الخميس، 8 سبتمبر 2022

المحامِد السبعة!

 - كم محمداً تعرف؟

- أعرف محامِد!


 هكذا افتُتِحَ الحديث بينهما ...

ثم عُزِفَ لحنُ "قف بالطواف"

فخرج المحامد واحداً تلو الآخر،


اقدمهم هو تاجرهم، ويصغر نفسه لتويجر، كنت ذات مرةٍ معه، نمزح ونضحك ونمرح، في نهاية جلسة السمر عند باب الديوانية بجانب سيارتنا، فقال لي:

- انت تحب ترفع ضغط العالم!

قلت له: لا، لكني احب ارفع ضغطك انت بالذات يا ابا القاسم!

قال لي: خلاص يا ولدي اعقل! كبرنا!

قلت له: أبداً! انا معك ما أكبر!

قال: ياسلام!

ثم تبادلنا الضحكات وكلا منا مضى لمنزله.

في البيت استوقفتني كلمتي "انا معك ما اكبر!"

علمت حينها يقينا ان الصديق ينسى كل شيء مع صديقه، الزمان والمكان وحتى اللحظة، مع تراكم المواقف، الافراح، الاتراح، حتى غدت ذكريات، والتي لطالما تشاركناها، فصار كلا منا جزء من حكاية الأخر، فهل رأيتي يوما شخصا يكبر على نفسه فضلاً عن اخيه؟‏

"أنا معك ما أكبر" 

جملة أرسلتها تستحق أن تغدو مثلا!

تدرين لم لا أكبر معه؟

لأني اشعر انني مع من يشبهني، هذه العلاقة تبدو كثيرا مثل قرابة الدم، لكن فيها قرب مختلف، لكن الاختلاف هنا هذا الحس بأننا كلما التقينا كأنه أول لحظة من تعارفنا بدأت فيه جدران الرسمية بالزوال

بهذا ما اكبر معك!


- والثاني؟


الثاني طبيب أسنان أعرفه منذ زمن، أكثر من عشر سنين، يدعى أبا القاسم قاف!

 طبيعة عمله، عقلي ونفسي بدآ يصوران لي أن طريقة العمل في العيادة تنعكس على طبيعة تكوين العلاقة، او لنقل مدى شدة توطئتها! 


أما مشوار الذهاب لعيادة الأسنان مهما كانت فهو مثل الذهاب لورشة صيانة السيارة، كل ما هو مصاحب له كئيب حتى الأغنية التي تختارها، وكأن أبرز ما يرافقك كخلفية أغنية فيلهلم سترينز: "إنجلاندليد" التي غُنيت خلال القصف النازي على إنجلترا خلال الحرب العالمية الثانية، وإذا خرجت ليلا لا تريد أن تنظر للقمر حتى لا يتغير شيء من تكوينك البشري وأنت منتجه لعيادة يعمل فيها رجل سادي يوصف من الأطباء الآخرين أنه ليس بطبيب! 


 أنا آسف يا أبا القاسم قاف، لكن عند الخروج من العيادة أيضا ستستمع لأوبرا دير فرايشوتز: لكارل ماريا فون ويبر! وهي تصدح تقول: 

"ابني، 

 تحلى بالشجاعة! 

 من يتوكل على الله يبني الخير،

 لنذهب! 

 في الجبال والهاوية 

 غدا تحتدم الحرب السعيدة!"


 نعم فمزاجك منذ لحظة الدخول إلى الخروج من سرير المجزرة وأنتما تتبادلان مشاعر حمراء يكبحها العقل أن لا تنفجر!

 فهذا السرير الأزرق مثل طاولة الجزارة، على حد تعبير أحدهم في مستشفى مانشستر لطب الأسنان، حيث أن ذلك المستشفى الغريب يحتوي كل الأنواع الفئوية من الأطباء وبتوجهات صوائبية أيضا، ففي كل حديث كنت تفتحه مع أحدهم تُعاد لك ذكريات القصف النازي وتتسائل ما إذا كان القصف طال مانشستر أم أنه كان على السواحل الجنوبية لإنجلترا وويلز فحسب؟

لكن طبيب الأسنان هذا، أبا القاسم قاف يفهمني جيداً.


- والثالث؟


سألتني، الثالث هو المهندس أبا القاسم سِنَّوْر، بهي الطلعة كأنه القمر، مع لدغة في حرف السين، يتحول إلى شين على لسانه، برغم نرجسيته الواضحة، واعتداده بشكله الذي لم يكن له الخيار فيه، فهو يراوح بين علاقاته الشخصية والرفاق الآخرين، يحافظ على المساحات متساوية بين الجميع، كل من شاهده يستحيل أن يخطئه، رغم اشتراك علاقته مع عبادلة وأحامد آخرين.

ومع هذا ظهوره وان بدى ماقطعا بهي، وإن آثر العلاقة الشمسية معك، اي ان تكون على مسافة مناسبة كن الشمس، لا أنت عطارد ولا الاخرين المريخ!

- والرابع؟


الرابع طبيب أسنان أخر اعرفه منذ سبع سنين تقريبا، وبشكل يشبه الفواصل الأعلانية، يدعى أبا القاسم شين، وهو يشبه حروف شين كثيرة في المعمورة، لكن شينُهُ مميزة، وكذلك عمله، يده دقيقة لكنها كترزي، ترسم أولأ ثم تفكر بالنحت، الساخر في كل هذه العلاقة ان صدمته جلية عندما عرف أن علاقتي بأبا القاسم قاف وطيدة بشكل مرعب، لكنها ساهمت ايضا بتخفيف حدة التطريز في عملة على كرسي المجزرة الأزرق.


- والخامس؟


الدكتور أبا القاسم ابن الرومي، كسحابة صيف محملة بالمطر، لكنها تمطر في اوقات من اليوم لا يكون السكان مستعدين لهذا المطر، وبالتالي يغرق جميع المتخاذلين في بحر من الأفكار يُعاد فيه تجميع الصورة.

الكل يعلم يقينا ان هنالك احتراما متبادلا بيننا، لا ينكره من ينظر أيها، أقريبا كان أم بعيد، ولهذا هو مسلمة تحاوزناها لمساحات نشاط لا تنتهي.

ونعم، أبا القاسم ابن الرومي يفهمني في نواخي اخرى.


تقول الأسطورة عند بقية الرفاق المتخاذلين: أنه بعد الساعة الثانية من فجر اليوم التالي، يبدأ بالتحدث بالألمانية القديمة، وبكل ثنايا الكلم، يكون الشاي حاضراً من العدم، وكل خلاف مستدرك، ففي المشترك مكسب يوافي الفهم ويقارب عدم الكِبر!


- والسادس؟


سادسهم شيخهم، أبا القاسم حسون، دخل بقعتنا على ناصية حملة صليبية تعهدها بنفسه، مرددا عبارته الشهيرة: يا إخوان .. يا إخوان .. ومع ذلك يعتبر نسخة تايوانية او صينية، إذ أنه يتقاطع مع كل الاشياء التي في البقعة، ثم يطوعها طوعا ليذيقها نبيذا رومانيا عتيقا حتى تخرج من هناك بحملة صليبية تنطوي على "سالفة" جديدة!

تقول الأسطورة: برغم من انه دخيل قديم، إلا أنه يحب ختم الأمكنة التي يذهب اليها بسحر ريفيا!

ومع هذا، بيننا من الاسرار ما لا يصح فيه قول انه قاسم مشترك


- بقي السابع؟


السابع هو المتهتك بينهم، ولا يستحق أن يُكنى بها، وهو الوحيد من المحامد الذي لم احفل بعلاقتي معه كثيراً، اذ ان احد الأسباب زمالة العمل المقيتة، وثانيها هي أم الرجل لا يأبه بما نأبه له، او حتى يحاول وداً، هو أناني مستسلم لرغباته، لا يستطيع حتى ان يحاربها بالاستغناء.

لم احزن على رحيله، ولم افرح ببقائه، لكنه كان مسليا في مقر العمل كقط يؤنس وحدتك في البيت.


- هؤلاء هم؟

- هؤلاء!

- أتدري، ما أجمل شيء فيهم؟

- أعلم؛ أنهم محامد، كثيري الحمد، وأنا أحمد الباري أني اعرفهم!



ثم عام عزف لحنُ "قف بالطواف"

فعاد المحامد واحداً تلو الآخر.




تمت


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق