الأحد، 28 يونيو 2020

مذكرات النينجا الأخير

شقراء، وذات مبسم عريض، لم تتجاوز التاسعة والعشرين ولم يزد طولها عن مائة وأربعة وخمسين، كانت تسكن عنده في منزله الخشبي المتواضع.
لم يكن يعرها اهتماماً، مع أنها كانت توليه الإهتمام بمتابعة اخباره وما يقول وما يصرح به، حتى حروبه الصغيرة مع القبائل الأخرى كانت تنظر لها، وتتمعن بها.
حتى كان ذلك اليوم الذي رأته يدون ذكراه عن ذلك النينجا المحارب التليد، الذي أفزع حاكم الاقطاع الجديد فراح يصرخ عند والده: "كيف عاد هذا من عالم الموتى"!
كان يكتب تلك الكلمات ويديه الصغيرتين ترتعشان، وكانت اللون الاحمر يغطي المنضدة، لكن لما تمنعت وجدته يمهر كل شيء بلون الدم: الأحمر.

أغلقت اللفافة التي كانت معنونه بـ: مذكرات النينجا الأخير! 

الجمعة، 26 يونيو 2020

الإعتقاد

الإهداء:

لـ @EchoSiren_ إذ ان نصها كان جزءاً منه ضمنته هذه الحكاية فهو الذي الهمني أن أعيد كتابته وأعدل فيه بتصرف! 

------------------------

اليقين: هو التسليم دونما انتظار شيء جديد، لانها هذا البرد الذي فيه هو ما يهون عليك تعب الأيام. 

عدت للبيت وفتحت صندوق البريد ووجدت وسالة ممهورة باسم: غصن! 

فتحنها فإذ بها تذكرة سفر على متن القطار، للمدينة القريبة منا، فأخذتها واتجهت لمحطة القطار وسط البلد. 

ما إن وقلت ومددت يدي إلى جيبي وجدت أن الموعد المضروب عليها قد فات، فاستغربت فذهبت لموظف الصالة اسأله، فأفادني أن لعل مرسلها لك قد ترك لك شيئاً في صندوق إمانات المحطة. 
تركته وانصرف لهناك وتذكرت ان المفتاح ليس معي فلا طائل من هذا، فذهبت لأبتاع شيئاً بارداً وجلست على طاولة في تلك الكافتيريا، فبينما أنا أتأمل المسافرين إذ جلس رجل بجانبي يلهث، وبعثر الحاجيات ومنظره رث، ثم قال: "هلا اعنتني بشربة ماء؟" فاعطيته قارورتي ورحت لابتاع واحدة جديدة لي. 
إلتفت إلي أمين الصندوق وقال:
"تحدثت مع هذا شخص قبل ساعات، كان منظره عجيباً، أأنت على قيد الحياة؟ فأشار للمنديل واخرج قلماً، فآجاني وأجابني بحسب ماتتضمنه اللحظة كاتبًا (على حسب) على المنديل! 
تسائلت بناء على هذه اللحظة ماهي الأجابة ياصاح؟ فكتب: "أعتقد نعم!"
قلت: فقط! ولكنه تحدث معي! 
عدت أدراجي وجلست بجانبه، وانا اشرب الشاى، وقلت له: اتعرف رسالة فيكتور هوجو التي لم تتضمن الا علامة استفهام؟ فتبسم! وبدأنا رحلة الحديث عن فلسفة الأعتقاد التي حقيقة أثيرت في لحظتها دون استناد فلسفي مكتوب أو مرجع كتبادل الآراء، فسألته إذا كان الأعتقاد متعدد من الخيارات المطروحة حينما نعتقد أن كذلك أم ليس بذلك أن اعتقادنا حقيقة أم افتراض، قال -وقد خلع نظارته الشمسية، فقد كان كريم العين- هل تعلم أنني قرأت أن الاعتقادات تميل للحقيقة الكامنة بالأجابات وأننا نخطئ استخدامها ....
- ماعلينا، كيف حالك؟ 
- اعتقد أن مش كويس، اعتقادي هنا حقيقة أم افتراض؟ سائل بتحري! 
- ليش؟ 
- شف هالتذكرة، بالأخير موعدها طلع فايت ولكن قالي حق التذاكر يمكن به شيء بصندوق الأمانات لكن كيف وأنا ما معي مفتاح، المشكلة انها جتن برسالة موقعة من غصون! 
- كان يومك متعب؟ 
- ايه بس وشدخل؟ 
- لأنك متلطم فافترض انك ناسي كمامتك! 
- طيب؟ 
- عموماً مب بالضرورة أنها لك، وممكن جتك بالغلط! 
- هذا إعتقاد والا افتراض؟ 
- لا يمنع هذا من هذا، وترى الأشجار تستغل العواصف للتخلص من غصونها الزائفة! 
انتقلنا لمكتب التحريات لعلهم يجدون حلاً، وبالفعل اتو بالمفتاح الاحتياطي وفتحوا صندوق الأمانة، فوجدت قصاصة من ديوان شعري تقول:
"وليكن ...
بدَّ لي أن أرفض الموت
وأن أحرق دمع الأغنيات الراعفة
وأعرّي شجر الزيتون من كل الغصون الزائفة
فإذا كنت أُغني للفرحْ
خلف أجفان العيون الخائفة
فلأنَّ العاصفة
وعدتني بنبيذ... وبأنخاب جديدة
وبأقواس قزح
ولأن العاصفة
كَنست صوت العصافير البليدة
والغصون المستعارة
عن جذوع الشجرات الواقفة"
لما عرفت النص ضحكت والتفت فإذا ذلك الرث قد تركني ليلملم حاجياته من الكافتريا، وانت طفقت الملم قصاصات الديوان وخرجت لمنزلي وانا اعيد تشغيل هذه القصيدة في السيارة

- استمتعت بالحديث كثيرًا 
أعتقد 💬
وأنت عزيزي؟ 🤗


الجمعة، 19 يونيو 2020

في مجيء الغداء ...

تمهيد :

كثيرة هي اليوميات التي تستحق أن نلتقطها، وبعضها من تكرارها ورتابتها تحتاج لعين حذقة لتلتقط مكمن الجمال فيها، ولأن أُمورنا اليومية مكرورة فهي مملولة، فلذة العيش أن تختلس هكذا لحظات لتوثقها، لتصبح صورة شعرية مكثفة قد تتلقفها عدسة مصور يوماً ما. 


النص:

كانت الساعة تشير للواحدة، وكان الجوع قد بلغ منا مبلغاً عظيماً، منا من تناول إفطاره مبكراً جداً، ومنا من لم يتناول هذه الوجبة، ودخلنا معترك اليوم منهمكين لم نشعر بالوقت!

- يا ولد الساعة وحدة، كنت احسبها ١١ "قلت الزملاء" 
- علشان كذا اخلص، خل تتغذى أو نقزرها قهوة وتمر "قال الثاني الذي يبدو أنه الأكبر سناً، قد لعب الشيب في شعره رغم أنه لم يتجاوز الرابعة والثلاثون" 
- تبون البيك؟ "اقتراح من الاصغر والذي يبدو كحديث تخرج، بالرغم أنه دخل الثلاثين تواً"

وتم ذلك حتى ما كادت تشير الساعة الثانية حتى وصل الطعام، فنزل صاحب الحكاية التي أروي ليصعد بالطلب، في ظل الكورونا لا يمكن أن نتكل على غريب يلمس حاجياتنا. 

خرج مسرعا، يبدو من فرط جوعه، لكنه عاد ومحياه باسم، ويريد ان يشغل نفسه بقصص جانبية لا معنى لها، وكان أول شخص فينا أنهى وجبة غدائه وذهب ليعد له إبريق شاي، ثم قال وهو يستعد لشرب أول جرعة منه:

"ليتكم ما طلبتم البيك، وليتي ما نزلت، ما شفتوها، كانت صبية صغيرة كأنها الكادي إذا سقي الماء، يملأها الحياة، وكأنها للتو ولدت للحياة، ثم دخلت معتركها ببراءة الفتيات ذواتي الطموح الوردي، ومضها وضاء كنجم تلألأ في كبد السماء، وابتعدت عندي وأنا آخذ أكياس الطعام، وكأنها ارتحلت خلف التلال، الحقيقة أنها جلست بجانب الكرسي عند جهاز تفتيش مدخل البناء، كان كل شيء فيها محتشم، لولا بشاعة كمام الكورونا، لتذكرت الدارمي إذ يقول: قل للميلحة في الخمار الأسود..."

وظل مسترسلا وهو يروي تلك اللحظة الحالمة، ونحن نقول له:" وش بلاك سمالله عليك!! وبضحكات ساخرة" ويرد علينا ويقول:" للغنى اشكال عدة، لكن ألا يتحرك فيك شيء ما إذا شاهدت شيئاً ملفتاً، كجمال الرشا وهو يقفز فرحاً، هكذا كان قلبي عندما شاهد الريم، فنسي المكان، ونسج الشعور وسط الحكاية!
ولكني في مشاعر موازية مستغني لكن لعلها اللحظة التي فقز فيها الاديب داخلي، وإن نظر لظباء مكة فصيدهن حرام إلا في الحل".

- كمل شاهيك كمل، وخل نخلص شغلنا ونروح لعيالنا "قلنا له وحنا نضحك كلنا وهو معنا" 

اعجبتني هذه الصورة، وقررت إلتقاطها فوتوغرافياً لتوثيقها، لأن الحكاية كلما رُوِيَت صارت أجمل وأكثر سحراً


تمت


الاثنين، 15 يونيو 2020

حتى يسحن الحليب..

في صباح يوم الأثنين..
استيقضت لعملي كالمعتاد، لكني هرع اليه لتأخري عنه بسبب غلبة النوم الذي يجافينا سلطانه عادة، المهم اني منذ ان وصلت لم ادخل مباشرة لكني ذهبت لشراء الحليب الطازج صباحا من الدكان، وهناك جائني هاتف يقول:

"انه في ظل إعياء ألم به تبعثرت افكاره رغم جماليتها، فهل تحيك لي كنزتها؟"
فقلت له: "انت كصاحب إمرئ القيس الذي بكى دون الدرب، لكن هذه البعثرة تجتاحنا جميعا، فاذا اردت شاركني يا هاتفي بعضا من اعيائك فإني هرع، حتى لا ادخل في خمول ما بعد الانغماس في العمل"

فخرجت ودخلت لمطبخ الصغير الذي بجانب ادارتنا الصغيرة ووضعت الحليب على النار، فعاودني الهاتف :

" هل لإختفاء الفكرة المركزية التي نربطها دور؟ "

وما ان اودت الاسترسال حتى انسكب الحليب من فورانه، وضاع كل هذا الهاتف في لملمة الشتات، شتات الفكرة وكوب القهوة المفترض مع الحليب


رباه! 

الأحد، 14 يونيو 2020

مالك النزل المهجور الحزين

مشيت حتى بلغت المنتهى
هُناك عند نهاية الطريق لذلك النزل الذي بدت على جنباته هاله تحيط به والمكان، ساد صمت المكان، ثم بدأت أتحسس الأشياء...


صمتاً صمتاً...  - صوت في داخلي صاح -
- يا هذا الطارق! 
- أوششش ضوضائك تفزعني وتقض مضجعي، فأرجع لا تفجعني وتحرمني النسيان، يا غريباً عني لا ادري أي قدر بعث بك إلي؟

من ذلك الظلام الاسمر، اذ شعشع من فتحت الباب نوراً أبيضاً وكانه يرقبني ويرقب الزائز الذي رأيت، لعل احدنا كان هو الذي استفز المكان!
لكن ما جال في خاطري أنه كان يرقبنا، هل يعلم اني اتيت من رحلة طويلة؟

- انظر! - والتفت يميني- ذلك السخيف، صانع الأقفال!

فاستحالت سمرة الظلام لسواد، اذ ان النور الابيض قد اختفى، ترى اي سرٍ يحمله ذلك الذي يرقب؟ ومم كان يجفل؟ وعن أي شيء كان يبحث؟
المهم ان ذلك الصانع قام بعمله ونحن نرقب مندهشين، لكنه نسي مفتاح القفل فعاد وترك الباب وقفله مفتوحا، فاشرقت شمسنا فرحة حتى نرى ذلك الشيء العجيب!

فتزوت بجعبتي، زادي ورصاصي: "استأتين معي؟"
- لم ترى فرشاتي، كانت هنا؟
- شتجدين غيرها في الداخل المهم هو القلم!

ومشينا بقلب متسارع وخُطى بطيئة، لست مجبراً على هذا، لست مجبراً ابداً! كنت أعد نفسي للسفر، لا استطيع أن اخدم كل الناس!
- لكنه الفضول! "هذا قالت وبدون مقدمات، وكأنها تعرف خبيئة صدري"

بدى الباب كانه ستار حريري ذو لونٍ أرجواني فما إن لمسته حتى ملأتني مخاوف رائعة لم استشعرها من قبل، وتلبدت سماء المكان، وكان طيف يحوم عند مرسم توسط فناء هذه الردهة، فتقدمت وبدأ البيانو بالعزف، وهي طفقت تجمع الادوات!

" ويكون أن يأتي يأتي مع الشمس 
شيء روائعه بلا حد
شيء يسمى في الأغاني طائر الرعد "

فسمعنا صوت الرعد يلف المكان، فخرجنا هلعين وكأن الشمس كسفت من الظلمة، وقد اختفى الباب الارجواني، وخرجنا وعلى اصوات الرعد، لا برق يضيء ولا مطر يهطل، لكن تحسسنا اجسادنا.

"بلى بخير" وانزوينا لشجرة الدراق البعيدة التي تطل من بعيد على النزل، فوق هضبة صغيرة، وغططنا في نوم عميق!

عندما استيقضت، وجدت في جانبي قفل ومفتاح ورسالة، كتب فيها:
" يوما ما ستدرك يا وطن أن ذلك الثائر أحبك أكثر من هؤلاء الثرثارين"

غرفة رقم ٦٦٦ - كانت معلقة على المفتاح - 


السبت، 13 يونيو 2020

رسالة بخط يدي!

استل ريشته وغمسها في دواة الجبر وانشأ يقول:

" دائماً سعيت أن لا أخلف خلفي ذكريات عن الأشياء، لا احقاد ولا أهداف، هذه الأشياء هي لمن لديهم رغبة في الحياة!
كل رحيل لمن كان في المحيط القريب، كد يكون نهاية خط لهذه العلاقة، لكن ليس لمنشئيها، أعلم أنه التواصل بيننا قد انقطع، لكني لا احمل جريرة ذلك وحدي!
آثرت عن طيب خاطر أن أحيا منكسرا من التوتر الدلوماسي الذي كان أن يعيد الرابطة، على أن أكون في فزع من سيء هو كتهشمها!
كانت كل المبادرات تنتهي في زاوية محارب الساموراي، الهاراكيري هو الحل الذي تريد، ولكنه الحد الذي تستيقظ فيه غرائزي!
نظن ان ما بقي من العمر طويل، لكن ليس كذلك، فإن كان لك مني حاجة، فالحمام الزاجل بيننا ينقل الرسائل حتى المشفرة! "


الجمعة، 12 يونيو 2020

هيا جارتا لو تشعرين بحالي!

- أنت من جديد "وبدت على محياه بسمة مشرقة"
- لكنك تجيد لغة الطير أفضل من أبي فراس.
- وهل لاح لأبي فراس طيراً أزرقاً مثلك! زقزقته احرف، وتغريداته كلام!
- لكنها لعنة الشعر والتاج ومقاتل الرجال!
- دعي عنك هذا الحديث وقولي لي: ما أخبار القوم؟
- متصدرين للفتوى في كل شأن، ومن الجميل أنك آثرت السلامة وبقيت في محبسك!
- صومعتي يا هذه! أهذا محبس؟ "وأشار إلى شيء معلق بالجدار"
- أمازلت تحتفظ به؟
- وهل يسعني الا هذا؟
- أنت كثير الحنين؟
- ربما، وأنتِ؟
- انا سأعود، لأني لم اعتق من هذا الحزن إلا حين عاد؟
- حقا؟ عاد بشعره ام بتاجه؟
- بشعره فقط!
- هذا ما أخرجك، وتنتظرين السجين الجديد!

وغادر كلا منهما في حاله يرتحل! 

اتعلمين أي حزنٍ يبعث المطر؟

أتعلمين أنه السياب!
رأيته عند الخليج يذوي، رأيته يموت!
وعُزِفَ ناي في تلك الساعة!

تلك هي الحالة التي تعتري الفاقد، هذا الرحيل الحتمي من محطة السفر في هذه الدنيا، كل مدينة نعيش فيها ما هي الا محطة قطار كبيرة لنا جميعا ننتطر فيها قطار الموت يحملنا. 
سواء كانت يورك الجديدة ام القديمة، او كانت جو اليمامة او الرياض، الامر سيان، فم رحلوا ونحن حلمتنا الولادة للمحطة التي في المنتصف للرحلة التالية!
فهذه الرحلة الطويلة تحمل فيها من الامتعة والحقائب ما تعيه وما لم تعيه، شهور السفر الدائم هذا مقلق، فكيف اذا كنت تقطن في عدة محطات، وكان أيضاً عملك هو بين محطات أُخر؟ 

أحياناً تُكبلنا الحياة فنحاول الهروب من الاغلال، لكن عبثاً فهي فينا، وكل محاولاتنا هذه ما هي الا رأس النعامة المدفون، ما أن نستشعر انتهاء الخطر المزيف، تعاوتنا - الاغلال - من جديد؛ لأننها لا نريد المواجهة، ونفظل الهروب علينا، ثم نتستر بالمشاعر الزائفة! 
كل شيء مزيف في داخله مسحة حقيقة، لكن نراكم الزيف حتى لا نراه! 

- لكنك لم تقل لي، لم هذه الاستعارة للسياب؟ 
- لم هذه الاستعارة؟ هه! 
لكي لا تحترقي وانتي تنتظري المزيد!


~~~ ويهطل المطر ليسدل الستار. 

الاثنين، 8 يونيو 2020

Lincoln ‎...، والسؤال لا يزال حائر !


 


في الرابع والعشرين من جولاي 2013 ميلادية أنتهيت من مشاهدة فيلم لينكون لستيفين سبيلبيرغ ومن من بطولة دانيال دي لويس، عندما ظهر كريدت النهاية قلت في نفسي: " هذا الفيلم ليس فيلما عظيماً عن شخص عظيم! ".

بلى؛ ليس فيلماً عظيماً، لكنه سرد مختلف قائم على ثلاثة أمور:
الفكرة
الأداء
واقتطاع حقبة تاريخية محددة من حياته لتوثيقها

أما الحقبة التاريخية المقتطعة، فهي فترة تمرير تعديل المادة 13 من الدستور في البرلمان والخاصة بالعبودية، وإثارة السؤال التاريخي حول ما إذا كان إصرار لينكون حول الأمر حينها هو السبب في استمرار ويلات الحرب الأمريكية، أو أن تأجيل هذا التعديل من الممكن حسمه في المستقبل الأمريكي القادم بعد توقف الحرب.

كانت الفترة مختارة بعناية وبذكاء، والسير في جنباتها مع لينكون حتى منتهى الذروة كان كفيلاً لنقل المشهد من زاويته هو ونظرته للأمر، أليس كل عظماء التاريخ إذا قرروا أمراً بذلوا له كل المبررات والسبل والوسائل؟! هذا كان لسان حال من هم حول لينكون.

الفيلم أتى مثل صورة كـ Flashback، ومحاولة صنع وثيقة مصورة درامية لحقبة محددة من تاريخ لينكون تدفعنا للتساؤل من جديد:
هل عرفنا لينكون؟
هل عرف الأمريكيين لينكون؟
هل لينكون كان واثق من كل ما كان يفعله؟
وكل تلك الأسئلة كانت تظهر وتطفو على سطح شاشة المشاهد، كانت الصورة معبرة والألوان جميلة والديكورات والملابس منتقاه بعناية، وهذا ما يميز سبيلبيرغ تلك الصورة الشاعرية المبهرة، ولا شيء غير ذلك.

أما الأداء فكان هو الشيء الأبر والذي أنقذ فيلماً أعرجاً طويلاً من السقوط في مهالك الملل، كان أبرزهم بالنسبة لي هو الأداء الخلاق والرائع للممثل توملي جونز ذاك النائب المناضل الثائر الشرس صاحب الباع الطويل في السياسة الذي استسلم أخيراً امام خيار المساواة الكاملة إلى خيار المساواة أمام القانون ليس إلا، فقط " لنمرر التعديل عبر البرلمان! ".

بالنسبة لدانيال دي لويس فقد كان متمكن من الشخصية ومن جوانبها..إيهابها..حضورها..إلا أداءه بالرغم من تمكنه من الأمساك بخيوط الشخصية، إلا أن به فتور ما يجل ضوء الكنيك العالي للأداء يخبو، يظهر ذلك جلياً في بدايات كل مشهد جديد لدي لويس، تشعر انه عندما يبدأ وكأنه سأل: " هل أدرتم الكاميرا؟ " ربما بسبب التكنيك المسرحي الذي استخدمه والذي يعرف بــ " البناء والهدم " والذي يجعل الممثل في حالة بناء وهدم مستمرة للشخصية، وفي كل مرة يصورها وكأنه يصورها لأول مرة، له علاقة بذلك؟ ربما! لا أدري، لكني على يقين ان دي لويس ممثل له باع طويل في التمثيل، ولربما هذا الذي جعلني عندما رأيت دي لويس يستلم الأوسكار كان في نفسي من المشهد شيءٌ منه لم يندمل، لكن دي لويس فعلها للمرة الثالثة.

أعظم ما الفيلم والتي تشفعت للفيلم عندي هي فكرته!
هل لينكون كان على يقين مما يفعل ؟
كثير من العظماء عندما يتخذون قراراتهم التاريخية التي يقررون فيها مصيرهم ومصير من حولهم، يتخذونها وهم في كامل قواهم العقلية، لا مبالين بأحد ولا يتراجعون، " يجب أن يكون هكذا " هذا لسان حالهم، فإذا سكنوا إلى نفوسهم، تفكروا، وأعادوا السؤال من جديد: هل ما فعلناه هو الحق؟ أم هو الوهم ؟ هل نحن أُمةٌ في رجل ؟ أم رجلٌ في أُمةٌ ؟ من نحن ؟ وماذا نفعل هنا ؟ وتثار كُل تلك الأسئلة في وجدانهم..ويراجعون..ويقلبون تلك الأسئلة من جديد لتتفتق عن اسئلة جديدة..حتى إذا انجلى ذلك اليوم الحائر، وأصبحوا على من حولهم في اليوم التالي، وجد الناس عظيمهم متمسك برأييه بعزيمةٍ أكبر، هم لم يكونوا أصناماً بل بشراً، حتى الطغاة يحتارون، فهل لينكون كان طاغية ؟!
وما الطغيان ؟
في عرف الناس .. في عرف الدين .. في عرف التاريخ .. في عرف المنطق ؟
عندما يستغني الإنسان يطغى! ولهذا يحتار!
والعظماء يستغنون برأيهم عن الناس، ولهذا يحتارون! 
أهم وأعظم مشهد في الفيلم بالنسبة لي والذي يجسد ما قلته قبل قليل، هو اللحظة التي قبل فيها لينكون زيارة مفوضين ريتشموند الجنوبيين للسلام، فأراد إرسال برقية للملازم غرانت بذلك أنه لا يمانع بزيارتهم لواشنطون العاصمة على أن يبقى هو والجيش على أهبة الإستعداد ...

عندما التفت موظف البريد للرئيس وقال له: " هل أرسل البرقية يا سيدي ؟ "
رد عليه الرئيس بعد صمتٍ طويل: " هل تعتقد أننا أخترنا أن نولد ؟ "
رد موظف البريد: " لا أفترض ذلك "
الرئيس: " هل نحن ملائمون للأوقات التي ولدنا بها ؟ "
موظف البريد: " أنا لا أدري عن نفسي .. أنت .. ربما .. "
الرئيس ملتفتاً لموظف البريد الآخر: " ماذا تعتقد أنت ؟ "
 رد الموظف الآخر:" أنا مهندس! "
الرئيس:" لربما قرأت عن نطريات أقليدس في الرياضيات أيها المهندس، يفترض ان كل شيء بدأ بالتساوي....البداية كانت بالمساواة..، أليس كذلك؟ المساواة هي العدل..، أليس كذلك ؟ "

ويظل حائر، يريد لمن يؤكد له ما هو متأكد مما يفعله، ولكنه لا يريد الإجابة؛ كيف! وهو من هو في هذا المقام، "لكنّي لستُ متيقن" هذا لسان حاله.

ويظل السؤال "هل أخترنا أن نولد ؟ " الفيلم كان عبارة عن تساؤل طويل، وصراعات المبادئ وألاعيب السياسة ومدى الإيمان بهذه المبادئ، يجعلك قلق لا تهدأ، متى يكون المستقر؟

بقِيَّ لدي تمنّي، وهو أنه ليت الفيلم لم ينتهي مع مشهد مقتل لينكون الذي لا أدري كيق ظهر على الشاشة بهذا الغباء، لو أن الإضاءة بدأت تخبو وهو يتحدث مع غرانت عند البيت الخشبي قريب من نهاية الحرب، لكانت نهاية أبلغ وأعمق من النهاية الفعلية للفيلم.


كتبت في ٢٧ - ٧ - ٢٠١٣م

في معرض الحديث...

عندما نجلس للحديث فنحن هنا لا نريد التزود بأي شيء مما قرأنا أو سمعنا أو شاهدنا، فقط نريد ان نتحدث!

الحديث: هو اشبه بتنفيس البالون الكبير الذي ينتفخ فينا كمن يشتكي الربو فلا يجيد التنفس!
تزّرق وجنتاه، ويحمرُّ جبينه، ولا يكاد بيبن من هول ما تجد رأتيه من صعوبة!

هذه الحالة هي التي تتبعثر فيها افكارنا، فيكون التنقل بينها في معرض الحديث كراقصة بالية متأنقة لا تكاد تقع الا تفقز، ومن فكرة لأخرى لا ينتهي هذا الحديث الا بتهكم او بمبادلة الاخبار اليومية المستهلكة كالتي تشاهدها في نشرات الاخبار.

لهذا حكمة اليوم ان يتابع اليوم همته! 

الأحد، 7 يونيو 2020

ثامبلينا

من زهرة الاقحوان التي ابتعتها صباحا، جلبت لها اصيصا ووضعتها فيه فاتجهت صوب الشمس تنادي:

هانس! يا هانس..
اتتركني هنا وإياه وحيدة معه؟
يلف جسدي هذا الطمي البارد داخل هذا الشيء كما لو كان تابوت حث عليه التراب؟

ظننت ان جنيا ما قد استنطق هذه النبته، لكني استنكرت الاسم الذي نادت به، فقلت في نفسي: "لكنها زهرة اقحوان وليست حبة شعير!"
فمددت يدي بحذر
وبدت اشعر بالدفء
ولعل رعشة قد ألمت بي احسست منها أني لم أعد اتمالك نفسي
كل هذا لأني أظن أن هناك كائن سيطل علّي؟
ولكني انا من طل داخل الزهرة فلم يجد شيئاً... 
ومضيت للنوم.

في الليل، شعرت برغبة بالذهاب لشرب الماء، فذهبت للمطبخ استجدي هذه الشربة، ثم فكرت بعدها ان افتح النافذة، سمعت مناديا يقول:
"يا صاحب اليسر حدثني..." 
- من المتحدث؟ 
- هانس جئت ابحث عن زهرتي! 
- هذه! 
- نعم هذه! 
- انت؟ 
- ما بك؟ 
- اشعر ان اسمك ليس بالغريب، ومع ذلك تشبهه! 
- لان هذه الزهرة اتتك من أودنسه! 
- كيف قلت! 
- عبر المحيط يرويها سحاب المطر، ثم عندما حللت عندها نزلت عندك ضيفة، لكن من غير ثامبلينا، حيث انها فقدت ذاك المحيط الذي يحتويها. 
- أي محيط تعني؟ 
- لا تدقق في الألفاظ وانظر للجوهر، لن تراها ابدا الا ان تعيد لي زهرتي وتزورني في الدنمارك! 
- اتأذن لي؟ 
- فيم؟ 
- ابقيها لدي وزرني، لعلي اتزود منك لاحكي لبنات افكاري الصغيرة، فهن يحببن هكذا قصص وان لم يتسمروا عندها. 
- احكاياي حلوة؟ 
- نحن حسٌ متماثل، اتبخل علي أن نعيش العمر معا يا هانس؟ 
- ولنا في الأذواق تشابه، ربما، اذا هي لك! على أن ازورك بين البين. 
- انت تزورني على اشكال عدة، فلا تقلق، لعل القادم يا هانس معك يكون لويس، فقط لو يترك أليس وشأنها قليلاً، فلا تخف. 

ثم تركت القدح عنده وعدت ادراجي اجر لحافي حتى عنقي، وتركته هو وزهرته يناحيان قمر عنترة في هذه الليلة الباردة. 

اووووووه! نسيت اغلق النافذة! 
- دعهما يتسامران كمودع. 
- وانت ايضا يا مارك! 


~تمت~

الخميس، 4 يونيو 2020

هيَ

".. فإذا جئت فهذه سهرة العمر العجيبة"

قد قالتها لي ذات مرة، مذ ان كنا وكانت وكنت قبلها ببضع سنين، وإن كنا نسير بخطين متباريين، لكن في حقيقة مقالها كمن يسبر أعماق المحيط. 
والمحيط هو الذي أحاط بيننا، يكسر موجه الهادر الحاجز الذي يقف أمام كلماتنا، ونرسل هدهداً أزرق لينبئ عمن يكفرون بشريعته التي يحلق لأجلها.
كل هذا الاجتياح لكل تلك الأفكار، لا يجد لها طريق إلا بنقل الرسائل لها ولي، إذ أنها قد تشكلت لكي تكون مثل قصص المراسلة التي كانت تكتبها غيترود بيل من العراق. 
لكن موج المحيط هذا لا يداري على صدر المرء منا كما يواسي الرافدين من يلجون اليه. 
ومع هذا وذاك، هذه المراسلات تذكرك بأول مكتوب رمي في زجاجة وأُلقي في المحيط:

"اتعرفين، قد كان هذا المكان مناسب جدا للقيا، لكي تقلع السفينة السوداء بلا حرج، تاركة هذا المكان برمته الا من ذكرى، فهل استعيدها؟" 


تمت