوبية لإنجلترا وويلز فحسب؟

لكن طبيب الأسنان هذا، أبا القاسم قاف يفهمني جيداً.


- والثالث؟


سألتني، الثالث هو المهندس أبا القاسم سِنَّوْر، بهي الطلعة كأنه القمر، مع لدغة في حرف السين، يتحول إلى شين على لسانه، برغم نرجسيته الواضحة، واعتداده بشكله الذي لم يكن له الخيار فيه، فهو يراوح بين علاقاته الشخصية والرفاق الآخرين، يحافظ على المساحات متساوية بين الجميع، كل من شاهده يستحيل أن يخطئه، رغم اشتراك علاقته مع عبادلة وأحامد آخرين.

ومع هذا ظهوره وان بدى ماقطعا بهي، وإن آثر العلاقة الشمسية معك، اي ان تكون على مسافة مناسبة كن الشمس، لا أنت عطارد ولا الاخرين المريخ!

- والرابع؟


الرابع طبيب أسنان أخر اعرفه منذ سبع سنين تقريبا، وبشكل يشبه الفواصل الأعلانية، يدعى أبا القاسم شين، وهو يشبه حروف شين كثيرة في المعمورة، لكن شينُهُ مميزة، وكذلك عمله، يده دقيقة لكنها كترزي، ترسم أولأ ثم تفكر بالنحت، الساخر في كل هذه العلاقة ان صدمته جلية عندما عرف أن علاقتي بأبا القاسم قاف وطيدة بشكل مرعب، لكنها ساهمت ايضا بتخفيف حدة التطريز في عملة على كرسي المجزرة الأزرق.


- والخامس؟


الدكتور أبا القاسم ابن الرومي، كسحابة صيف محملة بالمطر، لكنها تمطر في اوقات من اليوم لا يكون السكان مستعدين لهذا المطر، وبالتالي يغرق جميع المتخاذلين في بحر من الأفكار يُعاد فيه تجميع الصورة.

الكل يعلم يقينا ان هنالك احتراما متبادلا بيننا، لا ينكره من ينظر أيها، أقريبا كان أم بعيد، ولهذا هو مسلمة تحاوزناها لمساحات نشاط لا تنتهي.

ونعم، أبا القاسم ابن الرومي يفهمني في نواخي اخرى.


تقول الأسطورة عند بقية الرفاق المتخاذلين: أنه بعد الساعة الثانية من فجر اليوم التالي، يبدأ بالتحدث بالألمانية القديمة، وبكل ثنايا الكلم، يكون الشاي حاضراً من العدم، وكل خلاف مستدرك، ففي المشترك مكسب يوافي الفهم ويقارب عدم الكِبر!


- والسادس؟


سادسهم شيخهم، أبا القاسم حسون، دخل بقعتنا على ناصية حملة صليبية تعهدها بنفسه، مرددا عبارته الشهيرة: يا إخوان .. يا إخوان .. ومع ذلك يعتبر نسخة تايوانية او صينية، إذ أنه يتقاطع مع كل الاشياء التي في البقعة، ثم يطوعها طوعا ليذيقها نبيذا رومانيا عتيقا حتى تخرج من هناك بحملة صليبية تنطوي على "سالفة" جديدة!

تقول الأسطورة: برغم من انه دخيل قديم، إلا أنه يحب ختم الأمكنة التي يذهب اليها بسحر ريفيا!

ومع هذا، بيننا من الاسرار ما لا يصح فيه قول انه قاسم مشترك


- بقي السابع؟


السابع هو المتهتك بينهم، ولا يستحق أن يُكنى بها، وهو الوحيد من المحامد الذي لم احفل بعلاقتي معه كثيراً، اذ ان احد الأسباب زمالة العمل المقيتة، وثانيها هي أم الرجل لا يأبه بما نأبه له، او حتى يحاول وداً، هو أناني مستسلم لرغباته، لا يستطيع حتى ان يحاربها بالاستغناء.

لم احزن على رحيله، ولم افرح ببقائه، لكنه كان مسليا في مقر العمل كقط يؤنس وحدتك في البيت.


- هؤلاء هم؟

- هؤلاء!

- أتدري، ما أجمل شيء فيهم؟

- أعلم؛ أنهم محامد، كثيري الحمد، وأنا أحمد الباري أني اعرفهم!



ثم عام عزف لحنُ "قف بالطواف"

فعاد المحامد واحداً تلو الآخر.




تمت


الأحد، 4 سبتمبر 2022

قُبعة ساحر حُبلى بالرؤى



هل يُدوي الإلهام عالياً كمدفع يرمي في الآفاق؟

صاح مدفعٌ في الآفاق ...
وصاح جُنديّ الإبداع بمعيتي ...


كنت في مكتبي بعد ان انهيت دوامي في ايام عيد الأضحى، وجائتي الهام في أول يوم عمل بعد الإجازة، الإجازة التي لم آخذها، كعادة عملي الكريمة، أتتني إلهام تغني:
" هذا حديث الزمان .. بديع في فدائه ... فريدٌ بين الفرسان  .. كأنه خيال "
قلت لها: " يا ذكريات الطفولة أخذتيني بعيدا .. "

رأيتها أمامي، تداعب شعرها الأسود وهي تتغنى بي وكأنها تغني لمسقط رأس الفكرة، كانت عيناها تسحرني، تذكرني بذلك الطفل الذي يذهب يجمع اشرطة الفديو ليسجل تلك الأعمال من التلفزيون السعودي، قبل أن يبدأ اذان المغرب مؤذنا بإنها فترة الكارتون وانهاء حياتي مرحليا، لأني سأخلد للنوم، لأذهب للمدرسة!

"من أجل الناس، لكل الناس! من أجل الخير لكل الناس!"
"أي ناس؟"
"أصدقائك، أحمر، أزرق، أسود، أخضر!"
"أها، أقلامي!"

لم أتوقع يوماً انها ستحظرهم لي مرة أخرى، لكن بعد كل تلك السنين، منذ عام الثمانينات دخلت المدرسة!
خرجت منها مولوداً يبدو يافعا، لفظته المدارس!
تلقفتني الجامعة بكل قبح!
زارني هاجس، وهجرتني إلهام!
 هذا الهاجس كان يسمعني كل الأفكار التي قد تخرج من" إضراب لطلاب المدارس "، فكرت قليلاً فأضربت الجامعة!
الهاجس ساعدني، جعلني افكر، قال لي:" لا تفق .. ولا تنحني إلا للريح .. كن كأغصان الشجر التي تميل مع الريح ولا تنكسر .. ولا تترك كفيك بلا شمس؛ حتى لا تغدو شاحبا كالقمر ! "
خرجت من الجامعة بعد مخاضٍ عسير، فلقت الآن فقط أنا استحق إجازة!
بعد الإجازة كنت اتخبط في يأسي وكبريائي كنت ولا زلت احاول ... بدأ يغادرني يغادرني هذا الهاجس لكن ليس للأبد، تعرفت على عوالم جديدة له اخذني معها وقبض علي بها!
لبست شماغي وعقالي على رأسي وخرجت، وجدت كرسيان وطاولة على قارعة الطريق فجلست افكر، فرأيت امامي ذاك المبدع الذي لطالما كان يناديني: 
- هل تلعب معي؟
- ماذا نلعب؟
- احجار الدومينو! كي تهزم هاجسك!
وجلس هاجسي يراقب هاتفي!
ومع كل جولة انتصار، تخرج احدى بنات إلهام من تحت الطاولة، معها زنبقا أحمر، تزرعه في الحديقة الخلفية لكرسيي!

عندها فقط تذكرت إلهام وهي تركض مع البجعات حول الجداول والشلالات كظبية فوق الجبال وهي تردد: " أيامي سحرٌ وجمال أيامي حلمٌ وخيال "
ما السحر وما الخيال؟
وما الحلم وما الجمال ؟
قالها لي بنظراته الحبلى بالحزن، وأن أخرجها بضحكاته السعيدة التي يخفي فيها أي مشاعر أخرى!

نظرت فإذا أسير في ذات الطريق الذي سارت فيه هذه الأفكار النهائية!





هذا نص عمره فوق ١٠ سنين
قرر الان ان يكتمل
بعد أن مر بتعديلات كثيرة
من العنوان، لعلامة التعجب الأخيرة!

الخميس، 1 سبتمبر 2022

نوتات موسيقية

 فتح البيانو وبدأ يعزف لحنا شجيا يتخلله "ريمكس" لذات لحنه ...

- أتفتقدني؟

- أتعرف! ما عدت أعرف معنى الفقد، أو حتى تلك الحساسية المفرطة تجاهه، هل لأني جربت فقد ما هو غالي؟ حقيقة لا أدري!

ومع استمرار العزف، بدأ في رأسي حديث رجلين بلغتين شرقيتين، قريبان من البر الصيني،

فعاد لسؤالي:

- أتفتقد طرق أصابعي؟

- لا، يرن هذا اللحن الشجي القديم في أذني وفي قلبي، لكن نوتته تتمزق في حال مواقف ما، يخيل إلّي أحيانا، أن من هم في الجوار لا يريدون لهذا اللحن أن يكون طاغيا، ولهذا أحيانا يأتي ذلك الجامح يصيد صياد اللحظات من الغابة وفي اقصى الوديان بخنجره!

- أتريدني أن أغير اللحن؟

- لا عليك، أنظر هُناك! أتُراهم يطيرون؟ مُهاجرون؟

- الغربان؟

- والبوم أيضاً!

- لابد من تغيير اللحن!

رفع النوتات وجلب اخريات،،،

كان لحناً غضوباً،

متسلسلاً،

وتخف نغماته، وإن لم تخف غضبته!

أما الثاني جمع كل الخيوط التي تربط الأشياء ببعضها،

خلطها، ثم أحرقها

ونثرها!

رفع النوتات من جديد، وعاد ليعزف لحناً شاعرياً، به لغة شرقية، عدوة للغة أخرى، فتذكرها الآخر، فلَبِسَ كل أدرع محاربي الشرق القُدامى، وجلس بكل تافف أمام المروحة الكهربائية، يبحث عن شيء من الهواء البارد، بعد كل هذا الحر ....

- هل يجب أن يفعلا هذا كل مرة في الصباح يا بابرا! - صوت نسائي صدح من الغرفة المجاورة، يكلم هاتفاً!




تمت


الأحد، 28 أغسطس 2022

الكتاب الذي إلتهمني مع إلياس بونفين!

ذكر أبو هلال العسكري المتوفى سنة 395هـ في كتابه الأوائل:

"أنه لما بويع عبد الله بن المعتز بالخلافة سنة 296هـ، ولم يلبث فيها غير يوم وليلة ثم قُتِل، فقال الناس: "لم يكن به بأسٌ ولكن أدركته حُرفة الأدب""


الحُرفة (بضم الحاء) تعني سوء الحظ والطالع والحرمان والتعاسة، يقال: حُورف فلان أي ضُيٌّق عليه في معاشه، ومنها المحُارَف أي المحروم من الرزق.


كان مسلمة بن عبد الملك بن مروان المتوفى سنة 120هـ أديبا عالما، متعاطفا مع الأدباء ومقدرا لظروفهم، ولذلك يروي عنه أبو حيان التوحيدي المتوفى بعد سنة 400هـ في كتابه البصائر والذخائر: أنه أوصى بثلث ماله لطلاب الأدب لأنهم أهل "صناعة مَجْفُـوّ أهلها".

كأن تلك الوصية تعبيرا عن إحساسه العميق الذي يعاني منه أهل الأدب في عصره، رغم اعتناء إخوته أمراء الدولة الأموية وأبنائهم بالشعراء.


احب ان اشير الى كتاب الاعلامي والزجال طاهر ابو فاشا الصادر عن دار الشرق: "الذين ادركتهم حرفة الادب" حاول فيه أن يستقصي حياة الأدباء الذين وصلوا أنفسهم أو وصفوها بحِرفة الأدب منكرًا أنهم عاشوا حياة عوز.

الساخر ان طاهر ابو فاشا هو نفسه ترك الشعر وأمتهن الصحافة كي يهرب من حياة من حاول أن ينكر عليهم العوز.



نعود الى الكتاب الذي إلتهمني مع إلياس بونفين!


في أحد الأيام تقرر رواية الجريمة والعقاب التهام يفالدو، والد إلياس، الذي التهمتني حكايته وأنا أتتبع خطواته للبحث عن والده!

هل من الممكن أن يلتهمك كتاب؟

أن تدخل فيه وتخرج؟


لكن قبل كل هذا عندما انهيت من رواية "الكتب التي إلتهمت والدي" لأفونسو كروش، تذكرت القصة الأخيرة في حياة الشاعر الجاهلي زُهير بن أبي سُلمى!


زهير كان شاعراً من المقدمين الثلاثة وعاصر حرباً كان من ابطالها شاعر هو عنترة العبسي، وأمتدح من تعهد بديات القتلى وأوقف الحرب!


ثم أن الرجل عمّرَ حتى بلغ المئة، وفلما كانت سنة ١٤ قبل بعثة النبي الكريم، رأى في المنام أنه يصعد إلى السماء  فإذا بلغها وأراد مسكها سقط!


كان زُهيراً على الحنفية، فلما تكرر هذا المنام نادى ولديه: بجيراً وكعب، وأخبرهما بالحلم وقال: أن نبياً سيخرج أزف زمانه، فإذا كان فاتبعاه !


ثم مات قبل البعثة كما اشرنا (إذ أن النبي عليه السلام بقى بمكة ١٣ سنة)


فلما جاء الإسلام اسلم بجيراً وتأخر كعب، وقد وبخ اخوه، ثم هجاه، ولما أُهدِرَ دمه، دعاه بجيراً ودخل على النبي الكريم متلثماً، وأنشد واحدة من عيون الشعر: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول


فأمنه النبي وعفى عنه وحسن إسلامه!


فهل في رحيل زُهير من هذه الدنيا بعدما عمّرَ، هي بمثابة التهام يفالدو داخل رواية الجريمة والعقاب؟


وكأن لسان حال كعب (رضي الله عنه) وهو هائم على وجهه حتى أسلم، هو بحث عن القصائد التي التهمت والده، وكما صنع إلياس بونفين وهو يبحث عن والده في روايات مثل الدكتور جيكل والسيد هايد (المختفي).


فهل الوفاة في زمن الجاهلية اختفاء لأنهم من أهل الفترة؟


الرواية هذه التي من الممكن أن تتحول إلى فيلم سينمائي أو فيلم رسوم متحركة (إينميشين) في مثل سياق  فيلم Hugo ، أو هو كحلقة Psychedelic Pink   من النمر الوردي!


العمل (أي رواية أفونسو كروش) لا تكتفي فقط بتتبع الرحلة فحسب، بل أيضاً تعاتب بعض الأدباء عتاب المحب، ويظهر ذلك جليا عندما يرتحل بين دفات قصصهم ورواياتهم.


هُنا أفونسو كروش شاعر يريد أن يضل طريقة بين ثنايا مصنفاته ورفوف مكتبته،ودفات الكتب!


على عكس رواية "هيا نشتر شاعراً"،كان شاعرا لا يريد أن يضل طريقه! لا يريد لشاعر أن يذوب ويختفي في زمن الماديات والرأسمالية ذات الأظافر والأنياب.


هيا نشتر شاعراً عمل بسيط جداً جميل جداً واقعي جداَ ساخر جداَ

دميتي الصغيرة - هو هذا الشاعر المشترى

شيء لا يكلف كثيراً

لا تخرج منه الأوساخ كثيراً كالرسام أو النحات مثلا،

وغير مكلف ككلاب البلدوق أو القطط الشيرازية،

ولا يكون فوضى أيضاً،

فقط نريد شاعر كمهرج في بلاط السلطان

ويبقى السؤال:

كيف تقيم شاعر؟

هل إنتهى زمن الشعراء؟

هل بقى لهم مكان ومتسع بيننا؟

هل للقصيدة مستقر في نفوسنا وموقع أثير؟

هل تضاءلت قيمة الشعر، الشعر الذي رد أعمى لوسط نجد أن لا يُسلم، حتى تصبح سلعة كأي سلعة مادية؟

ما الذي بقى منا لم يُسعّر بعد؟


لكن هُنا (اي في رواية الكتب التي التهمت والدي) يريد رحلة الشاعر الذي أضاع عُمره في البحث عن معنى وقيمة يريد لها الخُلود، لكنه أمضى عُمره وهَرِمَ بلا طائل، فهل كانت وصية زُهير لإبنيه، ثم اسلام كعب ولو متأخراَ، خلوداً من نوع آخر؟


رواية تمثلك وتجعلك كأحد فصولها: تتأبط اقتباسات، تقفز لك في كل لحظة كما لو كانت برنامج تواصل اجتماعي!


وقد ارتكب جريمة في حق راسكولينكوف حيث أنه أكد معنى أن لا يكون له مكان يذهب إليه!


وبالتالي اعتبر ما صنعه فيودور دوستويفسكي معه (أي راسكولينكوف) مجرد أدب غلف حقيقة قصته، ويريد لها خلاصاً بتوبة! - كإسلام كعب ابن زُهير في الحكاية - لا يريد له أن يكون جاك السفاح الخاص بروسيا،الأرض الأم! الأرض التي تتحرك فيها كما لو كنت تسبر غور نفساً بشرية، كحال أدب دوستويفسكي، هل "حرفة الأدب" هي أيضا التهمت فيودور؟


وهذا أحد اشكال عتاب الكاتب للأديب الذي عنيته قبلاً!


ومما زاد الحالة، حالت اختفائي مع إلياس، بطل الرواية، وكأني رفيقهما الثالث - مع بومبو - نشهد رحلة تشبه رحلة ميجيل ديثيربانس تحارب دفات الكتب هذه المرة لا طواحين الهواء، وأنا سانشو ايها القارئ، فهل أفونسو هو راوية كيخوته في مقابل سيدي حمدي؟


ولهذا هذا العمل كان ملفتاً حقا، وهو رحلة جدوى الأدب في حياتنا، وعن الوقت الذي يضيع بين ما هو مفيد في الحياة وللحياة، وعن الغاية المرجوة بعد الرحلة الطويلة الممتدة.


لا أعرف، ولكن بما أني في منتصف عقدي الرابع، زادت رغبتي في أن احتفظ بذكريات شتاء محملة بمشاعر صيف عن فلاديفوستوك!




كُتِبَت في صباح يوم الأحد غُرةً صفر لعام ١٤٤٤ للهجرة

الموافق ٢٨ من أغسطس/آب لعام ٢٠٢٢ ميلادية

الساعة السابعة وثمان دقائق من صالة منزلي

وأمامي حكايات إيطاليا وروسيا لمكسيم جورجي

واستمع لموسيقى إنيو موريكوني لفيلم حدث ذات مرة في الغرب


الأربعاء، 17 أغسطس 2022

عندما حضرنا فيلمين في وقت واحد!

عندما حضرنا فيلمين في وقت واحد!



في ذلك اليوم البليد الذي لا يحمل شخصية، الثلاثاء الموافق الثامن عشر من المحرم لعام ١٤٤٤ للهجرة الموافق السادس عشر من أغسطس/ آب لعام ٢٠٢٢ ميلادية، عدت لمنزلي ولم أجد زوجي، ولكن وجدت خادمة أختي عندنا تقول: "سير الحين متى يجي أنبوبه علشان انجب العشاء من الجدر؟"

فوضعت يدي على ذقني وعضضت على شفتي السفلى وقلت في نفسي: "اشغلننا هالشغالة، خابصة أم اللهجتين، ما تعلمت عند الكويتيين الي كانت عندهم الا اللهجة!"

قلت: "يصير خير"

ورفعت السماعة على مندوب التوصيل، وقررت مهاتفته:

- وينك يا ابو علي؟

- متخفش يا باشا انا هناهوه! غمض عين فتح عين تلاقيني قدامك!

قفلت السماعة ورجعت رفعتها:

- انتم جمعة الجيران اليوم؟

- ايه، مجتمعين عند جارتنا أم صالح، صالح تعبان، وأبوه رايح المذنب، يجيب روثانه، واخته تزاعلت مع رجله، واخذها ابو صالح معه تغير جو في سوق التمر، و.. ...

- طيب يا لاري كنج، ما علي بذا كله، تراي عقب ما يخلص العامل، بروح احضر فيلم بالسينما.

- زين، اصلا انا واختك فلانه بكمل السهرة عندنا بالبيت!

- على خير.


ثم ما إن اغلقت سماعة الهاتف، حتى صعد مندوب التوصيل بالانبوبة وقال:

- انا وصلت يا باشا!

- ما معك لّي؟ ولا ساعتها؟

- لا، فكرت عندك!

اطبقت شفتاي ونظرت للأعلى، واشتغلت في رأسي اغنية: sarà perché ti amo ثم حلصت تفاصيل اخرى عن كيفية الخروج من هذا المأزق بكل "فهلوة" اصيلة، انتهت بجلب المواد الناقصة وهندسة الفرن المُشترى حديثاً وسعدت به شغالة اختي كي تعد لهم سهرتهم لهذه الليلة!


وخرجت اسابق الزمن، الى بوليفارد الرياض، لان الفيلم كان هناك، من بطولة مورجن فريمان، كان يحمل اسم: Paradise Highway وأمامي ساعة وثلث حتى اصل هناك، اذ ان رفيقي في المشاهدة سيخرج من عمله مباشرة لهناك، والرحلة الى هناك فجأة تحولت الى سفر من طول المسافة والزحام، إذ ايضا قفزت الى رأسي أغنية: Five Hundred Miles

If you missed the train I'm on

You will know that I am gone

You can hear the whistle blow a hundred miles

A hundred miles, a hundred miles

A hundred miles, a hundred miles

You can hear the whistle blow a hundred miles

ومع استمرار تعداد الاميال في الأغنية يقصر الوقت ولا تقترب المسافة ويزداد عدد السيارات المتعجرفة على الطريق، ولم اصل الا حين انتقل عقلي لمقدمة حلاق اشبيلية لروسيني، وكان الفيلم حينها قد ابتدأ، ولم اجد موقفا للسيارة الا بعد طول عناء في احد الحارات المقابلة، ثم المسافة الطويلة من المشي حتى ان ساعة اليد قالت اني كسرت الرقم القساسي في المشي اليومي مرتين، ثم تيه حتى وجدت صالة السينما المتستره، فقلت: "ما دام الوقت قد فات، لم لا نأخذ اشياء للتسلية، اذا سمحتي، قهوة وفشار صغير وقاروتا ماء!

ثم دخلت وقد كان مر على الفيلم منذ بدايته ساعة الا ثلث، والقاعة فارغة باردة، الا من ثلاثة صفوف:

صف A وبثالث مقعد فتاة تعيد ترتيب زينتها، ثم عن يمينها اربعة مقاعد فارغة ثم شابين متململين يتثائبان!

صف D انا ورفيقي الذي لم يأتي بعد في منتصفه!

صف E وقد اتصف فيه ثمانية مراهقين، وكفى بذلك وصفاً للحالة الحرجة التي كنا فيها!

دخل رفيقي وهو يلهث من تعب الرحلة وهو يرى هؤلاء الثمانية البغيضين، كانوا الاربعة الذين في المنتصف يتحدثون مع بعضهم البعض، واحدهم يكلم تساعهم بالجوال وهو مفعل مضخم الصوت ويحدثه بصوت عالي ايضا، فلما انتهى دخل لبرنامج "سناب شات" وبدأ بمتابعة القنوات بصوت عالي أيضا!

فلما طفح الكيل، صدح الفيلم باغنية One Way Or Another وبدأ احدهم يكح بعد ان علق في حلثة شيء مما كأن يأكله، حتى كاد يقيئ لولا أن تداركنا الله برحمته، وذهب لدورة المياه، وما زالت نفرتيتي نتقش نفسها وكأنها سجاد إيراني!

فقلت لهم: "يا شباب تراكم منتم في ملحق بيتكم!"

رد احدهم وقال: "ان شاء الله" ثم خرجوا جميعا!

بدأنا في لملمة الصورة المفقودة مما فاتنا من الفيلم حتى اذا ما تشابكت الخيوط، اذ عاد ستة منهم وجسلوا، والاثنين اللذين خلفنا قد ناما من البرد، ونفرتيتي مستمرة!

عاد الذي كاد يقيء وجلس خلفنا في صف C فقام احد الستة ولحق به خلفه!

ثم عندما اقترب مورجن فريمان من معرفة وجهة القاتل، خرج الخمسة، وعاد الثامن المفقود، يبحث بين الكراسي حتى وجد هاتفه ثم خرج هو الآخر!

مع رتابه مرت في الفيلم، كدت ان اغفو، لكني فتحت عيني مرة اخرى لاجد الستة قد عادوا ومعهم كمية مفرحات حديدة، ويريدون ان يجلسون في نفس الارقام التي جلسوا فيها اول مرة، ثم بعد نقاس هامس، جلسوا، وتحولوا لاعلان مأكولات من صوت الطحن، فلما انتهى ما بين ايديهم، خرجوا، ثم بقي واحد عند المدخل ينظر للاثنين اللذين خلفنا، الذي كان يقيء وصاحبه، ونفرتيني الان بدأت ترتب حقيبتها!

جلسنا نضحك رغم جدية المشهد الدرامي، اذ ان الفيلم الذي يحدث أمامنا صعب أن تتجاهله!

اتممنا الفيلم بسعادة، فلما انتهى كعادة الحوارات بعد اي فيلم، اعجبك، لم اتوقعه، وهكذا، فلما خرجنا، وجدناهم في الممر، وكأنهم مشهد ما بعد قائمة الممثلين في افلام مارفل!

خرجنا من صالة السينما، لساحة البوليفارد، وكانت الساعة تقريبا الثانية عشر والنصف بعد منتصف الليل، وهنالك اشكال ومواقف واشخاص غريية!

قال لي رفيقي: ايش هذا؟

قلت: هذا زي زمان، فيه قنوات العاب وانمي في الدش، بعد الساعة ١٢ بالليل تقلب المود!

ضحكنا، همت سالته ان نتعشى، فقال: "ما اظني، لأن أمي مسوية عشاء ومبقية لي!

فهذه من اللحظات التي اضعف فيها، فقلت: ابد، الله يساعدك!

وخرجت وفي الطريق توقفت عند Häagen-Dazs واخذت حصتني منه، تسليه الطريق الطويل حتى سيتارتي وهنا عقلي قرر ان تصدح فيه اغنية مايكل جاكسون thriller حتى طريق العودة!



كتبت في اليوم التالي الاربعاء شقيق الخميس من مكتبي

الرياض


الاثنين، 15 أغسطس 2022

في معنى استخدام الأبيض والأسود (الأفضل مهاتفة سول أنموذجاً)

 


‏في خضم الحديث عن الحلقات الأخيرة من مسلسل better call saul كونها جائت بالأبيض والأسود رغم كون سير الأحداث في القصة تقع في المستقبل، اي بعد احداث breaking bad  هنالك فكرو تقول: أن المتابعة اليومية قد تدخلك في فخ التشتيت وعم الربط أحيانا، ولهذا قد يختلط الأمر على المشاهد.

ومن هنا اريد أن أنطلق إلى الفكرة الرئيسة التي أنشأت لأجلها هذه المقالة، وهي استخدام التصوير الأبيض والأسود في الأفلام (والتلفزيون لها تبع)
صحيح ان احد الاستخدامات هي استرجاع اللحظة(مشهد من الماضي او ذكرى) لكنه احد الاستخدامات لكن من الاستخدامات أيضا هو عكس قتامة الواقع أو النفس!
كاستخدام الفعل الماضي في الحديث عن المستقبل، حتمية الوضوع، وصدمة حدوثه!

وسأضرب بمثالين:

الأول فيلم المنارة لعام ٢٠١٩
كان عدم تلوين الفيلم، كناية عن قتامة الحالة التي يعيشونها، داخل هذا الزمن القديم والبعد السحيق، ظلام دامس لا ينيره شيء حتى المنارة!
وموج البحر يزيد من قتامة الصورة وسوداوية اللحظة أفضت إلى الصراع الدامي الذي رأيناه!
فهُنا لا علاقة للماضي بعدم تلوين الصورة، ولا علاقة ايضا بأي مشاهد استخضار لأي شخصية!‏

المثال الثاني هو فيلم الثور الهائج ١٩٨٠
الفيلم أساساً يبدأ بمشهد من وسط الأحداث ثم يعود الفيلم بك في رحلة طويلة من استحضار اللحظة للبطل أمام المرآة قبل الدخول للنادي!
هنا كان عدم التلوين فيه اشارة للسماء السوداء المليئة بالنجوم الميتة التي يصل لك نورها متأخراً، فالنجم أنفجر لكن‏نوره للتو يصل إليك، ومن هنا كانت عظمة الافتتاحية التي كانت في مقدمة الفيلم، فهذا النجم الذي يتقد في نهاية عمره يوشك أن ينفجر وما اضواء الكاميرات الا نجوم اخرى لملاكمين سبقوه استحالوا لناس همل، سينظم لرتل النمل معهم، مهمشين، وهم الذين كانوا ملئ السمع والبصر!
كل شيء يموت وينتهي!
فأيضا هنا لا علاقة للماضي باستخدام اللون، او كونه استخدم مشهد من وسط الفيلم ليكون بقية الفيلم عبارة عن استحضار طويل من عيني بطل قديم تليد!

ختاما:
أفلام الأبيض والأسود، استخدام اللون له اشاراته الخاصة، وفي حاله "من الأفضل مهاتفة سول" هو الحالة التي انزلق فيها بيديه لقرار القاع!



الجمعة، 12 أغسطس 2022

Golden Kamuy أو الإله الذهبي ورحلة البحث عن الذات!

 

يقول عبدالوهاب البياتي:


" ليستعيد!

وأي ذكرى يستعيد؟

واللطخة السوداء في تاريخه الدامي اللعين

كالنار باقية تثير الخوف والحقد الدفين

حيث الرجال يقتحمون إعصار المنون

ويصنعون

تاريخهم ، ويدافعون

عن الحضارة، والغد المأمول بالدم والدموع

وحيث صحراء الصقيع

والثائرون

والريح تعول في الخنادق والجنود

يتساءلون: "متى نعود؟" "


الإله الذهبي، هو قصة عن الآمال العظيمة، التي زُرعت في النفوس، تريد لها أرضاً تُغرس فيها، دون أن تتطئها خرائب الحرب في هذا الصقيع الذي يغلف المكان.

من جندي يريد الكنز ليحقق وصية زميله الميت، إلى عسكري مجنون يكاد يذوب مخه من فرط رغبته في الكنز لتحديث الجيش الأمبراطوري في مواجهة قرينه المُثقل بهمه الخاص، إلى ذلك الجندي ابن الجبال الذي يرتحل حتى يجد غايته التي خُلِقَ لها، ومساجين وُشِمَ على ظهورهم هذا الكنز الأسطوري، جُل مراد بعضهم غايات سخيفة لا صله لها بالكنز الذي يحملونه على ظهورهم، وذلك المحارب العتيق العتيد الذي يريد أن يستعيد كُل أيام العمر الماضي بخيرها وشرها، والثوري التتري الذي يريدها ثورة إلى الأبد، وجد ضالته في جندي شديد بعيني صقر وكانه مثل غُرمائه في جيش الشمال الصاقع حتى البلطيق، وأخيراً فتاة الأينو زرقاء العينين التي جُل مرادها معرفة والدها: أحي هو أم ميت؟!

كل هؤلاء بكل تلك الغايات وغيرها، جمعهم هذا الكنز وصاروا أسرى له، وأوجد بينهم أواصر أيضا، من الصداقة اللدودة، الى العداوة الحميمة، كما قال شيخهم صاحب بندقية الونشستر العتيقة: "دعونا نتفق أنه ما من عدو هنا في هذه الغرفة حتى هذه اللحظة حتى نجد الكنز!"، يجمعهم الطعام ويفرقهم الذهب.

ووسط هذا الجليد الأبيض الناصع، تبرز ألوانهم!

أياديهم المغموسة بالدم، بشراً كانوا أو حيوانات، حرباً كانت أو غيلةً، سيان! المهم هو البقاء في هذه الرحلة لأجل أمل عالق في الأفق يبدي ولا يبدي، لا هو يمنعك ولا هو يمنحك، وتبقى صورته عالقة في ظهور المساجين، لتذكر: هذه الآمال لن تنسقط ما دمنا نأكل ونغني ونقاتل!

وخلال الرحلة لا يكتفي العمل بتكريس هذا الأمل فحسب، بل يجعل كل الشخوص تستعيد ذكرياتها المثلقة كحمل ثقيل لا ينفكون منه، بعضهم يريد أن يستريح منه، وبعضهم لا يستطيع، وقله لا تقدر!

وخلال الرحلة من هوكايدو إلى سخالين تجري الحكاية والرحلة كأنغام كأنغام الكالينكا على آلة البالاليكا، لتعبر عن حرارة اللحظة المشتعلة وسط هذا الجو القارس المُهلك، لتجد نفسك في شد وجذب بين الميل والكره، لهذا او ذاك من الشخوص، وتظل مثلهم تتسائل:

هل سننتهي حين ينتهي هذا البحث؟

ونجد نفوسنا التي مع شعلة هذا الأمل؟

ونعرف طعم الراحة أخيراً!

ولم نسعى كل هذا السعي؟

لم دخلنا الحرب؟

لم حاربنا؟

لم ارتحلنا؟

هل نحن أسرى لذكرياتنا أم آمالنا؟


وكما قال عبدالوهاب البياتي:


،وهؤلاء

يتساءلون وفي الضباب

يتساءلون: "متى نعود؟"

والرفاق العائدون يثرثرون:

"البحر مقبرة الضمير"


حتى ذلك الحين، حين صدور الموسم الرابع، استمتع بفنجان شاي تصبهُ في صحن الفنجان وتشربه وأنت تتاول السوكشا.


تمت


حررت في الرابع عشر من المحرم لعام ١٤٤٤ للهجرة

الموافق الثاني عشر من شهر اغسطس/آب ٢٠٢٢ ميلادية

يوم الجُمُعة

الساعة الثامنة وخمس دقائق مساءً

المكان: غرفتي













الأحد، 31 يوليو 2022

مراسلات المنصور وبوشكين

 

الرسالة الأولى:

في احد المدن شمال العاصمة

يوم التورية ليلة عرفة لعام ١٤٤٣ للهجرة

الساعة الثامنة والربع

النص:

"لم أكن لعرف أن العمل أعجزك عن السفر لهذا العيد، أن تذهب إلى الأهل، لكن لعل مستهل ليلنا هذا أن أرسل لك أحد قصصي القصيرة كي تقرأها، قد يهمني أن أرى تفاعلك معها"






الرسالة الثانية:

العاصمة

يوم عرفة

الساعة الرابعة عصراً

النص:

"وعليكم مثلما ذكرتم وأكثر، بلى حسبي الله ونعم الوكيل، ولكن ما باليد حيله، نبلغهم مرادهم ثم يكون لنا معهم شأن آخر.

أما بخصوص قصتك، فاليوم الناس صيام، لعلي أقرأها في الليل، ثم سيكون لنا حديث"




الرسالة الثالثة:

ليلاً

العاصمة

بعد الإفطار

الوقت: الساعة السابعة والنصف

النص:

"هل أنت غاضب؟"




الرسالة الرابعة:

في احد المدن شمال العاصمة

الساعة العاشرة مساء ليلة العيد

النص:

"كيف عرفت؟ لم أبدي لك، ولكن صحيح أن شخوص الشخصية تصرخ، ولكن لا يعني هذا أنها أنعكاس لما في داخلي بالضرورة، ثم هب أنها كذلك، نحن نتكلم عن نص الأن وبناء وحدث، وانت جُل همك حالتي؟ هاتِ انطباعاتك وكفى!"




الرسالة الخامسة:

فجر ثاني أيام العيد وأول أيام التشريق

الساعة الحادية عشرة صباحا

مقر عمله

العاصمة

النص:

"كل عام أنت بخير، الآن أنا في عملي، لكن كل الذي استطيع قوله أن القصة طولها ممتاز، اختصرت فأوجدت وأجزت! لكنها تعبر عن كل أحاديثنا في مزرعة الشاي خاصتنا، مع ثلاثي أضواء المدينة: الحاج، والمترجم، والدكتور، وهذا منبع سؤالي عندما قلت: هل أنت غاضب! لعلي كوني اعرف كاتبها دفعني أن أنظر لها من هذا المنطلق، وبالتالي اتفاعل معها بعذه الطريقة، انه حديث صديق بطريقة جمالية! ربما لو كتبتها بالنيابة لكانت أكثر تورية!"




الرسالة السادسة:

في احد المدن شمال العاصمة

نفس اليوم

عند المغيب

النص:

"وأنتم بخير، مؤكد أنه عيد بائس في العمل! قرأت كلامك، وعلمت مقصدك، ولعل وعيي بأدواتي أراد مني توضيف القصة هكذا: مباشرة بدون تعقيد، تصل للكل، وقد يتفاعل معها كما قلت: من يعرف الكاتب! لكن لم أقصد البتة أن تكون كأنها مقالة، هي قصة تختزل فكرة وتوضعها، كما قلت، وكما كنت قد قلت لك.

هل ستكون في العاصمة عندما أعود؟

كُن بخير"




الرسالة السابعة:

ثالث أيام التشريق

ظهراً

مقر عمله

العاصمة

النص:

"سأكون، فكُن!"






تمت

السبت، 30 يوليو 2022

في معنى أن ترتجل،،

 

في معنى أن ترتجل،

هو مثل عزف منفرد لموسيقي متجول،

كخروج عابر

موعد غير مسبق مع صديق

افتتاح حديث

كقولهم: جب لنا طاري يا فلان!

كشجر خريف يبدل اوراقه مع دخول فصل جديد

كهذه التدوينة مرتجلة!

هو شيء لم تخطط له سلفا، تخوض غمارة حتى تصل لنتيجة اخيرة، لتصبح لحظة لا تنسى!

كطلعة بر،

سفرة فجائية،

او حتى طلعة عشاء،

او مشوار مع اخوياك!

كوقوف ممثل على خشبة المسرح، يخدم اللحظة الدرامية دون وجود نص مسبق! أن يرمي من نفسه كل تل الأثقال والهموم، ويبقى هو يعيش اللحظة!

تشعر أن في داخلك ثلاثة اشخاص يتنازعون: روحك وعقلك وضميرك!

الارتجال هو قرصان متجول يرفض حكم الامبراطوريات البحرية، وله قوانينه الخاصة، فيختط لحياته طريقا مرتجلاً، متدفق الكلمات الآن

فدعوا الكلمات تتدفق، والأسئلة تفتح السواليف والهروج والسباحين  ولا تقولون طلعنا علشان نسوي او نسولف عن شيء محدد، مهما كنت حلزون متقوقع، حاول تطلع منها، مثل المحار، يمكن تلقى اللؤلؤة، وممكن أحد يهديك اياها.


عطونا سالفة يا ناس!

خلونا نسولف!

نراكم على خير!

وسنة سعيدة عالجميع!



كتبت في غُرة المحرم لعام ١٤٤٤ للهجرة

الثلاثين من تموز / يوليو ٢٠٢٢ ميلادية

صالة بيتي

الساعة الساعة من مساء السبت

الجمعة، 29 يوليو 2022

حلمٌ مدفون في كفن! - قصة قصيرة -

كانت الساعة تشير الى الثالثة ظهرا، وصوت الباب يأن ليس من فرط حزن، لكنه الحنين، ففُتِحَ فإذا هي أمامه، ممتلئة النعمة، بيديها قفازين قطنيين يحميان نلك اليدين البيضاوين من الحرارة، وتحمل فوق كفها الأيمن صينيه "مصقعه" وتريد وضعها على طاولة الطعام، ليست بالطويلة ولا القصيرة، لكن شعرها العنابي هو الطويل كأنه الشلال، يخيل لي أن طولها ١٦٥ او حول هذا الرقم، ممتلئة النعمة تحمل النعمة، لم ترتدي الا "شلحه" فتبين حبة خال زانت مفرق صدرها ويمين عنقها، مركوزة النحر، وكأن جسدها انحناء السيف اذا هوى به فارسه، لكن فارسها "فهد" هو الذي دخل من الباب، راعها أنين الباب

فالتفتت يمينا مع تمايل شعرها الطويل يسارا وغرتها فوق عينيها العسليتين، وكان كأنه يكاد يهوي ذلك الفارس، فأسقطت صينية الطعام الزجاجية، وزلقت معها في اتجاه الباب، فانكشف جزء من ساقها الذي حماه الباري من ان تلونه الدماء الحمراء القانية، لكن ما ان رآها فهد حتى ركض باتجاهها ظنا منه ان هنالك ما أصابها، فهد الذي يعمل مهندسا في الانشاءات، بقبعته الصفراء كأنها شمس تسير على الأرض، وبجوزي احذية عمالية حتى منتصف الساق بنية، اشول او اعسر لا يهم، فأنه يجد من شمس مدينته من الهم اكثر مما يجد من مديره في العمل بطول يقارب ١٨٠ وشارب كلاسيكي اسود وعينين عسليه، كثر يظنونه باكستاني الجنسية او ما شابه وهو يهز رأسه لكل توقعات الشعب ولا يهتم كثيرا، فتزداد حيرة من حوله دون اهله، فكل همه يوميا ان يعود لكي يصيب الراحة فلا يريد هما إضافيا فوق حفلة اليوم الروتينية.

بهي النظر فهد عندما تلقفها واطمئن أن ما بها من بأس، فسألت شقيق قلبها عن أنين الباب

قال لها: انا تعب! ويومي مضنٍ! هل من راحة؟

ردت: يداي لك وسادة!

فابتسم وقال: وشاهيك الذي بالأبريق .. هُناك .. مر ام حلو؟

ردت: سكر زيادة!

فقبلت رأسه وهو ينام على وسادته منها، وكأني بذلك المغني العتيق اذ يقول عنهما:

"وعيونك غيرهن ما اهتوينا، جمعنا الشوق يا اسمر بغيابك"

وان لم يكن اسمرا لكنها استعاره

ولأنها استعارة، فقد تناولا بعد الغداء فاكهة ليست كأي فاكهة، محرمة على الناس الا هم، واستخلصا عصيرها ولم يرتويا، لو قدر لمصاص دماء ان يشربها - تلك الفاكهة - دما لظل عطشا!

 

لكنه انسل من صحن الفاكهة، وذهب لمكتبه، وفتح درجه، واستخرج غليونه وقلمه وورقه، وأنشأ يقول:

"يروعني هذا السكون الذي يجمعنا في هذه المكان، ولكن شيء في داخلي يصرخ، وكأن الميتين من السلف الصالح بداخلي يفتحون كلماتهم كما يفتح شهود العيان أعينهم، لابد أن أذهب خلف قبر شارل هوبر لعلي أعرف الشيء الذي مات معه، ترك لك نقودا تحت هذه الورقة، وشوقا كثأر لا يموت"

خرج من مكتبه الى ممر البيت المؤدي للباب الرئيس، كأنه الطيف، والتفت وهو يبتسم، ثم اغلق الباب، ونزل درجات البناء العتيق ولم يقف حتى عند بوابة المطار، كان يحمل تذكرة الى مدينة جدة، حيث أن شارل هوبر قد دُفِنَ هُناك.

 

عند الصباح، مدت يدها لجانبه الدافئ في سريره، فوجدته باردا

فالتفتت له وهي تزيح شعرها الكثيف عن وجهها لكي تتأكد انه لا يزال على الاقل في الغرفة، لكنه لم يعد موجوداً.

خرجت والخوف بعينيها، تتأمل ارجاء المكان، وهي تغلق "روب ساتان" بحواف "دانتيل" وتحاول ان تبحث عنه داخل البيت وتعض بجفنيها على دمعتها ان لا تنزل.

لكنها قد وجدت منه ظرفا ممهوراً

ممهوراً بالتالي:

"لابد لي من الذهاب يا نسرين"

فتحتها وقرأتها ثم سرحت دمعتها وتمسحها زهي تضحك، تمسحها وبي يدها الرسالة، تقول: "ان اخر اولوياته هي العمل، العمل شيء يوفر له دخل يستخدمه لتحقيق بقية اولوياته!

 

ثم استرجعت قول شاعرة معاصرة:

كبير عليك الهوى

وأكبر منك القصيدة

فجل النساء شبيهات بعض

وواحدة بين عصر وعصر تجيء

كلؤلؤة في الكنوز

فريدة!

"قد أشرقت الشمس يا عزيزتي، وعليك أن تعودي لغرفتك وابتسمي، هو يريد أن يتأكد انه ليس سليل قاتل، وان كان مستشرقا لصا" - قالته لها جدتها الشركسية على الهاتف وهي تحدثها من عمّان تحاول طمئنتها كي لا تقلق كثيرا حيال ما حدث، فقد ربتها بعد ممات امها بعد ان ضعتها، فهي لم تراها ابدا

فهد ونسرين ولجا إلى هذه الدنيا الفقد شيء أساسي في حياتيهما، فهما هي أن أمها قد ماتت بعد او ولدت بها، ففهد ايضا قد رباه عمه الذي تزوج بأمه، بعد أن توفي والده وهي حُبلى به، فصار الفقد في حياتهما كأنه شاهد قبر الحرية!

حرية دخولهما إلى هذه الحياة.

فنانا نايا بشعرها الأبيض التي تربطه دوما بشال أحمر كأنه اشراقه الشمس سماء صافيه، والعم مطلق يكونان هما ملجآ فهد ونسرين في الملمات، يحترقان لهما كما لو كانا أعوادٍ ندٍ تغير لهما رائحة أي يومٍ مهما كانت تعاسته.

أغلقت نسرين سماعة الهاتف ودخلت لتستحم، لعل المياه الدافئة اخفف مما تجد من هذا الأمر، فهي تعرف أن فهد لن يرد على أي أتصال أو مكالمة، ولو حاولت الاتصال بعمه فسيكون رده بكل برود وحدة -كالعادة- "دقي عليه لين يرد، او اصبري، تبين شيء ثاني؟ مع السلامة!"

لهذا كان جُل خياراتها الان، الهدوء!

خرجت من الحمام يسبقها بخار الماء الساخن، وخرجت من خلاله تدعك رأسها الصغيرة المثقلة بالهموم والماء، بمنشفة صفراء وقد لفت جسدها بروب رصاصي كأنه ورق سلوفان، وجلست على طرف السرير تفكر بمن تتصل، فأكثر طقس ينسيها ويدخلها في حالة تشبه السكر، هو الطبخ والأكل، فتذكرت شبيهتها في هذا، هُدى!

هُدى كانت طفلة عندما اندلعت حرب الخليج، ما بين الرابعة والسادسة تقريبا كان سنها، هي لا تتذكر جيدا، لكن في ذات الوقت المقارب لسنها مع ظهور النور استحال شعرها الاسود من الليل،للون رمادي يقطع حدته حمرة وجنتيها فتصبح كأنها جمرة فعلاً، حاملة معها عنزة صغيرة وتمص ابهامها وهي تنظر للدبابات

حتى اخاها الذي يشبه سنان، بضرسي قندس، كان يقف بجانبها، لكنه يضحك، وينظر للعنزة التي تحملها هُدى، ويجاريها في مص ابهام اصبعه، ويحدد الأعلام، ويقول لها مع مرور كل دبابة: "ما عليتس، بيجي ابوي الحين"

وفعلا لم تمضي دقائق حتى أنت "الحجية" بعبايه رأس ومعها سلة طعام للأولاد

وجاء الجحي على صيحة اخيها "ابوي كنه حرامي" حيث انه سرق كابريس ٨٠ لكي يهربوا بها، وهو يحثهم على الركوب، ويقول لهدى: "العنز قبلنا، بس اركبي هالحين"

وقد كان!

ركبوا خمس كائنات باتجاه اقرب منفذ، اخر شيء تتذكره هُدى كان صوت الراديو الخافت يغني:

"ليلة ويا عساك تعود، عسى يصبر الموعود"

رحلة استغرقت يوم وليلة، فعند المنفذ استوقفهم جندي عند المنفذ، يسأل عن هوايتهم وبيده اليسرى دفتر صغير، سأل الأب: وين تريد عيني؟

- ديرتي!

- بلي،كلنا نريد ديارنا - والتفت للدفتر الصغير، كان ذو لونٍ أخضر

- أنت من وين؟

- واسط، قضاء الصويرة، ناحية العزيزية!

ثم ساد صمت، وكلا ينظر للآخر

قال الجندي: تدخن حجي؟ - ومن له سيكاره واخذها منه

ثم قال الجندي: معاك شخاطه؟

- أنت وين وانا وين، الي يسمعك يقول طالعين من سوبر ماركت، وعلى هالعنز الي معنا، طايرة بوهتها مثلنا!

- هههههه اتشاقا وياك شبيك! هاك! واشعل له السيكارة، وبدآ بالتدخين،

قال الجندي: شوف ابن عمي هذا ضابطنا ما راح يتركك تعبر، لكن آني أريد أساعدك اذا تساعدني!

- شلون؟

- أخويا هنانا برفحاء، اريدك تنطيه المذكرات هاي الي بإيديا -واشار للدفتر الأخضر- إن شاء الله من تخلص الأزمة، أكون مرتاح أنه هوا من يم اسرتي!

- بس؟

- بس! لكن باقي اقفل اخر رسالة بيها!

- طيب عندك ماء؟

- بس ماي! أكو ماي، وجاي، وكل شيء، بس انتو معكم شيء مو محلي من شغل الأمريجان الجلاب!

- معانا سلة بها معلبات، بس ليش تبيها؟

- اعطيها للضابط، فما ينتبه الكم وانتم طالعين!

- خذها!

واخذها واختفى في نهاية سراب الطريق، ثم عاد بعد ساعة تقريبا، اشعلا سيكارة ثانية وداعية!

عندما انتهيا، اختلسوا سرا، لا يشبههم أحد، في غز نور الظهيرة الحاقدة، حاملة معها قائمة من نوايا الانتقام، وعلى استقامة طريق واحدة، وبحساسية القاطعة الطريق المترقب كوشق برّي، يريد الانقضاض على فريسته، وهم لهم فريستهم الخاصة!

محتفظين بدفتر الجندي سعدون عبدالله خدام، في محاولة العثور على صاحبه الجديد، بعد أن يعثرون على نفوسهم!

 

بعد أن احسوا بالأمان، واستعانوا برجال شرطة لمعرفة الطريق، واكملوا مسيرتهم الى العاصمة!

 

- والدفتر يبه؟ - قال ابنه

- بطريقنا بنوديه!

 

ومن خلال الاسئلة استدلوا على اخ الرجل، فائق!

وكأني أهديته وردة، وشكر لي حمايتها طول الطريق من الإعصار المقدر، وقبض عليها كما يقبض المؤمن على دينه، لا يضحي بها ولو كانت جمرة!

واتموا طريقهم حتى سكنوا شرق العاصمة!

 

العاصمة: ذات غمام رمادي، وحكاية حب شعبية!

وكان الجار الذي لديه ٩ ابناء ذكور خمس بنات، احدهم يدعى فهد!

- وبكذا صرنا جيران لأل فهد، حنا حمولة وحدة، بس القرابة بيننا بعيدة، علشان كذا ابوي - الله يرحمه - سكن شرق

- اول مرة بتحكيلي هاي القصة!

- يمكن الي طراها علي، روحه فهد عنتس!

- طيب ليش هاض الموضوع بيفكر فيه كثير!

- مدري الصدق،لكن يبيلي اسأل أحد شيبانا، لاحقين، انا متأكده مصيره يرجع!

- على أولتك! طيب ما تبين نتسلى بشيه أكله!

- بس بنبلش بالمواعين!

- يا ستي!

 

ودخلن المطبخ في محاولة هروب أخرى يفضلنها: الطبخ والأكل!

هذه العادة التقليدية التي وان كان لها آثار جانبية لكن ايضا تحتوي متعة لفظية صعب ان توصف ببضع كلمات!

دخلن للمطبخ وكلا تولى مهمة، من المبكيات والمضحكات، قطع البصل ناعما مع حزمة بقدونس وكذلك طماطم،والاخرى صدور الدجاج مع جبن كي يحُشى، كلها خيارات سهلة لانه مجرد الهاء عما يشغل البال.

شرائح من جبن الموتزاريلا كانت،كي تذوب مع حُمرة تكسي سطها تحت لهيب الفرن،وتم خياطه القطعة بخيط طعام

الدخول في هذه الحالة هو أحد اشكال تفريغ المشاعر السلبية عندها، اذ لم يخطر على بالها ان يحدث له مكروه، فهو كثير الغياب، صاحب خروج مفاجئ، كلما خطر في باله شيء انسل وخرج ثم عاد دونما اي اخطار، فاعتادت نسرين على هذا الطبع لديه، كأنه جني المصباح!

فهذا من روتين الحياة الطبيعي بينهما، الا ان هذا الاختفاء مختلف كأنه اختفاء قصري، لا تجد له وصف غير ضيقة تكتنف صدرها داخليا فلا تجد لهذه المشاعر اي مكان لها لان تبوح بها.

لهذا هُدى دوما حاضرة وكأنها في حظورها هذا تذكرها انهم مربوطون بالهروب من ازمة الى اخرة

فلا تبتئسان.

في اليوم التالي

في الضحى

وهي تضع العنبر على شعرها الطويل

بيديها الخميلتين

من غير صوت في البيت

الا صوت غسالة المالبس تتحرك، وتتقلب في داخلها الملابس، ومع كل انقلاب تتقلب الأفكار في رأسها، وبيديها تخلط العنبر بالمسك، وتزداد حدة نغمة الافكار، كأنها تريد التظاهر داخل رأسها

إذ يرن جرس الباب

هه!

جرس الباب .. يدق

وجرس قلبها .. يدق

ويرق

وشعرت بعطش

التفتت يسارا تريد التأكد من الصوت، ووضعت "توله" العنبر على التسريحة

ومع هدوء صوت الغسالة، رن الجرس!

"باب داري هذا؟"

- نسرين افتحي الباب!

"يشبه صوته"

فركضت كما تركض قطة لصاحبها، وشعرها كأنه طرحة عروس خلفها

- اهلين عمي، دقيقة اتستر!

- هلابك، شلونكم؟ طيبون!

- نشكر الله، كلفت على خاطرك!

- ابد قلت خل نحلي، واعلمتس علوم الخبل الي عندتس!

- *ضحكت*

تبسم وقال: زيني لنا قهوة!

وجلس في الصالة المقابلة للمطبخ، وفتح التلفاز على اقرب قناة تبث اغاني، واخرج هاتفه الجوال بنظر للرسائل حتى تجهز القهوة

ركوة حمراء كانت في الدولاب اخرجتها، ولم تجد ملعقة كبيرة، فاخذت ملعقة صغيرة، وغرفت من علبة القهوة التركية اربع مرات، وبدون اي اضافه الا ماء، ووضعتها على العين وهي تتمتم بهذه:

لما بدا لي أن قلبكَ ملني

وعلمت ان هناك ما لا اعلم

أقسمت ان لا اورد اسمك في فمي

لكنني قد كنت باسمك أُقسم!

فارت القهوة وبضع قطرات منها انسكبت واخرجت فنجانين وذهبت عند العم مطلق، وصبتها!

- ما بها وجه!

- لاني فوحتها مرتين، وبعد المرة الأولى شلت الي فار عالسطح!

- الله يهديتس بس!

ويوم خلص شرب فنجانه والباقي داخل الركوة، قلب الفنجان!

- انت تقرأ فناجين؟!

- لا، بس هذه عادة قبيحة اكتسبتها من ايام حرب رمضان في سوريا، مع كثر قعدتنا مع الشوام، صرت اسويها، ومع الوقت صارت تبدي اهتمام لما تجلس مع احد علشان تفتح سالفة! لانها تصير ملفتة وغريبة!

- ونحن عندنا سالفتا الخاصة!

- بالضبط! المهم فهد كلمني قال انه بجدة، اكيد عندك خبر!

- ايه، يقول يبي يبحث عن قبر شخص، وسألت جدتي قالت انه له علاقه بجد لكم كان مع المقتول، بس ما اعطتني التفاصيل

- ايه، وهذه سالفة تطول، لكنه طيب، وبخير، وهو في سكن الجامعة، عند زميل له، ويوم قفل السماعة، ارسل لي عالواتس هذه الرسالة:

"الحقيقة يا عمي اني نسيت الكلام، انا لا انكر فضلك، لكن هذا شيء اكبر مني، لكن لانك انت مربيي الحقيقي، فلهذا اذوب الان امامك من البوح، فانت كعسكري صارم كنت طائع مطيع قزم أمامك، كأنك دكتاتور سوفييتي، لك ابتسامة مميزة لا تُرى الا كما يُرى هلال رمضان والعيد، بتحري ودقة،

اعلم ان هذه الرسالة ستبدو لك كأنها انطباعات لطيفة، لكن قد قاسٍ بشكل مختلف، وكأني جدني في ثكنة، لكني أعلم يقينا أنك تريد الخير كل الخير لابن اخيك، فتريده افضل من ابنائك من صلبك، ولهذا كان علي أن اتحمل كل شيء، لأنك والدي العزيز، لكن هنالك حقيقة كلكم تخفونها، ولهذا كنت أخاف أن أسالك

لكني رحلت يجب أن أجد هذا السر المدفون مع شارل هوبر، اريد أن أكون لونغ جون سيلفر ابذي وجد كنز القبطان جيمس فلينت.." ثم توقف مطلق عن القراءة لانه شاف نسرين تمسك راسها

- مش راح يرجع! مش راح يرجع!

- ليش فهمتي شيء؟ انا ما فهمت ولا كلمة من الي قاله!

- ولا راح نفهم، لانها مثل رسالة كافكا لابوه! الرسالة اللغز المباشرة!

- الله يدبر الصالح!

- هذا الي مجنني ومجننه! البرود الي عندك، ما كأنه يعنيلك شيء!

- فهد عزم امره على شيء، واعرفه لا عزم على شيء ما يثنيه شيء! خليه نشوف وش يطلع منه!

- كيف يعني؟

- هو يحاول يرجع شخص ذاب في بحيرة الذاكرة!

- هسا انت عم تعمل مثلو! كافا موازي!

- هههه لا لكن صدق، هو مب راضس يقتنع انه حتى لو كان سليل الدليل الذي قتل شارل هوبر، هذا شيء وانتهى، ولازم تمضي حياته! لكنه هو يبي يعيد الأموات لأنهم أحياء عنده!

- والحل؟

- لا حل للمرض المزمن!

صارت تضرب راسها وتولول كأن لها فقيد، ومطلق جالس يسارها طأنه حانوتي يدعو لميت! وكانت تستنكر بروده، لكن يبدو أن مطلق معتاد على هذا المشهد الأسري، وكأن هذا تكرار لمشاهد كثيرة غرقت داخل حياته، فاصبح مثل الطبيب، لا شيء يجعله هلع!

كل الأشياء وكل الزوايا وكل الأمكنة، واحدة!

والزمن يزحف!

عندما هدأ الجو، قام مطلق من عندها وهو يقول: "إن جتن أخبار جديدة بعطيتس خبر" وهي تودعه قال لها بصوت هادئ وبنبرة ثابته وهو ينظؤ لعينيها مباشرة:

"تعلمني أن لا تتوقفي عن المشي عندما تفقدين شخصاً تُحبينه!"

وخرج وهو الذي أغلق الباب لأنها تسمرت مكانها!

تسمرت، وبرد جسمها، ثم شعرت بدوار بسيط وجلست على الأرض، قبل أن تذهب لأقرب أريكه!

 

كان شكل الصالة البيت مستطيل ناقص ضلع باتجاه الشمال، لانه يطل على المطبخ، فجلست ثانية ساقها اليسرى، وظهرها باتجاه بمطبخ، وامالت جسدها للجهة اليسرى،

وامالت رأسها على احد الوسادات، وهي تتأمل الشباك المتسخ، تكتم ابتسامه فوقها عين مختنقة، وتعد قطرات الماء المتساقطة من مجرى التكييف خلف النافذة، واضعة يدها اليسرى على فكها، ابهامها على وجنتها، ونهاية سبابتها بين اسنانها البيضاء، وبقية اصابعها على ذقنها، ودخلت في شرود عميق كأنه سبات!

سكابا يا دموع العين سكابا

هجرهم حمل لقلبي عذابا

سنة وسنتين بستنى الحبايب

لحد تقطعوا اوتار الربابه

ويا راعي بأرض المرج عزبتنا

عالله تعود وتتجمع عشيرتنا

سكابا يا دموع العين سكابا

 

ظلت نسرين تردد هذه الاغنية القديمة حتى غفت عينيها وفهي مكأنها كأنها تمثال روماني!

"خلال الأيام الثلاثة التي أمضيتها، اضطررت إلى الدخول إلى تسعة عشر منزلاً، حيث قدمت لي القهوة وطبق كبير من الشمام أو البطيخ المقطع إلى مكعبات، وأقول (اضطررت) إذ إن أحدهم ما إن يلمحني سائراً حتى يأخذ بمطيتي من الرسن ويقودني إلى بيته، متجاهلاً ملاحظاتي!

ليقدم لي وليمة تتكون من طبق هائل من الأرز ولحم الغنم في بستانه، فمدينة عنيزة تطل عليك بمظهر عظيم وأنت قادم من الشمال مع شروق الشمس مدينة مستقلة، هي شبه جمهورية برئيس منتخب"

كان فهد يقرأ كلمات تشارلز هوبر في مكتبة جامعة الملك عبدالعزيز في جدة، يحاول أن يجد اي طرف خيط يقود لسلفه!

كان يبحث في يوميات ومذكرات الرجل، كان منهما، لو تراه من بعيد، كأنه خُلد يحفر تحت الأرض لكي يخرج من جهة اخرى وقد اتم عمله، كما لو كان فأرة، تدخل أوكارها، تلعب بسجاد ممرات المنزل، تأكل كتب الأشعار، تتنزه بين الألعاب والزوايا والأماكن الضيقة، لتنام في قفل باب لتكمل جوقة المطارة!

لا يخرجه من هذه الحالة الا شيئين: آذان أو قرقعة جوع، لكن هذه المرة، بالرغم من عدم حلق ذقته التي طالت بشكل مهلهل غير متناسق، وقلمٌ مدببُ علقه فوق اذنه اليمنى وبيده اليسرى دفتر مذكرات صغير كي يدون فيه ملحوظات، لكنه استمع لصوت مختلف، هادئ ومخنوق كالقطة، وكأنه لا يجيد العربية،

فرفع رأسه كما لو كأن وشقاً يريد أن يلقي نظرة فاحصة على المكان، وحوله ركام الكتب التي تخندق خلفها، ثم وقف وهي تقول هذه الشقراء:

"فين ممكن القى كتب استشراق؟"

قلبه طار، مع كل نبضة، ليس عشقاً إنما شوقاً ليروي فضوله العطش! من هذه التي تريد البحث في قصص هؤلاء كما لو كان نبشاً للقبور!

"إنها متل سوق، ونحن متل باعة، عرفت علي كيف! أقصد المكتبة! احنا من شتوتغارت، جنوب ألمانيا، بس أنا جيت مشان أمشي نفس خط جدي، هو مر من هون لين جدة، فقلت لحالي ممكن الاقي نسخة ترجمة منيح ليوميات رحلة إلى داخل العربية لجدي يوليوس أويتنج، هوا اتولع بالمكان من ايام ما كان أمين مكتبة...

طاحت عينو على جزء من توثيق رحلة كارستن نيبور للبعثة الدنماركية لهون، وبس تولع بالمكان، وبتقاليده،تعرف أنه بنقدم القهوة على الطريقة البدوية مو بس عند قبره، حتى بالبيت عندنا! فهاي اغرب مصادفة انه انا بقابل حضرتك هون،وفي مكتبة، ونكون احفاد الرجلين اللذين كانا قريبان من تشارلز هوبر!"

بولا أويتنج، عينين يميز لونهما، لكن أكثر ما ميزه هو صوتها المخنوق كقطة، وبالرغم من لون شعرها الاشقر الظاهر، الا نه قد يبدو باهتا ان اقتربت منه، لا تدري اهو يميل ان يكون ذهبيا او يتخلله ترجات من خفة للونه كأن البصيلات تكاسلت من اعطاءه هذه الصبغة، زينه وشاح اسود تلف به رأسها كأنها

ليلى ذات الرداء الأحمر، لكن الحمرة هنا هي التي اكتنفت بشرتها في هذا الجو الساخن الذي قد تخففه رطوبة المدينة احيانا، عندما تجلس لا تميز طولها لكن عندما تقف لا تدري اهو مجاوز للثمانين ام انه بقي عند السبعين، لكنه طول مميز بالنسبة لمثيلاتها من النساء، لا تحب وضع طلاء لاظافرها

الطويلة نسبيا، ويبدو انها تريد الابقاء عليها لتخافظ على مسحة استقراطية عند الحديث، حتى التجلي في الطريق، مع ان الحديث معها لا يوحي بذلك، فبالرغم من عربيتها المكسرة، وكرهها للفرنسيين، الا انها تحمل سجائر فرنسية بنية اللون، ملفوفة بورق سيجار كوبي عتيق، بالرغم انها غير مدخنة، لكن

على حد تعبيرها تقول: "هيدا بيسعاد كتير في الاوساط الثقافية" وكأنه تذكرة عبور او جواز سفر، لعلك تتسائل كيف هي عبرت له بكل اريحية عن هذه التاقضات، لانها سألته عن شكله الذي يشبه اودونيس الشاعر، فكان رد فه: "أعوذ بالله! لا منيب ادانيه، لكن ربعنا يحبون التمظهرات هذه....

شعر اشعث، وقهوة تركية، وفيروز مغنية، وشعر حر، وسيجارلو صغير، وموسيقى كلاسيكية لشوبان"

وكأن كليهما وجدو قرابة ادبية اخرى جمعتهما،مع كره الفرنسيين،فإن اخر حديث جمعهما قرب ان يفترقا هو: "لا اظن احد في هذا الكوكب يحب فرنسا، ولا حتى الفرنسيين ايضا!"

وامتنعنا عن الضحك لأنهما في مكتبة!

قررا أن يخرج من المكتبة،وكانت المرة الأولى التي يفعلها فهد منذ أن وطئت قدماه ارضها، أما بولا، فازدادت احمرارا بسبب سخونة داخلية اعترتها، لكنها ليست سخونة مرض اعتيادي،هز رأسه بالاعتذار من انه يريد ان يصيب بعضا من الراحة في منزله، مع ان من عادته ان لا يخرج الا حين تنتهي ساعات العمل

أما هي، فذهبت الى الرصيف البحري، وهي تنظر للبحر، وتلعب بخصلة غرتها وهي تردد:

"يحبني، لا يحبني... يحبني، لا يحبني... " رددتها فوق اربع مرات حتى وقعت على: "يحبني!"

فتبسمت ابتسامة حارة وهي تقول في نفسها: "هل هذا حقيقي؟"

وبقيت باولا تنظر للبحر،وبتحث عن اي محل يبيع مثلجات لتسجية الوقت

ومنذ ذلك اليوم اصبحا متلازمين، كقصة، وحكاية ناس، وحضور في المكتبة، وخروج مبكر لفهد، ووقوف باولا عند الواجهة البحرية!

كانا منظرا بديعا اضاف معنى لجمود هذه المدينة الروتيني، وهروب الطلاب من مكتبة الجامعة العامة!

 

" لقد انتهى درس اللهو يا فاوست! " صوت مميز سمعه فهد في المكتبة!

"موفيستو؟" همس فهد!

- "طبعا لا! لكن تستطيع ان تعتبري الصوت الذي انقذ فاوست! فهل ستدق بابي وتسير إلّيَ، وتأخذ بيدي!"

هز فهد رأسه بشكل سريع، فاستعاد وعيه بالمكان، المكتبة هي هي، وهو غارق في وسطها، ولا زال في ذات الحالة، البحث عن أي شيء يخص مقتل هوبر!

ومع ذلك توتر فهد من ذلك الصوت، فلملم اوراقه وخرج ليصيب بعضاً من الراحة!

وفي الطريق مر على امين المكتبة، وقال له: "من وين أطلع؟"

فقال له: "كما دخلت! من بوابتها الوحيدة، أبلغ بك الأمر أن تنسى المدخل؟" واشار لها وخرج فهد حاملاً مدوناته عمّا قرأ!

فذهب أمين المكتبة، ليرتب خلفه!

كان يمشي كما لو كان موسيقاراً ضاق به الإبداع بالوسطى على زر البيانو الأخير، ينقر .. ينقر .. ينقر .. وتتصاعد النغمات تصاعد خطوات الرجل للبقعة التي كان يقبع فيها فهد!

فعندما رأى كل تلك الكتب التي تكدست فوق بعضها، والمسافات بينها كأنها وديان تشق أرضاً جدباء،

وورقيات كلها بخط طالب نسي حل واجباته المدرسية!

فإذا نظرت الى وجهه وهو ينظر لهذا المنظر، ما تملك الا أن تتحس اذنيك، صوت نايٍ ذي شجنٍ يطوف بالمكان، وهو يدور بمقلتيه نحو الكتب المنثورة، فإذا دنى منها، سمعت ريشة العود تدندن كي تبعث بعضاً الهمة له،

فيظل لترتيب المكتبة لذته كالمسير في غابة فاتنة تشتبك اغصان اشجارها مع قمرها، أو كالمحيط الذي كلما سبرت غوره،استمريت غموضه!

كان يرتب المكتبة وهو يتمتم بكلمات كأنها التسبيح! غير واضحة،غير مفهومة،وان حاولت تبيانها، قد تتبين الأحرف لا الكلمة!

فلم انتهت الموسيقى، عاد كل شيء إلى مكانه!

ذات صباح كانت زيارة لها إليها، تحاول ان تُنسيها وتسليها، وهي تردد: في كل صباح اظن انه سيدخل علي بشقائق نعمان، ... ثم تضمت طويلا

 

ترتيب المنزل فيه انهماك لحظي يريح المخ من الانهماك في التفكير بالأشياء ومآلاتها، ويفضي شعورا بالسعادة إذ أن كل شيء يعود لمكانه المناسب ويصبح البيت نضرا

- يا كرهي لتس! ما لقيتي تعطيني ارتب لتس الا المطبخ! تراي جايه اساعدتس يا منيب قايله!

- مشاني يا هدى، بدو شغل كثير، وانا وراي باقي البيت!

- الله اكبر يا قصر الشيوخ هالحين!

- لفيها بقى!

- بعدين اسمعي، اذا تتشغلين شيء يسلينا فكينا من كاظم الله يعافيتس!

- ههههه ماشي!

اتجهت هُدى يمينا لهذا المطبخ الذي يبدو مثل برلين بعد القصف، وذهبت نسرين للصالة المقابلة له، واخذت جهاز التكحم بيدها اليسرى، اشغلت التلفاز على التطبيقات، بحكم انه تلفاز ذكي، وجلست تقلب في الاغنيات حتى وجدت ضالتها، فاختارتها، وهي تضع الجهاز على الطاولة شعرت ان هدى تضحك

فلما التفت اليها، لم تكن تكتفي بالضحك، وانها تهز رأسها كأنها تقول: ما تخلين حركاتك! فبادلتها نسرين بحركة بيديها اليمنى وهي تفرد اصابعها الخمسة بوجها: مالت عليك! لكنك تستشعر صوت الضحك رغم كل شيء!

الاغنية اورثت هذه اللحظة كانت تقول:

"مبحبش حد الا انت!

ولا نفسي كمان يا حياتي..."

كانت نسرين رابطه شعرها بمنشفه رمادية تتخللها خيوط وردية اللون لكن ذويولها - أي أطرافها - كُحلية اللون، وطبعا كانتا تصرخان، اذ ان صوت المكنسة وغسالة الملابس تشاركهم الصراخ الغالي، فبدأوا بتعلم لغة اشارة مؤقته تفيد بتأجيل الكنس حتى اشعار اخر، الا انها رفضت باشارة اخرى لها

بعدها،بدأت تمسح الممر الطويل حتى نهايته، اذ ان الرخام يحتاج مسح يدوي، وبالفعل اخذت خرقة خاصة، واغطستها في سطل التنظيف،ثم انحنت لتمسح الارض بيديها.

كان كل شيء يتحرك فيها،حتى السلسال الذي علقته يحمل الحرف فاء، وكأنه بندول ساعة حائط،لكن الرنة تأتي من الساعة الفعلية في غرفة المكتبة

فنيما تهي تخرج العناوين المتنوعة في موضوعاتها حتى قد لا يتيبين للداخل الأول مدى الترابط بينها، قررت نسرين ان تعيد ترتيبها،ان تجعل كل حقل في مكان خاص فيه، الشعر في ناحية،والرواية في ناحية وكذلك حسب منشأه الاوروبي في جهة والمحلي في هجة وهكذا، واثناء التفتيش عن كتب الشعر لتضعها سوية

سقط كتيب صغير معنون بأوراق الزيتون!

وقد فُتِحَ على صفحة في اول المنتصف منه، كان قد كُتِبَ في متنها:

"يحكون في بلادنا

يحكون في شَجَنْ

عن صاحبي الذي مضى

وعاد في كفنْ

ما قال للأحباب.. للأصحاب :

موعدنا غداً !"

فشهقت شهقة كأنها الموت! وجثت على ركبتيها تبكي بصوت مبحوح، وكُسِرَ طبقٌ

من يدي هُدى وهي فزعة لا تدري ماذا ألم بهذه المنكوبة!

فلما دخلت عليها وجدتها تمزق ذلك الكتيب وهي تبكي ثما رمته اماها اذ هدى تتلقفه وهي تقول:

"لا، لا، حيرجع، حيرجع!"

حاولت هدى ان تفهم منها، فلما علمت ذهبت لتهدئتها، وقالت: "لا تتطيرين! خلي عنتس هالحركات واذكري الله، الله يهديتس بس!"

ذهبت هدى لتعصر الليمون مع العسل والنعناع، وتعصر على نفسها ليمونة الصبر!

ثم لما اعدت العصير اعطته اياها،وهي مشدوهة، وتركتها تشربه بهدوء، وراحت لذات التلفزيون، وجلست تقلب في قائمة اغنيات المفضلة باليوتيوب، ثم اختارت:

"وارتوت نفسي بك يا احلامي ونصيبي

هوا في الدنيا يستحق كلمة حبيبي!"

وخلال هذا، اذ جرس الباب يئن!

ففتحت له هدى بعد ان تغطت "بجلال الصلاة" ورمت الجلا الأخر لنسرين، فلما انتصف في وسط السالة وهو ينظر لنسرين وهي تشرب العصير وتحاول تخفي ابتسامة خلفتها اغنية طلال مداح التي اختارتها لها هُدى، وهدى واقفة خلفه، فتركهم واتجه للمكتبة، فوجدها مبعثرة،

فبحث عن مفتاح الغرفة، واغلق غرفة المكتبة، ووضع المفتاج في جيب ثوبه الايمن ورجع للصالة، اذ هدى بجانبها، وفوق أمامهن وقال:

"نشفتوا دمي الله ينشف دمتس انتي وياه، على هالكمكمة انتي وهي كنكن رقية وسبيكة!"

قالت نسرين: "له له يا عمي! شومالك!"

قال مطلق: "الفقيه بس! المكتبة وقفلته! ...

... لو بس يجين طرف علم أنتس فتحتيه، لا اروح أنا ادور فهد وأقول له يطلقتس! سمعتي!"

وضعت نسرين يدها السيرى على فمها من ظهر كفها، الوسطى على فمها والسبابه علر ذقنها تحاول ان تخفي عبرة اعترتها.

فضمتها هدى لها من كتفيها، وقالت له: "هو يا أبو صالح، الله يهديك بس، وش هالحتسي!"

فقال لها: "ألفقيه انتي بعد! ما غير زامه عباتس وجايه، اكثر ومرعى وقله صنعة، فصفص وشاهي كراث وهرج مأخوث خيره!"

فقال هدى وهي غاضبة وتشد كم "جلال الصلاة" وتشيح بوجهها عنه، وتضرب نسرين علر كتفها الأيسر لأنها ضحكت من تعليقه وسط عبرتها:

"الله يهديك بس، هذا جزاتي اني علمتك!"

قال لها: "أها بس! الزبدة: ابكلم ابوتس تباتين عنده! الخبلة ذي ما تتخلى لحالها، الله يقلعه هي ورجله، وبعدين وش ذا الي مشغلينه! حطو البقرة والا ورد، كود يرد غايبكم، وبنشوف صرفة لكم، تغديتو؟ اكلتوا شيء؟"

قالتا بصوت واحد: "لا!"

فرد: "خلاص! انثبروا اجل ابنقز قريب اجيب لكم شيء يوقيكم!"

نزل من السلالم وهو يتحسب!

وشغل سيارته العتيقة، فرود كراون فكتوريا اصدار سنه ١٩٩٥ ميلادية، ادخل شريط عتيق كسيارته في المسجل، ليصدح بالكلمات التالية:

"ألا يا حرة باقصى فؤادي

آنا اشهد ان القلب والله تمشكل

حنين الشوق في قلبي ينادي

وآنا الذي ملزوم يا شوق اسأل"

ووقف عند اقرب محل بخاري

وجاب لهم حبه نص شوايه، وعلبه لبن!

والباكستاني يقول له: "ما يبغى حمضيات؟"

طبعا رفض هذا الاقتراح المدمر، وخرج وعاد خلال الطريق وهو يفكر كيف يعيد ترتيب هذا اليوم المبعثر!

صعد السلالم بعد أن هدأت اسراريرة،وطرق الباب، وفتحن له،والجو هادئ مستقر،وقد اعدتنا طاولة الطعام، فجلسن يأكلن بنهم

ودخل هو للمطبخ يعد له براد شاهي وهو يردد:

"انا القاها من مين والا منين!"

المهم انه وهو يرشف الشاي بكل لذة،ويرقب المشهد، حتى غفت عينه قليلا، ليستيقض على اتصال هاتفي!

ثم كانت هذه الردود المتتالية:

- بالله! عندك هو؟

- زين خلك حوله! لا يغيب عنك!

- ايه ايه عندي! بحيبه معي ان شاء الله!

وعندما هم بالخروج، قال لهم دونما ان يلتفت:

"تراي بسافر لجدة! منيب مطول ان شاء الله، لا احتجتوا شيء علمون، وتراي تركت تحت علبة المناديل فلوس عن سبحان لله!"

ولم يهملهما فترة للرد، اذ اغلق خلفه الباب وخرج!

خرج ولم يشاهدوا وجهه، بصوته الجاد الهادئ وكأنه يسدل الستار على فصلاً من مسرحية ما.

خرج خروج المفتَقَد!

وكأن خلفه كمانٌ حزين يعزف، نايٌ يطيف حول نغم الكمان!

مشى بكل هدوء، يمسك دربزين الدرج، حتى وصل باب العمارة، ثم وقف قليلاً ليتنهد، لمدة قد تبدو للمشاهد له بين الربع ساعة لنصفها،

لكنها مرت كثواني بالنسبة له، ثم فتح الباب وخرج، يطرق الارض وكأن خلفه من يطرق اوتار الكمان لتعبر عن خروجه هذا، وغضبهُ يرابط معه، كجندي قبيل ساعة اطلاق الرصاصة الأولى في المعركة!

اتصل عليها وقال: "الحين وجبت الزيارة يا أم فهد!"

واتجه لأكثر مكان لم يبالي به الا في هذا اليوم: المطار!

انتبذ كرسيا في خاصرة الطائرة، وكأنه أراد كل شيء أن يتوقف الا من حركة الطائرة إلى هُناك!

ما عاد يبالي الا به!

لأول مرة يبدو مطلق قلق! لكنه كما "جِبِلهْ" اي شديد في كل تصرفاته، حتى عندما بدا قلقا، لم يبديه لأحد، حتى في اتصاله على زوجته! وكأنه الأمر العسكري بالتسريح!

وقد أمتثلت!

وجائت أم فهد!

إمرأة شديدة، بنظرات حادة، تكحل عينيها، عرجاء، ليس من اصابة، إنما رجلها اليسرى اقصر من اليمنى، ولهذا تستخدم عكازاً خشبياً للتكئ عليه، وتخضب رأسها بحناء تحيله للون أقرب للأصهب، كي تخفي بوادر الشيب، تحب لبس دراعات لونها تركواز، لكنها تتحجب بالأسود، كي تسكر حدة اللون،

جلست والخوف بعينيها، تتأمبل عيني نسرين، أن لا تحزن، لكن الفجيعة هي المكتوبة عليها!

جلست فوق الثلاث ساعات تقص لها كُل الحكاية، كُلها، ثم أنها ظلت مشدوهة كأنها مسافر فقد الماء!

فحبيب قلبها صار نائما في قفص!

من سيدخل حجرتها، يداعب ظفيرتها، او حتى تعاتبها او يخانقها،

كل هذا مفقود!

ظلت واجمة صامته!

كأن النور انطفأ من المكان!

وساد الغيم وتساقط المطر المشؤوم!

حملتها هُدى كأنها دمية ماتريوشكا لكن ذات مفاصل رخوة، وادخلتها غرفتها بعدما ساعدتها في تبديل ملابسها، وسجتها في فراشها، ثم اخلقت الباب خلفها وخرجت لتجلس مع أم فهد، فسمعتها تقول ابيات بن لعبون:

ضحكتي بينهم وانا رضيع

ما سوت بكوتي يوم الوداع

 

هم بروّني و انا عودي رفيع

يا علي مثل ما تبرى اليراع

 

طوعوني و انا ما كنت اطيع

و غلبوني و انا قرم ٍ شجاع

 

ثم حاولت تستجمع تفسها، لكنها القت عكازها ورفعت طرفي كمي العباءة وغطت عينيها وبكت بلا صوت!

فقامت هُدى تقبل رأسها، وتهدئ خاطرها!

عند الرصيف البحري في جدة:

فهد يقف وقد أوغل التحديق في البحر، والتفكير، والانتظار، وكأنه يعلم أن تنتيف تاج الورد قد قتلها حباً له، لكنه رأى فيها قرينه الذي قد يجد فيه ما يبحث عنه!

وعند المغيب، وقد هب نسيم كأنه السموم، التفت يميناً، وهو يراها تجري، رأى خلفها رجلاً يمشي بسكينة ووقار

كانت بولا كلما افتربت من فهد، تستحيل إلى سراب، فلا يدري أهو من فرط حرارة الجو أو اللقيا، أو أنه بسبب ذلك الرجل الذي يمشي خلفها، الذي كلما اقترب بدت ملامحه واضحة كفلق الصبح، على العكس من بولا،ولكنه فضل أن لا يعير أي اهتمام لشكوكه، ومد يده للسلام، علها جلبت له شيئا يساعده على رحلته

لكن ما إن وضعت يدها في يده، حتى أنهارت صورتها أمامه،وتساقطت تساقط المبنى حين يُهدم، كأنها صورة رقمية في فيلم سينمائي وحذفت!

وظهر خلفها ذلك الرجل السبعيني الشديد، الهادئ، بشماغه الأحمر، وقد توقف قبالته وهو ينظر إليه ولم ينبس ببنت شفه!

عن يمينهما صفحة البحر، يسقط فيها قرص الشمس

وخلال انطفاء القرص وهو ينزل تدريجيا في البحر، بدت ملامح الرجل تظهر، بحواجبه الكثيفة، وشاربه المميز، بلا لحيه، قد تآكل وجهه من جدري أصابه فيما يعرف "بسنة الجدري أو سنة الرحمة" فآثار في وجهه في كل مكان، وتخلف تاريخا خلها، ثبت الشماع بعقال مبروم، وثوب نجدي قديم، ذا ثنيه في المنتصف.

فلما اختفى قرص الشمس، وتبقى آخر ضوء النهار، قال فهد للرجل:

"يبه! وين بولا؟ قلبي كان بنبض وبغى ياقف يوم شفتك! أمي جاها شيء؟!"

لكن العم مطلق لم يرد عليه، وأمسك بيده، وأشار له أن سر مي، فهد التزم الصمت، وسار معه وركبا السيارة، وتركا المكان بعد تمام المغيب!

- هذا طريق المكتبة يا يبه!

لم يرد عليه مطلق، واستمر في القيادة، حتى بلغا مبنى بسور قصير كالزنازين، مدخله كدفتي كتاب، واوقف مطلق السيارة، واخرج هاتفه المحمول، ورن رنه واحده، واغلقه!

قال فهد: ليش وقفنا عند المكتبة؟

لم يرد عليه!

وساد صمت طويل ...

حتى نزل من درجات المبنى عند البوابة

رجلٌ مألوف عند فهد!

ففهد سأله: أنت تعرف عمي؟ شلون!

قال مطلق: هذا الدكتور عبدالرزاق علي، وهذا مستشفى للصحة النفسية بالطايف، وتو كنا في الشفا مب عند الكورنيش!

كان الخبر على فهد كالصاعقة لانه لم يصدق، بدأ يصيح: أنت منت عمي مطلق! شكلك تبي تقتلني زي ما قتلتها عند الكورنيش....

وبدا يهذي، وحاول الهروب من السيارة، لكن مطلق أمسكه من يده، واركزه حتى كادت تنقطع، وظل يصرخ وهذي حتى خارت قواه قلما هدأ، قال له مطلق: هد يا وليدي، اسمع تراك لك شهر وانت تارك علاجك - واخرج له علبة الدواء - انت فيك ذهان متقدم، وانت تترك العلاج بين فترة وفترة علشان دوامك

لكن انك تقطعه نهائي، بغيت تجيب فينا العيد كلنا...."

وجلسا يتحدثان حديث مطول في تفاصيل عديدة، عن حياته وان كل هذه الاصوات التي يسمعها والأشياء التي يراها ما هي الا أوهام راسخة جراء أعراض الحالة التي يعانيها، وانه يجب أن يستمر في تعاطي العلاج حتى يتعافى من الحالة تماما

ومع اذان العشاء، ذهب من الطبيب الى الداخل، وضرب لهم موعدا بعد شهر، حتى تستقر حالته.

عاد مطلق للرياض وتواصل مع مكان عمله لكي يمدد اجازة ابن اخيه، ثم عرج على البيت كالمنقذ، ودخل عليهم المنزل، وطمأنهم أنه لم يصيبه مكروه، ولكن الطبيب ضرب موعدا بعد شهر للزيارة!

بعد أشهر:

 

كانت الساعة تشير الى الثالثة ظهرا، وصوت الباب يأن ليس من فرط حزن، لكنه الحنين، ففُتِحَ فإذا هي أمامه، بيديها أبريق عتيق وتغمز له، قال لها: انا تعب! ويومي مضنٍ! هل من راحة؟

ردت: يداي لك وسادة!

فابتسم وقال: وشاهيك الذي بالابريق، هذا، مر ام حلو؟

ردت: سكر زيادة!

 

تمت