الجمعة، 31 ديسمبر 2021

Peace on Earth - 1939

 Peace on Earth

سنة الإنتاج : 1939

إنتاج : ستديوهات Hugh Harman

التصنيف : فيلم قصير

المدة : 8.26 دقيقة

النوع : أنميشن ، فنتازي ، تاريخي ، حربي ، بروباغاندا ،


يبدأ الفيلم باستعراض شوارع وبيوت وأكواخ ودكاكين ومتاجر لأحياء وأزقة مدينة حقيقية ، لكن سكانها من السناجب أو السنادس الذين يقيمون السدود الخشبية على الأنهار ، وفي عشية عيد الشكر اجتمعت عائلة من السناجب مكونة من سنجاب عجوز وزوجته وحفيديه سنجاب وسنجابه حول المدفئة الباردة ، واثناء تحضير الديك الرومي على المائدة الخشبية التي زينت بالبندق الشهي ، صاح الصغيران :

- الصغيران " جدي ... أنتبه لا تجلس على الاريكة ففيها بقايا من ابر الحياكة الخاصة بجدتي "

- الجد " آآآخ .... أييي ... - ويلتفت لمؤخرته - اللعنة ..,، هذه الأبر تذكرني بسكاكين الجد في الجيش ,، ذكريات مقيته ... .. "

- الصغيران " الجيش ؟؟ هل كنت في أحدهم .. كيف شكل الجند ؟!! "

- الجد " هههه .. أنها حكاية قديمة ، وهي السبب الذي أورثنا هذا البيت .. لكنها مسلية وستعجبكم ، .. في ليلةٍ لم يكن البدرُ فيها مكتملاً ، وكأن شكله احمراً شؤماً ، جرى نقش حاداً بين أنصار البروتين النباتي - vegetarians - والبروتين الحيواني - meat eaters - ، اشتد الصراح واحتدم حتى صار صداماً .. فقامت حربٌ بين الفريقين ... .. "


×× .. ومن هنا تبدأ قصة الفيلم .. ××


يستمر السنجاب العجوز في سرد مفردات القصة التي أدت إلى ... ... فناء كل البشر !!

نعم !! كل البشر !!

لكن ما الذي حصل بعد هذا ؟

حدث ما هو موجود في عنوان الفيلم ... السلام على الأرض !!

أو أمنية ملكات جمال العالم ... السلام العالمي !!

وبالتالي أورث الله الأرض من عليها ... أورثها .. ليس لبني إسرائيل ولا أمة محمد ... بل للحيوانات والأشجار واشعة الشمس والهواء وفئة أخرى جديدة !!

نعم أيها السادة .. هذه الحقيقة المرة !!

يستمر الجد السنجاب العجوز في روي الحكاية لحفيديه عن قصة هذين الحزبين من البشر ، أنصار البروتين النباتي - vegetarians - والبروتين الحيواني - meat eaters - ، أو لأقل بعبارة اخرى الحزب النازي والديمقراطيات الأوروبية ، الأزرق والأحمر ... ..

يصف الجد مغامراته في الحرب وما شاهده من أهوالها .. الجد الذي عاصر الحرب وإن لم يشترك بها فعلياً ، لكنه رأى منها ما لم ولن يسره غيره إذا رأى ..

الجنود ببنادقهم التي في مقدمتها السكاكين الحادة كأبر الجدة ، وأقنعتهم المضدة للغازات التي يطلقونها ، والتي تلمع في جنع الضلام وكانها عيني عنكبوت او عقرب ن وذلك الخرطوم الذي يتدلى من امام أفواههم حتى يمدهم بالأكسجين الذي بدا ينقرض من الغلاف الجوي ..

يصف تسليح الفريقين وعتادهم ، وكيف كانوا يواجههون بعضهم البعض بكل ما يمتلكون من قوة ، الدروع القيلة ، الرشاشات الأوتوماتيكية ، الطائرات النفاثة ن الصواريخ الوجهة ، وحتى المضادات الجوية ، وكل شيء .. كل شيء .. كل شيء ..

- الصغيرين " لماذا كل هذا يا جدي ؟ "

- الجد " أنه من أجلنا ولأجلنا ! "

الجد فصل كثيراً في جزئية عتاد السلاح ، حتى يري الاحفاد أموراً من الوصاية التي يتمتع هو بها عليهم .. أراهم معاناة الأجداد في الحفاظ على ارث الأحفاد ، وكيف الحقد إذا تملك قلوب الخلق متمثلاً في أحد الخليقة وهو البشر الذي يعد انقى تلك الخليقة .. كيف جره هذا إلى كل هذه المئآسي .. مع أن البشرية تعودة أن تمر بلحظات نكسات واقتتال وحصاد في الأرواح حتى تستمر في تقديم نهضتها .. إلا أن هذه المرة كانت مختلفة ... ..

الجد توقف في سرده عند بحطة مهمة ... ليس في تاريخ البشرية فحسب ، بل في تاريخ الكرة الارضية ...


×× // نهاية آخر إنسان في هذا العالم // ××


- الصغيرين " ما الذي حصل بعد هذا ؟ "

- الجد " الحرب لم تشمل الجنود والجيوش فحسب ، شملت كل شيء ، حتى المدنين في بيوتهم ، والصغار في أحضان امهاتهم ، حزرت معها اليابس قبل الأخضر ، والسمين قبل الغث ، لم يرحب البشر أحداً حتى انفسهم ، في تلك اللحظة بالذات ، وفي هذه المدينة ، وبجانب هذا المنزل ، كان هنالك جنديين متقابلين خلف أكياس الرمل التي استدرعوا بها ، وكلاً ببندقية قنصه ، استهدف الآخر ... طاخ ,، طاخ طاح ,، ... وبهذا كانت نهاية آخر إنسان في هذا العالم "

الفيلم لم يتوقف عند هذه الحادثة ... وكفى واكتفى ...

بل بدأ بسرد اشراقة الشمس الجديدة ... وعلى انغام تشكوفسكي ... خرجت السناجب والفئران والجرذان والسنادس ... بدأت تعمل على إعمار الأرض من جديد ، أو لنقل على إعادة إعمار أوروبا التي أنهكت الحرب جسدها ، وبدات ترصد لها هذه السناجب والسنادس الخشب والزهر والحجر لإعمار المنازل ، كما رصدت الولايات المتحدة الأموال لإعادة إعمار أوروبا ... ..


# النهاية #


هنا كانت نهاية الفيلم ... لكن ليس نهاية المراجعة

مربط الفرس في كل هذه الحلقة شيء واحد ... هو سنة صدورها

عام 1939 ميلادية

أمريكا قررت ان تدخل الحرب كحليفة مع الحلفاء ضد دول المحور عام 1938

أمريكا هي التي أنقذت فرنسا من برائث الإحتلال النازي لها

ودعمت بريطانيا من فناء جنودها المستمر كنزيف الدم

كل هذا وأكثر في إنزال النورماندي الشهير

بهذه هذه القطعة الأخيرة .. وهذه الــ " شقفة " أي المعلومة .. أكموا تجميع قطع اللعبة لتحصلوا على الكلمة الأخيرة !!



Who Framed Roger Rabbit ? - 1988

 هذا فيلم غريب وعجيب!

مفلسع ومجنون وفيه فكرة!


الفيلم فيلم نوار تحدث فيه جريمة قتل لمالك نادي ليلي تتهم فيه احد الشخصيات الكارتونية لتوكل القضية لمحقق عانى معناة شخصية في حادثة سابقة تجعلته يدخل هذه القضية بموقف مسبق تجاة المتهم فيها!


تتفاجأ أن جميع الشخصيات الكارتونية تعيش في حي اثني يسمى: حي الكارتون! وكأنه مستوطنة جُمعت فيها هذه الكائنات التي نرى أنها تختلف عنا نحن!

حي له بيئته الخاصة، ظروفه الخاصة، عالمه وقوانينه وأطره، لكنه يعتاش على وظيفة واحدة: الترفية!

نعم، هم في هذا الحي مثل حيوانات السيرك وظيفتها فقط الخروج للقيام بوصلتها للفنية وتعود لمحبسها من جديد، وتستمر في خنوعها دونما محاولة منها للتمرد!


وعلاوة على ذلك استطاع الفيلم أن يشعرنا بالشخصيات الكرتونية شخصيات حقيقية تعيش فعلاً بيننا، لها قوانينها ومبادئها وحياتها الخاصة، تشعر وتحس وتتألم وتحتكم لما تؤمن له، وهي مستعبدة هنا من أجل إسعادنا!


ولعل كون ستيفين سبيلبيرغ انتج هذا الفيلم، اعطاه هذا البعد الخفي كعادة سبيلبيغ في وضع هذه التوليفات الفرايحية وخلفها مسحة من فكرة جادة!

ولا ننسى ايضا أن روبرت زيميكس هو بدوره ميال لهذه النوع من الأفلام العبيطة، فعو كان خلف "العودة إلى المستقبل" و "فوريست قامب" مثلا!

كاتب الفيلم جيفري برسي هو نفسه كاتب فيلم ويل سميث المجنون "الغرب الأمريكي الجامح" وهو ميال لهذه النوعية من الكوميديا الغريبة!

لعل تظافر أمزجة هؤلاء خلف هذا الفيلم الذي يصرخ بعقد الأريعينات، سواء على صعيد قالب النوار الذي ظهر به، او شخصيات عالم الكارتون التي جمعها في حيه الخاص جعلت الفيلم يخرج بهذه النكة التي تستحق الإشادة، أكملها صوت ميل بلانك الذي كان مثل حبة الكرز فوق الكعكة!


The Pink Panther : Pink Tuba-Dore 1971 ميثولوجيا يونانية في قصة وردية !!

The Pink Panther : Pink Tuba-Dore 1971 ميثولوجيا يونانية في قصة وردية !!


في ضيعة صغيرة هادئة شمال ألمانيا، تتصاعد النغمات الشهيرة لعازف البوق الشهير، وهي شهيرة كشهرته ليس لجمالها بل لأنها مصدر إزعاج لهم، فهي تحول هدوء الضيعة إلى ضوضاء، وسكونها إلى صخب، وكبريائها إلى مجون، ومع هذا وذلك يستمر ويستمر ويستمر العازف في العزف !!



يقول الناس في هذه الضيعة، " ماذا يظن هذا الأبله حتى يسمعنا نشازه وترهاته، هل سيكون بيتهوفن جديد أم باخ آخر، نحن أكثر شعوب المعمورة إلماماً بالموسيقى، أوسولت لنفس هذا الشقي أن يبيع الماء في حارة السقاة ؟!! ويله وما يظن !! ".





ضج الناس، حتى غدو لا يخرجون لأعمالهم، حتى ضج عمدة البلد، فأستصدر أمراً بنفي العازف للغابة الخضراء إن تكرر منه هذا، فما كان منه إلا أن خرج من بلدته يجر أذيال نوتاته ومعه بوقه وكلبه صديقه الوحيد وجمهوره الوحيد، ذاك الكلب الذي ما فتئ أن يسمعه شتى النوتات وكأنه إمبراطور النمسا يمرون حوله الموسيقيين بشتى المقطوعات.





مستقرٌ ومتاعٌ إلى حين .. .. هذا ما ظنه على كل حال صديقنا الصغير

رتب أوراقه .. .. واستفاء تحت ظل شجرة .. .. وشرع في العزف :

3 .. 2 .. 1 .. طن طن طن طن طنطرن طنطرن





حتى الكلب المسكين نسي صوته وتحول إلى ذئب .. وبدأ يدفن رأسه في الأرض هروباً بأذنيه من هذا الصخب.





تتصاعد النغمات لأعلى وأعلى حتى رأس الشجرة، وإذ بالنمر الوردي النائم المطمئن لنفسه وحاله، يستيقظ فزعاً،" من ذا الذي سولت له نفسه العبث بسكون الطبيعة وأجوائها، نعم، بلا شك؛ أنه واحد من هؤلاء الذين يظنون أنهم مبدعين، حسنٌ لا بأس، قد فعل هذا العازف خيراً عندما أتى، والله ليذوقن مني هنا أشد مما ذاقه غيره في سالف الزمان".


ومن هنا تبدأ الحكاية !!


حكاية ليست ككل الحكايات .. حكاية العناد والتحدي، والأحلام الوردية والهوائية، والتراشق بالحجارة قبل الكلمات، والإخلاص حتى يطفح الكيل، والانتقام الذي يغدو كعذابٍ مهين.

"كيف باللهِ عليكم أن يجرؤ هذا الوغد على المضي في العزف هاهنا في محل رقودي، ويستمر فيه قرير البال، وأنا لا يطيب لي جفنٌ هنا في الرقود، لكن لا بأس، والله لأعذبنك عذاباً شديداً، وأتخذك هزواً".

هذا كان لسال حال النمر الوردي.





في البداية أكتفا نمرنا العزيز برمي أصيص الورد في بوق العازف حتى يبدو الطمي والطين الخارج منه ما هو إلا بقايا الطين الذي نثره الكلب أثناء دفن رأسه في التراب، حتى يزرع بذرة الفرقة بينهما، ولكن الكلب ظل على وفاءه لسيده.





يستمر العناد من قبل العازف، فيستمر في نشازه، وتتطور الأزمة بينه وبين نمرنا العزيز، وتزيد الفجوة بين صديقنا العازف، وكلبه المخلص، كالفجوة بين نقاطي التالية ... ... .. .. . .





ألا يتوب أو يثوب ؟!! ألا يتقي أحداً ؟!! وبحق ما تقدس الحيوانات لأدبنه أدباً غير هذا الأدب، ولأجلنه يتقين " هكذا كان لسان حال النمر الوردي.

" رباه !! أني وفيٌ لك، وأطوعُ لك من بنانك، لكن لم كل هذا الجفاء والشك من قبلك لي، لا تدخلن على نفسك ما أرى، فإن أمري أصغر من أن يبلغ شيئاً من أمري منك هذا المبلغ، أنني أحبك حتى الآن، فلا تجعلني أكرهك، فغني مسرفٌ في الكره إسرافي في المحبة " هكذا كان لسان حال كلب صديقنا العازف.

آآآه كابوسٌ هذا أم ماذا ؟ كلبي يخونني، وتأتيني الأقدار بشتى أنواع العذابات وكأنني من بني إسرائيل – مع أنني لستُ منهم - ، أجل؛ بلى؛ وربي أنه لكأنه تصريفٌ إلهيِّ، أنت تمنحني الموهبة وحب الموسيقى، وتحرمني من الإبداع والتفرد، وفوق كل هذا تجعل أحقر مخلوقاتك – كلب !! وهو فوق كل ذلك كلبي !! مُلكي !! – يتلهى بي !! ما الذي جنيته حتى استحق كل هذا ؟!! مالي ولنفسي وهذه الأسئلة، سمن كلبك يأكلك، وجوع كلبك يتبعك، نعم، هذه هي القاعدة " هكذا كان لسان حال عازفنا العزيز.





تمضي السويعات .. والسويعاتُ دولٌ .. تُداول بين الناس .. لا دولٌ تقامُ بأيدي الناس

وكلٌ مستمرٌ في ملذاته ... ..





العازف الصغير متسمرٌ في عزفه وعناده وخوفه من كلبه





والنمر الوردي يذيق العازف من ويلات العذاب على رأسه ورأس بوقه الكبير





وكلبنا العزيز يعاني الأمرين من نفور سيده منه، وهو يحاول دونما جدوى أن يثبت له عكس ذلك





.. : .. إلى أن جاء وقتٌ ... : .. : .. : ... كلاً ضاق ذرعاً بالآخر .. : ..





أصر العازف على إكمال معزوفته الأخيرة بكبريائه المكسور، مما دفع النمر الوردي للجنون، كيف سيتخلص من هذا العازف المقيت ؟؟







فلمعت في رأسه فكرة جهنمية لا تليق إلا بجهنميات من يرون أنفسهم أنهم في نفس موضع الآلهة، فقرر أن يملئ البوق بالماء ثم يضع فيه صابوناً للاستحمام، حتى يصنع العازف من عزفه فقاعات يقوم النمر الوردي بفرقعتها لصنع لحناً موازياً لحن العازف المقيت، مما يضع فيه لوناً جمالياً يساعده على السهر مادام لم يستطع النوم بسبب هذا العازف.






وبالفعل تم له ما أراد، ثقل البوق على شفاه ونفس العازف، حتى كاد أن يختنق بسبب الصابون، لكنه مصرٌ على إتمام مقطوعته، فنفث بكل قوةٍ حتى اخرج الصابونة من البوق فقذفها في وجه الكلب المسكين، الذي عزل نفسه بعيداً عن سيده الذي خونه وجافاه، فلامست الصابونة فم الكلب، وداعبت رغوتها فمه وشفتيه،فغدا كأنه زبد البحر، عندها استقر في نفس الكلب الأبية معناً واحداً بعد كل هذا الصبر والمحنه :








..، " أن السيل بلغ زباه " ،..






فانطلق يخانق سيده العازف وينبع في وجهه، والعازف يهرب عنه وكأنه يقول له : " أما كفاك ما صنعت بي، أرحل عني، وأغرب بوجهك عن وجهي " فما كان من العازف إلا أن هرب لداخل البوق صديقه الحنون الوحيد، حتى غرق داخل هذا الحمام من المياه والصابون.







فقط الآن حانت فرصتي في الانتقام " هكذا سولت نفس الكلب الأبية له، فشرع في العزف على البوق حتى خرجت فقاعات من بينها فقاعة تحمل العازف في داخلها، فلما حلقت وجدت ظفر النمر الوردي يفقأها مصدرة صوتاً ساخراً فيعاود السقوط في بركة بوقه من جديد، وعاود الكلب الكرة، فيجد النمر يرحب بفكرة الكلب ويفعل بالفقاعة ما فعله في المرة السابقة، حتى غدا الاثنين يعزفان بالــ " العازف " لحناً شجياً بارداً ساخراً في هذا الليل الجميل ذو الهلال الغامز اللامز، وكأنهما يسطران في ثنايا لحنيهما المثل الخالد " أن الانتقام طبق يلذ أكله بارداً ".



* الإسقاطات في نهاية الحلقة *


سيزيف " أو " سيسيفوس " هو أحدى أشهر الشخصيات في الميثولوجيا اليونانية، وذلك بسبب عصيانه الشديد فتمت معاقبته من قبل آلهة العذاب بعقاب أبدي بان يدحرج الصخرة من سفح أحدى الجبال حتى قمته، فإذا شارف على بلوغ القمة، عادت الصخرة للسفح، وقام بدحرجتها من جديد للأعلى، هكذا للأبد بلا انتهاء، حتى غدت قصته مضرب للأمثال في أنه كل عمل لا طائل منه، أو الأنشطة عديمة الهدف أو غير منتهية أنها [ سيزيفية ] وبالتالي صار " سيزيف " رمزاُ للعذاب الأبدي.

ففي نهاية حلقة النمر الوردي، كان هنالك استلهام وأقتباس حرفيّ وذكي لهذه الأسطورة، وسخرية منها في آنٍ معاً، فإذا كان " النمر الوردي " في أعلى الشجرة هو " زيوس "، و" ظفره " هو " آلهة العذاب "، و" الكلب " الذي يدفن نفسه في الرمل مراراً وتكراراً هو " هايدس " إله العالم السفلي، فإن " العازف " هو " سيزيف "، و" معزوفته " التي يحاول عبثاً إكمالها هي " نشاطه السيزيفي العبثي "، وذهابه وإيابه داخل الفقاعة هي عذابه الأبدي كصخرة سيزيف.

فالنمر الوردي هنا لم يسخر من العازف فقط، بل سخر من أسطورة بحجم هذه الأسطورة اليونانية أيضاً، فكانت سخرية مزدوجة ذات حدين.




- [ حقائق تاريخية وردية ] -


هذه الحلقة أنتجت عام 1971م أي بعد أحد عشر عاماً من ظهر سلسلة حلقات النمر الوردي.

النمر الوردي ظهر للعيان لأول مرة عام 1960م من قبل استوديوهات MGM الأمريكية، وذلك التاريخ يعد عودتها لصناعة الإنمي بعد أن أغلقت استوديوهاتها عام 1957م، إلا أن تاريخ الإغلاق ليس هو التاريخ الفعلي لتوقف MGM عن صناعة الإنميشن، فانه منذ عام 1954م بدأت MGM بعمل أشبه ما يشبه التصفية لمبدعيها في فرع أو قسم الإنمي، كون ذاك القسم لم يعد يحقق تلك الأرباح العالية التي توازي تكاليف صناعة الإنميشن، خصوصاً بعد فترة الكساد التي أعقبتها الحرب العالمية الثانية، وتزامناً مع ظهور التلفزيون – وقد ظهر عام 1948م - ، فصار القسم عبئاً على MGM تدفع ثمنه من تكاليف استوديوهات الأفلام، كان أبرز من خرجوا في تلك الفترة كانا حنّا وباربا مخرجا توم وجيري، وكذلك تيكس آفري الذي أخرج سلسلة طويلة من الحلقات كان دروبي ذاك الكلب الأبيض القصير بطلاً رئيسياً في معظمها.

كانت عودة MGM لصناعة الإنميشن، بعد تحسن صناعة الإنمي في أمريكا، وظهور استديوها جديدة في هذا المجال منافسه، مع تضخم وتعملق العملاق ديزني في مجال الإنميشن حتى بعد وفاه مبدعه.

في نفس السنة – أي سنة 1960م – وقبل أن يدور في خلد MGM أن تعود لصناعة الإنميشن، صنعت فيلم يحمل اسم النمر الوردي، استلهم حكاية الماسة الهندية ذات اللون الوردي والذي يوجد بداخلها خدش أو شطب أو جرح متعرج يخيّل لمن ينظر له من خلال الماسة انه نمر وردي يرقص إذا قمت بتدوير الماسة أو تحريكها، ولهذا سميت هذه الماسة بهذا الاسم، كان من إنتاج MGM ومن إخراج بلاك إدوارد ومن بطولة بيتر سيلرز في دور المفتش كلوزو، طول الفيلم لم يكن هنالك أي شيء له علاقة أو يربط من قريب ولا من بعيد بالنمر الذي نعرفه، فإن اسم الفيلم كان على اسم الماسة، لكن كان تتر البداية للفيلم عبارة عن رسم إنميشن بالكامل لنمر وردي يخرج من وسط ماسة وردية ويهرب منها، فيلاحقه مفتش يرتدي بدلة بنية وجاكيت أصفر طويل، لتنتهي هذي المطارده بفرار النمر الوردي وعدم تمكن المفتش من القبض عليه.

هذا التتر أو المقدمة أحد صخباً في الأوساط السينمائية لسببين :
الأول: لأول مرة أن يقدم تتر لفيلم سينمائي من بطولة ممثلين حقيقيين، أن يكون بكامله رسماً يدوياً إنميشينياً.
والثاني: أنه أول رسم إنميشن لاستوديوهات MGM بعد انقطاع دام حوالي الخمس سنوات.
لهذين السببين حدث صخبٌ في الشارع السينمائي الأمريكي حول ما إذا كانت MGM في نيتها العودة لصناعة الإنميشن، لدرجة انه أحد أبرز النقاد الأمريكيين " روجر آيبرت " قال ( هل نفهم من هذا التتر أنه بمثابة إعلان لمشروع MGM التالي ؟!! وهل نفهم منه أنه عودتها لعالم الإنميشن ؟!! هل هذا معناه أنها تنوي الدخول في سباق المنافسة مع ورن بروز ضد ديزني كما صرحت ورن بروز مؤخراً ؟!! ).

MGM لم تكذب أحلام روجر آيبرت ولا أحلام معجبيها، فقدمت لهم في نفس السنة – أي سنة 1960م – الحلقة الأولى من سلسلة ستعد من أهم وأبرز سلسلات الإنميشن والكارتون في العالم، سميت بالنمر الوردي، وظهرت الحلقة الأولى للعيان في سنة 1960م بعد الفيلم مباشرة، وهذه الحلقة هي الحلقة التي يقوم بها الرجل القصير الأبيض بصبغ بيته بالأزرق، ثم يأتي النمر الوردي ليصبغة بالوردي، ثم تتوالى بينهما الصراعات بين اللونين، حتى ينتهي المطاف بالنمر الوردي ليلون كل شيء بالوردي حتى الرجل الأبيض، والتي سبق وان كتبت تقرير عنها فيما مضى.

الحلقة بالرغم من أنها الحلقة الأولى للمسلسل، إلا أنها لم تنل ترشيحاً للأوسكار كأفضل إنميشن، بل فازت بالجائزة فعلاً، وبهذا يكون النمر الوردي هو أول مسلسل إنمي يفوز بأوسكاراً من أول حلقة، حتى أن الجائزة لم تكن كعادة حفل الأوسكار تندرج تحت مسمى " أفضل فيلم إنميشن " بل كان إسمها " أفضل إنمي يفوز بجائزة من الحلقة الأولى " فكان أغرب وأطول مسمى في تاريخ الأوسكار.

توالت الترشيحات للنمر الوردي بعد هذا، لكن ظل هذا الأوسكار هو الأوسكار الوحيد، لكن لم يكن ترشيحه الأوحد، لكن يكفي النمر الوردي فخراً أنه ليس أول إنمي يحصد جائزة مهمة من الحلقة الأولى، بل هو الإنمي الوحيد الذي فعلها.

كما قلنا كان إنتاج الحلقة عام 1971م، وكان إنتاجها من قبل استوديوهات قناة NBC الأمريكية الشهيرة، بعد أن اشترت حقوق عرض النمر الوردي من MGM الأمريكية ذات الباع الطويل في صناعة الإنميشن، اشترت حق العرض عام 1969م – اشترت حقوق العرض وليس حقوق النمر الوردي - .

في عام 1969م ظهر للوجود ما يعرف بــ " The Pink Panther Show " وكان من قبل قناة NBC الأمريكية، كانت طريقة العرض على طريقة الــ " سيت كوم " أي أن هناك حضور يحضر للأستوديو لمشاهدة على الهواء مباشرة أثناء عرضها على التلفاز، وبالتالي انطباعاتهم وتعليقاتهم وردات فعلهم تظهر أثناء عرض الحلقة على شاشة التلفاز، كانت الفكرة خلاقة وجديدة في عالم الإنميشن ولم تحدث من قبل، وبالتالي كانت أثرها صاعاً ليس على مستوى أمريكا فحسب، بل على حتى مستوى الإيرادات العالمية.

ظهر إلى جانب النمر الوردي في هذه الفترة على قناة NBC المفتش كلوزو – وهو بالمناسبة أول ظهور له كرسم إنميشن – وكذلك " The Aardvark " آكل النمر الأزرق، والذي غدا فيما بعد – إلى جانب المفتش كلوزو – ألد منافسي النمر الوردي، أستمر البرنامج حتى عام 1978م.

في عام 1978م بيعت حقوق عرض النمر الوردي إلى قناة ABC الأمريكية فقامت بعمل برنامج جديد للنمر الوردي سمته " The New Pink Panther Show " وكان عبارة عن إعادة إحياء لبعض أشهر الحلقات القديمة، بالإضافة لحلقات جديدة، مع تغيير الموسيقى التصويرية لها، وظهور شخصيات جديدة – بالإضافة للشخصيات القديمة - وهم " Tijuana Toads/Texas Toads " الضفدعين الذين من ولايتي تاكسيس ونيو مكسيكو، وأيضاً " Misterjaw " سمكتي القرش والبيرانا اللتان ترمزان للجذور الإيطالية وعالم المافيا، وكذلك " Roland and Rattfink " صائدي الجوائز المتخاصمين على الدوام، وأخيراً طائر اللقلق الأصفر الطويل الذي يطارد طائراً أصفراً صغيراً آخر، وغالباً ما يتحول هذا الطائر الأصفر إلى وحش بفعل بعض الظروف القاهرة، عرض بطريقة تقليدية على شاشة التلفزيون، نجح في أمريكا نجاحاً متعثراً متواضعاً وذلك بسبب قله حلقات النمر الوردي والمفتش كلوزو على حساب بقية الشخصيات الكثيرة، حتى غدا ظهور كلوزو يقتصر فقط على الفواصل بين الحلقات، والنمر الوردي كان حلقة أو حلقتين فقط في العرض الواحد، هذا مع تغيير الموسيقى التصويرية والتي كانت لا تناسب برود بعض الشخصيات وبالأخص النمر الوردي، أما في العالمي وبالذات في أوروبا كان بمثابة بداية السقوط، واستمر العرض لثلاث سنوات فقط.

في عام 1980م قررت قناة ABC أن تعاود الكرة وتعوض جزءاً من خسارتها، فقامت بعمل سلسلة جديدة تدعى" The All - New Pink Panther Show " قامت فيه بجمع كل حلقات النمر الوردي ابتداء من حلقات MGM & NBC وانتهاء بحلقات ABC نفسها، مع تغيير الموسيقى التصويرية لها وجعل العرض حكراً على الثلاث شخصيات المهمة وهي النمر الوردي والمفتش كلوزو وآكل النمل الأزرق، والنتيجة كانت خيبة أمل للجميع، وفشل ذريع سوءا في داخل أمريكا نفسها أو في حتى العرض العالمي في أوروبا على وجه الخصوص، استمر حتى منتصف ثمانينات القرن الماضي، إلى أن قامت MGM الشركة الأصلية وصاحبة الحق في النمر الوردي بشراء حقوق النمر الوردي من قناة ABC واحتفظت به لنفسها، فعاد النمر الوردي كالسابق، MGM هي المتصرفة الوحيدة فيه، في إنتاجه وعرضه في آنٍ معاً.

في عام 1990م ظهرت للوجود قناة Cartoon Network للوجود، كان توجه القناة منذ بداية نشأتها هو الاهتمام بكلاسيكيات الإنمي والكارتون حول العالم والأمريكي والأوروبي على وجه الخصوص.

في عام 1993م قدم كلاً من بلاك إدوارد – مخرج سلسلة أفلام النمر الوردي – وكذلك قناة Cartoon Network بعرض لــ MGM بإخراج وعرض سلسلة رسومية كرتونية من إنتاج MGM ويقوم بعرضها كلاً من المتقدمين على شاشات التلفزة، ولــ MGM فيما بعد حرية اعتماد أياً مع العملين ليكون عملاً رسمياً للشخصية.

وبالفعل ظهرت سلسلة بلاك ادوارد " Pink Panther and Pals " قبل سلسلة قناة Cartoon Network ، تعتمد سلسلة ادوارد على أن للنمر الوردي ابناً وابنةً شقيان يقومان بعمل المقالب والمفارقات مع أبناء الشخصيات التي كانت تعادي النمر الوردي، مثل آكل النمر الأزرق وابنه، استلهم ادوارد هذه الفكرة من المخرج الأمريكي ستيفن سبيلبيرغ عندما قام بإخراج " Tiny Toon " وهم أبناء باقز باني ودافي داك وبوركي وبقيه شخصيات " Looney Tunes "، والنتيجة كانت من الفشل بمكان ما جعل بلاك ادوارد ينسى كل شيء متعلق بالنمر الوردي، خصوصاً بعد فشل أفلامه الثلاثة الأخيرة عن النمر الوردي.

Cartoon Network أظهرت سلسلتها في أواخر تسعينيات القرن الماضي، أو على بداية الألفية الجديدة، أسمتها " The Pink Panther Adventures " ظهرت فيهمن الشخصيات القديمة الرجل الأبيض القصير، وكذلك الرجل مفتول العضلات الضخم الطويل، وكذلك آكل النمر الأزرق ونملته الحمراء، وظهرت ثلاث شخصيات جديدة لا تمت لسلسلة النمر الوردي القديم بصلة مطلقاً، وهي شخصية مجرم خبير في فتح الأقفال لكن مساعديه الأحمقين دائماً يبعثران خططه عليه، ولم يظهر المفتش كلوزو.

كانت الحلقة الأولى من السلسة يظهر فيها النمر الوردي بمشيته الباردة المتعالية ذات الخيلاء الصارخ، وهو يذهب لمخرج المسلسل، ويحدثه بلغه الإشارة أنه لا يستطيع أن يتماشى مع عصر السرعة والإنترنيت، وأنه يجب أن يجد حلاً له حتى يستمر في عالم الاستعراض، ثم يظهر له صورة لتشارلي تشابلن وهو يشير لها قائلاً فيما معناه، أنه حتى تشابلن استسلم لهذا التطور، وقام بإخراج أفلام ناطقة كانت من الروعة بمكان حتى أنها عدت أغلبها من تحفه الفنية، فما كان من المخرج الذي كان متوسط الطول وأشيب الشعر، ويلبس حذاءاً كبيراً، وعصى ارستقراطية معقوفة من الأعلى، جاكيتاً قصيراً أسوداً، إلا أن ذهب به للطبيب وأجرى له عمليه جراحية في أحباله الصوتية تمت بنجاح، حتى صار يتكلم واستطاع أن يتواكب مع العصر ويقود السيارات السريعة ويغامر كالمستكشفين الأوائل، من شدة فرحته رقص في العيادة رقصة تشبه رقصة مايكل جاكسون، وفترك المخرج عنده حقيبة أدواته ورحل عنه، ومن هنا بدأت مغامرات النمر الوردي.

كانت النتيجة صاعقة ومذهلة للجميع، لم يتوقع احد أن يعود النمر الوردي بهذه القوة والجبروت والسخرية والكوميديا الشديدة اللاذعة لعالم الكارتون، وكانت الأرباح التي عادت على القناة من العرض المحلي والعالمي هائلة لدرجة انه لما قررت MGM أن توزع أرباح مساهميها في تلك الولاية حصل في الولاية تضخم اقتصادي لقيمة الدولار.

في عام 2004م باعت MGM لقناة Cartoon Network حقاً حصرياً بعرض النمر الوردي على شبكة قنواتها المرئية – سواء في التلفاز أو من خلال الإنترنت – ، وبالتالي يكون النمر الوردي أول حق عرض حصري تحصل عليه القناة لعرض مسلسل معين.

في عام 2006م أصدرت الشركة شركة MGM صندوقين DVD يحوي جميع حلقات النمر الوردي والمفتش كلوزو التي تم عرضها من الستينات وحتى التسعينات، أحدها للنمر الوردي وآخر للمفتش كلوزو.

في فبراير 2007م أقتنيت صندوق حلقات النمر الوردي من مكتبة جرير، وافتعل مشكلة مع البائع روميو الفلبيني هناك لأنهم باعوا كل الكميات من صندوق المفتش كلوزو، مما أتهى بهم لتعويضه بفيلم وثائقي عن النمر الوردي.

في أغسطس 2008م قام أحد الزملاء في الجامعة  بإتلاف الفيلم الوثائقي الخاص بالنمر الوردي، مما جعلني أقذف بدفتر المحاضرات في وجه هذا الزميل، ونعته بأسوأ النعوت، وانتهت علاقة ما كانت لتدوم مع زميل سؤء اتكالي كهذا.

في الثامن من يوليو 2010م كتبت لكم هذه التدوينة متمنياً لقرائها دوام العافية وطول العمر، ومتمنياً للنمر الوردي رغد الحياة وطول البقاء.


~~~ ~~ ~ ~~ ~~~


. - { إحصائيات وردية / خسائر التدوينة } - .


عمر الموضوع المسجل رسمياً في هيئة الإحصاء والمعلومات 6 أشهر، وأشهر جمع قلة.

تمت مشاهدة الحلقة ما يقارب الــ 32 مرة، من بيتها 10 مرات متواصلة كاملة بدون قفزات.

استهلك الموضوع مني كتابةً أربع أيام متواصلة، ستة صفحات من برنامج الورد، ثمانية علب آيس تي خوخ، وعشاءين من مطعم هرفي وماكدونالز العدوان اللدودان، وسهر البارحة دون نومٍ متزن.

استهلكت من هاتفي ما يقارب الــ 400 ريال سعودي مكالمات حول النمر الوردي.

غيرت ملابسي في الجلسة الواحدة فوق الثلاث مرات، أبدأ بثوب النوم، وانتهي شورت وفانلة وكاب.

المكيف في غرفتي لم يتوقف عن الدوران طيلة هذه الأيام.


~~~ ~~ ~ ~~ ~~~


- << كلمتي وردية أخيرة >> -


أقول لنفسي : آن لي أن أترجل وأمد قدمي.




حرَّرَ في
الثلاثاء 1431/6/26هـ
الموافق 2010/6/8 م
الساعة 2:49 ظهراً
المكان : غرفتي



الثلاثاء، 28 ديسمبر 2021

The Ballad of Buster Scruggs or Once Upon a Time coen brothers visited the West

شاهدته وقتها وترددت بالكتابة عنه منذ تلك المشاهدة!

ولعل الخيط الجامع هنا هو عنف المستوطنين الأوائل المؤدي دوما للموت!

وكأن هذا المكان قدر له سلفا أن يكون مقبرة بمساحة ١٠ ملايين كيلو متر مربع اسمها الولايات المتحدة!

نص الفيلم ساحر فهو ينطوي على ٦ حكايات رويت وكأنها قصة موروث شعبي تتناقل على ألسن الناس، تروى لهم في مجالس الحكواتيه او كقصص ما قبل النوم من خلال خلاصة خبرتهم ان صح التعبير خلال هذه الرحلة في صناعة الأفلام، مع استعارات كثيرة من أفلام الغرب الأمريكي للمرور بالحكايات بحقب زمنية مختلفة، يجمعها عنف يتفجر فجأة داخل خالة فوضى لبطل مغمور غير مبالي يحتكم دوما لقناعاته الخاصة وسلاحة طبعا، وكل هذا يصاغ بحوار ساخر كعادة الاخوين كوين.

لكن لعل الفيلم جاء وكأنه مترجماً لكل تلك الرغبة الوردية لنص كتباه منذ خمسة وعشرين عاما ثم رأى النور عبر منصة وعرض سينمائي محدود وكأنه ترجم تلك الرغبة القديمة الدفية للأخوين، لكن مع هذا لم يكن ظهورا متواضعا او انه لم يشد المشاهد لأن تراه او أنك تقف داخلة متسائلا: ما هذا الذي يقدم؟ وما يزيد من مرارة تذوق حلاوة الفيلم هو أن أبرز وأجمل قصتين لم تكونا من كتاباتهما، وانما معالجة لقصص كتاب آخرين، لكنها مرارة الشكولاته السوداء لا الحنظل!

ولعل أكثر قصة تعبيرية من بين القصص التي كتبوها هي قصة "تذكرة الطعام" والتي كأنها جائت لتدخلك في نفق من السوداوية المتحولة من الكوميديا السوداء التي قدموها، وتزداد قتامة مع برودة الجو والحالة التي أمامك، ثم ما تعاود الخروج -كالعادة- للدخول الى القصة التالية!

الجميل في الفيلم، بالرغم من عدم عبور اي شخصية عبر القصص، الا انها بينها هذا الربط الواضح في عبثية الحياة وعشوائية الموت، كما قال محمود درويش:

"فافرَحْ, بأقصى ما استطعتَ من الهدوء,

لأنَّ موتاً طائشاً ضَلَّ الطريقَ إليك

من فرط الزحام وأَجَّلكْ

قَمَرٌ فضوليُّ على الأطلال,

يضحك كالغبيّ

فلا تصدِّقْ أنه يدنو لكي يستقبلَكْ"

ولهذا فالفيلم يسير بك بحكاية بسيطة تلج بك لعالم كتاب الحكايا حتى يزداد الأمر تعقيدا ثم يعود بك لنقطة البداية؛ كما يولد الانسان! جنينا لا روح، ثم جسدا مسجى بلا روح أيضا! وكأن كل شخصيات الفيلم في هذا العالم العبثي كانت دوما تبحث عن معنى لحياتها أو تخلف معنى على الأقل، ولهذا كانت القصة الأخيرة التي قد تبدو للبعث أنها مختلفة عن اخواتها، الا انها تتسق معهم، فهي كلنها رحلة البرزخ، أي التذكرة الأخيرة لعالم سترى فيه أناس ليسوا أواغادا، كان بطل القصة الأولى يبحث عنهم، وكأن هؤلاء الناس عملة نادرة.

هل الأخوين كوين خلال رحلتهم السينمائية الطويلة كانوا يبحثون عن هكذا أشخاص؟

الفيلم يستحق عنوانا فرعيا على الطريقة الكيوبريكية:

The Ballad of Buster Scruggs or Once Upon a Time coen brothers visited the West


حرر في ٢٨ يوليو ٢٠٢١م

الأحد، 26 ديسمبر 2021

The Professor and the Madman - 2019 - هل للغة سيرة ذاتية؟

 في عمل اعادني لمشاهدة جديدة ممتازة مؤخرا لممثلين اقدرهما كثيرا وهما ميل جيبسون وشون بين وفي سياق تاريخي مشاكس يبدع فيه الأول، لكن هذه المرة أتى هذا الطرح مختلفاً!


في حكاية لبروفيسور اسكتلندي متعلم ذاتيا، وجراح أمريكي خدم في الجيش يعاني من الاضطراب الذهاني، يقومان معا بأول محاولة لصنع معجم للغة الإنجليزية!


وكأن نواة هذا المعجم من ابناء خارج القطر الذي يدعي الاصالة دوما فيها وعنده!

لكن الفيلم لم يتوقف هنا، لكنه وازا بين قطبين: قطب معاناة الاستاذ البارع الذي رفضت الجامعة الاعتراف به وبمحاولاته رغم استحقاقة للقيام بالمهمة التي انبرى لها وكانت تختلف عما كان يتصور لها، وبين الجراح المجند الذي يتَّم عائلة ظنا منه أن ربها يطارده لأنه يشبه جنديا وسمه لرفضه للأوامر العسكرية!

وكأن بين هذين القطبين هو وصف لذلك المعجم الذي ظهر من رحم هاتين المعانتين، معجم ظلت له ولادات كثيرة متعثرة حتى كان!

لكن الفيلم لم يكتفي بهذا، فكلما تنفس هذا الاستاذ الصعداء، ازدادت معاناة هذا الجراح سوءا، فشمس تشرق هناك وشمس تغيب هنا، وتزداد الملاحظات على هذا المعجم المولود!

حتى ان اللقاءات بينهما لم تكن تتويجا ولا منتظرة، لكنها مزيدا من المعاناة للرجلين، لكن ظل هنالك خيط خفي جمعهما، ليس احتراما، انما تفهما لهذه الحالة الفريدة من المعاناة التي تخصهما، وانعكست على عملهما الذي خلد اسميهما.

ولكن لماذا معجم للغة؟

احدهما من حديقة منزله، والاخر من عرفة محجره الصحي؟

هل هذه صورة فنية تشبه لوحات فان كوخ؟

هل هذا هو المطلوب من الحالة الفنية؟

ثم ما هو الجذر لكلمة فنية؟

فن؟

متى ظهرت الكلمة أول مرة؟

هل هذا المبحث من الآمال العظيمة التي راودت ديكنز؟

أم أن نقرأ ونكتب فحسب؟

وهنا نستحضر عزيزي القارئ واحدة من أهم مشاهد الفيلم ولكن بطريقة روائية:

" ثم أعطته ورقة وهي تبكي، وقالت إمرأة المغدور: أنا استطيع القراءة بفضلك!"

لماذا هذا المشهد مهم؛ لانه قال لها أن القراءة حرية، واللغة هي الوعاء الذي يحوي هذا المارد ويستحظره كلما اردت له ان يلبي لك أمنية أدبية أو فنية!

ولهذا رسم هذا المجنون لوحة زيتية قاتمة، وخرجت درجة الاستاذية الفخرية لرفيقة للاخر، كناية عن الأثر الاخير الباقي لهما وان لم يكتمل هذا العمل الذي في كل لحظة تخرج له اشكالات جديدة!

"فإذا كان حبا، فماذا إذا؟"

اذا هو البحث عن فردوس ميلتون المفقود!

هذا هو الفيلم!

سيرة ذاتية لمعجم، مرورا بأرث ادبي عن طريق حياة رجلين التقيا فجأة وكليهما يجران ارث قديم، تركاه عند أول مجلد واقفا عند حرف كمفترق طريق "حرف T" كحجر أساس وغادرا وكأن لحظة الفراق هي اغنية ترافق هذا العمل الذي وصماه ببصمتهما كأنها وثيقة ممهورة بالدم!

الأحد، 5 ديسمبر 2021

House of Gucci 2021 - من يملك الأرث؟

هل تعرف معنى الملهاة؟
ليس الضحك بطبيعة الحال، لكن قد تكون السخرية من واقعة ما قد تكون مريرة!

وهل تتحول الملهاة لمأساة؟

مثل ما كان حلاق اشبيلية فيكارو يريد لحب الكونت ألمافيفا والشابة روزينا ان يكون لكن الوصي على روزينا والطامع بأموالها بارتولو لا يريد لهذا العرس ان يتحقق لكن فيكارو يحقق هذا للعاشقين فينتهي الأمر بسعادة، لكن في حال ماوريتسيو وباتريسيا لم يكن كذلك، انتهت بمأساة!
ولهذا كان لحظور هذه المسرحية في خلفية الفيلم واضح جدا اذ ان بارتولو هذه المرة هي باتريسيا نفسها التي وجدت نفسها تنتقل من قاع العالم لسؤدده فآرادت الاستئثار بماوريتسيو او أرثه حقيقة، وكأنها حاجب الملك الذي يريد الاستئثار بالسلطة!
لكن دوما هنالك مخلصين للأرث لكنهم يحققون هذه المعادة الصعبة وان بم يبقى احد من سلالة اصحاب الأرث ليحميه بالنيابة عنهم، فكان دومينيكو دي سول هو فيكارو لكن دوره لم يكن يُنجح الزواج بل أن يحمل هذا الكائن الاسطوري النادر على حد تعبيره ان ينقرض!

ولهذا في اول لقاء جمع بين باتريسيا وباولو كان لبافاروتي في حظور في خلفية اللقاء ايضا باغنية
La donna e mobile
او المرأة متقلبة في اشارة للتحول الذي بدأت فيه وتتغير كحرباء تغير لون حلدها حسب موقعها، لم ترى فيمن قررت ان ترتبط به الا انه مصدر يحقق لها البقاء لي عليين!
فكانت صحوة ماوريتسيو كصحوة الرشيد حين نكب البرامكة علم يقينا انها حبل الأفعى الذي يلتف حول عنقه لن يتركه الا حين يقتلها ويستأصل سمها!
لكن -كما الرشيد في خطأ ولاية العهد- كرر الخطأ عندما اعاد البذخ ليعوض على نفسه من ايام العمر الماضي بمن ظن انها حقا روزينا، لكن لينتهي الأمر عند دومينيكو دي سول ليفعل ما ليس منه بد بتنحية لآخر وريث والإبقاء عليه صوريا، لكن يفاجُه القدر بأجمل هدية من باتريسيا التي ظنت انها بفعلتها هذه ستكون هي الحامية لهذا الارث كما لو كانت ميدوسا الحامية لكنها غدت مثلها فعلا في فتفجر انحرافها الروحي ان صح التعبير مع الاقصاء الذي حضيت به، ولهذا كانت تصر بالمحكمة انها "ليدي جوتشي"

نحن امام سردية لحكاية وريث كأنما سقط في زوبعة التحول لهذه الامبراطورية التي يجب عليها ان تستمر ولا تموت وتبقى راياتها مرفوعة للأبد بأي ثمن، فدفع ثمنه موتا لتبقى العلامة برّاقة وكأنما يطل منها مرتديا اياها كنظارتين!

بقيت اشارة اخيرة اقول عنها ان ريدلي سكوت اجاد في توزيع الادوار بشكل ممتاز ومتناسب مع سير الاحداث واستفاد من كل النجوم الموحودين، لكن ما احب ان اشير اليه ان المخرج هو الذي يصنع الفارق فكما اخرج سيدني لوميت اداء تمثيلي ممتاز من فان ديزل في فيلم ستحدني مذنبا ٢٠٠٦ فكذلك هنا مع مطربة كان قدمت اداء فعلا يستحق الاشادة مقارنه باداء اخر اشيد به لم يرقى للذي شاهدناه
الممثل احد ادوات الفيلم والمخرج الفذ هو من يستطيع ان يدير ويستفيد من كل ادواته اقصى استفادة

جميل ايضا ان تنتهي هذه السنة بفيلم ممتاز مثل هذا كما انتهت سنة ٢٠١٩ بفيلم خالد هو الايرلندي

حرر في ٥ ديسمبر/كانون الأول ٢٠٢١م
الموافق ١ جماد الأول ١٤٤٣
الساعة الواحدة وأربعون دقيقة ظهرا
المكان: مكتبي

الأحد، 7 نوفمبر 2021

عندما قرر المشاهدة...

 أذكر حينها بعد ما زودته بقائمة من أعماله، أنه قال لي: ابي أخلي الإيرلندي أخر شيء!

بعد عدة مشاهدات سكورسيزية، وحديث عن "أنك تحب دينيرو" وعن أوجه التقارب بين الثور الهائج وسائق التاكسي في رحلة العودة من سهرة قرابة الثالثة فجراً، ونختم الجلسة: السواليف ما تزين الا لا خلصت الطلعة!

لكن مع دخله الشتاء، والدخول الثوري للخامس من نوفمبر، كانت هنالك تلك الفكرة المختمرة لمشاهدة الليلة الماضية في سوهو، لكن ابتدرني بالقول: عندك استعداد تشوف الارلندي معي؟ اتصور حان وقته؟

بدون اي تفكير او تردد صرخت: قدام!

هذه اللفظة هي التي دوما كانت مفتاح السر لكل سهرات ومشاهدات الافلام: قدام، حتى غدت كل المشاهدات هي فيلم في حد ذاتها!

أجمل لحظات التعبير هي عندما يحتبس عنك، لا عجزا لكن لروعته لا تجد ما تستطيع ان تصف به، وقد كان!

ففي تلك الليلة ذات النسائم العليلة والباردة، ومعي توفير كل مقومات السهر، من شاي وقهوة ومسليات، اتي لمنزلي، مرحبا ولم نتوقف الا حين قال فرانك: انت الباب مجافى با ابتي، لا توصده!

واغلق باب الكلمات امامه عندما انتهى الفيلم!

ومع ظهور الكادر قلت له: كيف؟

سكت وابتسم!

قلت: علشان تعذرني فيه!

واكملنا السهر فس تلك الحمعة حتى اذن فجر السبت، وفي رحله مع مخرج اختتمها خير ختام، لتظل الجوقة تودد:

So before the light

Hold me again

With all of your might

In the still of the night



الخميس، 28 أكتوبر 2021

أين يكمن سر الحكاية؟ في الكاتب أم في القصة نفسها؟ - The French Dispatch - 2021

إن الشروع في عملية الكتابة لقصة ما هو مثل محاولة التنقيب في منجم أو التحقيق في جريمة، كلا العمليتين تحتاج عين خبير لكشف المستور خلف أكوام الغبار أو الملفات. 

 الفيلم يحكي عن مؤسسة نشر، تجمع هذه القصص التي قد تبدو غير مترابطة ولا تجمعها وحدة موضوعية لتنشرها في هذا السرد الشبيه بلوحة بانورامية عريضة في وسط غرفة المعيشة، لكن في الحقيقة أن الرابط بين كل هذه القصص الثلاث هو تلك العين التي اقتنصت كل هذه القصص، دوما هنالك ما يستحق أن يُروى، وفي هذه الحالة القاسم هنا هو اللمسة الذاتية في كل حكاية كما هي في أفلام ويس اندرسون نفسه! 

 ففي الحكاية الأولى على سبيل المثال ليس المستحق للرواية فيها هو ابداع ذلك الرسام في لوحاته، ولا مسيرته الجنونية التي فتك برجلين ليصير الى سجنه، ولا في شغف ذلك الذي اراد التصدر لاحتواء اعماله رغم انه لم يترك دقيقة الا وكان يهزأ به وبعمله ليعيد كل الفضل له، ولا فكره جنون المبدع، ولا حتى أن ملهمته هي سجانته سيمون، بل كيف أنه حول تلك السجانة التي كانت تتسلط عليه ولم تحبه ولا في لحظة استثنائية وحرمته حتى من محاولة ازهاق روحة في سبيل ان لا يتحول لآلة طباعة لوحات فنية، الى ذلك الجمال الذي بقي في تلك الجداريات الحمراء؟ هل كان سحر ذلك الفن هو اقتناصه للون بشرتها الذي استحال الى تلك الحُمرة في تلك الجداريات؟ وكأن هذا هو أعمق أعماق ما يراه داخل عينيه حينما ينظر إليها؟ لهذا كلما سُئِلَ قال: كيفما تنظر ستجد سيمون؟
جمال هذه الحكاية في ذات القصة أم في اقتناص هذه اللحظة عندما يجيب دوما: اينما تنظر ستجد سيمون؟ هل غدت سيمون سجانه؟ أن انها سجنت ابداعه ضناً بها به؟ أم هو الذي سجنها في الجدارية؟

ثم ننتقل للحكاية التالية: ثورة الشطرنج، وتشارلز دي غول القابع في الخلفية!
حكاية الشاعر الذي يريد أن يكتب بيانا يلقيه لمجموعة الشبان، ففي ظل كل ذلك الكفاح والتغيير المتموج وتصادم اللغتين العنيد ومحاولة اشباع الرغبات المتعددة التي لم تتضح الا حين القيت قنابل مسيلة للدموع برفقة الرصاص المطاطي ولم تصبه، لتحين اللحظة التي ظننت فيها انه سيتضح كل شيء، وحين الاعلان ويحدث الالتماس الكهربائي ويرحل الشاعر ولم يعلن البيان، هل كان الاعلان ضروري؟ أم يكفي رحيل الشاعر لكي يكون أبلغ بيان رغم حياته التي علمت منها ما علمت؟ هُنا الشاعر تحول إلى فكرة كعادة كل الشعراء، فالفكرة والقافية وتكثيف المعنى هو الذي يخلدهم وإن غادرت أرواحهم!
هنا هل كان سر الحكاية هو تلك الصحفية التي زعمت حيادا رغم اقرارها بعدم وجوده؟ في في قصة هذا الشاب نفسه؟ أم اختزال تلك الحكاية في رقعة الشطرنج؟

لعل الجواب يظهر في حكاية مثل قهوة النسكافية، التي كلنا نعلم انها لا تبلغ القمة ولكن قد تغني!
عندما وثق ذلك الكتاب الصراع عندما اختطف ذلك الطفل الصغير وسعى والده خلفه وي قمة المطاردة يتوقف لتناول العشاء فيأتي نسكافية ليمارس طقسه الغريب على حد وصف كاتب الحكاية، ثم يأتي المذيع ليرمي سؤاله المزعج: لم تكتب عن الطعام؟ وكأم يقول له هل هنا مكمن سر الحكاية؟ لكن الجواب لم يكن شافيا وإن أغلق خانة الاجابة.
لكن الطفل في لحظة فارقة من الصراع وبشيفرة مورس يطلب الطباخ ليسقيهم السم على فعلته وينجو هو ويعود لحضن ابيه ويعيش الكل مع النسكافية سعداء، فأين السر هنا؟
لكن يأتي رئيس المؤسسة ويقول: ما المميز في هذه القصة؟ فيرد كاتبها: الحقيقة هنالك صفحة انتزعتها من المقالة ، شيء قاله لي الطباخ بعد ان تماثل للشفاء، ويخرجها من سلة المهملات (مهملات ذاكرة الكاتب) ويريه اياها، هي التي تحتوي اجابة ذلك المذيع واجابة الفيلم برمته!
"كان هنالك طعما لذلك السم، كأن به ملوحة مع تركيز للبهارات!"
فيقول له هنا الحكاية! ونشرت هذه الصفحة المهملة!

بلى مثل تان تان ذلك الصحفي الذي عدت قصصة كأنها رحلة تحقيق ومغامرات فريدة لحكايات لم تتكرر، هنا يكمن سر الحكاية: في الكاتب الذي يرويها!
هو ذات السر الذي وجده مثلا ميلوش فورمان عندما قرأ نص فيلم أماديوس قرر أن يخرجه ليغدو أحد التحف السينمائية!
هنالك دوما في اي حكاية ما يروى أن اقتنصت الجوهرة التي في داخلها.
البحث في الحكاية هو بحث في مكمن السحر الذي يجلعها كلما رويت ازدادت جمالا وبقيت ذكراها على ألسن الناس، حتى لو رحل المبدع فان ما خلفة يبقى أرثا، ولهذا كان التأبين عبارة عن حديث بينهم عنه.
ولعل هذه التدوينة التي كتبت على عُجالة هي محاولة للبحث عن سر هذا السحر الذي خلفه هذا الفيلم.




حرر في 28 اكتوبر/تشرين الاول 2021 الموافق 22 بيع الاول 1443هـ الساعة3:48 صباح الخميس

الثلاثاء، 19 أكتوبر 2021

The Pink Panther - 1960 // النمر الوردي - 1960

The Pink Panther
الحلقة الأولى





الآراء تتشكل عبر الألوان

وليش شرطا ً أن كل لون يعبر رأي فقد يكون في داخل اللون الواحد مجموعة آراء كالعادة تنشد الكمال وفي ثناياها التناقظ مثل مجموعة الإنسان

فالملك والفقير كلاهما عزيز وذليل، كريم وبخيل، ذكي وغبي، يكره قدر ما يحب، ينتقم بقدر ما يبذل، مغرور بقدر ما هو اعجاب بالنفس، وإلا لما صار ناقصا ً ينشد الكمال وسط هذا التناقض، لأنه لو كان إنسانا ً لكان كاملا ً.





هذه هي المقدمة الرائعة التي عبرت عنها أول حلقات النمر الوردي حينما كان زميله القصير يطلي الجدران بالأزرق ذالك اللون الهادئ والمريح القريب للقلب قربي منكم الآن وجد فيه النمر فسادا ً للذوق العام فهو مجرد تجسيد للعفن في الغابات و وسط الطرقات وكأن تنبعث منه رائحة الجيف فقرر أن يهب الإنسانية لونا ً يعبر عن الهدوء ممزوجا ً بالخمول يدعو للدعة والراحة وإن كان يؤذي مشاعر الآخرين وأحدى الحواس الخمس رأئ فيه أشراقة الصباح على جبين جذوع الأشجار في الغابات .. اشراقة صباح جيددة .. صفحة جيدة .. حياة جديدة





تكتشف مع مرور الوقت أن ذلك اللون الأزرق ما فتئ أن تحول إلى مجرد تجسيد لكمية الحقد التي تولدت لدى صديق النمر الوردي الصغير من ذا الذي يعبث بعملي..؟ أوسولت له نفسه ذلك..؟ "

في المقابل أصبح اللون الوردي لدى النمر تعبيرا ً للسكينة النفسية لديه بعد أن قدم للبشرية خدمته العظيمة من وجهة نظره ، كما كان الأزرق سابقا ً يعبر عن الرائحة أصبع فيه دلالة عميقة للحقد البشري تجاة بني جنسها أفراد المملكة الحيوانية ، إلى أن تحول الأمر في النهاية لدى النمر أن في اللون الوردي شعور بتفريغ شحنات الغضب تماما ً كما يفعل الممثل الهادئ في حياته العامة حين يدخل داخل احدى شخصياته العنيفه ليفرغ ما يواجهه في حياته اليومية





أتت النهاية لتؤكد تلك السخرية فعدما قام صديقنا الصغير بدفن كل الألوان الوردية في الأرض ظهرت الحشائش والأشجار بالنمو من جديد وانتعشت الأرض لكن هل أمتلأت بالحياة من جديد..؟


لا





فكل الذي ظهر كان بالون الوردي

احمرار قرص الشمس..زرقة البحر والسماء..خضرة الأرض..صفار الصحراء

كل هذا تحول للوردي والنمر ذهب ليعزل بقية الألوان في مكان ٍ ناء ٍ عن صديقنا الصغير في دلالة ٍ على صعوبة أن يعيش الناس على جبلة واحدة على رأي واحد على منظومة واحدة في تفاصيلها




 حررت هذه التدوينة في سنة ٢٠٠٥ في يوم ما ،اتذكر ظروفه لكني لا اتذكر تاريخه

السبت، 18 سبتمبر 2021

the card counter - 2021 ورهانات المجتمع الخاسرة

كما هو متوقع من فيلم كتبه بول شريدر كاتب سائق التاكسي، لكن هذه المرة انبرى للإخراج لنصه واكتفى مارتن سكورسيزي بانتاج الفيلم. 

 الفيلم يفتح المشهد بحديث للبطل "تيل-بيل" عن لعبة البلاك جاك مع خليط لحديث عن الأيام التي أمضاها في السجن، ليخرج بعدها وليس من همه في الحياة الا دفن هذا الماضي في اعماق اعماق ذاكرته السحيقة كي ينسى، وفي غمرة انعماسه في لعبة الورق بشتى أنواعه في الكازينوهات اذ بصدفة يجد ندوة لرائد سابق في الجيش ليدخلها فيلتقي بابن زميل سابق له في تلك الندوة، ويطلب منه اللقاء ليفصح عن خبيئته للإنتقام لأبيه، فيقنعه بيل بالتوقف لأن هذه محرقه للنفس!
 لكن ذلك الحادث يوقظ في نفسه تلك الذكريات السحيقة لتكتشف أن ذلك السجين ما كان الا جندي أمريكي كان يمارس التعذيب غير المبرر بحق مساجين سجن ابو غريب وللحجة المعتادة: الأمن القومي الأمريكي! وهو يعلم يقينا ان هذا غير صحيح!
 لكن بيل يقرر ان يقنع ابن زميله بعدم الانتقام وان يبدأ حياة جديدة خارج هذه الدوامة، لكن نداء الدم لابد أن ينادي لينصدم أنه اختار الرهان الخاطئ لأنه كان يتحاشى الرهان الأساس، لقرر حينها الانتقام لذاته ولرفيق السلاح وابنه وللمساجين الذي اهانهم ومن المجتمع الذي اصر له ان يلوث يديه عنوه! ذلك المجتمع الذي اكتشف ترافيس بيكل سابقا انه لا يستحق ان يقاتل في فيتنام لاجله، مجتمع تفسخ وانهار ولا يحمل ذات القيم التي قاتل لها، رغم انه شخص في داخله متهتك، هو ذات المجتمع الذي لم يريد لهذا الجندي الذي اختار ان ينعزل مع ذاته في داخل عالم الورق وينزوي على هامش المجتمع، الا ان يسحب لداخل دوامة المستنقع، ولا خيار الا هذا، فكان مصير الرجلين بيكل وتيل أن يطهرا يديهما بدماء هذا المجتمع الذي يتشكل في كل مرة في صورة رجل من المفترض أنه يجسد هذا المجتمع، فمرة يكون سيناتور ومرة رائد في الجيش وهكذا. 

 الفيلم هو اعادة لذات المحاولة القديمة عام ١٩٧٦ فنفس ذلك الفيلم الخالد يصرخ وبقوة، وكيف لا وقد توافق نفس الرفاق القدامى بذات الهم: تنقية المدينة او البلدة او المكان من الفساد، الذي قد يتشكل على اشكال عدة ويتمظهر بتمظهرات مختلفة. 
هو حاول أن يقارب هذه المقاربة خصوصا أن بول مهموم بفكرة الجنود العائدين من الحرب في الأساس، ويحاول من خلال رحلتهم دراسة التغيير الذي حصل فيهم وفي المجتمع. 
الغموض والاثارة في الفيلم ممتازة، والمواقع والتصوير والموسيقى التصويرية معبرة تماما عن حال المقال، والسيناريو مهما كان فمكتوب بترابط قوي والرمزية فيه واضحة ولعل ابرزها هي موضوع تغطية الغرفة بالأغطية البيضاء ولاعب البوكر الذي يدعى: يو اس آي! امريكا التي لا تهزم، لكن هل مجتمعها قد انتصر؟ قدم بول ومارتن نموذج ترافيس بيكل، واليوم قدموا لنا وليام تيل، وما زال يو اس آي يو أس آي يفوز عنوة بكل مقامراته، فما هي المقامرة التالية ومن سيكون الضحية؟ هل لهذا انسحبوا من افغانستان، فانتهى آخر رهان؟

الجمعة، 2 يوليو 2021

كرويلا - 2021

فيلم صنع لتشاهدة إما في قاعة السينما أو في بيتك بمسرح منزلي متكامل، الفيلم يقدم لك تجربة الفيلم التجاري ذي التميز الفني الظاهر سواء على مستوى الكتابة أو الأداء أو الحوارات أو الأفكار. الفيلم استطاع صنع ماضي للشخصية مدقن لكي يكون هنالك استمرارية لهذه الشخصية المختلة. الفيلم أحد أجمل البصمات فيه هي الموسيقى التصويرية كانت منتقاة بعناية من اغنية نانسي سناترا حتى أغنية "ربما" انتهاء بابتسامة تشابلن الخالدة، في كل لحظة تقفز فيها إحدى هذه الأغنيات -وغيرها- لتعبر تمام التعبير عن الحظة. هذا بخلاف أن الفيلم وإن استخدم نجوما بظهور او حوارات قليلة لكنه استعاض عن ذلك بظهورهم المميز المتمركز الذي يغني عن الحديث، أحد هؤلاء مثلا كان المتألق مارك سترونق في شخصية الخادم جون، وهذا يدفعني للقول أن الممثلين كانوا منقين بعناية فائقة وكأن كذلك الحوارات كتبت لهم خصيصا ليتجلوا بها، ولا أجد مثالا يليق بذلك الا مشهد المونولوج الخاص باستيلا وهي تنفصل عن كرويلا تماما عند النافورة العتيقة، وأما البارونة إيما ثومسون فكانت فعلا بارونة الفيلم، أما ملح الفيلم فهو بول ويلتر في شخصية حورس. كنت أقول لم شخصية المحامي روجر لم تعط حقها رقم مظهرها الذي يجبر عينيك التوقف عنده، لكن مشهد ما بعد النهاية بربطه بفيلم ديزني مئة مرقش ومرقش قد ارضى هذا التساؤل قليلاً. كرويلا يعيد الأمل في أن تصنع فيلما تجاريا بقيمة فنية جيدة يجمع لك بينهما.

الأحد، 27 يونيو 2021

عندما يسقط القمر

مُهداة إلى @AlmoatazMHD 


كل ما أتذكره هو أنني كنت أطرب كثيرا لأغنية النهاية لماوكلي فتى الأدغال كما كنت أطرب لصوت ثائرة حويجة في مقدمتها، ويرجع ذلك لصوت آلة الفلوت والعود فيها، أي موسيقى النهاية.

طارق العربي طرقان اسم ارتبط كثيرا في ذهني مثلما ارتبط حسين نازك وحسين قدوري وطالب غالي ووائل أبو نوار وموسى عمار وغيرهم ممن كان لهم اسهام كثير في تشكيل ذاكرة الطفولة وذائقتها معا، ذلك الحس العالي المبكر في الاهتمام بالطفل دونما اسفاف لم تفارق تفاصيله ذاكرتي المتواضة

هذا التعرف يؤدي الى تعرف، وكلما غضت داخل الابداع اكتشفت الى أي درجة يخفي هذا النجم الكبير من طاقة داخلة ومخزون كبير يبثه في تمضهرات مختلفة.

وقد علمت من فترة ليست بالبعيدة أن الفنان رياض قضماني هو احد الاسماء التي تتوارى خلف هذا الابداع مثل اسماء كثيرة في عالم الدوبلاج العربي والكارتون الذي يحمل بين طياته الكثير من المبدعين ممن قدموا من ابداعهم ما شكل هذا الأرث للطفل في أماكن مختلفة من الوطن العربي

وقد علمت أنه على صلة بأحد الأصدقاء وانه يعمل في مجال الديكور، قفز الى رأسي اسم فهد يكن، ذلك الفنان الملتزم الذي انقطع عن الابداع وامتهن مجال الديكور ويقيم في مدينتي: الرياض!

فقلت في نفسي لعلها هي الفرصة في ان اجمع بين المجدين طفولتي بشبابي، وقد كانت الأولى!

كان ذلك اليوم هو السبت وقد تواعدنا عند كهفه الأثير، حيث مكان عمله ومكتبه الصغير، مررت في طريقي على محل حلويات عربية حتى يصبح بيننا "عيش وملح" وعندما نزلنا استقبلنا رياض بحميمية وكأننا نعرف بعضنا من سنين، واختفت كل الفوارق التي بيننا وفقط بقي ثلاثة: رياض وأبا القاسم وأنا!
كانت تلك الجلسة التي تقاسمنا بيننا كل المشترك، من ذكريات العمر الماضي الى حديث الاصدقاء وذكريات الطفولة التي ظننا أنها صارت منا بعيدة، كان حديث هو السحر الحلال ينتقل من الموسيقى للتاريخ منه للأدب والشعر ولعل أغنية تعبر في خلفية حديثنا، مثلما عبرت أغنية عندما يسقط القمر لفهد يكن في ثنايا حديث خلنا انه لم ينتهي، ثم نعاود الرجوع لحنين الأيام المنصرمة ويعاود استحضار أؤلائك الشخوص كأنهم يجلسون معنا الآن، ومع كل افتتاحية حديث ارتشاف لقهوة سادة مع ملعقة من صحن الكنافة الممتد أمامنا، وتتخل كل حكاية ضحكة ممزوجة من جمال الموقف وقد تتخللها سخرية ما، كانت جلسة كما قال الطنطاوي رحمه الله: "أجمل المجالس الأدبية، فوضى"
 كانت من لذتها أنّا لم نعد نستشعر الوقت، ولا يذكرنا الوقت انه حاضر الا حين تحين الصلاة فنضطر للنظر إلى الساعة بذهول، كان أول ما التقينا في الأصيل، والأن قد تشرف الساعة التاسعة ولم نمل، وهل يمل المرء من حديث كلما افتتح زيد فيه وإن لم ينتهي؟ 

علمت حينها أن أبا القاسم قد أهداني هدية عيد ميلادي دونما سابق تخطيط أو معرفة، أجمل الهدايا هي التي تأتي بلا سابق علم، وكذلك هي اللقيا، فما أجمل اللقيا بلا ميعاد!

كتبت مسودتها في 26 يونيو 2021
الموافق 16 ذو القعدة 1442




الجمعة، 21 مايو 2021

Monster - 2004 ورحلة بحث عن الوحش الذي حملته ألمانيا


 

‏الوحش أو مونستر هو قصة عمل يروي حكاية التاريخ عن طريق سرد قصة شخصيات عاشت في الزمن المروى وما هي الا تمظهرات له وانعكاس له بشكل ما او آخر.

طبعا قصة الأنمي البست ثوب حكاية التوأمين الذي انفجر احدهما ليصير قاتلا تسلسلياً بلا هدف او دافع في إشارة واضحة وصارخه  لحكاية المانيا نفسها، بسمارك الذي وحدها (الجندي البوهيمي بلا اسم مهم) هو من نكح أم التوأمين (المانيا) قد تعرف عليها في جامعة مندل "برنو" جاءها ذلك الحبيب الذي عشقها اكثر من نفسه، هتلر (كلاوس بوبي) ، فقسم البلاد خلال كحال التوأمين الذي افترقا، فصار جمعهما يستلزم إعادة صهر للذكريات فحتى بعد اتحاد المانيا وانتحار هتلر (توقف كلاوس عن الإبداع القصصي) لم تتأقلم المانيا الإتحادية مع ذاتها الجديدة لكنها ظلت تعاني‏ لكن كل من حمل لوائها كان يحبها مثل ما حب ذلك الجندي البوهيمي أم التوأمين، ومثلما حبها بونابارتا او كلاوس، وكل الاولاد الذين أتو منه ما هم إلا محاولة لتجديد رؤى فكرية غير الصراع القائم بين الالمانيتين/نينا و يوهان‏ حتى نهاية المشهد، فقصة الإله الذي شاهد وجهه في المرآة فرأى وحشاً، ما هي إلا صورة لجدار برلين الذي قسم الجانبين للعاصمة العجيبة التي حاولت ان تحتوي بقية البلد، لكن بعد كل هذا الانصهار والاستقرار بقية المانيا تكره أوروبا التي تسببت في هذا الانقسام، أو لنقل: من أحبها لتحمل سفاحا: النازية‏ ،حتى تشيكوسلوفاكيا انقسمت، في ظل ذات الحيثية، وهذا يفسر سير القصة في هذا الشريط من اوروبا: المانيا، النمسا والتشيك!

هي قصة للتاريخ البست حكاية شخصيات قدمت في سياق دارمي غارق في الترميز، يحمل في مضامينه شيء ما خلف الصورة كما الشعر به مجاز وتأويل‏.

كمثال: يوهان تصور تام للعدمية، عكس تينما الغائي، وبالتالي كيف تتعاطف مع شخص لا يرى التساوي الا بالموت! الشيء الذي كان رابط بينهم هو صراع فلسفتين تنتميان لما قبل الانقسامين لألمانيا الاولى قبل الحرب الاولى، والانقسام الثاني بعد انهيار النازية! 

وكمثال آخر: بخصوص شخصية ظن الجميع أنها مختلفة مثل غريمر، نعم، هنالك بقية جذوة من انسانية تقاوم داخله، فجعلتنا نشعر ان هنالك ما يميزه عن اقرانه، لكن هي الفكرة هنا في محاولة البقاء من أن تسلب ذاكرته التي يعتبرها روحه، فشتاينر يمثل قمة المعرفة التي يريد أن يراها مثل فاوست، لكنها ليست الروح التي بيعت هذه المرة أنها ذاكرة ومن هنا كان التميز الذي اشار له بونابارتا، لكني اراه مقابل روبيرتو لسبب: أن كليهما خرج من تلك التجربة لمحاولة تطبيق جديدة! الاول حبس المشاعر والثاني اظهارها! فغريمر يريد ان لا يعكس محياه كل ما يشعر به داخله لأنه بدأ ينسى هذا الا من تلك الجذوة، وروبيرتو القتل عنده مثلا ليس غائيا بقدر ما يوفر ذات النشوة التي يخرج منها بعد كل ملذة سواء من اللهو او النساء او خلافه! ولهذا فهما انعكاس للتجربتين اللتين خرجت من رحم ذلك الزخم الكبير من التأطير والتنظير.

 على عكس التوآئم وإن لم تعش آنا ما عاشه يوهان وان تطابقا شكلا، وكذلك حال الارض تتطابق وتختلف في آن، وهنا ايضا ملمح خفي اشار له العمل باستحياء مع الاسف، وهو فكرة ان الاستذكار في حد ذاته ليس مكروها والنسيان الطبيعي جميل، المشكلة في استلاب الذكرى عنوة.

هنا يتحول الناس لكائنات أخرى، ومن هنا يولد المؤدلج: لأنه يحمل كل المضامين التي يحملها كل رفاقه، مثل كندرهايم، كل من خرجوا منه يجمعهم شيء واحد مشترك حتى تيدر! وإن كان تيدر ناجي بشكل مختلف عن السياق المعتاد! 

تمت هذه المراجعة على عجل، وشكرا للمحقق الذي ترك حسابه المنطقي وانطلق خلف خياله لبحث عن طرق الحكاية ليجمع شتاتها وينسجها لأن لونجي كان يمثل شخصية ناوكي أوراساوا نفسه، فهو في اظهاره لنا بهذه الصورة انتمى لكثير من الكتاب والمخرجين الذين يستخدمون شخصية ما لتكون هي التي تنطق بلسانهم واحيانا تكون هي هم فعلا، ومسار التحقيق هو تنبيه للمشاهد انه هنا انتبه! فناوكي اختفى خلف لونجي. 

بقيت نقطة أخيرة قبل الختام بخصوص النهاية إذا نسينا اي بعد اخر خلف الحكاية المسرودة فهي نهاية متواضعة الى سيئة كونها انتهت هكذا. لكن اذا كنت ستضمن في الاعتبار كل التضمينات الي يحملها العمل فستكون نهاية تليق به وجيدة وليس ممتازة فرق ان بين ان تليق به ومتواضعة!

  

تمت على عجل 

16 مايو / أيار2021م


الاثنين، 10 مايو 2021

مناورة الملك!

 تمهيد:

استوحيت هذه القصة من احد يومياتي في لعب الشطرنج مع الرفيق @ThePlissken84 جمعت فيها جزء من يوميات تلك المباراة، مع مسحة خيال جائت كحوارات لنا على ألسنة أحجار الشطرنج


اتركها بين أيديكم!

---‐-------------



القصة:

في تلك الليلة، من ليالي العاصمة الرمادية، تلبدت بالغيم المائل للسمرة، وهب نسيم بارد منخفض، يشعرك بقشعريرة من ان يلامسك، كانا هذين الصديقين قد سرقا وقتا لبعضهما لكي يسرقهم ما جمعهما من الوقت!

جلسا، في احد المقاهي الشهيرة، فيه جانب شعبي، واختارا طاولة خارجية، الثاني احضر الحلوى، يقول: "انها اختيار والدته المفضل"، والاول طلب من النادل القهوة، بعدها بدأت تعصف الدنيا بالمكان، حيث أن الطاولة فيها مجالين تتحرك فيهما الأحداث، مجال سفلي ومجال علوي، وقبل النزول للأسفل، تكلما:

رعد: جميل الحلا، لكنه دسم!
خالد: سنتعشى لا تقلق، لكن نحتاج للتركيز، ودع عنك مشاكساتك المعتادة!
رعد: ههههه افرش الرقعة!

.... بعد مرور ساعتين، وكوبي قهوة احدهما فارغ،
في الأسفل كان هنالك حوار اخر:

الملك: هل سمعت ان الثلج قد يهطل في الصيف؟
الوزير: ها هو قد هطل، ما العمل الان؟
الملك: المشكلة ان دفاعاتنا مكشوفة، فقلب ارض المعركة تتساقط فيه الرؤوس!
الوزير: ولكن الفارس هناك يقوم بعمل جيد!
الملك: لكنه يعاني من الفيل الذي يطارده، وان كان يشاكسه بقفزاته، لكني اريده ان يشكل تهديداً
الوزير: على؟
الملك: تهديد لمجرد التهديد، فظلي الذي ينافسني لطالما كان يبدأ تاليا بعدي، ولهذا انا دوما متفوق عليه بخطوه!
الوزير: انت تحب دوما تعتبره ظلاً لك، وهو يغضب من ذلك، لهذا يسميك أنت الأبرص!
الملك: حتى الأرض التي نتقاتل عليها تعاني برص فعلا، المهم، ماذا نفعل الآن؟
....
في الاعلى:
رعد: دورك!
خالد: حصانك مزعج!
رعد: هذا المطلوب منه!
خالد: الأن حاول أن تنجو من وزيري! - وختمها بابتسامه ساخره-
رعد صمت طويلا، وهو ينظر لهم،
في ذات اللحظة في الاسفل:

شعور يشبه الغيمة خيم عليهم، ثم شخصت ابصارهم وهم يرون يد ترتفع لتحرك وزير المجموعة السوداء!
وصوت قرعه وهو يحاصر الحصار الابيض، مؤلم، رج أركان الرقعة،
الملك: هل رأيتها؟
الوزير: يجدر الآن ان تتبادل موقعك مع هذه القلعة البلهاء، حتى تحاول التشويش على ظلك، وتشتت انتباهه!
الملك: تظن ذلك؟

لكن في الاعلى مجدداً:

رعد: الان دور الفيل الاخر، انه مقابل وزيرك الشقي، فما انت فاعل؟

في الاسفل:

الوزير: ماذا فعلت؟
الملك: هو فعل! هل تظن لي خيار، انت الوحيد الاستثنائي بيننا!
الوزير: لكنه استوقفنا كلنا!
الملك: أولسنا كلنا بيادق على رقعه؟
الوزير: هاه؟ انت تحب هذه الاستعارات، المهم ان ظلك فعلا تراجع!
الملك: لكن انتظر، شيء غريب يحدث!

في الاعلى:

خالد: قد حاصرتني!
رعد: أما أن تنظر أو تنتظر!

في الأسفل:

صوت الظل ينادي الأبرص: الآن سأثأر لهزائمي السابقة! ويا حصاني الأخير أرقص!

الملك: هل سمعته! طواله عمرنا هكذا! خسيس!
الوزير: لهذا كنت قد طلبت منك أن تبدل موقعك مع القلعة البلهاء، هل ستفعل الأن؟
الملك: بلهاء....ااااه قلعة!
القلعة: رهن اشارتك!
الملك: تعالي بجانب الوزير، لعلنا نتدارك أخطائنا الصائبة، وألوذ خلف الجنود الثلاثة!

في الأعلى:

خالد: هربت! هاه؟
رعد: هذا ليس هروباً أنها مناورة بالقوات! - مع ابتسامة ابانت جزء من اسنانه -
خالد: أنت تحب هذه الاستعارات، الأن أنجو منها!
رعد: نسيت الفيل مقابل وزيرك!

في الأسفل:

الملك: أيها الفيل عليك بوزيره التعس!

لكن فجأة تختفي الأيدي من فوقهم!

ملك الظل (الأحجار السوداء) : هل توقف الثلج؟
الملك الأبرص (الأحجار البيضاء) : هذا ليس ثلجاً، أنها اصابع ايديهم التي كانت تتراقص فوقنا، لازلت تصدق أن الثلج سيهطل في الصيف؟
ملك الظل: سأعود يوماً ما ويتحقق نذري وأثأر لهزائمي السابقة!
الملك الأبرص يرسل قهقات استقراطية!
وزيره: لكن انتظر! لم تنتهي الجولة، شيء ما حدث!
الملك: هل تعرف هادم اللذات؟
الوزير: بل حقيقة لا أمزح! توقفت كل شيء فوقنا!

في الأعلى:

خالد وهو يركز في الرقعة!
رعد: اسمع، لملم شتات الطاولة واطلق ساقيت للريح، وأرنا مناوراتك في الهروب للسيارة!
خالد: هاه!

هبت عاصفة ترابية اقتلعت كل الموجودين في المقهى، كنا اقتلعت كل الاحجار من الطاولة لداخلها، وانتهت حكاية هذه النزال من مجال أعلى، حتى حين ...

تمت



السبت، 20 مارس 2021

في معنى انتظار الاكتمال

 ‏مشهد اول:


وقف مهندس الديكور مسندا ظهره مميلا راسه مرتديا قبعة بنية اللون معلقا حقيبة سفر ما بين كتفه الايسر حتى بانت بجانب جنبه الايمن

وبقميصه البنفسجي اسدل فوقه نظاراته ذات الاطار الاسود، حيث يحب ان يعلقها على رقبته،

مكتفا يديه وبنظرة شاردة، مررت به، سلمت فابتسم كأنه غرّبي غريب


‏قلت له:

- ما بك؟

- لا عليك "قالها وهو يزفر"

- اتشكي شيئا؟

- ....


مشهد ثانٍ:


نفس المكان مررت به، ووجدته واقفا في ذات المكان وذات الشرود، ففكرت في ان ارسم اللحظة له على ورقة!

كتبت له:

كتراقص اصابع ضوء قمر بيتهوفن كان شرودك، بدوت كأنك طائر معلق بجناحيه بين شُجيرتين شوكيتا الأوراق


‏انك تريد ان تهلك روحك قبل ان تنهي عملك الذي اتيت له، اتاك مار القى التحية، فلم تلقي له بال

أكنت تريد ان تبقى تنزف وحيدا ايها الطير؟


وثنيت الورقة وقدمتها له!


مشهد ثالث:


مررت في نفس المكان، ولم اجده، لكني وجدت البناء الذي كان يسند له ظهره قد اكتمل!

فهل قطف الثمرة من الورقة؟


السبت، 27 فبراير 2021

مورمانسك - بعد خروج الليل

 ‏إيفان

إيفان

إإييييفااااااان!

- فالتفت علّي من تحت لحافه وقال: "ما بك؟ الا يكفي ضجيج الناس في الخارج!"

- "اهو احتفال ما؟"

- "لا، لكن اليوم الشمس ستشرق من جديد ولن تغيب إلا بعد ستة أشهر!"

- تهللت اساريري وكادت عيني تلمع وانا اقول: "كيف قلت؟"

- "ما بك شمس ستطلع!"

- "يا بارد!"

‏لم يفهم هذا المسكين، ماذا تعني لي الشمس!

صحيحٌ أن في بلادي تشعر كأنها فوهة التنور فوق رأسي، لكنها هي بسمة الفجر واشراقة اليوم وغضب الظهيرة وغمازة وجنة العصرية ومغيبها مثل مغيب الخطيبة اذا جلست لخاطبها بجانب والدها لعله يؤدم بينهما!


نورها.. والسحب التي تحاول حجبها.. لون شعاعها...

‏"كم الساعة إيفان؟"

"الثامنة مساء! "

"تشرق؟ وفي الثامنة؟ مساءً!"

"اييييي دعني انم! أنت غدوت كهؤلاء الأطفال في الخارج"

"اطفال!" 

‏شعرت لوهلة أني ركبت قطار آينشتاين العابر للزمن، شمس وتشرق في المساء؟ هل هذه دنيا أخرى جديدة؟ اخر مرة رأيت الصبية يلعبون في موسكو، وعند ذلك الشاطئ الأسوء عندما استحالت الدنيا البياض، قلت حينها لعله البحر هو الذي جلبهم، كانهم كائنات تقتات على بخار الماء الدافئ جوار الشاطى.

‏وانا مذهول منهش من هذا المشهد، كأنه عرس، فكما نحن نفرح بالبدر في الليلة الظلماء، كان لخروجها كأنه انبعاث للزمن، الان نولد، وكلما نظرت في وجوه الناس، تبينت ذات المعنى لذلك الشاعر الذي يشعل الغضى وهو يرى البدر ساطعاَ فوقه 

‏وسط كل هذا الدفئ من شروقها، ليس لأن شعاعها غير حرارة المكان، بل لا تزال هي تحت الصفر بـ ٤٦ درجة، لكنه دفئ المحب الذي كان كلما طلب حبيبته لم ينلها، قد نال منها وطراً، هو تلك الحميمية بين عملاق رايته مرة في عرشه صباحاً يلمع كانه كوكب صغير كالزهرة ويحاول أن يلمع كالنجم خجلاً

‏وسط كل هذا اتاني إيفان حاملاً فأسه يقول:" خذها! نحتاج أن نحتطب بها!"

قطع صمتي كمراسل صحفي يبث خبرا عاجلاً، وسالته: "هل استأجرت سيارة؟ أرني!"

......

...

صحت - "ما هذه؟ جيب من العهد السوفييتي!"

"المتاح مما هو متاح، اشكر ربك!"

"هذه بقايا ماركسية فيك؟"

"اصعد واسكت!" 

‏ونحن نجمع اكوام الحطب ابتداني إيفان بالحديث:

- "لو لم أعرفك، لقلت انك سوري أو عراقي!"

- "بسبب الحديث عن الشيوعية في ذلك الليل الادهم لستة اشهر؟ لو لم اعرفك لظننتك قوقازيا او تتريا بسبب المامك بتفاصيل كثيرة تخص المسلمين"

-" انتبه وانت تحزمهم"

-"اصمت!حتى الاحتطاب عادة قديمة عندنا"

‏في الطريق:

-" ماذا تريد على العشاء الليلة؟"

-"اي ليلة يا ايفان، الا ترى الشمس؟ كانها الظهيرة والساعة الحادية عشرة وعشر دقائق مساء، اي ليلة؟ "

-"بدأت تظهر عليك الاعراض؟"

-"تظل افضل من الليل المعتم، ثم دعنا نصل للنزل، ونستمتع بهذه الموسيقى الفلكلورية"

-"ما اسمها؟"

-"ليلة في روسيا!" 

‏-" هذا حطب يكفي وزيادة"

-"وإذا لم نكتفي نستخدم أجزاء من هذا المنزل الناجي من العهد البلشفي"

-"ظريف"

- 😂 

‏-"لا لاااااااااا ارجوك بدات اشعر اني ساتنفس من خياشيم تظهر في رقبتي الآن"

-"ولكنه سمكٌ بحري هذه المرة"

-"السمك هو السمك ان شاء الله جئت به من البحيرات المجمدة، ارجوك، أريد لحماً"

-"وهذا؟"

-"اعطه لطيور النورس البغيضة البيضاء"

-"احضر الطنجرة"

-"ما هذا؟ ما هـ ذا؟ "

-! 

‏-"لن آكل منها، ولن آكل سمكاً بالذات، فسفور واشعاع مستحيل!"

-"ولكن الميناء نجى من الحرب حينها"

-"اصمت، هذه القدر السوفييتية لن آكل منها، ثم من اين تأتي بهذه الأشياء، الحقيقة، منذ أن شاهدت السيارة وأنا انقطعت سبل الرجاء منك"

-"والآن ماذا تريد؟"

-"ساعتي..لم يأتي الفجر!"

-"اتت شمس! "

‏جلست في زاوية الغرفة، واضعا يدي بين فهذي، محاولا تأمل المكان، وإيفان البارد يعد طعام النورس، وأنا أحاول أن أعيد ترتيب اوراقي في مكان استحال الى صفرة أقرب لقشر البرتقال من شمس تشع كأنها العصر والساعة تشير للخامسة فجراً.

‏ألد أعدائي هُنا ساعة، عقرب يلدغ وقتاً تجتره سماً، ولا تدور الأرض، لكن رأسك هي التي دارت بك!


اخذتها، وخرجت مسرعاً للمرج خارج المكان وكأني خارج من الزمان، رميتها وقلت كما قال:

بم؟ التعلل لا أهل ولا وطن

ولم ارى لمعتها وهي تختفي اسفل المرج

وتذكرت لحنا قديما صدح حينها رأيته يواسيني