الاثنين، 3 فبراير 2020

إثبات هوية لـ King of California !


هل جربت يوما أن تكافح لتكون( شيئاً)، ثم يظهر لك شخص يجعلك (لا شيء) بمجرد ظهوره، فكيف إذا فعل؟

الناس تدخل المستشفيات حتى تتحسن، لا أن تخرج منها وقد ازدادت حالتها سوءا!

أن تحاول أن تثبت للآخرين أنك (شيء) وفي الحقيقة أنك تحاول عابثا ذلك!

كل هذا وأكثر من تساؤلات كان يدور في ذهن طفلة لم تتم 15 من عمرها عندما أخرجت أباها الذي لا تناديه إلا باسمه (تشارلي) ـ الذي يقوم بدوره الممثل الشهير مايكل دوجلاس ـ من المصحة النفسية، لتجده يبحث عن شيء من تاريخ كاليفورنيا العتيق، الفيلم مزيج جميل وعجيب بين الكوميديا الهادفة والدراما البسيطة العميقة، لا يجعلك تبكي من الضحك، وتضحك من البكاء، لا يجعلك تضحك لمجرد الضحك، ولا تبكي بمجرد البكاء، في كل دقيقة داخل هذا الفيلم تتفكر في شخص ذلك الأب غريب الأطوار في نظرك، أما في نظره فهو أنه مجرد رجل يبحث عن كنز مفقود!

هذا الفيلم يتحدث عن نظرة الآخرين إليك، كيف ينظر الناس إلى أمثالك، حتى لو كان هؤلاء الناس أقربهم لك... ابنتك؟!

هذا الفيلم من الأفلام القلائل التي كنت ولا زلت أتوقف عندها كثيراً وأحترت حوله وزرع فيني تساؤلات عديدة
الفيلم برغم بساطته إلا أنه طرح في بالي تساؤلات ما تفتأ أن تتقد بمجرد أن يتنهي الفيلم
الفيلم أساساً لا يبدأ إلى عندما يظهر كادر النهاية

هذا الفيلم قُدم بشكل جمالي مبهر بسيط، حتى الأدوار كانت مفصلة على الجميع وكأنها ملابس حاكها ترزي ماهر في صنعته،،
ثم ذاك الحوار الذي يتكون من مزيجا بين الكوميديا والدراما والجنون وحمّى البحث عن كنز اسطوري غارق في قدم تاريخ الولاية، ثم ذاك الإيمان المجنون من بطل الفيلم/تشارلي(مايكل دوقلاس)/ بأن هنالك كنز، وهنالك صينيين عراة يسبحون كل صباح عند شاطئ المدينة !!
والإخراج والموسيقى التصويرية، كانا لاعبان مهمان في إدارة دفة هذه التجربة الإنسانية الجميلة الرومانسية بالمعنى المسرحي ،،

كيف للناس أن يصابوا بمس من جنون وهم للتو خرجو من مصحة المجانين؟
من المجنون فعلاً هل هو نحن الذين نقبع في مدننا التي كالقرى الكبيرة وليس لها روح أو عبق يخصها، ام من ينظر لنا من داخل مستشفيات نسميهم مجانين؟!

ثم ما هو الجنون؟ من يحدد الجنون؟
هل التغريد خارج السرب جنون؟ إذا ما حال كل المبدعين؟ والعظماء وحتى الأنبياء ؟
العشق للبحث عن الذات والهوية الضائعة التي أضاعها المجتمع من شخوص نحن من نحاول قتلهم، وهم من يهبوننا بهجة الحياة !!
  
فيلم (ملك كاليفورنيا) تجربة إنسانية قلّما تجدها هذه الأيام، أنصح الجميع بمشاهدته.

كتبت في السابع والعشرين من شهر مايو ٢٠١٠

منارة توماس ووينسلو وفي انتظار جودو!

‏المنارة:
في ذاك المكان القصي المنعزل يصل الإثنين إليها، توماس ووينسلو، في مشهد ترحيبي يصلان فيه إلى صميم روحك، كسرا فيه كل الحواجز وهما ينظران إليك وأنت تنظر إليهم، يقتحمان عليك روحك عنوة، وما إن يبلغان منهت حتى يضع توماس غليونه في فمه ليقول: قد وصلنا الأن، وهُنا! 

‏تبدأ الرحلة في هذه الجزيرة المعزولة وسط المحيط الكبير في انتظار النوبة التالية قبل العاصفة، تماما مثل فلاديمير واستراجون في مسرحية سامويل بيكيت "في انتظار جودو" لكن جودو لا يأتي!
وكذلك هنا، تاتي العاصفة، ولا تأتي المناوبة التالية، فيدخل الاثنين في صراع العزلة والتوحد!

‏كان توماس قد حذر وينسلو من قتل طيور البحر، "انها طالع شوم" "تنقل اوراح البحارة" وعند من يجوبون البحر قول مأثور: لابد لقتيل البحر أن ينتقم، كما حاول آرو أن ينتهم من لونغ جون سيلفر! 
هنا تتقلب الصفحات القديمة لحياتهما، ليتعرى كلاً منهما أمام الآخر ساقطين في الملذات ينتظران جودو

‏لكن الطير يُقتل، فيقع المحضور، وتأتي العاصفة لتحرق روح الاثنين، فليتلبس تومس بلباس بوسايدون - والذي يشبهه في المظهر، وقد ظهر ذلك جليا في لحظة طهوره امامه في الليلة الماطرة وعيناه تشع نورا - فليقي بالاحكام على العاصي وينسلو فيستقبلها الاخر بكل بلاهة، وبعدها يعاودون للمذات

‏وما كانت الحورية الا تجسيدا لها الغرق في المذات بدال نوبات الجنون كالعاصفة التي استحوذت على كل شيء الا من أمل واهم ان يأتي جودو، وفلم يبتقى من المنارة الا امر واحد: الانتظار!
مثلها في ذلك مثل محطة القطار تماما!

‏لتنتهي هذه الرحلة في انتظار الموت، بتجرد لا هو خلاص ابدي، ولا هو خلود سرمدي، لكنه المضي في الحالة الجنونية انفرادية معزولة كذرة انتهت لانشطار نووي، فانتقم الثاني من الأول تذمراً، وذهب يبحث عن التطهير في المنارة لكنها احرقته وتركته للعنة البحر أن تُنهيه!
أما الأول قتله تسلطه!

‏الفيلم غريب لكن المخرج أجاد في ثلاث أشياء:
الأول اختيار الإطار الضيق للفيلم، كناية عن عدم السعة داخل هذه العزلة وفي روحي هاتين الشخصيتين.
والثاني في عدم تلوين الفيلم، كناية عن قتامة الحالة التي يعيشونها،داخل هذا الزمن القديم والبعد السحيق.
والثالث أخراج هذه الطاقة التمثيلية منهما
‏مدة الفيلم مناسبة جدا في هذه الرحلة الغريبة الصاعقة كصواعق عاصفته، وتجربة تستحق ان تشاهد، ربما كمثلي مرتين، ولن تمل.

كتبت في السابع والعشرين من شهر ديسمبر ٢٠١٩