السبت، 24 يونيو 2023

The Banshees of Inisherin - أغنية للشهداء

 


نستهل الكلام، بقول احد الشعراء:


"يا شعبي يا عود الند

يا اغلى من روحي عندي

إنا باقون على العهد! "


والند هو البخور، اذ انه يحترق ليجعل المكان بهيا وذو رائحة طيبة، لكن في فيلما اليوم كانت رائحة الكراهية هي ما يعج في المكان!


عندما قرر كولم دوهرتي ان لا يتواصل مع رفيق عمره وشقيق روحه وقلبه فضلا عن الحديث معه: باتريك سوليوان الذي يعيش هو واخته شوفان، في جزيرة صغيره على طرف الأرض الأم أيرلندا تدعى: أنشيرين!


هذه الرحلة من المخاصمة بين الصديقين الشقيقين بدأت عندما قرر كولم أن في رأسه لحنا مختلفا يريد عزفه، لحنا جديدا يريده أن يبقى  ويظل خالدا حاملا اسمه! وهو الشيء الذي لم يفهمه باتريك، فكان بكل براءة يقول له: ما الذي اختلف اليوم؟ فقط هكذا فجأة قررت مخاصمتي؟ ونحن في خضم هذه الحرب الأهلية؟ حتى أن اخته التي قررت الذهاب لكولم لتقول له: ارجع فأنه الرجل يحبك انتما لا تستطيعان العيش بمفردكما منعزلين، فما كان من كولم انا رفع وتيرة التهديد بقوله: إن عدت لمحادثتي فسأقطع أحد أصابعي وأرميه لك حتى تفهم!


الذي لم يدر في خلد باتريك أن هذا اللحن الذي دار في خلد كولم ما هو الا بروستانتيته التي استيقضت فجأة بدافع من البروتستنتي القابع خلفهم في انجلترا، أما بالنسبة لباتريك فهذا أمر غير مفهوم، منذ متى كانت هذه التفاصيل مهمة! نحن ارلنديين مسيحين هذا هو المهم!


فما كان من شوفان الا ان ذهبت لكولم في الحانة وهو تستمع لأخيها السكران وهو يعبر عن حبه لها، أن تقول له: أنت ما زلت تحب الرجل لم تريد أن تهجره! ثم أن موزارت عاش في حقبة غير التي كنت تقول، في اشارة واضحة للسبب التافة الذي تسبب في فصل بين الأيرلنديتين، ولتضمين ان هذا الرابط بينهما سيبدأ بالضمور!


شوفان كانت هي الرابطة الوحيدة بينهم، حريصة أن يظل الشمل قائم حتى كان اول اصبع قطع في اشارة واضحة لتفاقم الشرح داخل الجسد الواحد، هنا سوفان اسرت لكولم انه يجيب ان تعيد اصبعك! وتقبلت العرض الوضيفي وغادرت أنشيرين في اشارة واضحة للاستسلام الواقعي حيال وضع قائم، لكن بالمقابل كانت هذه الرابطة قد قطعت بينهم!


ومع استمرار كولم في عزف اللحن حتى اكتمل، ومع ارادة باتريك أن يبدد أي محاولة لكولم في تشتيت هذا المحاولة لهذا اللحن، حتى قرر كولم في لحظة فارقة أن يقطع بقية اصابعه الأربعة! وسقط أول الموتى بسبب هذه الأصابع: حمار باتريك العزيز على قلبه!


هذه الاصابع ما هي الا كناية عن تمزق الروح في البلد الواحد: وسيل الدم الذي سنهمر من رحم الأرض الأم: أيرلندا!

أما الحمار الذي أصر باتريك أن يضع صليبا شاهدا على مدفنه، ما هو الا كناية كل أولائك المهمشين من الضحايا لذين مزقوا من بين عائلاتهم وقراهم في الفصل الذي حصل!

حتى أن رمي كولم للأصابع على باب باتريك ما هو الا بمثابة المنازعات التي طالت طول الحدود بين الايرلنديتين!


ومع دوي المدافع المستمر، التي كلما أطلقت قذائف كأنما ترن جرسا رجما بالغيب، ليحدث شيء جديد في هذه الجزيرة الصغيرة الهادئة هدوءا قاتلا، وكأنها تنادي البانشي القابع في أنشيرين، فمن كانت؟

 لم تكن سوى العجوز الشمطاء مدخنة الغليون التي تتنبأ بالمستقبل لهذه العلاقة المريرة، حتى كانت لحظة الغضب الأخيرة عندما علم يقينا باتريك أنه لا محال في أن يقنع كولم المخبول بلحنه النشاز في اعادة العلاقة، فذهب ليخبره بما ينويه صراحة فكان قلق كولم الأول من اقدام باتريك ذو القلب البريء الذي فقد تلك البراءة الطفولية اخيرا، فأحرق بيته بعد الدوي الأخير للمدافع، في اشارة اخرى للمواجهات بين حزب اولستر والجيش الايرلندي الجمهوري.

 ‏

 ‏ حينها فقط ،جلست العجوز أخيرا في كرسي قبالة الشاطئ في صباح يوم بارد هادئ رتيب الا من حرارة اللحظة: اللحظة التي افترق فيها باتريك عن كولم وكانت تجلس بينهما رغم عودتهما للحديث مع بعض!


اعطاه ظهره وهو يرحل عنه، وكولم ينظر له، ولينهما البانشي جالسة على كرسيها تدخن غليونها في الصباح الباكر، وكأن الشاعر ذكر باتريك في هذا الرحيل وهو يقول:


"أتراني بعد هذا الوهن أشتاق إليك؟

أم تراني بعدما أدميتني أحنو عليك؟

لا!

لم تعد تسكن قلبي

لا!

ولا دقاته تهفو إليك!


لعنة الأيام والدنيا عليك!"




تمت في ٢٤ حزيران ٢٠٢٣ الموافق ٦ ذي الحجة

المكان: مقطورة الطائرة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق