الأربعاء، 20 سبتمبر 2023

ثلاث زيجات وجنازة!

 جلسن اربعتهن في طاولة مستديرة في طرف الغرفة

كلتاهن متحجبات بيضاوات شعورهن سود ويرتدين نظارات

الا واحدة، لكن ازعم انها ترتدي عدسات!

بدت احداهن أنها ترتدي خاتما ذهبيا في خنصر يديها اليسرى، وكلما امالت راسها للكتابة بدا مفرق شعر رأسها فسحب حجابها ذي اللون الاخضر المعتق كي تغطية

صحيح بالمناسبة: كلهن عبايتهن خضر!


المهم انهن جلسن في هذه الحصة الدراسية، التي اتت في يوم ثلاثاء بارد بليد كالعادة الا من هذا الحدث!


ثم اتت المحاضرة الجنوب افريقية المستعربة، والتي تحاول ان تخفي هذا الاصل بلهجة انجليزية مفتعلة، فيها صلع طفيف تخفيه بجزء من غرتها الايمن، كانت محاظرة مملة رتيبة رتابه يوم الثلاثاء، وكان داء التثاؤب يصيب الجميع بالتناوب، ينتقل من طاولة الى اخرى، بما فيها الانجليزية، فلعلها رأفت بحالنا فقررت ان تعتق رقابنا في هذا الدرس الثقيل حتى الظهيرة، بالاحرى لما بعد الغداء، وخرجت!


فيما بدأ بالخروج خلفها مجموعة من الحظور، كنت احدهم، في الطريق، كانت احداهن تقول:

هل أنت زميل؟

لأي إدارة؟

إنما عنيت المبنى؟

نعم زميل في مبنى الادارة!

لا تبدو مألوفا.

هل من متطلبات الزمالة هذا؟


ثم اقترقنا، كلا في شأنه، لكني ما فتئت ان عدت الى قاعة المحاظرة، اعاني من صداع مزاجي، يحتاج الى كوب شاي بشكل سريع ومُلح!

دخلت، اذ يعم الهدوء الا من همهمات الرباعي الخضر، ذهبت الى الطاولة بجانب النافذة المطلة على الممر الطويل بين مباني الادارة الزجاجية الممتدة، رفعت كأس الورق، ووضعت فيه كيس شاي انجليزي وملعقتي سكر صغيرة برغم من كل تعبيرات جورج اوريل، اغرتني شرائح السلمون ان اصنع منها افطارا متأخرا، لكن كل هذا غير مهم.

رجعت لطاولتي المبعثرة:

كراسات منثورة فوقها أقلام روكو زرقاء الحبر، ودفاتر نوتات عليها خربشات لا تفهم الا من قبل كاتبها.

جلست، وانتبهت بسبب فهمي للهمهمة، ان طاولتي قريبة!

بدأت تتضح لي معالم حديثهن!

لا يهم تفصيل الحوار الذي سمعت، لكنه انعكاس لهن!

واحدة منهن خرجت من تجربة زواج فاشلة، وكانت تتحدث لصاحبة الخاتم عن ما عكر صفو العلاقة، لان صاحبة الخاتم كانت تحكي انها بعد هذا الارتباط الجديد في حياتها - اي تجربة الزواج - الا انها ليست كما تخيلتها وان كانت مثل موج البحر جميل ومنعش وان كان متقلبا.

الا ان التي زعمت انها ترتدي عدسات، فكانت تعيش نكرات لذاتها، اذ انها ترفض الاعتراف بحالتها العمرية فهي بهذه الطريقة تحاول ان تتشبب.

اما الاخيرة فكانت قد خسرت زوجها في حادث سير مؤسف، ولهذا ليس لها اي اهتمام الا من تربية ابنيها المراهقين، احدهما في الثانوية والاخر في الجامعة، وتشكي ارهاق هذا رغم لذته: اذ ترى في محياهما روح والديهما الراحل!


ما لفت انتباهي ايضا وانا اشرب الشاي، انهن ايضا تَحَلقنًَ حول كاسات الشاي كأنهن فرسان الطاولة المستديرة، ولون العباءات يعكس قلوبهن الخُضر، مما جعلني استحضر عبارة عائشة السيفي عندما قالت:

يقايضن خيباتهن بفنجان شاي"

وسطرٍ مُحلى من الكلمات"


فتبسمت، حينما جلست في جانبي "الزميلة" وهي تقول:

أتريد منها؟ القهوة؟ مَهيلة! ومدت إلّي الفنجان!

قلت: من اعدادك؟

قالت: لا، استعرتها من صديقتي، لم تقل لي: في اي دور هو مكتبك؟

الثالث!

اذا معنا في ادارة المراقبة، انا اسمي هيلة، وانت؟

طلال!


ونحن في انتظار عودة المحاظرة، اتى زميل اخر وجلس معنا، وهو يلهث ويقول: اسف! لعلي تأخرت، لكن من الملقلق أن تحظر اجتماع عمل عن بعد وانت في دورة تدريبية، اسف لم اعرفكم بنفسي: سامي!


شربت القهوة، لعلي اخفي ابتسامتي!

هل من شيء؟

لا! انما تذكرت اغنية جميلة ليس إلا



تمت