الخميس، 24 مارس 2022

الليلة الأخيرة في سوهو

 عند الساعة السادسة كنا في شارع أكسفورد، ثلاثتنا، كنا في الليلة الأخيرة لنا في عاصمة الضباب، وكان أقصرنا يعاني ألماً في ركبته، بالرغم من أنه أبهانا منظراً وأجملنا شكلاً، لكنه حاول المسير وكنا نداعبه بقولنا: الضعيف أمير الركب.

أكانت الغاية من هذه الجولة هي شراء أخر متعلقات أو توصيات أو هدايا أو حلوى للعيد أو خلافه، لكن كان حظنا العاثر عند كل مدخل متجر من المتاجر يعتذر باقتراب السابعة، التوقيت الحرج أكثر من الثانية عشر بالنسبة لسندريلا، وكانت تستوقفني جداريات أتوقف عندها، فيسبقاني ساحبي في المسير، ثم ألحق بهم.

تذكرت موقف لأحدهم في عملي، ذات مرة قال: الآن فقط عرفت شعور المجنون! لكني لم أسأله أي مجنونا يعني، لكني في حضرت ذكرى المجنون حوله قال في تجلي ممثل مسرحي مونودرامي على خشبته العريضة: لعل ما حولي يذكرني بالمجنون، ولعل الذكرى لن تعود، هو سؤال لم يكن عابر وقوبل بإجابة عابرة، وكلما اتى ما يذكرني بالذكرى الأولى حضر المجنون!

أذكر أنني رددت عليه لا إرادياً بقولي: توسد تَوَسَّدَ أحجارَ المهامِهِ والقفرِ .. وماتَ جريح القلبِ مندملَ الصدرِ

فقام عني ولم يكلمني منذ حينها، فلا أدري هل نكات جرحاً أم دَمِلَ!


عند الساعة السابعة كنا في منتصف شارع أكسفورد، ثلاثتنا، وأشتد الألم على صاحبنا، الحقيقة أن هذا ما كان يحزن في كل هذه الرحلة، هو الشعور أن هنالك من كان ينظر لهذه الرحلة باستغراب كبير، وكأنه ليس من الطبيعي أن يزور صديق ما صديقه، لعل هذا ما تركم بتعثرات عديدة في هذه الرحلة، وزاد منها التعثر الحاصل الآن في هذه المحاولات الأخيرة للملمة شتات ما فات مم تمت تصويتنا به.

كان ثالثنا المقيم هنا، هو أشبه بدليل المتاجر، هذا جيد كخامات، هذا جيد كسعر، هذا تتوفر فيه قطع قد لا تجدها في أي مكان أخر، هذا رفاهية لا تتمتع بها حاليا، وغيرها من التعليقات، ومع اشتداد ألم الركبة هذا عند أمير الرحلة، تذكرنا كيف أن العلاج الأثير لدى السعوديين هو مرهم "الفكس" وتقديس السعوديين له قد يصل لمرحلة الشرك الأكبر - تعبير تهكمي - أما الشرك الأصغر فهو الفيفادول - أيضا تعبير تهكمي - فقلت له حين نعود سأعيرك المرهم لعله يخفف من وطأة ما تشعر به، لكن الآن تجمل وقلت: وَلا عارَ أَن زالَت عَن الحُرِّ نِعمَةٌ وَلكِنَّ عاراً أَن يَزولَ ... فأكمل هو يحتمل:  التَجَمُّل!

فضحكنا ونحن نبحث عما نريد!


عند الساعة الثامنة كنا في سوهو، ثلاثتنا وبدت نسائم البرد تداعب أجسادنا المنهكة، قليلاً قليلاً، ولم نجد شيئاً يستحق حتى الآن، ورغم صخب المكان المكتظ بالناس، إلا أنه يسعفنا ونحن نسير وكأننا أحطنا نفنا بهالة تبعد كل هذا الإزعاج المرير، فالإضاءة خافة، وأشكال الناس متنوعة بشكل مريب غير مثري، وبعض الأمكنة تجعلك تشك أصلاً: هل هذا أول الليل أصلاً؟ لكن بعد ضجيج المساومة عند المحلات، وازدياد لسعات البرد وشدة الألم، قررنا اختيار مكان يكون فيه العشاء الأخير للثلاثة، فتكفل دليلنا للمحلات التجارية باختيار المطعم، وقد كان!

كنا نمشي في جانب شارع طويل عريض حتى بممر مشاته، تقاطعاته كثيرة، لا تذكر أيهم أكثر هنا، السيارات أم الناس، وكلما افتتحنا حديثاً شعرنا أن هنالك من يستمع لنا، أما يريد أن يتبين اللغة أو أنه ألفها أو فهم موضوعنا، وهو شعور  مقلق أن تشعر أن بعض الأعين تراقبك، والجدران حولك كلها مجسمات عرض أزياء بلا عيون لكنك تشعر أيضا أنها تحدق بك، جدران المباني كلها صفراء مائلة للون السُكري، عدى بناء لاحظناه في أقصى زاوية على اليسار عند أحد التقاطعات كان خشبياً، كانه مدخل لبعد آخر داخل هذا الحي من المدينة، والرسائل على الأرض مكتوبة وبغمزة عين وسيجارة كتوقيع من كاتبها، وكل هذه العتبات تجاوزناها يمينا ولله الحمد حتى دخلنا زقاق انتهى لباب عن يمينه طاولات في تتمه الزقاق يساراً، كنت عليه أنه مطعم ارجنتيني، عنده حارس يعلك علكة بشكل مستفز أسمر البشرة من أن رأى أننا ثلاثة، قال وهو يعلك علكته وكأنه يجتر طعامه: هنا لا أحد يدخل بدون حجز مسبق، وهيئتكم المتعبة، لا توحي أبداً أنكم تحملون واحداً، ثم وإن كنتم ملتزمون بطلب المطعم بخصوص اللباس، .... ... الخ الخ الخ من الثرثرة المصحوبة بصوت العلقة التي تجوب فمه!

ووسط كل صداع هذه الصورة، قال له دليلنا: بلى هذا هو الحجز، هل تريد رقمه؟

قال الحارس: لا! لكن أعطه موظفة الاستقبال!

فجأة تحرك كرسي، فالتفتت رؤوسنا فجأة، لكنها الموظفة أيضاً نسينا أننا انتقلنا من بوتقة إلى أخرى إن صح التعبير، ثم دخلنا ولا يهم ماذا ألكنا، ولا عن ماذا تحدثنا، وهل كان المان مرضي لنا ثلاثتنا جميعا أم لا، المهم أنها ليلة ختامية لنا جميعاً نستطيع أن تحتفظ بها كذكرى تعلق على جدار الذاكرة!

فكما الخط نغم تعزفه يد فنان، فكذلك هي الكتابة تغم تعزفه يد فنان، وكنا نشترك ثلاثتنا في هذه بحيث نستطيع اختصار أمور كثيرة في كلمة أو اثنتين! 


أما دليلنا فكان شخصا طيبا بسيطا كانت فرصة معرفة أتت كالغيث المروي للأرض!

ورفيقي فقال: حتى يوم العودة الحافل، أتركني آخذ قسطاً من الراحة قبل أن نعد ترتيبات العودة سوية!

اما أنا فنظرت للمكان وسماؤه وقلت:

أغادرك الآن يا لندن، وقد تركت قلبي في أدمبرة، وروحي تطوف في كل أنحاء جزيرة آيرلندا، وما زال صوتها يناديني من جلاسكو!


تمت


آكتنن، طريق لوردن، لندن 

الأربعاء فجر الخميس الرابع والعشرين من آذار/مارس 2022م

الموافق الحادي والعشرين من شعبان 1443هـ

المكان: طاولة طعام جعلنا منها مكتباً

الأربعاء، 23 مارس 2022

ليس نجما .. مهيار!

 هل العاصمة هي مجرد مكان جامع ؟

مجمعة!

يقال أنها سميت كذلك لأنها مجمع للقبائل المرتحلة في نجد فتريح فيها!

ربما، لكن العبرة ليست هنا، بل فيمن جلست في المقهى قبالتي!

شقراء بحدة لون ذهبية، قصير كأنه شعر الممثلة  إيما تومسون، بيضاء كلون زيتي بلا لمعه، أمتلئ وجهها حب شباب مُحمر عند وجنتيها، وخشمها البارز كأنه أبهام يدي اليمنى، وخي جالسة كان خصرها النحيل واضحا حتى وان تدثرت بمعطف يخفي ملامح الجسد، وبوت نسائي كحلي أمتد منه جورب رصاصي تظهر منه شخصية فيلم سالي الصهباء خبيبة جاك في فيلم كابوس عشية عيد الميلاد، واخرجت منديلا لتمسح ما بقي من أحمر الشفاه، أو لعلي هذا ما ظننت، أذ اتضح أنها تلف لفافة تبغٍ وخرجت لتشعلها!

هل هكذا هي العواصم لابد أن تجد فيها ما يدمر أي صورة قد تبهرك؟

التاريخ حبيس المتاحف، والناس على عجل لا وقت لديهم للترحاب، الأماكن مزدحمة سواء وسط الأسبوع أو نهايته، وغيرها وغيرها من  المشاهدات التي لا تنتهي والتي تجعلك تتفكر؟ هل هنا أحد يسبق الوقت؟

في قلبي شيءٌ أجهله! أو عقلي لا يفهمه! لكني مشيت في طرقاتها، وبين القرى والمدن، وبين البيوت والبيوت، والمدارس والجامعات والمتاحف!

الحقيقة هي كالتالي: هنالك في قلبي فرحٌ أعرفه، وشيء ما يغلفه لا أتبينه بدقة، عندما أنزل في الليل للحديقة خلف البناء الذي سكنته، أنظر لقمر هذه الليلة العشرين من شعبان 1443هـ وهو يلمع وسط غيون العاصمة الإنجليزية، مقاوماً يريد كسر حدة الصورة، أظن أن السياح يفعلون هذا أحيانا في بعض الأماكن، وقد يفعلها قاطنين آخرين أيضاً، وهذا القمر عالٍ وأنت ترفع رأسك وتقف على أصابع قدمك لعلك تطول منه نظرة تورك عندك ابتسامه، ولكنه في تجليه الأخير غير مكتمل، المهم لم أنزل لأتجول هنا لأمتدح الحديقة لكم كمن يمتدح حدائق المنفى أما البيت* فمصطنعو الدراما هؤلاء لا يستحقون الشفقة أحيانا كثيرة، لكن لأني أبحث عن مواساة.

بدأ البرد يشتد في تلك الليلة التي نزلت فيها للحديقة، بدأت أسمع صوت ما لكائن يمشي بين الزهور لا يتسق معها، وبالرغم من انواء الإضاءة الكثيرة الا أن ثلاثة هي التي تعمل تحت حجة توفير الطاقة ونظافة كوكب الأرض، الكوكب الذي عاش مليارات السنين صامدا في وجه هذا الكون المجهول، عاجز عن الصمود أمام تيار كهرباء من سلك نحاسي أخذ من جوفه، المهم أنه هذه الثلاثة تعطلت إثنين منها ولم يبقى الا واحد علق بجانبه بيت حديدي أخضر صغير بدى فيه أحد العصافير عشاً.

قفز هذا الكائن وإذا به يمشي على أربعة ذيله طويل ينهي ببياض شعر، وبقية لونه بني فاتح كأنه أشهب، فتبينته من ضوء كشاف الهاتف الجوال، إذ هو ثعلب!

لم يبدو لطيفا ولا شرسا، لا مسالم ولا عدواني، مجرد ثعلب تقليدي القرب منه كالقرب من الشمس: أما تحرقك أو تعبد عنها فتبرد!

المهم أنه بدأ يمشي، الهوينا كان يمشي، كان يمشي بهدوء ويتلفت، وأنا واقف تحت عمود الإنارة اليتيم أنظر، فاتجه لبيت معد للكلاب، ونثر طعامها وهرب ليختبئ مجددا بين الزهور، ثم لم يلبث أن خرج ثانية من مخبئة واتجه للبوابة التي تخرج من الحديقة للشارع، فتبعته بهدوء الهوينا الذي كان يمشي على غراره الثعلب بكشاف الهاتف الجوال.

خلسة مر قبالتي طيف رجل أخفى وجهه بكمامة قماشية سوداء ووقف فند زاوية إشارة عبور المشاة ينتظر، فإذ بالثعلب يتجه إليه، فأعطاه شيئا ليأكله وتركنا الثعلب وهو يجري، وذهب الرجل في الاتجاه الآخر!

نظرت للقمر، فبدى لي نوره أكثر صفاء، فتبسمت، وإذ بأحد الجيران يقول لي: هل أعجبك منظره؟

قلت: هو مهيار** وهو كان أجمل ما في هذه الليلة!

فما المستفاد من هذا الحديث كله؟

قلت: أني أحاول أن أبحث عن ذلك الشيء الذي أجهله وأن كان قلبي مستمتعا، لكن هذا البحث متعب حقاً!


تمت




* إشارة إلى بيت محمود درويش إذ يقول في قصيدة تنسى كأنك لم تكن:

تُنسَى، كأنِّكَ لم تكن 

خبراً، ولا أَثراً...

 وتُنْسى

 أَنا للطريق...

 هناك مَنْ تمشي خُطَاهُ على خُطَايَ,

 وَمَنْ سيتبعني إلى رؤيايَ.

 مَنْ سيقول شعراً في مديح حدائقِ المنفى، أمامَ البيت،


** مهيار اسم فارسي معناه: القمر

الثلاثاء، 22 مارس 2022

كوب شاي بعد القهوة!

يفرقع أصابعه بعد أن نشر عدة الكتابة كلها، لكن كل المحاولات المستميتة للولوج لمدخل النص تبدو عابثة، هل البداية أصعب من الإنهاء؟

هذا ما أراه فعلاَ، المهم أنها محاولات حقيقية للبدء، وكوب قهوة ها قد انتهى، والآن يحين دور الشاي لتهدئة الأعصاب!

الآن تأتي محاولات اعتصار النص! كأنك تحلبه حلباً من بقرة احتبس ضرعها، صوت بناتك يبكي - بنات أفكارك أعني - وكأنها - أي بناتي - ضاعت في زماناً ما أو أغنية ماً، وما زلت أسمع صوت بكائها، وانا أحمل دمعتي تجاه هذا الوهن مني وقلمي لم ينزف حتى الآن!

لكن الشاهي منقذ دوما، فها هي الكلمات تنهمر، من حدود عقلي وكأن الهدهد قد اتاني من سبا ينبئني!

أمانة دائما هنالك ثلاثة أشياء تساعدني على الكتابة بلا أي مقدمات حتى لو لم تحضرني فكرة:

أنشودة الفرح لبيتهوفن

كوب شاي في لحظة غير معتادة

وأغنية قديمة لم اسمعها من مدة

فالفكرة تلمع في ذهنك من صيحة آذان الديك، فإن لم تلتقطها فانتظر حتى صيحته التالية مؤذنة بفجر جديد، فكثير من النصوص التي تظن أنها بلا فكرة أو فحوى ما هي الا مجرد محاولة تجد فيها نفسك مدفوعا للكتابة!

قال لي رفيقي ذات مرة: استمرارية الكتابة أمر صعب، لهذا كلنا توقفنا، إلا أنت!

امانةً هذا ادخلني في شعور مختلط ما بين فرحة واستغراب وقلق، وكان يردد علي كثيرا مشهد شون كونري في فيلم البحث عن فورستر عندما قال للتلميذ: أكتب! أكتب! فأول نص بقلبك، والثاني بعقلك!

فماذا لو كان قلبك مشغول وعقلك قلق؟

هنا تأتي البعثرة!

فأعتبرها كأنها لوحة سريالية!


تمت


في قطار العودة من ويلز إلى عاصمة إنجلترا لندن!

- تظن أن هذا هو سبب عدم الخروج بفكرة مكتملة؟

- ربما


الاثنين، 21 مارس 2022

بقايا اليوم!

 في شارع ارتصف حجرا قوطياً قديما، تمثل أمامي بابا خشبيا اسود اللون معتّق، حمل اسم السيدة بيث صاحبة منزل الشوكولا!

أمانة انتابني شعور غريب، وتذكرت قصة العجوز التي تطعم الصغار الحلوى حتى يسمنوا ثم تطبخهم بقدرها العظيمة لتأكلهم، ولكن هذه خيالات أوروبية مريضة، الأكيد أني دخلت للداخل ووضعت حقيبة الظهر على طاولة خشبية في الزاوية وطلبت من النادلة الشابة ذات الشعر البني الذي جمعته لأعلى وثبتته بدبوسي ذهبي اللون ذو لمعة واضحة كأنه الزهرة في السماء اذا بانت في الليل الرائق، بقرطين ذهبيين صغيرين جدا، تنساب أحد خصل غرتها على عينها اليسرى وكلما ارادت الحديث هزتها للخلف لكنها تعاود فتتبين حينها لون عينيها العسليتين، ليست بالطويلة ولا القصيرة ذات لون بشرة أقرب للون الشامي المألوف لدينا، كان طلبي حليب بالقهوة وجلست في طاولتي حتى تأتي القهوة التي أتى معها قرص من الشوكولاتة المرة.

أخرجت كمبيوتري المحمول وفتحته لأكتب نصاً، على يميني اطلالة على هذا الشارع القوطي القديم، ساعة غروب للشمس، وعن يساري فتاتين يعيدان ترتيب أحداث يومهما الطويل بالحديث عن صديقات اخريات فهم يمارسون الهواية المفضلة: نهش لحوم البشر مجازيا، وعائلة اقصى يسار المكان مهما رضيع يبكي بشكل متقطع يحاولان معه الاستمتاع بالمكان، وشابان يجلسان يلعبان لعبة ما لا أتبينها، ودخل النادل الأخر أيضا شعرة بني بعيون عسليه يبدو انه للتو عاد من رمي نفايات المقهى.

هذه تدوينة لا تبين شيئاً، ولا تميل حتى لتبدي شيئاً أيضاً، وما زال الطفل يبكي، لكن الان دخل أيضا زوجان شابان وجلسا عند طاولة قباله نافدة تطل على الزقاق الجانبي للمقهى، ثم دخلت فناة آسيوية بشعر أسود شرقي، وبرفقتها صديقتها الشقراء بملامح إنجليزية، يرتديان نظارات شمسية وقد بدى يخيم الليل، فلا أدري ماذا تصنع النظارات الآن! المهم أنهما يفكران ما هو الطلب الكفيل بجعلهما يستمران طيلة الليل.

كنت أقول: هذه تدوينة لا تبين ولا تميل، ففي كل يوم يبقى من كل تفاصيله شيء ما يرشح ألوانا تعلقها في متحف الذكرى، لكني ناديتها - أي الذكرى - لأكتبها، فكما ينبث العشب في البرية تنبت الأفكار، في الغالب أنت تحتاج مكان هادئ نسبياً تحصد فيه هذه الأفكار حصاد المزارع للقمح.

وقد جلستا الان - أعني الآسيوية مع رفيقتها الشقراء أمام طاولة تطل على الشارع القوطي - ودخل أربعة شبان سألوا النادلة أن كان   يجلسون خارجا ليدخنوا السجائر كرفيقة غواية للقهوة، لكنها ردتهم بابتسامة: أن البلدية تمنع في هذه الجهة تحديدا التدخين، ولا أدري أيهما أكذب من الآخر، هم الذين خجلوا أن يقولوا أنهم أخطئوا بالمكان، أم هي مع حجة البلدية هذه؛ فبمجرد نظرة خاطفة للشارع القوطي تجد كل المناظر العجيبة فلم تقتصر على التدخين!

الآن أتى دور الشاي، لعل هذه التدوينة تبين، وأضفت له حليب، فصار حليب بالشاهي وليس العكس، كما ذكرت مع القهوة أعلاه، الناس تحب أن تعكسها، لكن الحقيقة عندما نقول شاهي بالحليب فهذا يعني أن مشروبك الأساس هو الحليب وأضفت له قليلاَ من الشاي، وهذا ليس صحيحاً البتة، فهي شاي زيته بقليل من الحليب، لكن الغريب في هذا الطلب أنه أضيف له قليلا من القهوة!

الحانة التي قبالة المحل العتيق هذا بدأت مبكرا في بث الأغنيات الصاخبة، وكأنها تريد أن تزعج السيدة بيث، التي دخلت توا للمحل!

السيدة بيث تشبه الممثلة فاديا خطاب شكلاً، بقبعة الملكة إليزابيث كحلية اللون، وجاكيت نسائي بني اللون دويل حتى الركبة، بنظرات تشبه نظارات بنجامين فرانكلين، اتضحت أنها أم الأولاد الذين يعملون هنا، وهذا عمل عائلي لوالدهما المتقاعد مؤخراً.

ثم دخلت شابة محجبة طلبت ابريق شاي فرحبت بها السيدة بيث بنفسها ، وخرجت معها وهي تحمل لها كعك انجليزي وجلستا خارجاً، وما زالت هذه التدوينة لا تبين!

- لماذا لا تبين؟

لا ادري، لكن الصبي قد نام، ومن كان يجلس عند الطاولة المطلة على الزقاق الخلفي قد خرجا، وأنا أحاول أن أسقي كلماتي بالأفكار لترتوي، لكن لعل الآن يمر علي من الاحتباس ما يمر على الشاعر أحيانا كثيرة، فلا تسألني.

الأكيد أن ما أرد قوله هو: أنه في أحيانا كثيرة تحتاج مساحة للبعثرة لكن بشكل فيه شيء من التنسيق ليبدو كأنه سيرة لأي يوم لديك وإن بدى مكررا أو هادى أو طبيعي، هل فكرت يوما إذا أجبت أحدهم بأنه: " لا جديد في حياتي" أن هذا هو كل الجديد! أنك في نعمة وعافية منه! هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أن هنالك دوما تفصيله جميلة قد لا تشعر بها حينها لكن إذا استرجعتها تفطن للمميز فيها، مثل صورة عابرة لمصور فوتوغرافي، أو رسام رسم العصافير التي تكون تذكار لاي مسافر في مكان يبدو كمزار سياحي، مثل الشارع القوطي الذي عن يميني.

الان دخلت السيدة بيث والفتاة المحجبة لأن الجو بدا يصبح باردا وصاخبا في آن، طلبوا كعكة الغابة السوداء، وطلبت انا المزيد من أقراص الشوكولاتة المرة، وفي محاولة مني لصنع خاتمة لهذا النص قالت السيدة بيث بكل أرستقراطية:

سنغلق بعد ساعة أحبتي، عند الثامنة! شكرا لكم لدعمنا!

هنا تبسمت واخرجت هاتفي المحمول، ووضعت سماعات الاذن اللاسلكية واخترت أغنية مارسيل خليفة التي تقول:

يا سعدا خيرها بغيرها 

الحظ الهيئة معاندنا 

خمّنا الغلة بتكفي 

اتأملنا و تواعدنا 

كل ما بشك بهالدخان

 بقول يللا منحكي بكرا


تمت


كتبت في كارديف، ويلز محل السيدة بيث: بيت الشوكولاتة، الساعة السابعة وستة عشر دقيقة مساء يوم الإثنين الحادي والعشرين من آذار/مارس 2022م الموافق الثامن عشر من شعبان 1433هـ


وللتو دخل شابين ولزيين،...

- كيف عرفت؟

يتحدان الويلزية، شيء يشبه الإنجليزية لكنه غير مفهوم!



الأحد، 20 مارس 2022

وأخيراً ويلز! أخيراً نلتقي!

 بالرغم من مبايعة بقية اللوردات الويلزيين لإدوارد الأول ملك إنجلترا في عقب وفاة ليويلين وإعدام شقيقه الأمير دافيد، في عام 1282م، إلا أنهم - أي اللوردات - حددوا أن ويلز بأنها ملحقة ومتحدة مع التاج، منفصلة عن إنجلترا ولكن تحت حكم الملك نفسه.

هذه الصرامة والحدة المستلهمة من طبيعة البلاد الجبلية، ظهرت في بداية اليوم عندما ذهبت إلى محطة عبور الملك فقال ان القطار لا يسير من هنا بل من محطة أخرى يجب أن تذهب لها عبر قطار الانفاق الذي يدور أسفل العاصمة الإنجليزية كأنه أمعائها! وبعد لفة طويلة وعندما وصلت لمحطة بادينغتون بعد دوان طويل تحت الأنفاق - وكأنها محاولة خفية من يد تنين ويلز الأحمر لأن أتوه عنها - لكن تكللت بالنجاح، لكن أيضا كان هنالك مفاجأة تالية!

فتاة انجليزية شقراء باهت لونها تفزع الناظرين عندما سألتها عن موعد تحرك القطار قالت بكل برود انجليزي تجمع في فمها وهي تنطق الكلمات الثلاث التالية: you missed it!

 وهنا تذكرت قول الشاعر: أجَاعَ اللهُ مَن أشبَعتُمُوهُ .. وأشبَعَ مَن بِجَورِكُمُ أُجِيعَا! وأنا حانق لأني مضطر للانتظار ساعة أخرى حتى القطار التالي!

وقد كان فبعد أخذ جرعة من مادة الكافيين اللندنية الفاسدة، لكني أتبعتها بساندويش سمك السلمون الأسكتلندي المدخن فخفف من وطأة جوعي وغضبي بسبب أنني لم أتناول فطوري باكراً كالعادة ثم أتبع بهذا الفيلم الصباحي العجيب الذي بدى وكأنه لعبة الدودة على الهاتف الجوال!

صعدت المقصورة في الساعة الثانية عشر والنصف من ظهر يوم الأحد المؤرخ بالعشرين من آذار/مارس 2022م الموافق السابع عشر من شعبان 1443هـ أخضر اللون كراية التنين الأحمر الذي يتوسطها ولا يتوسط العلم البريطاني، وانطلق بي كسهم روبرت هيكتون ليذهب إلى ديار السير آنتوني هوبكنز!

ولتتجلى العبثية والبساطة الريفية في هذا القطار الأخضر، جلسا في الكراسي اليمنى المقابلة للكرسي الذي أمامي، شابين إنجليزيين متعجرفين، لم يتركا أحدا في المقصورة الا وتهكما عليه بما فيها الفتاة التي تجلس في الكرسي الذي أمامها وشاب كويتي يجلس في الكرسي الي عن يسارهما - أي أمامي - ولما طال الانتظار حتى يكتمل جميع الركاب، ملّا الانتظار وقررا أن يجدا طريقة للنوم!

الأول كان يرتدي قبعة بيسبول صفراء كأن أشعة الشمس زادت من تعتيقها صفرةً، ويلبس نظارات شمسية كأنها نظارات سلفيستر ستالوني من أحد أفلامه المعتادة، وقميص أبيض نصف كم بشارب أشقر نحيل وبنطال قطني أسود، أسند رأسه التي كأنها الحنظل اذا جف الى النافذة وغطى نصف وجهه عني وترك الآخر للشمس! لا ادري كيف سيجد نوما هنيئا في هذا الحر!

أما رفيقه فكان يلبس شورت رصاصي مقلم كأنه نزع من أحد الستائر تواً وفوقه قميص أبيض بكم طويل يميل للصفرة لا أدري ما السبب ولا أريد أن أفكر به لكي لا تذهب خيالاتي لمناطق لا أريدها، وفوقها جاكيت رياضي صغير ذو لون رمادي غامق، لم يستطع أن ينام على الطاولة الصفيرة التي أمامه، مثل طاولات كراسي الطائرة، فأنزل حقيبته من أعلى وحضنها كأنها حبيبته وأنطلق في نوم عميق، عند كل محطة توقف يقوم بمسح لعابه المنساب كنهر التمز الإنجليزي عليها ثم يكمل الإغفاء بلعاب جديد!

ثم في منتصف الرحلة وقبيل الوصول لآخر محطة في الأراضي الإنجليزية فطن ذو الشارب أن للنافذة ستارة كشورت صاحبه يمكن أن يسحبها لتحجب عنه الشمس لكن ما إن أنزلها لربع المسافة حتى تركها وترك الشمس تعطي جلده لونا جديداً!

أما الفتاة بدأت تقيء فجأة في الكيس الذي بجانبها من فرط اهتزاز القطار بسبب ملل الرحلة برغم أن المدة ساعتين ونصف للرحلة! ولا أدري امانة ما الذي أنكرته لتدخل في هذه الدولمة وتستكمل الرحلة برائحة جديدة إضافة للروائح الأخرى المنتشرة والتي اتركها لخيال نيافة أنفكم الجليل!

بقي الشاب الكويتي أليس كذلك؟ الحقيقة أنه  نسي الإنجليزية وفجأة تحول محيط الكراسي الثلاثة - الذي أمامي والذي خلفي وأنا بينهم - إلى وكأننا في قطعة "ثلاثتعش"  أنظر للنافذة فأرى السهول الويلزية لكن الأجواء المحيطة بي تذكرني بـ"الفنطاس"

رحلة عجيبة تليق بتفرد هذه المكان الصغير نسبيا الغني بالتفاصيل، وفي كل رحلة يكون هنالك طابع من المكان  يشدك ويعكس أمامك صورة تستحضرها:

فإسكتلندا هي مثل والدك، مَهيب، ولا يبخل عليك، ولا يحني رأسه إلا لتقبله!

أما آيرلندا فهي كحضن والدتك، لا تشعر فيه بالغربة أبداً وتشعر دوما بالحنين إليه!

- وويلز؟

ويلز! هي صديقك المشاكس، الذي تتفق أنت وإياه في أمور، وتختلف معه في أمور أكثر، لكن دوما هنالك نقطة مشتركة تجمعان عليها بلا تردد!

مرحباً بكم في ويلز!


السبت، 19 مارس 2022

حدث ذات مرة في المكتبة


مُهداة إلى: @ForgottenOsama 



المكان: أدمبره، أسكتلندا

في مكتبة ما في طريق بجانب القلعة الشامخة المطلة عليها

الحقيقة أن الطريق اسمه رويال مايل، وهو الطريق الرئيس للمدينة القديمة ويربط بين أهم مكانين في المدينة: قلعة أدمبره الأبية، وقصر هوليرود الذي شهد مأساة ماري ملكة اسكتلندا  والتي انتقم لها اينها جيمس بأنه ورث عرش ملك إنجلترا!

كان بابا عتيقا كحلي اللون خشبي عتيق دلفنا منه للداخل، عندما دخلت استمعت لموسيقى مألوفة فتوقفت وسألت صاحب المكتبة بصوت عالٍ: هذه موسيقى تبدو مألوفة؟

فرد قائلا: تظن؟ أنها محلية جداً!

قفلت له: مهما يكن، أنها مألوفة جداً بالنسبة لي!

وعندما طال سماعي لها تذكرت، فقلت له: لعلها أحد أفلام ويس أندرسون!

فقال لي: ربما، ويس أندرسون يحب هكذا إضافات داخل أفلامه، أذا أنت تعمل كمخرج سينمائي؟

قلت: تقريبا!

قال لي: بأي معنى؟ كاتب سيناريو؟ روائي؟

قلت: تقريباً

قال: إذا ماذا تعمل؟

قلت: ليس المهم ماذا أعمل، المهم أني مهتم في هذه المجالات بدافع الفضول!

قال: ما الذي أتى بك إلى المكتبة على كل حال؟ أعني بالتأكيد ستشتري كتاباً، لكن أيضا هنالك سبب آخر؟

قلت: صديقي يريد شراء نسخة عتيقة من رواية موبي ديك، أنه يحبها حباً جماً، وقد خضنا أحاديث حول التقارب والتباعد بينها وبين رواية الشيخ والبحر، وهو قرأهما باللغتين العربية والإنجليزية، والآن يريد الاحتفاظ بنسخة عتيقة من القصة.

قال: هذا مثير فعلاً، أين هو لم أراه!

قلت: قد انسل من بيننا ليسبح داخل قسم الأدب الأمريكي!

وفي هذه اللحظة صدح صوت رفيقي الأثير في الرحلة الاسكتلندية وقال: هل لديك نسخة أيضا من " في انتظار جودو" لصامويل بيكت؟

قلت له: على فكرة، هل قرأت هذه الأعمال كلها؟ هل أعجبتك نهاية موبي ديك؟

فقال: أنها ليست عن النهاية، بل عن رحلة الرجل في مطاردة هذا الحوت المثير، رحلة الثأر أن صح التعبير، لكن أعلم ماذا تعني، الكثير من الناس تتعلق بالنهايات، وكثير من اللغط حول أنها عمل ذو نهاية كأنها مفتوحة!

قلت: كأنها؟

قال صاحبي الأثير: دعك منه، كل مكتبة ندخلها منذ أن وطأت قدماه المملكة المتحدة وهو يسأل صاحبها هذا السؤال عندما نأتي على ذكرها، كأن في نفسه شيء منها؟

قلت: ليس في نفسي منها شيء، بل عمل يعجبني وأتفق معكما، لكن هي محاولة استخراج رأي قارئ يكون في ذات الوقت أمينا لمكتبة، ودوما هناك إجابات مفاجأة تتعلق أيضا بالمقارنة مع روايات أخرى!

قال الاسكتلندي: بالفعل ولهذا أنت عرجت على رواية الشيخ والبحر، والتي فيها لنقل نهاية واضحة المعالم!

قلت: بالفعل هنالك أقرب لحكاية الجدات، وهنا كأنها قصة عن رجل يرويها معاصر به عنه!

قال: على هذه السيرة، أنت قلت أنكما قرأتماها بالعربية، إذا أنتما من أين؟

قلت: أحزر؟ نحن أيضاً ننتمي إلى مملكة! وغمزت له وأنا أضحك!

قال: أن كان كذلك، فأظن أنها السعودية!

قلنا: أصبت! ومن الرياض!

قال: جدي الذي لم أدركه كان في الرياض أثناء تنفيذ مشروع مستشفى الملك فهد التخصصي، لكني لا أذكر السنة بالضبط، فأنا لم أدركه على كل حال، لكن أبي كان يروي هذه القصة لنا دوما!

قلنا: إذا يتوجب عليك زيارة ثانية الآن، فقد صارت بيننا صخبة ومعرفة قديمة، من الجد للحفيد!

قال: بالتأكيد!

ثم درنا في المكتبة قليلاً، وعندما قضينا منها وطرنا، عندا وقال: أنتما أقرب ما يكون تبدوان كصحفيين متجولين ...

قاطعته وقلت: مثل تان تان لكن بدون ميلو!

فأسند ظهره على كرسيه ضاحكاً وهو يقول: يا إلهي! فعلاً!

قلت: تان تان واحد من أجمل أعمال القصص المصورة الأوروبية ...

وهنا قاطعني صاحبي الأثير وقال: لكن هو تعلق باسكتلندا لعدة أسباب أخرى من ضمنها عمل قصصي مصور لشخصية اسكتلندية، هو سكروج ماك داك (عم ذهب) فصوت والدة هذه الشخصية ما زال يناديه من غلاسكو!

فضحكنا وقال: أتدري لو زرتماني مبكراً لأجلستكما فحديثكما لا يمل، لكن حان وقت الإغلاق في الخامسة

فودعنا بعضنا وانطلقنا لنتابع بقية يومنا في نهاية اخر ضوء من نهار ،،،


يقول المتنبي: إنما يحصل النجاح مع الطبع .. وعند التعمق الزللُ - بتصرف -

ويقول الشيخ علي الطنطاوي: " أجمل المجالس الأدبية: فوضى!"

جزء من جمال الأشياء أن تأتي عفوية، وأن تكون بلا موعد ولا أعداد، أن لا تستشعر الوقت، إلا حين النظر إلى الساعة بذهول، ولم  نمل، وهل يمل المرء من حديث كلما افتتح زيد فيه وإن لم ينتهي؟ أنه والله السحر الحلال!


الثلاثاء، 15 مارس 2022

اللهم أحفظ لنا آيرلندا

المكان: بلفاست

الوقت: الحادي عشرة صباحاً

اليوم: الثلاثاء

التاريخ: الخامس عشر من آذار/مارس 2022م

الموافق: الثاني عشر من شهر شعبان 1443هـ

سؤال بسيط: كيف تعرف أنك في آيرلندا؟ بأن تجد ملصقات ترجو عدم تناول البيرة في الشارع عند تقاطعات المشاة ومدخل الحدائق العامة!

سؤال أكثر بساطة: كيف تعرف أنك في آيرلندا الشمالية؟ بأن تجد عند ذات الملصقات بذات الترجي عند نفس الأمكنة مضافاً لها عبارات كلها شتائم للإنجليز!

في آيرلندا لا تشعر بالغربة، فالكل هنا مثل أبناء عمومتهم الأسكتلنديين، فكليهما لا يحملان في عروقهما الدم الجرماني القذر المفسد للفطرة، فتجد الفخر مع المرح والقهوة المعدة بعناية مع الشاهي الفاخر لو أردت، واللهجة التي تطربك كما لو كانت البزق الإيرلندي يعزف أمامك ( آلة العود الايرلندية) فكما حال مزمار القربة الحاضر في اسكتلندا فهو حاضر هنا أيضا في كلماتهم حركاتهم مزاحهم حديثهم، هنا لا تحتاج جو جميل او مكان لطيف او حتى ناصية تقف عدنها تعيش اللحظة، فكل لحظة معهم هي في حد ذاتها رحلة، فهم - أي الناس - ارحب من المكان!

لا غربان، ولا مكان لطائر البوم في الحدائق، والشمس وإن خجلت خلف الغيوم فهي مثل نادل الحانة الذي ينتظر دخولك البهي فيرحب بك بابتسامة فترسل شعاعها فرحة كضحكة طفل خرج من المدرسة باكراً.


كان أول من استقبلني سائق التاكسي ديلين وقال لي وكأنه يعرفني منذ مدة: أهلا بك في بلفاست!

وكانت المسافة التي تجاوزت الساعة كلها عبارة عن حديث لم أدري في أي نقطة ابتدأ ولم ينتهي، فكلما افتتح زيد فيه ودخل في تشعب جديد مع كل تقاطع ندخل معه في اتجاه الفندق، من الحديث عن الرحلة حتى فرحته انهم سيعودون الاحتفال أخيرا بيوم القديس باتريك، منذ سنتين لم يحتفلوا به بسبب فايروس الصين العظيم: كورونا!

وعندما وصلت لفندقي مبكراً قالت لي موظفة الاستقبال: لا تهتم برسالة موقع الحجز انه يجب تسجيل الدخول عصراً، ما دمت وصلت فأهلا بك سجل دخول الآن ونل قسطا من الراحة، لكن لا يمكن أن نقدم لك وجبة الإفطار بالمطعم، لكن تريد أن نرسله لك إلى الغرفة؟

قلت لها: لعل هذا هو حظ باري ليندون!

فتبسمت وقالت: اذا هاك زهرة كتان لكي تكتمل لديك صورة الرجل!

 وهنا وانا ارسم المشهد هذا وانا انظر للشمعة التي تحترق امامي لتضيء لي النور كي اكتب قفز لي بيت:

عجبت وقد ودّعتها كيف لم أمت

وكيف انثنت عند الفراق يدي معي

فيا مقلتي العبرى عليها اسكبي دمًا

وياكبدي الحرّى عليها تقطعي


فما الأمكنة لولا ناسها!

اللهم أحفظ لنا آيرلندا حرة أبية!

السبت، 12 مارس 2022

جاري الياباني!

 في كل يوم أنا ورفيقي في هذه الرحلة نستيقظ السابعة صباحا على صوت الغربان ونعد أبريق الشاي بالنعناع والحبق المستورد من السعودية، بالمقابل يقطع صوت غربان الصباح غناء الفتاة الإنجليزية التي تقطن بالشقة التي بجانبنا مباشرة، فيزداد عدد الغربان غرابا آخر وإن بدى ألطف قليلا، ونحن نقطع فساد الصباح هذا بصوت طلال مداح إذ تقول:

ما تقول لنا صاحب .. وينه زمان غايب .. نسأل عليه واجد

فهنالك ثلاثة روائح تنبعث من شققنا الثلاثة: 

فمن  شقتنا تنبعث رائحة النعناع بشكل صارخ، تكاد تتكثف في الأفق مع هذا الجو البارد لتشكل شتلة في الحديقة التي نطل عليها!

ومن شقة جارتنا الإنجليزية تنبعث روائح كريحة تكافحها بالعطور الفرنسية التي تكرهها هي فيزداد الأمر تعقيدا على أنوفنا!

أما شقة جارنا الياباني فلا تنبعث منه أي رائحة!

وعلى أنه من روتين يومنا الطبيعي قبل أن يذهب أي منا لعمله أن نتناوب في إخراج أكياس القمامة لحاوية المسكن العامة، فإني لم أراه يوما يخرجها، وهي على العكس تضعها أمام شقتها، فيبدو لبقية السكان أننا نحن الوحيدون من نحدث جلبة كل صباح في هذا المسكن!

النظافة من الأيمان! فكيف تخبر هؤلاء عن الإيمان؟ ولو أخبرتهم سيقولون لك: هل أيمان فتاة جميلة؟ عزباء؟ متفرغة لنهاية الأسبوع؟ فنتأفف ونقول: أيمان فتاة عزيزة! وفي الحقيقة خطيبة! وندعي وصلا ونحن نضحك! ونجعل اليوم يتابع همته!

وحتى عندما نعود ليلا ما بين السادسة إلى الثامنة نرى الأحذية أمام شقته: جزمة نسائية حمراء، وصندل رجالي أسود، أما شقتها فيختلط سوت المكنسة الكهربائية مع الأغاني التي يصدح بها مشغل الموسيقى من أمثال:

I've got a lovely bunch of coconuts

 (They're lovely) 

There they are all standing in a row

 (One, two, three, four) 

Big ones, small ones, some as big as your head 

(And bigger)

 Give them a twist a flick of the wrist 

That's what the showman said

ونحن في للغالب ندخل ونحن نتجادل على أشيائنا التافهة مثل:

- ياخي أنت وراك كذا

- ياخي ما يصير كذا

- هماي قايللك!

- أنتا ما قلت!

ودواليك دواليك من هاتيك الحكايات الثنائية بين الأصدقاء حتى اليوم التالي!

وفي صباح اليوم التالي:

إشراقة وغربان، وصوتها ورائحة النعناع ودوامة الصمت تحيط عند باب الصندل الياباني!

وكالعادة ترافقنا الجلبة أينما حللنا، ومن باب كسر روتين اليوم صرنا نشرب القهوة ونتناول التمر بعضي الخشب الخاصة بالسوشي من الباب ما جاء بالاحتكاك بالحضارات المجاورة، واثناء همهمة بعض الأغنيات تذكرنا أننا نسينا بعض الحاجيات المنزلية المهمة تتعلق طبعا بالنظافة حتى لا تغضب علينا إيمان الخطيبة، وفعلا كراتين المناديل والصابون وتفاصيل كثيرة تتعلق بدورات المياه نجلكم عن ذكرها، وغيرها من الاحتياجات المنزلية، وفي طريقة العودة ونحن نتحدث عن أحد الأفلام التي تتعلق بلحظات احتباس الكاتب عن الكتابة، عند باب البناية صادفتنا صهباء للتو أوقفت دراجتها الهوائية وتسأل عن شقة رقم 15 فقلنا هذه هي جارتنا! فاستبشرت لندلها على مكانها وعندما وصلنا سبقتنا الصهباء متلهفة لزيارة صديقتنا ففتحت هي الأخرى للباب لها  متلهفة فرأينا ذلك الغراب الذي كان يغني، في الحقيقة لم يكن غرابا، كان نورسا! لكن مثله ذو صوت بشع وأن كان ذو منقار أشهر!

وقبل أن ندخل التفتنا إلى جارنا الياباني فوجدنا ذات الحذاء الأحمر النسائي والصندل الرجالي الأسود في مكانهما، ودخلنا منزلنا!

لما جن الليل خرجت للشرفة معي كوب شاي استمتع بالهواء الطلق فاذا بالشرفة التي في يساري يخرج منها رجل ليدخن، تبادلنا التحايا ثم أنهى لفلفه تبغه ودخل، وأنا أكملت كوب الشاي بهدوء وقبل أن أدخل للداخل لمحت الشرفة التي على يميني قد خرج منها صاحب الصندل: جاري الياباني!

الذي بدى لي أن اليابانيين انعزاليين أينما حلوا وذهبوا كما هي عادتهم تماما، كذلك كان جاري الياباني في الكوخ المجاور لي في المالديف، وكذلك كان في الغرفة المجاورة في فندق سالونيك باليونان، وكأن شبح هو الساكن المجاور لك! مقارنة بالغراب .. عفوا .. النورس الذي يسكن بجانبنا!

الحقيقة: أن الجلبة التي نحدثها كل يوم بدأنا نكتشف أنها تسعد السكان، فهي تكسر رتابة الصورة اليومية المكررة التي يمرون بها وكأنهم داخل برنامج من برامج تلفزيون الواقع!


- تبي شاهي؟

- لا قهوة!

- مب مرة ترا!

- ياخي الرطوبة تعدم نكهتهم!

- تعال جبت رول مناديل؟

- أفا عليك! لا تخاف إيمان مهيب زعلانة!

- هههههههه






تمت في الثاني عشر من آذار/مارس 2022م الموافق التاسع من شعبان 1443هـ في الساعة 11:39 صباحا من شرفة سكننا في لندن.

 

في تمام الساعة السابعة مساء بتوقيت لندن!

 واحدة من أسوأ الأشياء أن تبدأ نصا قاتما!

هل توصم النصوص بذلك؟

ربما، المهم أن هذا ما أشعر به الآن؛ فعندما يأتي "المثاء" بالثاء كما يقول عبدالوهاب، أسألوا الليل عن نجمي متى يظهر؟

النجوم كلها لن تظهر بسبب سماء لندن الملبدة بالغيوم! فبعد خمسة أيام مشمسة متواصلة، ستعلم كم هي عزيزة تلك الشمس، لكني أعرف هذه العلاقة التي فيها زهو على الآخر بالنفس!

المهم لم السابعة ستسألني؟

لأنه توقيت أسوأ من آذان فجر أحد الأيام الرمضانية؛ والسبب أن المدينة ستدخل في حالة من الجمود البارد وكأن هذه الجو المرافق لها هو من يسحب كل الطاقة فيها، أجواء كأنها تحضر لروح مصاص دماء قديم يشم رائحة البشر لبحث عن ذلك الدم الخاثر الدافئ لكي يرتوي!

لربما تنقص المدينة تفصيله أو اثنتين ليحضر دراكولا للوجود! فأجراس الكنائس في كل مكان، ورائحة الثوم تعج حولك بين جنبات المطاعم الفرنسية والإيطالية والشرق متوسطية، والطلبان متوفرة ومعلقة في كل مكان وزاوية وركن حتى داخل السيارات، والأبنية حجرية سقوفها قرميد ومدخلها خشبي، لا يكثر هذه الصورة الا طراز العمران وكوب الشاي الذي تعده كل يوم ورائحة السمك والبطاطس المنبعثة من البيوت!

المهم أن هذا السباق للعودة للبيت قبل السابعة يجعل لا مزية لأي يوم حتى لو كان نهاية الأسبوع، فالكل يريد العودة عند السابعة، وكأن من سيخرج بعد هذه اللحظة هم الموتى الأحياء المعتاشين على البقية الباقية ممن يتجول فيها!

وكأن أولئك المتشردين الذين يهربون منهم المارة صباحا بقساوة قلب منقطعة النظير وكأنهم جزء من ديكور المدينة وكل الكلاب التي تسير مع مالكيها وتنبح ليلا كأنها بلا ولي يتعهدها، سيتحول لعواء ويصبح أولئك المتشردين هم الأموات الأحياء داخل المدينة، ثم تنتظر في بيتك عند شرفتك وانت تشرب كأس الشاي بكل أرستقراطية وانت تنظر للقمر نصف مكتمل تحفه الغيوم ان يظهر دراكولا هكذا فجأة يقول: الموت للغزاة!

لكن الثوم المتصاعد والمقابر التي في الجواء ستحول بينه وبين كذل هذه اللحظة!

هنا تقول: الحمد لله أني ضمت عن ملذات المدينة عند السابعة!

وكأن الظلام يسقط على الأرض فجأة، وكأن ساعة منتصف الليل الصفرية اقتربت، لتزحف المخلوقات بحثا عن الدم ومن يوجد حينها سيواجه كلاب الجحيم حينها ستتعفن جثته!

إنها إثارة الليلة يا سادة! 

الثلاثاء، 8 مارس 2022

خمس ساعات ونصف من الصمت!

بكل مباشرة مقيتة، كانت هذه هي مدة رحلة العودة للعاصمة الإنجليزية، لندن!

خمس ساعات ونص الساعة من الصمت المطبق، هو عكف على مشاهدة فيلمه، ورواية جديدة اقتناها مؤخرا بناء على نصيحة مني، وأنا خلال ساعتين أحاول لولادة متعسرة لهذا النص!

المهم أنه بدأ ينهمر مثل مطر العاصمة الإنجليزية، لا هو زخات ولا هو رذاذ، لكنه تساقط مستمر لقطرات المطر، وكأن بهجة الشمس بدأت تعود لتتوارى خلف الغيوم، لتعيد خلق الأشياء من جديد، باردةً باهةً يتعثر بصرك وأنت تشاهدها، وكأن لا لون لهذه المدينة الا الرمادي، كأنه حذاء ريفي متعثر في الطين!

هنالك مدن تساعدك أن تكون مثل المشاهد لهذا الفيلم، فيلم الحياة في هذه المدينة، كسائح أو زائر أو حتى غير مقيم لفترة طويلة، تجعلك تستشعر الكثير من المعاني التي تطالعها عنها وهناك وتستخلصها من بين دفات الكتب حين تعيش اللحظة، لأسميها اللحظة الجبرانية؛ إذ يقول: زاهداً فيما سيأتي ناسياً ما قد مضى" لكن أليست قراءاتك مما مضى؟ ويقولون أن النسيان يسلي، هُنا قد يغبط المرء على ذاكرته، لم؟ لكنه يفك رموز كل لحظة بدون عاطفة كأنه أحد أنماط الجنون ثم تمضي للأمام للحظة تالية!

لكن هل هي الأجواء التي تخرج الأفكار كفقاعات لتنفجر لتنتثر مثل دواة انسكبت على قرطاس ناسخ؟

يقول أودونيس:

"ضيع خيط الأشياء وانطفأت! 

نجمة إحساسه وما عثر!

حتى إذا صار خطوه حجراً!

جمع أشلاءه على مهل!

جمعها للحياة وأنتثر!"

فما معنى هذا؟

كلام فارغ يحاول صنع صورة جميلة وسط المسير بين الغيوم!

إذا لما استحضرته؟

صدقاً؟ لا أدري! هو محاولة مني لكسر هذا الصمت مع نفسي في مشاكسة للقفز على الفكرة التالية!

كثر هم الأدباء الذين قد يتوارون خلف نصوص تبدو براقة وفي حقيقتها كأنها حجر الصوان!


- أرجو منك التركيز!

- أنتظر للأغنية التالية وسنعود!


هنا الآن استحضار منطقي فيه تفكيك للحظة:

يقول محمود درويش:

"أنا للطريق

هناك مَنْ تمشي خُطَاهُ على خُطَايَ,

 وَمَنْ سيتبعني إلى رؤيايَ. 

مَنْ سيقول شعراً في مديح حدائقِ المنفى، أمامَ البيت"

هل أحيانا الأبداع يتتبع خطى من سبقه، أم كما قال عنترة: هل غادر الشعراء من متردم"!

المدينة عندما تعبر فيها تكسوك بشخصيتها التي قد لا تكون هي بالضرورة أنت! وقد تساهم أنت في صنع اللحظة التي تريد أن توازي فيها لحظة أحدهم! لكن أمانةً قد أيضا تحاول فيها فهم ما الذي دفع أحدهم أن يرمي كلماته بهذه الطريقة؟ هل هو كان يصطنع اللحظة؟ أن أن أجواء هذه المدينة أو تلك هي التي دفعته لذلك؟

البعض لا تستطيع تصديقهم حتى لو تعلقوا على أستار الكعبة، لكن كلنا نعرف أيضا أن أعذب الشعر أكذبه!

لكن مهما كان تستطيع تمييز البساطة المرسلة المنهمرة انهمار المطر، ولهذا قال المتنبي: أَبلَغُ ما يُطلَبُ النَجاحُ بِهِ الطَبعُ وَعِندَ التَعَمُّقِ الزَلَلُ!

ولهذا يمكن أن تجعل من الساعة قصة، ومن الرحلة رسالة، ومن الصمت مقالة!


- ولم تنتهي الرحلة، ولم نعرف علاقتك بالمدينة، قد مللت نصك!


أحم! على كل حال، المدينة مؤنث، ولهذا علاقتك دوما تحمل الشد والجذب، فالمدن أما أن تحتويك أو تلفظك!

واحدة من أكثر المواقف التي تدفعني للتساؤل هي اللحظة التي وقف تشارلي تشابلن أمام منزله القديم في لندن قبل أن يغادر إلى سويسرا حيث كان مرقده الأخير هناك؟

هل هذا جزء من قتامة صورة المدينة الرمادية الملبدة بالغيوم لدرجة أن تلفظ أحد أبنائها؟

ما قيمة المدينة داخل نفوسنا؟ 

هل للمدينة أي أثر؟

أم أنها مجرد جذر؟

هذا الشعور رافق تشابلن في كل أفلامه، فكان يعيد تصميم لندن في أفلامه كلما حصلت فرصة، بمناسبة أو بغير مناسبة، فهو لم ينسى المدينة وأن كانت ذكرياته كلها تعيسة معها، هذه التعاسة في لندن تتكدس على طرقاتها لتعيد حملها غيومها عندما يتبخر  بخار الماء فتتبخر معها ثم تنهمر تعاسة من جديد لتظل الغيمة مكسوة بها، وكأنها عملية لا تنضب من التعاسة!

الكل يقوم بشكل آلي روتيني ليشتري القهوة السيئة، لا ليصحو بقدر ما أنها تساعده على الدفء حتى يصل لمقر عملة ثم يسكب الباقي في سلة المهملات! حتى أنه لا يفكر في تناول إفطاره بروية، لكن أنتظر هل هنالك إفطار يستحق الوقوف عنده في مدينة تعج بالحركة الصاخبة التي لا تتوقف، ثم تتوقف فجأة عند السابعة؟

بلدة فيها كل شيء تقريباً ولا تحفل بأي شيء في الوقت نفسه! لأنه هذا الحس العالي المرهف بالكبرياء المتغطرس فلا يريد أن يبدي أي اهتمام لأي شيء حتى لا يبدو مهما، وهذا ما اصطبغت به شخصية المدينة!

لوحات في كل زوايا المدينة: Dry Cleaner!

في الحقيقة الأبخرة تتصاعد في هذه المدينة من كل مكان وفي كل اتجاه: الأبنية، المطاعم، المقاهي، عوادم السيارات، المجاري، حتى من أفواه الناس! الكل هنا يمر في مرحلة من الغسل بالبخار وجفاف في المشاعر!

ولهذا تكون كل المناظر باردة باهتة متلبدة بسبب تراكم الألوان القاتمة التي تريد أن تعكس أمام خلفية لون الغمام الرمادي الذي يعلو الأفق، ولهذا الفرح بالشمس المتهافت تهافت الفراش للنار ليس للبحث عن الدفء، لكن حقيقته هو اللون الوحيد الذي يعيد رسم خلفية المدينة وقد ينجب سبعة ألوان تعيد تشكيل صورة قد تدعو للتفاؤل داخل هذه المدينة ذات اللون الواحد: الرمادي! لونٌ بلا هوية يحاول أن يكون كالأسود في امتصاصه للألوان لكن استعصى عليه فحاول الاقتراب من الأبيض لكنه لم ينصع  ولم تفلح معه كل محاولات الغسل بالبخار فغدى في منزلة بين المنزلتين كما يقول واصل بن عطاء مؤسس المعتزلة!

فهل اعتزلها هذا اللون؟

لا اعتقد ذلك! فهو باقي فيها ما بقي الدهر لا يغسله شيء، فقط هو صورة ثابتة لخلفية تاريخية يعبر منها الكل لمحطات قادمة قد مر قبلها من خلالها أناس كثر، فالمدينة كنست كل المغنين كما يقول محمود درويش، وكنست معها الشعراء والادباء ومن لف لفيفهم في شمس المنفى!


- إذا لم ذهبت إليها ابتداء؟

- للتعرف على أرث المدينة من الألوان والأمطار!

- إنما الناس سطور كتبت لكن بماء؟

- كنت قد قلت لك: لحظات جبرانية!



تمت


في قطار العودة من إدمبره، أسكتلنداـ، وما زال صوتها يناديني من جلاسكو!

الوقت: 11:47م يوم الأثنين 7 آذار/مارس 2022م الموافق الرابع من شعبان 1443هـ

وما زلنا صامتين ومتبقي على نهاية الرحلة ساعة ونص!

يا إلهي! صبرك!

الأحد، 6 مارس 2022

تنادينا من جلاسكو!

 - "لنكمل طريقنا! أظن أني سمعت صوت والدتك ينادينا!"

- "من هذه المسافة البعيدة في جلاسكو!"

مثله كان لديه ولوالديه ذلك الحلم، حلم الذهاب لأقصى مدى في كل شيء، لكن الجذور تظل طاغيه عليه، مثل أحلام الطفولة، جميل أن تحملها وإن لم تتحقق!

أيضا الكل هنا يركض في البحث بحثا عن شعاع الشمس المشرق خلف الغيوم الملبدة، لكن حتى لو سبحت في سمائها تظل أيامهم سعيدة!

في كل مدينة أو إقليم، لوه وجه ناصح كالشمس، وقاتم كظلمة الليل، الا في اسكتلندا؛ حيث قرع الكؤوس وصرخات روابط الأندية الرياضية والدخان المتصاعد من لفائف التبغ أو بخار الماء سيان، فكل هذه وغيرها مؤشرات مدينة لا تنام من فرط الحديث والحركة ومناقشة اليوميات الروتينية التي تدفئ الناس في هذا البرد أقصى الشمال.

المهم أنه مثل ذلك الصوت الذي سمعه والد سكروج ولم ينساه هو الآخر أيضا، عندما عاد من الولايات المتحدة فقط ليقف عند قبرها ويتذكر انه لم ينساها دوما فلا يدري من الذي كان طفلا هو أم سواه!

سكروج الذي خرج من رحم هذه العائلة التي ورثت قلعة ماكبث الملك الأكثر شؤما على الأراضي البريطانية لكنها لم ترث سلطته ولا ثروته لكنها ورثت عنده وجبروته الطاغي على شخصيته لكن دوما تقلب الزمن هذه قد يورث تواريا قد يسطع في أحد الأجيال وقد كان!

ففعلا الرحلة الطويلة هذه لابد أن تنتهي حيث كان يريد الطموح ان يقف وإن وقف وحيدا، فعدما تزور جنبات مدينته تشعر أن روحه تطيف في المكان، ويحمل في داخله تناقضات غريبة، فأحد أسلافه كان أمهر عازف للقرب، لكنه هو في ذاته يكرهها، حتى عدما صادق شبح سلسله هذا، ضربه بها حتى توقف عن العزف، لكنه في النهاية أوصله لأرثه الذي يريد!

وما زالت تنادينا من جلاسكو!

الحقيقة أن التنافس بينهم كان شديدا، أغني عائلتهم وعائلة الويتشسكر، لكن المهم أن لا أحد ينافهم على ارتباطهم في المكان، فمثل مواطنة في أدمبره، كان هو في جلاسكو، حمل معه المدينة، لكنها بطريقة ما لفظته خارجها كما فعلت لندن مع تشارلي تشابلن، على كل عاد لها وهو يملك واحدة من أهم المدن الأميركية ومتحكما فيها!

لكن في تلك اللحظة هل توقف الصوت الذي ينادينا من جلاسكو؟

لعله لم يتوقف عندي أنا حتى بعد اللحظة التي أنتهي فيها من كتابة هذه السطور، فهذا الصوت خافت لا يموت كأنه عطر الورد! فهو مكافح في حياته مثلي لا يعرف الاستسلام وأن تأخر حصاد سنابل الأحلام من مزارع الأمنيات، فدوما أرفقها بـ "لعل" وأجعل "ليت" بعيدا عنك بعد الليث عنك في الغابة كي لا تفترسها الاستحالة!

فالحلم والأمل والرغبة والطموح هي التي تدفعنا للمضي قدما مع الإيمان الموقن بأن ما أُجل لنا هو الأرجى والأبقى والأرغب لنا عند بارينا!

لكن الحياة دوما تُعاش بالتمني ولهذا تؤخذ غلابا، لكن مع كل هذه الاستعارات الأدبية كما يقول رفيقي في الرحلة، سألني:

- يبدو أن هذا النص إما إهداء أو رسالة؟

- قلت بلى هو كذلك!

رسالة إلى شخصية روائية!

- إذا هنالك أديب مثلا؟

في حالتي مجمل الأدب الإيطالي، يجليني أريد الذهاب إلى إيطاليا!

ومثلا: شوارع لندن المظلمة القاتمة تجعلني أتحفظ المسير فيها ليلا، لأنها تشعرني أن سفاحاً ما مثل جاك يطاردني!

وأنت؟

- أما أنا فمتيم لكن فؤادي ليس قلق، لكنها كما قلت رسالة إلى شخصية روائية لا أديب!

رسالة إلى سكروج ماك داك (أو عم ذهب) :

لا تحزي يا عمي فبالرغم من ذلك، أنت شخصية روائية!

الوحيد الذي قبض على آرسين لوبين الفرنسي  البغيض لص الريفيرا

والأغنى على سطح الكوكب

فبالرغم  من كل شيء، حتى في هذه، الأحزان لم تفارقك!



ثم صوت باب مقهانا في جلاسكو يفتح: ويضع عصاه على الأرض ويقول: والأبخل أيضا، وأنت أبقى أبحث عن الفن، ولم تسمع نصيحتي لبطوط حين قلت له: الفن خُلِقَ للذين يقطعون آذانهم!


- آآآآآآه يا عمي ما زلت نزقا!

- لأني لم أعد أسمع صوتها، لكنك دوما تذكرني فيه!





كتب في مقهى لابوراتوريو اسبريسو في شارع النيل داخل مدينة جلاسكو، أسكتلندا

السادس من آذار\مارس 2022م الموافق الثالث من شعبان 1443هـ

الساعة 12:48 مساء

مع رفيقي الرحلة الذي يحفل دوما بديار الأجداد

الجمعة، 4 مارس 2022

نحو أربعة آلاف ميل نحو الشمال

 

"مسافة هذه الرحلة أربعة آلاف ميل باتجاه الشمال، سأذلل كل الصعاب نحو ذلك"


قد يتبادر إلى الذهن أن هذا اقتباسا عاديا، لكنه ليس كذلك، فصاحبه أراد حماية زوجة صديق عمره الذي كان له كأخ، وهنا كنت أنا أحمي حُلماً رافقني فيه صديق!


والذي ضمَّني في العيون صديقٌ

والذي حارب الوهم عني صديقٌ

والذي بعد قلبي صديقٌ

أميِّزُهُم..

كلُّ نَجمٍ صديقُ.

ولعل هنا كان قاسم حداد يتكلم بلساننا عني وعنه، فأيهم أصعب عندك حماية حلم أم شخص؟

لعلها كلا الأمرين!

لكن بعيدا عن الكلمات هذه المبعثرة بالفعل كنت أردد: خذني إليهاّ يا لهف نفسي إليها!، ونظل في تعاملنا معها ندخل في نقاشات حول حبس لحظاتنا معها، لكن رفرفة روحي عندها تشبه جنحان طائر مل السفر يريد الوصول.

- ولكنها مدينة!

- أتدري أن المدينة مؤنث! وأقبض قميصي بيدي اليمنى عند رقمتي كأني قيس بتصور سينمائي معاصر!

ثم كانت الفكرة تحط رحالها بين أيدينا، لكن لعلي نصحته قبلا بالذهاب إلى هناك، لكن من فرد متعته ذهب لكل ما يجاورها عدا أقرب بلدة تشبهها في الطباع، فقلت له: تأكد سلفا أن هذا حلم أيضا سناتي عليه سويةً، فقر عينا، وكأن القمر قد نام بين يديك!

اليوم غائم كعادة العاصمة الإنجليزية البغيضة، مدينة تستشعر أنها كئيبة منذ أن تطأها قدماك، البيوت الحجرية ذات السقوف الخشبية المتراصة ذات المداخل السفلى الخاصة بأهلها وكأنها تشكل جزء من قاعها، والغربان تنعق في كل مكان، صباحا، نهارا، ليلا، حتى بعد منتصف الليل، الغراب هنا هو الطائر الأثير، يدق أبواب كل اللحظات فيها، فمهما كان الطقس جميلا، لكن هذا الضباب الذي يلف المكان، والعيون التي تسبح فوق رأسك، تكتمل جوقته بغراب يقف كأنه حارس الجحيم على شجرة لم يبقى من اوراقها الا هذا الغراب الذي ينعق مرحبا بدخولك!

لكن انتظر، سهرة الأصدقاء لم تنتهي هنا، فكانت أول محاربة لهروب من لندن كان للجنوب، حيث تتداخل ثلاث تيارات مختلفة تداخل أمواج البحر نفسه، فالإطلالة على الشواطئ الفرنجية ليست سعيدة أيضا، ثقافة شرط أوسطية ممزوجة بثقافة ريفية انجليزية مع غزو للزاوية الصفرية الرياضية للمنطقة!

المهم أنه كان هروب ناجح يجعلك تحلق ولو قليلا بعد هذه المسافة الطويلة من الأميال،...،

- لكن انتظر! ما هذا الطائر الذي يحلق فوقنا؟

- نورس؟

- تبا!

لطالها كان هذا الطير الجميل يحظى بثلاث مزايا منفرة: منقار طويل، مظهر منفر عن قرب، ونعيق!

نعم! صوته منفر يا أيها السادة! مجرد غراب بإيهاب أبيض!

- ولكن ما يقلقك!

- لا شيء! لست بحارا بطبيعة الحال، لكن هل يختلف هذا عن ذلك الشعور في لندن؟

- على الأقل برايتون هنا الناس فيها ودودين

- الود مع طائر النورس وارد جدا لكن كما قلت لك لست بحارا!

- لست بحارا ... لست بحارا ... هذه أحد استعاراتك المعتادة!

- صحيح! - وكنا نعبر مستنقعا - فقلت له من هذا المستنقع يبرز لك مستنقع التاريخ ويلقي بظلاله علينا، فالبحارة يستبشرون بطائر النورس اذا كانوا في عرض البحر لأنه يؤذن باقتراب اليابسة، ولسنا في بحر، لكنه نذير شؤم أيضا فلا يقتل ولا يلمس كأنه أحد ظباء مكة!

- وظباء مكة أيضا!

- صيدهن حرامُ، وكذلك النورس لأنها تنقل أرواح البحارة!

- أترك مستنقع التاريخ الآن جانباً ولنصعد جرف الأخوات السبع!

وبالفعل كان يوما فريدا مفعما بطيور النورس والغربان أيضا تحلق فوقنا وفوق الاخوات السبع! كأننا في داخل طقس وثني لساحرات يردن ثنع حكاية جديدة لهن داخل الأسطورة المحلية للمدينة!

فكلانا يستميت لاصطياد لحظاته الفريدة بعدسة الكاميرا خاصته، وكأنه سباق، لكنه بطريقة أو بأخرى تعبير عن شعور بلذة اللحظة، ويبدو علينا هذا الحب الذي يتفجر داخلنا.

- فأقتلها وتقتلي ونحيا ... ونخلط ما نموت بالنشور .... أليس كذلك؟

- بلى هكذا قال النميري

- ما رأيك، كأن المكان ألهمني بكتابة سيناريو فيلم، لنقل مثلا:

مشهد 1 - نهاري - خارجي

عند حافة العالم،

رجلٌ يتأمل،

ونورس!

ذكرني، ما اسم صوت النورس؟

- نعيق!

- نعيق!

- نعبق!

- هل تمزح!

- أبحث عنه!

.... وبعد هنيات

- إلا والله نعيق الله ياخذه!

- كُنتُ قد قلت لك: مجرد غراب بإهاب أبيض!

- وإسماعيل! وغمر لي

- قلت الآن هي استعاراتك!

- لكن نحن الذين ورثنا موبي ديك تنتقل من جيل الى جيل، فكل لحظة معها فيها سطر يعجبك! فبالرغم من احتفاظي بنسختين منها الا اني اريد تلك النسخة التي ارثها من احدهم ليرثها مني! وتبسم وهو منتشِ فرحاً

- بسبب نهايتها قطعا تملك هذا الشعور، لكن هذا يذكرني بذاك!

- ماه؟

- أنت هُنا مع هذا الإرث يعزف فوقك الناي وكأنك وحدك في قارب عريض القعر قد سلخت أياما  من حياتك ويبدو كل شيء فيك الان عجوزا خلا عينيك! لونهما لون البحر الذي كنا عنده مبتهجتين في حديثك الآن!

- وهذه منك استعاره! وغمو لي تارة أخرى

- أرحمونا! صاح السائق

وسكتنا عن الكلام المباح.

ثم لم عدنا للضباب، كانت اجسادنا تترنح، كأننا سكارى وما نحن بسكارى لكننا حيارى، من ذكر الله طبعا، لكن كأن رفيقي لم يعد النظر في سيناريو فيلمه، قد كره منه ما رأى، فاحتفظ بصورة الشؤم الأبيض ولفظ الباقي، وهو ما زاد انقباضه حتى اليوم التالي!

وكالعادة المزيد من الضباب والغيوم والغربان السوداء والمسير حتى ذلك المقهى الخشبي المتهالك وكأن بصيص نور للشمس يحاول العبور له كأنه الكنز تحت اخر قوس قزح عند الشجرة، فجلستنا وتحادثنا ولكنه مهموم بعمله الذي لا ينتهي، فتركته ومضيت مستكشفا، كأنني طفلة تغريها الهدايا، خلال ثلاث ساعات من المسير شدتني تلك الموسيقى التي اعرفها، موسيقى القرب الأسكتلندية، موسيقاها تسكن قلبي، ودقاته تهفو إليها فتركت ما في يدي مسرعا، حتى بعد أن انطفأ هذا الصوت، ووجدت العازف يلملم آلاته، لكني وصلت له لأسرق منه وقتا يسرقني من وقتي!

يبدو حوارنا وكأنه حوار مترجم:

- يوم جيد

- بالتأكيد

- عزفك جيد كذلك

- أشكرك

- لم أر حولك أناس كثر

- لا أحد يحب موسيقى القِرب، عزفت هنا فخرج لي طبيب نفسي وقال لي: لقد أزعجتني وأزعجت مريضي، من لهجته عرفت أنه من نيويورك!

- دعك منه! أنه أمريكي بغيض وحقير في آن

فضحكنا ...

قلت له: من اسكتلندا أنت؟

- نعم

- من أين؟

- كيركوال!

- في أقصى الشمال إذا! أتدرى في الغد سأزورها!

- أين؟

- أدمبره! وأقبض قميصي بيدي اليمنى عند رقمتي كأني قيس بتصور سينمائي معاصر

- وهل أخترت المدينة هذه بالذات لسبب محدد؟

- بلى! السير شون كونري من هناك! اسكتلندا لم تختزل في شخص واحد الا من خلاله! شخص لم يتخلِ مطلقا عن أصوله وتفاصيل هويته حتى في الملبس، فبالرغم من عيشه الطويل في اسبانيا الا ان قلبه كان دوما هناك! في ادمبره، في اسكتلندا!

- فقط لهذا السبب؟

- طبعا لا، فهنالك تشابه ثقافي كبير بيننا ولعل هذا الشعور الذي يلف هذه المدينة الوحيدة بسكانها الوحيدين يجعلني ذو روح غير مستقرة فيها وكأنني بحار يبحث عن ميناء ولو كمستقر!

- لكنك لست بحارا بالطبع!

- مؤكدا!

- كان من الجميل الحديث معك سيدي

- وأنت كذلك

وعدت مع رفيقي احكي له القصة ونصيب بعضا من الراحة قبل رحلة الغد!

وفي اليوم التالي الجمعة الرابع من مارس\آذار 2022م الموافق غُرة شعبان 1443هـ خرجنا من منزلنا وكأن ممدوح عدوان يعنينا إذ يقول" وأنا لم أهاجر ركضت وراء المدينة وهي تهرول في الضباب" فقد كان مبنى محطة صليب الملك هي التي تختفي في ضباب هذه المدينة التعيسة، فقطار الرحلة غادر قبل أن يصل حلمنا، لكن سرعان ما تداركنا الموقف في قطار القطار التالي!

- نصف ساعة لسيت بالمؤثرة!

- بالتأكيد يا صديقي

فلما دخلنا القطار المتجه الى المدينة، تسارعت دقات قلبنا وكأن المقصورة ما هي الا رحم الأم الذي سينقلنا لحضنها بعد سويعات كأنها الولادة!

ولادة حلم السفر الى أدمبره، عاصمة مملكة اسكتلندا


كتبت هذه التدوية بعد تجاوز أخر محطة في الأراضي الإنجليزية وكانت الساعة تشير للثامنة وعشر دقائق مساء، ولم نر ولا طائر حتى يحلق معنا، وهذا أعظم مؤشر لدى الانجليز: لا حظ سيء ولا جيد، فالأمور اذا بخير.


بالمناسبة عزيزي القارئ: الأربعة آلاف ميل هي المسافة مشيا من الرياض الى ادمبره!

تمت 

الثلاثاء، 1 مارس 2022

Cry Macho - 2021 - من منا سيحمي الآخر؟

 انتبه لماتشو

هل نستطيع أن نحمي مشاعرنا؟ أو أن تتجلى مشاعرنا في أشكالا عدة حتى لو كانت شيء غير متوقع مثل ديك حامي كملاك؟

الفيلم ينتمي للنمط الاخير الذي يتجلى فيه كلينت ايستوود بعد عودته للتمثيل والاخراج، وهو القصص الغريبة والفريدة التي تحدث لرجل عجوز أمريكي تقليدي، لكن هنا تسير السردية لرجل من ولاية تاكسيس الامريكية الحدودية مع المكسيك ليقوم بمهمة اخيرة لصديقه الاثير بأن يحضر ابنه من قرية نائية في المكسيس ليعود به للولاية!
الفيلم هو ايضا عبور حدودي داخل نفس كلا من الطفل وكلينت ايستود والارملة المكسيكية مارثا، لكن الاخيرة عبرت باتجاه الولايات المتحدة على العكس من كليت الذي وان عبر لاجل الطفل لكنه في النهاية هي من اعادة له صورة من حياته ظن انها احترقت!
بالنسبة للطفل، فكان من خلاله تعبير كل الطفولة الذي كان في الفيلم، وكان عبوره هو في انه يريد تجربة الجديد الذي يراه في الحلم، فكانت العودة لديار ابيه محرد بِراً لنفسه قبل اي احد آخر، عبور لارض الاحلام!
فيلم رحلة مع عجوز منسي من الناس منسي من الزمن لا يحمل معه سوا ذكرياته!