الأحد، 26 ديسمبر 2021

The Professor and the Madman - 2019 - هل للغة سيرة ذاتية؟

 في عمل اعادني لمشاهدة جديدة ممتازة مؤخرا لممثلين اقدرهما كثيرا وهما ميل جيبسون وشون بين وفي سياق تاريخي مشاكس يبدع فيه الأول، لكن هذه المرة أتى هذا الطرح مختلفاً!


في حكاية لبروفيسور اسكتلندي متعلم ذاتيا، وجراح أمريكي خدم في الجيش يعاني من الاضطراب الذهاني، يقومان معا بأول محاولة لصنع معجم للغة الإنجليزية!


وكأن نواة هذا المعجم من ابناء خارج القطر الذي يدعي الاصالة دوما فيها وعنده!

لكن الفيلم لم يتوقف هنا، لكنه وازا بين قطبين: قطب معاناة الاستاذ البارع الذي رفضت الجامعة الاعتراف به وبمحاولاته رغم استحقاقة للقيام بالمهمة التي انبرى لها وكانت تختلف عما كان يتصور لها، وبين الجراح المجند الذي يتَّم عائلة ظنا منه أن ربها يطارده لأنه يشبه جنديا وسمه لرفضه للأوامر العسكرية!

وكأن بين هذين القطبين هو وصف لذلك المعجم الذي ظهر من رحم هاتين المعانتين، معجم ظلت له ولادات كثيرة متعثرة حتى كان!

لكن الفيلم لم يكتفي بهذا، فكلما تنفس هذا الاستاذ الصعداء، ازدادت معاناة هذا الجراح سوءا، فشمس تشرق هناك وشمس تغيب هنا، وتزداد الملاحظات على هذا المعجم المولود!

حتى ان اللقاءات بينهما لم تكن تتويجا ولا منتظرة، لكنها مزيدا من المعاناة للرجلين، لكن ظل هنالك خيط خفي جمعهما، ليس احتراما، انما تفهما لهذه الحالة الفريدة من المعاناة التي تخصهما، وانعكست على عملهما الذي خلد اسميهما.

ولكن لماذا معجم للغة؟

احدهما من حديقة منزله، والاخر من عرفة محجره الصحي؟

هل هذه صورة فنية تشبه لوحات فان كوخ؟

هل هذا هو المطلوب من الحالة الفنية؟

ثم ما هو الجذر لكلمة فنية؟

فن؟

متى ظهرت الكلمة أول مرة؟

هل هذا المبحث من الآمال العظيمة التي راودت ديكنز؟

أم أن نقرأ ونكتب فحسب؟

وهنا نستحضر عزيزي القارئ واحدة من أهم مشاهد الفيلم ولكن بطريقة روائية:

" ثم أعطته ورقة وهي تبكي، وقالت إمرأة المغدور: أنا استطيع القراءة بفضلك!"

لماذا هذا المشهد مهم؛ لانه قال لها أن القراءة حرية، واللغة هي الوعاء الذي يحوي هذا المارد ويستحظره كلما اردت له ان يلبي لك أمنية أدبية أو فنية!

ولهذا رسم هذا المجنون لوحة زيتية قاتمة، وخرجت درجة الاستاذية الفخرية لرفيقة للاخر، كناية عن الأثر الاخير الباقي لهما وان لم يكتمل هذا العمل الذي في كل لحظة تخرج له اشكالات جديدة!

"فإذا كان حبا، فماذا إذا؟"

اذا هو البحث عن فردوس ميلتون المفقود!

هذا هو الفيلم!

سيرة ذاتية لمعجم، مرورا بأرث ادبي عن طريق حياة رجلين التقيا فجأة وكليهما يجران ارث قديم، تركاه عند أول مجلد واقفا عند حرف كمفترق طريق "حرف T" كحجر أساس وغادرا وكأن لحظة الفراق هي اغنية ترافق هذا العمل الذي وصماه ببصمتهما كأنها وثيقة ممهورة بالدم!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق