الثلاثاء، 27 يونيو 2023

عندما حذفت الرسالة - كلاكيت مرة ثانية -



لم تكن مجرد رسالة عابرة...

كانت اشبه صراخ في فلاة...

ولهذا أحيانا منا نذوب في تلك اللحظة التي تتطلب مننا هكذا صرخات...

وعند السكون

واستعادة الانفاس

نفكر

هل سمعنا احد؟



- نحتاج للمواساة!

- ‏دونما كشف؟ ربما!

- ‏لكن الصراخ يغدو مطلب أحيانا، ولكن نحتاج معه ملحن يعزف على الكمان ينتقي لنا الالحان

- ‏لست اجيد التلحين إذا!

- ‏المعادلة احيانا مثلما قال احدهم: شاعر يخرج الكلمة من المعجم لينفث فيها من روحه، ليتلقفها مترجم يعيدها للمعجم!

- ‏لم افهم!

- ‏طببعي! لا الرسالة محذوفة!


تمت

الاثنين، 26 يونيو 2023

عندما تصل متأخراً ...


هو مثل الفرح، والبدر، تجلي للحظة تأتي متأخرة!

كشجرة الذكريات تعلق على غصنها صفحة جديدة!

تحتاج يرعات تضيئها!

هو يجيء مثل الحلم، يلون الليالي التي أنام فيها مبكراً، إذ أن السهر يلونه سنا القمر!

وأظل في الليل أبتهل، شعراً أو دعاءً، لا يهم!

قد يختنق صوتي، وقد تبدو من عيني لمعة، كأنها قدحة القداح، مثل صفقة منادي، ينادي طيره الحر، طائر الهوى الذي ظل يحن لمجيئه طيلة هذا الحول!

فتصير هذه اللمعة كنجمة بحر على شاطىء الجفن لعلها تصيب غرة فتنهمر كندى الصبح.

فما من ليلة تمر الا واراقب قمرها، هيا أطل!

ارسل سناك ولو جاء متأخراً!

فهي ليست مسألة اشتياق او انتظار، انما لحظة فارقة في الزمن، كما ذكرت آنفاً، هو شعور عابر أريد له أن يبقى ولو ظل مجيئه متأخراً.

وإلا فما فائدة شجرة الذكريات؟

لولا أن نرويها بها لتظل مزهرة!


السبت، 24 يونيو 2023

The Banshees of Inisherin - أغنية للشهداء

 


نستهل الكلام، بقول احد الشعراء:


"يا شعبي يا عود الند

يا اغلى من روحي عندي

إنا باقون على العهد! "


والند هو البخور، اذ انه يحترق ليجعل المكان بهيا وذو رائحة طيبة، لكن في فيلما اليوم كانت رائحة الكراهية هي ما يعج في المكان!


عندما قرر كولم دوهرتي ان لا يتواصل مع رفيق عمره وشقيق روحه وقلبه فضلا عن الحديث معه: باتريك سوليوان الذي يعيش هو واخته شوفان، في جزيرة صغيره على طرف الأرض الأم أيرلندا تدعى: أنشيرين!


هذه الرحلة من المخاصمة بين الصديقين الشقيقين بدأت عندما قرر كولم أن في رأسه لحنا مختلفا يريد عزفه، لحنا جديدا يريده أن يبقى  ويظل خالدا حاملا اسمه! وهو الشيء الذي لم يفهمه باتريك، فكان بكل براءة يقول له: ما الذي اختلف اليوم؟ فقط هكذا فجأة قررت مخاصمتي؟ ونحن في خضم هذه الحرب الأهلية؟ حتى أن اخته التي قررت الذهاب لكولم لتقول له: ارجع فأنه الرجل يحبك انتما لا تستطيعان العيش بمفردكما منعزلين، فما كان من كولم انا رفع وتيرة التهديد بقوله: إن عدت لمحادثتي فسأقطع أحد أصابعي وأرميه لك حتى تفهم!


الذي لم يدر في خلد باتريك أن هذا اللحن الذي دار في خلد كولم ما هو الا بروستانتيته التي استيقضت فجأة بدافع من البروتستنتي القابع خلفهم في انجلترا، أما بالنسبة لباتريك فهذا أمر غير مفهوم، منذ متى كانت هذه التفاصيل مهمة! نحن ارلنديين مسيحين هذا هو المهم!


فما كان من شوفان الا ان ذهبت لكولم في الحانة وهو تستمع لأخيها السكران وهو يعبر عن حبه لها، أن تقول له: أنت ما زلت تحب الرجل لم تريد أن تهجره! ثم أن موزارت عاش في حقبة غير التي كنت تقول، في اشارة واضحة للسبب التافة الذي تسبب في فصل بين الأيرلنديتين، ولتضمين ان هذا الرابط بينهما سيبدأ بالضمور!


شوفان كانت هي الرابطة الوحيدة بينهم، حريصة أن يظل الشمل قائم حتى كان اول اصبع قطع في اشارة واضحة لتفاقم الشرح داخل الجسد الواحد، هنا سوفان اسرت لكولم انه يجيب ان تعيد اصبعك! وتقبلت العرض الوضيفي وغادرت أنشيرين في اشارة واضحة للاستسلام الواقعي حيال وضع قائم، لكن بالمقابل كانت هذه الرابطة قد قطعت بينهم!


ومع استمرار كولم في عزف اللحن حتى اكتمل، ومع ارادة باتريك أن يبدد أي محاولة لكولم في تشتيت هذا المحاولة لهذا اللحن، حتى قرر كولم في لحظة فارقة أن يقطع بقية اصابعه الأربعة! وسقط أول الموتى بسبب هذه الأصابع: حمار باتريك العزيز على قلبه!


هذه الاصابع ما هي الا كناية عن تمزق الروح في البلد الواحد: وسيل الدم الذي سنهمر من رحم الأرض الأم: أيرلندا!

أما الحمار الذي أصر باتريك أن يضع صليبا شاهدا على مدفنه، ما هو الا كناية كل أولائك المهمشين من الضحايا لذين مزقوا من بين عائلاتهم وقراهم في الفصل الذي حصل!

حتى أن رمي كولم للأصابع على باب باتريك ما هو الا بمثابة المنازعات التي طالت طول الحدود بين الايرلنديتين!


ومع دوي المدافع المستمر، التي كلما أطلقت قذائف كأنما ترن جرسا رجما بالغيب، ليحدث شيء جديد في هذه الجزيرة الصغيرة الهادئة هدوءا قاتلا، وكأنها تنادي البانشي القابع في أنشيرين، فمن كانت؟

 لم تكن سوى العجوز الشمطاء مدخنة الغليون التي تتنبأ بالمستقبل لهذه العلاقة المريرة، حتى كانت لحظة الغضب الأخيرة عندما علم يقينا باتريك أنه لا محال في أن يقنع كولم المخبول بلحنه النشاز في اعادة العلاقة، فذهب ليخبره بما ينويه صراحة فكان قلق كولم الأول من اقدام باتريك ذو القلب البريء الذي فقد تلك البراءة الطفولية اخيرا، فأحرق بيته بعد الدوي الأخير للمدافع، في اشارة اخرى للمواجهات بين حزب اولستر والجيش الايرلندي الجمهوري.

 ‏

 ‏ حينها فقط ،جلست العجوز أخيرا في كرسي قبالة الشاطئ في صباح يوم بارد هادئ رتيب الا من حرارة اللحظة: اللحظة التي افترق فيها باتريك عن كولم وكانت تجلس بينهما رغم عودتهما للحديث مع بعض!


اعطاه ظهره وهو يرحل عنه، وكولم ينظر له، ولينهما البانشي جالسة على كرسيها تدخن غليونها في الصباح الباكر، وكأن الشاعر ذكر باتريك في هذا الرحيل وهو يقول:


"أتراني بعد هذا الوهن أشتاق إليك؟

أم تراني بعدما أدميتني أحنو عليك؟

لا!

لم تعد تسكن قلبي

لا!

ولا دقاته تهفو إليك!


لعنة الأيام والدنيا عليك!"




تمت في ٢٤ حزيران ٢٠٢٣ الموافق ٦ ذي الحجة

المكان: مقطورة الطائرة!

الخميس، 22 يونيو 2023

من هو الدون كيخوته؟ رحلة مع ميجيل دي ثيربانس!

"لقد أوشكت على الرحيل

وكلي ولع واشتياق للموت

إلهي، أكتب إليك"


مطلع أغنية كتبها ميغيل دي ثيربانتس بالرواية البيزنطية: "الإسبانية الإنجليزية"طبعا هو اشتهر برواية الدون كيخوته.


الدون كيشوت دي لامانشا، ابن اقليم قشتالة الذي يحارب الأشباخ وطواحين الهواء والسحرة والمشعوذين.


ميجيل نفسه الذي عاش ما بين ١٥٤٧م حتى ١٦١٦م، من مدريد وإليها، وجد نفسه أمام اسبانيا مضطربة الهوية، فقبل ٥٠ عام من ولادته سقطت مملكة في الجنوب، مملكة غرناطة ليجد قبيل وفاته بسبع سنين، قرارا من الملك فيليب الثالث بترحيل سكان من أيبيريا، كانت تعج بهم البلاد.


وهو الذي عاش في أقليم اندلوسيا جنوب البلاد، وتنقل في فيه، ما بين أشبيلية وطليطلة وقرطبة وحتى لشبونة في البرتغال، حتى استقر في بلد الوليد ليكتب الفصل الأول لكيشوت! في عام ١٥٩٧، ليصدر بعدها قرار الملك فيليب الثالث بطرد السكان من البلاد.

تُرى، هل الموريسكيون هم الأعداء حقا؟

ولهذا كان كيشوت يحلم بالفروسية؟


ميجيل نفسه خلال اضطراب الهوية الإسبانية هذا، ذهب لإيطاليا في عام ١٥٦٩م ليصطدم مع الهوية التي كان تسبب له هذا الاضطراب الداخلي!

أتتهُ هذه الهوية بقومية جديدة غير ما ألف في بلاده.

العثمانيون!

وجد نفسه في مواجهة حقيقية مع ذاته التي تتنازعها الثنائية القشتالية-الأندلسية!

فشارك بنفسه بمعركة ليبانت، التي كانت بين تحالف أوروبي ضد العثمانيين الذي ما فتأت أوروبا أن أعتبرتهم وحوشا كطواحين هواء مخيال ثيربانتس، لينتهي الأمر به سجينا في وهران بالجزائر، وبقي خمس سنوات حتى أفُتُدِيَ وعاد لبلاده!

هل هذه هي الذاكرة المثقلة التي كان يهرب منها كيشوت؟!


بعد أن عاد للبلاد، ولدت بقية الرواية في السجن الملكي في أشبيلية بعد ثبوته اختلاس المال العام عندما كان حاكما لبلدته لامانشا أو ثيوداد ريال.


ومع ذلك يبدو أن لا أحد شهد هذه الحكاية الطويلة التي هرب منها من ملك، وعاد في عهد ملك إلا هو نفسه، فلا يستطيع إلا أن يحكيها هو، لهذا كان سانشو!


سانشو الذي رافق الدون كيشوت دي لامانشا، مع "روسو" حماره الصغير في أشارة لكل تلك الرحلة المضنية لكاتب لم تعرف روحه الأستقرار أبدا.


السؤال:

هذه الشخصية التي خرجت من رحم لامانشا لتصبح نبيلة، وتبحث عن كل أولائك الذي يستحقون الموت لأجل مقدس ما في وجدان كيشوت، ما منبعها؟

كما هو الحال مع الهوية الإسبانية التي تجد نفسها متنازعة لا تدري إلى أي حضن ترتمي فيه!

فهي كذلك هذه الشخصية المضطربة مثل مؤلفها فهي لا تعرف مستقر الا من راويةٍ رافقهم يدعى سيدي حامد!

لعل هذا أو أكثر ما جال في خاطر الدون ميجيل دي لامانشا، أو الدون كيشوت دي ثيربانتس!




كتبت في ١٤ اغسطس ٢٠١٧م