الأربعاء، 21 يناير 2015

فكرةٌ


~ فكرةٌ:

هي أشبه بمخاض، تشعر وكأن تدفقاً ما يسير في تعرجات دماغك كما الدم في الأوردة، لكما زاد وهجها، خرج منها الدم لشرايينك، لا يمسكها حتى تهرب من يديك كالزئبق، إلا جريت خلفها، هربت منك كصيدٍ يحاول الفرار من صياده، فتكمن لها كمون الليث للطريدة، وتنتظر ... تنتظر .. تنتظر ..

في هذا الإنتظار الطويل تتذكر، تتذكر كيف صياد السمك، وإن رمى بخيطه فهو لا يفلته، ليس همه الصيد لذاته، ولا السمكة، جل مراده هو هذه الحالة التي ينتظر فيها ... ويتذكر... ويتذكر ...

بمثل هذه الإنتظارات خُلِقَت محطات الإنتظار، ترفع التذكرة في محاولة منك لمغالبة سكرة الإنتظار والتأمل الطويلين، وتخفضها مجدداً، فهذه السكرة تغالبك وتغالبها، الخاسر فيها هو أنت، والوقت يتلهى بك متشفياً!

وتنتظر في المحطة، وتنتظر، وتنتظر، وتنتظر، فإذا تكاثف الضباب، وارسل في السماء، تجلى لك قطار فكرتك حاملاً اياها لك على رصيف المحطة، لتستيقظ من سكرتك لتستحضر فكرتك، عندها فقط أنت تقبض عليها كالجمر، لتعيد بثها من جديد!

كل ذلك الجهد المنصرم استحال إلى رمادٍ أبيضٍ، صحيحٌ أن يديك تقرحت؛ لكنك ارسلت وميضاً كشمعة - لم تلعنها - لكنك أضأتها في ظلامٍ ما ...
وتذكر أن ذلك الهاشمي الذي تحنث في غار مظلمٍ في جبال بكة، خرج للبشرية بأعظم الخير لهم!
أنت لست مثله على كل حال، لكني - وإياك - حالي وحالُكَ كمُلكِ إمرئ القيس، نحاوله أو نموت فنعذرا!

وهذه هي الفكرة؛ إما أن تعذرك، أو تعذر إليها ولها، وأنت - مثلي - لا تزال تبحث عن ومضة جديدة لتصتادها إثناء سكرة الإنتظار في المحطة المخلوقة،
فلا ترمي بالقدح كإمرئ القيس، ولا تلعب مثله بالنرد، فهي ليست حظاً، إنما هي أمرٌ كثأرِ إمرئ القيس نفسه، فلا تضيعها كما أضاع هو ثأره وفكرته، فمات غريباً مغترباً.