الخميس، 18 أبريل 2024

زراعة ضوء

في حين يبدو لك النور في صفحة السماء كأنه يحاول الولود من مدخل ضيق يلج لك، ثم يبدأ لك بتلوين هذا السواد الممتد أمامك.

اكتشف أن كل شيء حولك بدأ يتنفس، مع الصبح!
الجمادات تتنفس ضوء الشمس، وأنت تتنفس الهواء، ومدينتك تتنفس اللحظة!

ما هي إلا أقل حتى تبدأ ترى قرص الشمس الذي يبزغ، وطرحها حسناء تغمز لك بواحدة من عينيها، تناديك! فإما أن تلبي أو تغني، وقد تمتنع!

مرحبا بكم في ضوء هذا الصبح مع ارتقاع شمسه ان تزرع الجمال حولك!
فتقوم أنت لا تستمع لملابسك، وتنزل مختلف نغمات سلم الموسيقي، مع كل نغمة رنين، لتظهر أمامك لتشاهد الا انت؛ اذ الضوء ان الخفيفة للزراعة تفشل بالفشل دوما.

ثم تتابع مع يومك همته، حتى يحين موعد انطفاء النور كما قال الشيخ حسني -الله يمزحه خير- لتكتشف ان الحسناء عند المغيب تجربة ثنَّت لك الغمرة بعينها الاخرى، ان أتمنى هذا كان يستر كل الزرع الفاشلة.

في الليل الغمام المشرق والسواعد السمراء الكلية تُعبدك بطريقة ترتسم خلف صورة التي تحاول رسمها، فانت مثل حسنائك، تجتذب جمال لا أقوى هنا وهناك بين الفينة والاخرى ولكن مثل صراخ الفلاة: انتظر من يجيبك!

لعلي احاول الان بهذا الكلام ان اصنع من ظلام الليل شعلة!
كاشتعال ممثل على خشبة مسرح!

فهل اسدل الستار؟
وأطفئ الضوء؟
وأنزل من المنصة؟



الاثنين، 15 أبريل 2024

شرب الشاي وأنت تعاني رشحا /كلاكيك مرة تاسعة/

 الظهيرة

يوحي المسمى بدرجة حرارة معينة، لكنك ما حولك يوحي بالعكس تماما، حرارة الظهيرة فقط هي ما تحس بها داخلك!


تستيقظ على انغام زَمّور السيارات القادمة من الشارع المطل على غرفتك

تكييف بارد، ونبضات قلبك تتسارع، وذهول تام تقف فيه عينيك لا تغادر الاتجاه الذي تنظر له

وتتذكر موالا عراقيا قديما حزينا يقول:

من صغر سني همت بيك وتعبت وياك!

 وتقوم متثاقلا بافكارك المبعثرة، لا تدري ايها تقدمه اولا، ترفع يدك اليسرى لتحك بها منتصف رأسك حتى تطرد كل الافكار الغبية الطفيلية كالقُمّل من رأسك، ثم تتوضأ لتصفو.


-منت رايح للدوام؟

- بروح للكايد!

-وشو ذا؟

-دكتور اردني اسمه كايد!


وكلا يحمل من اسمه نصيب، خصوصا انه يستعمل عصى الحلق هذه بسادية عجيبة، ليترك لك خيارين اما ان تتقيأ أو تختنق!

وتزداد الحالة اذا ذكرته ان كان هنالك امكانية لاجازة مرضية، لدرجة الشك انه ربما يترك العصى داخل حلقك الجاف كأنه الصبار!

- توخذها من الطوارئ!

ثم يعود الموال العراقي، ويخيل لك في غرفة الطوارى ان عازفه اعمى يلبس دشداشة بيضاء وغترة بيضاء ويرتدي تظارات شمسية حالكة السواد:

"على درب اليمرون اريد اقعد وانادي"

وكأن اي اجازة، شهادة بها دمغة انك تعاني جرباً

تخبر بحالك رب العمل فيقول: "ان شفت نفسك زين تعال!"


لكني شفت نفسي تشتاق شاي حبق، وقد كان!



تمت

الخميس، 21 مارس 2024

في ياكوتسك - الوصول

 في ياكوتسكو

أنا اخرج من بوابة مطار ماغان

كاد قلبي أن يتوقف من هول الصدمة
من صدمة الجو والمكان وحتى الموسيقى الترحيبية التي تلف المكان
كنت رافعا هاتفي المحمول حتى أرى الساعة، ولكني هالني نفس الحواء الذي اقتحم روحي عندما فتح الباب الخارجي، فشددت على اسناني، وبيدي لليسرى على عضدي الأيمن، ورفعت رأسي تدريجيا مشدوها، ولم يلد في  خلدي أن درجة الحرارة ستكون ابرد من مورمانسك، ولكنها كانت برودة من عالم الأسطورة!


تسمرت مكاني وأنا أحاول الصراخ باسم ايفان، وبالرغم من تبسم العجوز أمامي محاولة تهدئتي، تظن أني خائف، ولكني فقط: بردان! 

عدت لهاتفي قبل أن يتجمد، لأجد أنه يقيس درجة الحرارة ب ٧١ تحت الصفر!
هنا صرخت بكل ما أوتيت من قوة: إييييفاااااااااان!
-أجننت! كنت أبحث عنك أنت أيضا! كدت اهلك من البرد أنا ايضا!
- وأنت أيضا!
‏- أنا لا أعيش في الصحراء أيها المغفل! أنا اعيش في المدينة! وهذه بلدة تقع وسط سيبيريا! ألم تخبرني مرة عن مدينة في بلدكم وسط الصحراء؟
- الشيبة تعني؟
‏- أظن، كنت قد قلت لك ان اسمها غريب، وكانها كنية للرجل العجوز، المهم أن هنا الصحراء جليدية متجمدة، وعندكم العكس تماما، حر أرمض لا تكاد تبين منه حياة، وهنا برد زمهرير لا تكان تبين منه حياة!
- وهؤلاء الناس؟
‏- كالبدو تماما، يعرفون يعيشون في الصحاري، فاسكت، وادنو مني حتى نركب اقرب أجرة!


في الطريق، بدا كل شيء أبيض مشرئب بخضرة، لا تسقط هنا سوى الثلوج، لا امطار ولا ما شابه، فقط كرات القطن المتدلى من السماء، ومع هذا هنالك تقاطعات من الزحام عند اشارات المرور، لم أصدق أنها التاسعة صباحا، ‏لا يكسر حدة هذا المنظر الذي يبدو بهيا، الا الاضواء الحمراء ودرجات اللون الأحمر، الطبيعي منها والمفتعل، ...


- إلى أين؟
- يجب أن نشتري ملابس، يجب أن نبدو كدببة، وبعض الطعام!
- وشاي؟
- لك؟ ضروري! ولي طبعا حتى أبقى يقضا!


في داخل المتجر، تحول المكان لما يشبه التنور من شدة الحرارة، وكأننا نعيش فب عالمين متوازيين، إذ أن المتجر هو متجر صيني غير مرخص، ولكنه يحوي ألبسة جيدة ونوعيات تصمد في هذا المكان.
كان قد اوصاني ايفان قبلا أن لا اتحدث  وإذا ألح احظهم بسؤالي اكتفي فقط بالقول أنني هندي!


- الآن تبدو كروسي حقيقي، سنخرج الان للنزل في طرف المدينة، حيث سوق السمك قريبا من هناك!
- أرجوك! يكفي! بدأت تظهر حراشف على جسدي، أريد أي كائن اخر قابل للأكل غيره!
- لقد بدأ يظهر عليك الدلال!


ثم اطلقنا حتى نصيب بعضا من الراحة في النزل الذي سنبات فيه، لكن في الطريق مررنا على السوق!
اشبه بسوق مركزي أو شعبي، الكل يبيع اشياء مجمدة هنا:
اسماك
حبار
خضار
معلبات
والباعة بكل برود يقولون: هذا يساعد على الحفظ، افضل من أفضل ثلاجة هههههه، وانا اهز رأسي له مستعجلا حتى انهي هذه المحادثة لاني لا استطيع ان اترك يدي خارج جيبي لأكثر من دقيقة!


- لكن انتظر!
‏- ماذا؟
- كل هذا الجليد ولا يوجد ماء!
- نحن لا نذيب الجليد كي نشرب، بل نجلب الماء من نهر لينا، لا توجد آبار هنا، كل الارض تحتنا متجمدة، فلا يتوفر الماء بسهولة، ....
- لحظة لحظة! لا اريد حصة تاريخ وجغرافيا، كانت مزحة باردة يا رجل! ورمقته بنظرة انك دمرت النكتة!
- اها! طيب! ننطلق؟


في الطريق لم يكن بوسعي خلال هذا الملل الأبيض إلا أن أفكر بشيء يساعد على الدفء، لكني لم استطع! فالبرد يلف المكان كما شمس الصيف في اغسطس عندما تتسلط عليك في وسط زحام بساعة ظهرية داخل مدينة مكتظة!


- لعل اغنية لفرقة Otava Yo تساعدك قليلا، ثم لا تقلق، عندما نصل سنعد الشاي كي نسعد به!