الأحد، 15 يناير 2023

في وداع الهُمام

 ثم يختفي هكذا فجأة

دونما سابق انذار

لا ندري أي قارعةٍ ألمت به

صمتٌ يطبق كليل حالك على مسافر

ثم فجأة بلا مقدمات:


"تحياتي واشواقي ، محدثكم في الطيارة 

والله كان ودي اقابلكم بس الايام الاخيرة كانت حوسه وقروشه 


بيض الله وجيهكم ما قصرتم 

لنا لقاء قريب ان شاء الله ، موعدنا في شهر رمضان"


لكن هذا ليس صحيحاً!

لا أعني المشاعر مطلقا، ولكني أعني اللقيا ما قبل السفر!

هو يكره لحظات الوداع بقدر كرهه لرائحة المطارات

ولا يريد أن يبقي أي ذكرى لأي رحيل

يريد ان يجعل من فيلم الذكريات الفوتوغرافي جزء منه مسود

كمحاولة المصور عندما يضع فيلما جديدا فيصور صورا سوداء حتى رقم الصورة المطلوب

كأنه رسالة جزء من نصها مفقود في هاتف قديم

هو لا يريد أن يقول وداعا

معاذ الله

لأن ذلك يعني أنّ كلّ شيء قد بات منتهياً

العصافير والموسيقى

والمطر والأعشاب والكتب

وكل الأشياء

معاذ الله

أليس هذا قول نزيه أبو عفش؟

 لأنه يريد أن يختفظ بالذكرى كما يحتفظ الصبي بألعابه الصغيرة والقديمة

يريد أن تبقى بهجة التحية كبهجة الفرح بكلمات الطفل الأولى حينما يبدأ

وتظل تلك الشرفة البعيدة، التي يطل منها على حديقته الصغيرة، يحتسي فيها كوب الشاي العتيق، وهو ينظر إما صديق أو خليل أو أخ أو قريب يقول له:

صباح الخير، كيف أصبحت؟ أهُمامٌ أنت؟ أم كالأُسامة تنتظر الوثوب؟

عموما:

سأترك البيانو يعزف في بوابة المطار، وأقول شكراً للطريق الذي يلم خُطانا

وللطائرة التي توأمتنا في ذلك المقعد

وللزمان الذي يعيد جمع ذكرياتنا في ذلك البال

في اليوم

كما الأمس

وفي الغد


مصحوب السلامة أينما حللت ونزلت!


الأربعاء، 11 يناير 2023

أتعلمين أي حزن يبعث المطر يا مريم؟

 في ذلك اليوم البارد الملبد بالغيوم التي احتبس فيها دمع المطر، اُرسلت تحية، وكان الرد متأخراً كما المعتاد، لكنها هلّت ورحبت!


- مالك؟

- احتبس علّي النص!

- أي نص؟

- هل يهم؟ المهم أنه يحتبس علي، لا أعرف ما السبب، لا طبيب جس خافقي بقلم او بغيره، لكني ما زلت افكر، لم كل هذا؟ 

- لعله يعتريني مثلما يعتريك، لكني احاول أن اعصر ذاكرتي حتى اكتب، وبالرغم من هذا، كلما انهمرت افكار او كلمات دونتها سرا كي لا تهرب، ثم اعاود اعتصار ذاكرتي من جديد!

- لكني احتاج دفعة! لم تعد الاكواب تغني! كل ما هو قابل لقدح شرارة الالهام، حتى لو كانت شربة ماء، لم تسعف في الاشتعال!

- جميل شعور الازدحام هذا، ستاتي لحظة تشعر انها تنسل من بين خيوط افكارك لتتسلل الى يديك بكل خفة، كمولود حديث ولد توا!

- تعنين محاصرة الذكريات؟

- والمشاعر! كلحن موسيقي يرسله اشجانا، يمر فيه بطل فيلم ما بلحظة تأمل كالحلم!


 .... ثم ساد صمت طويل اخترقه لحن جوقة رباعية تعزف عودا وقانونا وطبلتين بايقاع هادئ وثابت ....


- لم نحتاج تفريغ ذكرياتنا؟ أن تذكي فينا ما تذكيه مما نريد نسيانه احيانا؟

- هل تحملين كاميرا؟

- ما جدوى السؤال؟

- اذا اردتي حبس لحظة اما ان تصوريها او ترسميها، وكذلك المشهد في فيلم فيديو، ولكن كيف نحبس شعور وذكرى؟ أن نكتبه! وأن احتفظ بكل ثقله وتفاصيله، لكن يظل الرجوع اليه كرجوع في الزمن!

 - افهم كلامك وافهم مقصدك، ولكن سبق لي وأن رفضت بعض الذكرايات المحبوسه في صوره او غيره لا لشيء، ولكن لأنها تحمل في جناباتها ذكريات مزعجه ..

- أهذا هروب يا مريم؟ هل هززتي جذع النخل؟

- هززته وانتهى! وجنيت الرطب، لكن مولودي لم يحن وقته بعد!

- سياتي هذا المولود وقد يكون وحيداً ولكنه سيكون كما اردتِ، لعل اكثر ما قد يناسب هذا الحديث، هو أغنية روبرتو هذه: 

core ngrato!



ثم عادت تلك الجوقة تعزف من جديد



الثلاثاء، 3 يناير 2023

شاهد!

 اسوأ شعور هو شعور التناقص!

كان هذا الشاهد هو الشاهد على تلك اللحظة الفارقة، عندما وعى بهذه الفكرة! فكرة التناقص!

علم حين شاهده أنه أولد من جديد، وبدأ الشاهد بالذهول!

وكأنه يسمع قلبه يبكي، عندها شعر في قرارة نفسه أنه ولد من جديد، وينظر لمسجى وقلُب إمرأةٍ مفطورٌ لا يدري لأي جهة يلوح ليبكي!

حنينٌ يكوي الظلوع، حنين المفارق، هُنا فقط، ولا غيره معي!

روحٌ متعبةٌ من هذا الفقد المتتالي، ولكنها ليست جزعة ولا معترضة على مقادير الأيام!

وكأن الشاهد استمع لشيء يفيض ولا يجد إناء يفيض فيه ليحتويه، وهذه الروح ليست زجاجة ولا حتى قدح، كوعاء مثقوب لم يجد صانعاً له!

وهذا الألم الذي لن يندمل، لن يموت!

وكيف يموت وقد غدت صورة الموتى الباكين على موتاهم ماثلة، لمن وهبت له الحياة، هنا فقط تتجدد في عينيك كل المعاني!

 

ومشى الشاهد خلفه وهو ينظر .....