السبت، 30 مايو 2020

الغُراب

ذاتَ مرّةٍ في منتصفِ ليل موحش، بينما كنتُ أتأمّل، ضعيفٌ و قلِق،
وفوق كتلٍ عديدة من غرابةِ و فضولِ المعرفةِ المَنْسية.
بينما كنتُ أومئ، بالكاد أغفو،
فجأةً هُناك جاءَ دَقّ،
وكأنّه شخصٌ يرقّ،
على باب حجرتي يطُقّ،
"إنّه زائرٌ ما!" تأفّفتُ، "يدقُّ بابَ حجرتي؛
هذا فقط، و لاغيرَه معي."

لعل هذا الزائر الذي طرق على ادجار آلين بو ما هو الا مشاعره التي تجسدت في لينور فشعر بسميتها، ولم يجد لها مستقر حتى يتحلل طيف المشاعر لألوانه السبعة.

لكن السؤال هنا: هل لهذا الغراب الأسود من عش يأوي إليه؟
الغراب في غالب ايامه لا يبحث له عن مستقر، فهو في حركة تامه يتحسس الاشياء الأكثر شؤما ويحوم حولها، وكأنه ينذر منها ويشير إليها. 
هذا الطير الأكثر تفردا، هو الذي دل اول قاتل كيف يواري سوءة اخيه، فكان حاضراً أحد أهم مشاهد البشرية الأولى فصار لزاما عليه أن يرافقها وكأنه اول من استأنس البشر وإن لم يألفهم ويألفوه.

لكن ماذا عن ذلك البشري الذي يأتي معه؟
هل بالضرورة عليه أن يرصد أفكاره معه؟
يبني له عشاً؟
يرسم له اللوحات ويخلط له الألوان كما تخلط الأشربة؟
أي التزام هذا الذي يشعر به الانسان تجاة غراب المشاعر هذا الذي يجتاحه وهو بالكاد يبين؟
الحقيقة: لا تراها عينٌ واحدة مهما كانت قوية البصر!
ولهذا تكون هذه اللغة الحجّابة!

كل هذه الاشياء لا تحضر الا حين يغيب لجامها، وتبرز الا حين ينمحي ادراكنا، كل الأشياء تختفي إذا جثى عليها هذا الغراب. 

وتذكر عزيزي القارئ أن طريدا شريدا قد قال ذات مرة في فجرٍ رائق دات يوم: "حفظ الله زماناً أطلعك"

حفظك الباري عزيزي القارئ ودمت مخربشاً