الأربعاء، 23 مارس 2022

ليس نجما .. مهيار!

 هل العاصمة هي مجرد مكان جامع ؟

مجمعة!

يقال أنها سميت كذلك لأنها مجمع للقبائل المرتحلة في نجد فتريح فيها!

ربما، لكن العبرة ليست هنا، بل فيمن جلست في المقهى قبالتي!

شقراء بحدة لون ذهبية، قصير كأنه شعر الممثلة  إيما تومسون، بيضاء كلون زيتي بلا لمعه، أمتلئ وجهها حب شباب مُحمر عند وجنتيها، وخشمها البارز كأنه أبهام يدي اليمنى، وخي جالسة كان خصرها النحيل واضحا حتى وان تدثرت بمعطف يخفي ملامح الجسد، وبوت نسائي كحلي أمتد منه جورب رصاصي تظهر منه شخصية فيلم سالي الصهباء خبيبة جاك في فيلم كابوس عشية عيد الميلاد، واخرجت منديلا لتمسح ما بقي من أحمر الشفاه، أو لعلي هذا ما ظننت، أذ اتضح أنها تلف لفافة تبغٍ وخرجت لتشعلها!

هل هكذا هي العواصم لابد أن تجد فيها ما يدمر أي صورة قد تبهرك؟

التاريخ حبيس المتاحف، والناس على عجل لا وقت لديهم للترحاب، الأماكن مزدحمة سواء وسط الأسبوع أو نهايته، وغيرها وغيرها من  المشاهدات التي لا تنتهي والتي تجعلك تتفكر؟ هل هنا أحد يسبق الوقت؟

في قلبي شيءٌ أجهله! أو عقلي لا يفهمه! لكني مشيت في طرقاتها، وبين القرى والمدن، وبين البيوت والبيوت، والمدارس والجامعات والمتاحف!

الحقيقة هي كالتالي: هنالك في قلبي فرحٌ أعرفه، وشيء ما يغلفه لا أتبينه بدقة، عندما أنزل في الليل للحديقة خلف البناء الذي سكنته، أنظر لقمر هذه الليلة العشرين من شعبان 1443هـ وهو يلمع وسط غيون العاصمة الإنجليزية، مقاوماً يريد كسر حدة الصورة، أظن أن السياح يفعلون هذا أحيانا في بعض الأماكن، وقد يفعلها قاطنين آخرين أيضاً، وهذا القمر عالٍ وأنت ترفع رأسك وتقف على أصابع قدمك لعلك تطول منه نظرة تورك عندك ابتسامه، ولكنه في تجليه الأخير غير مكتمل، المهم لم أنزل لأتجول هنا لأمتدح الحديقة لكم كمن يمتدح حدائق المنفى أما البيت* فمصطنعو الدراما هؤلاء لا يستحقون الشفقة أحيانا كثيرة، لكن لأني أبحث عن مواساة.

بدأ البرد يشتد في تلك الليلة التي نزلت فيها للحديقة، بدأت أسمع صوت ما لكائن يمشي بين الزهور لا يتسق معها، وبالرغم من انواء الإضاءة الكثيرة الا أن ثلاثة هي التي تعمل تحت حجة توفير الطاقة ونظافة كوكب الأرض، الكوكب الذي عاش مليارات السنين صامدا في وجه هذا الكون المجهول، عاجز عن الصمود أمام تيار كهرباء من سلك نحاسي أخذ من جوفه، المهم أنه هذه الثلاثة تعطلت إثنين منها ولم يبقى الا واحد علق بجانبه بيت حديدي أخضر صغير بدى فيه أحد العصافير عشاً.

قفز هذا الكائن وإذا به يمشي على أربعة ذيله طويل ينهي ببياض شعر، وبقية لونه بني فاتح كأنه أشهب، فتبينته من ضوء كشاف الهاتف الجوال، إذ هو ثعلب!

لم يبدو لطيفا ولا شرسا، لا مسالم ولا عدواني، مجرد ثعلب تقليدي القرب منه كالقرب من الشمس: أما تحرقك أو تعبد عنها فتبرد!

المهم أنه بدأ يمشي، الهوينا كان يمشي، كان يمشي بهدوء ويتلفت، وأنا واقف تحت عمود الإنارة اليتيم أنظر، فاتجه لبيت معد للكلاب، ونثر طعامها وهرب ليختبئ مجددا بين الزهور، ثم لم يلبث أن خرج ثانية من مخبئة واتجه للبوابة التي تخرج من الحديقة للشارع، فتبعته بهدوء الهوينا الذي كان يمشي على غراره الثعلب بكشاف الهاتف الجوال.

خلسة مر قبالتي طيف رجل أخفى وجهه بكمامة قماشية سوداء ووقف فند زاوية إشارة عبور المشاة ينتظر، فإذ بالثعلب يتجه إليه، فأعطاه شيئا ليأكله وتركنا الثعلب وهو يجري، وذهب الرجل في الاتجاه الآخر!

نظرت للقمر، فبدى لي نوره أكثر صفاء، فتبسمت، وإذ بأحد الجيران يقول لي: هل أعجبك منظره؟

قلت: هو مهيار** وهو كان أجمل ما في هذه الليلة!

فما المستفاد من هذا الحديث كله؟

قلت: أني أحاول أن أبحث عن ذلك الشيء الذي أجهله وأن كان قلبي مستمتعا، لكن هذا البحث متعب حقاً!


تمت




* إشارة إلى بيت محمود درويش إذ يقول في قصيدة تنسى كأنك لم تكن:

تُنسَى، كأنِّكَ لم تكن 

خبراً، ولا أَثراً...

 وتُنْسى

 أَنا للطريق...

 هناك مَنْ تمشي خُطَاهُ على خُطَايَ,

 وَمَنْ سيتبعني إلى رؤيايَ.

 مَنْ سيقول شعراً في مديح حدائقِ المنفى، أمامَ البيت،


** مهيار اسم فارسي معناه: القمر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق