الأحد، 6 مارس 2022

تنادينا من جلاسكو!

 - "لنكمل طريقنا! أظن أني سمعت صوت والدتك ينادينا!"

- "من هذه المسافة البعيدة في جلاسكو!"

مثله كان لديه ولوالديه ذلك الحلم، حلم الذهاب لأقصى مدى في كل شيء، لكن الجذور تظل طاغيه عليه، مثل أحلام الطفولة، جميل أن تحملها وإن لم تتحقق!

أيضا الكل هنا يركض في البحث بحثا عن شعاع الشمس المشرق خلف الغيوم الملبدة، لكن حتى لو سبحت في سمائها تظل أيامهم سعيدة!

في كل مدينة أو إقليم، لوه وجه ناصح كالشمس، وقاتم كظلمة الليل، الا في اسكتلندا؛ حيث قرع الكؤوس وصرخات روابط الأندية الرياضية والدخان المتصاعد من لفائف التبغ أو بخار الماء سيان، فكل هذه وغيرها مؤشرات مدينة لا تنام من فرط الحديث والحركة ومناقشة اليوميات الروتينية التي تدفئ الناس في هذا البرد أقصى الشمال.

المهم أنه مثل ذلك الصوت الذي سمعه والد سكروج ولم ينساه هو الآخر أيضا، عندما عاد من الولايات المتحدة فقط ليقف عند قبرها ويتذكر انه لم ينساها دوما فلا يدري من الذي كان طفلا هو أم سواه!

سكروج الذي خرج من رحم هذه العائلة التي ورثت قلعة ماكبث الملك الأكثر شؤما على الأراضي البريطانية لكنها لم ترث سلطته ولا ثروته لكنها ورثت عنده وجبروته الطاغي على شخصيته لكن دوما تقلب الزمن هذه قد يورث تواريا قد يسطع في أحد الأجيال وقد كان!

ففعلا الرحلة الطويلة هذه لابد أن تنتهي حيث كان يريد الطموح ان يقف وإن وقف وحيدا، فعدما تزور جنبات مدينته تشعر أن روحه تطيف في المكان، ويحمل في داخله تناقضات غريبة، فأحد أسلافه كان أمهر عازف للقرب، لكنه هو في ذاته يكرهها، حتى عدما صادق شبح سلسله هذا، ضربه بها حتى توقف عن العزف، لكنه في النهاية أوصله لأرثه الذي يريد!

وما زالت تنادينا من جلاسكو!

الحقيقة أن التنافس بينهم كان شديدا، أغني عائلتهم وعائلة الويتشسكر، لكن المهم أن لا أحد ينافهم على ارتباطهم في المكان، فمثل مواطنة في أدمبره، كان هو في جلاسكو، حمل معه المدينة، لكنها بطريقة ما لفظته خارجها كما فعلت لندن مع تشارلي تشابلن، على كل عاد لها وهو يملك واحدة من أهم المدن الأميركية ومتحكما فيها!

لكن في تلك اللحظة هل توقف الصوت الذي ينادينا من جلاسكو؟

لعله لم يتوقف عندي أنا حتى بعد اللحظة التي أنتهي فيها من كتابة هذه السطور، فهذا الصوت خافت لا يموت كأنه عطر الورد! فهو مكافح في حياته مثلي لا يعرف الاستسلام وأن تأخر حصاد سنابل الأحلام من مزارع الأمنيات، فدوما أرفقها بـ "لعل" وأجعل "ليت" بعيدا عنك بعد الليث عنك في الغابة كي لا تفترسها الاستحالة!

فالحلم والأمل والرغبة والطموح هي التي تدفعنا للمضي قدما مع الإيمان الموقن بأن ما أُجل لنا هو الأرجى والأبقى والأرغب لنا عند بارينا!

لكن الحياة دوما تُعاش بالتمني ولهذا تؤخذ غلابا، لكن مع كل هذه الاستعارات الأدبية كما يقول رفيقي في الرحلة، سألني:

- يبدو أن هذا النص إما إهداء أو رسالة؟

- قلت بلى هو كذلك!

رسالة إلى شخصية روائية!

- إذا هنالك أديب مثلا؟

في حالتي مجمل الأدب الإيطالي، يجليني أريد الذهاب إلى إيطاليا!

ومثلا: شوارع لندن المظلمة القاتمة تجعلني أتحفظ المسير فيها ليلا، لأنها تشعرني أن سفاحاً ما مثل جاك يطاردني!

وأنت؟

- أما أنا فمتيم لكن فؤادي ليس قلق، لكنها كما قلت رسالة إلى شخصية روائية لا أديب!

رسالة إلى سكروج ماك داك (أو عم ذهب) :

لا تحزي يا عمي فبالرغم من ذلك، أنت شخصية روائية!

الوحيد الذي قبض على آرسين لوبين الفرنسي  البغيض لص الريفيرا

والأغنى على سطح الكوكب

فبالرغم  من كل شيء، حتى في هذه، الأحزان لم تفارقك!



ثم صوت باب مقهانا في جلاسكو يفتح: ويضع عصاه على الأرض ويقول: والأبخل أيضا، وأنت أبقى أبحث عن الفن، ولم تسمع نصيحتي لبطوط حين قلت له: الفن خُلِقَ للذين يقطعون آذانهم!


- آآآآآآه يا عمي ما زلت نزقا!

- لأني لم أعد أسمع صوتها، لكنك دوما تذكرني فيه!





كتب في مقهى لابوراتوريو اسبريسو في شارع النيل داخل مدينة جلاسكو، أسكتلندا

السادس من آذار\مارس 2022م الموافق الثالث من شعبان 1443هـ

الساعة 12:48 مساء

مع رفيقي الرحلة الذي يحفل دوما بديار الأجداد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق