الخميس، 28 أكتوبر 2021

أين يكمن سر الحكاية؟ في الكاتب أم في القصة نفسها؟ - The French Dispatch - 2021

إن الشروع في عملية الكتابة لقصة ما هو مثل محاولة التنقيب في منجم أو التحقيق في جريمة، كلا العمليتين تحتاج عين خبير لكشف المستور خلف أكوام الغبار أو الملفات. 

 الفيلم يحكي عن مؤسسة نشر، تجمع هذه القصص التي قد تبدو غير مترابطة ولا تجمعها وحدة موضوعية لتنشرها في هذا السرد الشبيه بلوحة بانورامية عريضة في وسط غرفة المعيشة، لكن في الحقيقة أن الرابط بين كل هذه القصص الثلاث هو تلك العين التي اقتنصت كل هذه القصص، دوما هنالك ما يستحق أن يُروى، وفي هذه الحالة القاسم هنا هو اللمسة الذاتية في كل حكاية كما هي في أفلام ويس اندرسون نفسه! 

 ففي الحكاية الأولى على سبيل المثال ليس المستحق للرواية فيها هو ابداع ذلك الرسام في لوحاته، ولا مسيرته الجنونية التي فتك برجلين ليصير الى سجنه، ولا في شغف ذلك الذي اراد التصدر لاحتواء اعماله رغم انه لم يترك دقيقة الا وكان يهزأ به وبعمله ليعيد كل الفضل له، ولا فكره جنون المبدع، ولا حتى أن ملهمته هي سجانته سيمون، بل كيف أنه حول تلك السجانة التي كانت تتسلط عليه ولم تحبه ولا في لحظة استثنائية وحرمته حتى من محاولة ازهاق روحة في سبيل ان لا يتحول لآلة طباعة لوحات فنية، الى ذلك الجمال الذي بقي في تلك الجداريات الحمراء؟ هل كان سحر ذلك الفن هو اقتناصه للون بشرتها الذي استحال الى تلك الحُمرة في تلك الجداريات؟ وكأن هذا هو أعمق أعماق ما يراه داخل عينيه حينما ينظر إليها؟ لهذا كلما سُئِلَ قال: كيفما تنظر ستجد سيمون؟
جمال هذه الحكاية في ذات القصة أم في اقتناص هذه اللحظة عندما يجيب دوما: اينما تنظر ستجد سيمون؟ هل غدت سيمون سجانه؟ أن انها سجنت ابداعه ضناً بها به؟ أم هو الذي سجنها في الجدارية؟

ثم ننتقل للحكاية التالية: ثورة الشطرنج، وتشارلز دي غول القابع في الخلفية!
حكاية الشاعر الذي يريد أن يكتب بيانا يلقيه لمجموعة الشبان، ففي ظل كل ذلك الكفاح والتغيير المتموج وتصادم اللغتين العنيد ومحاولة اشباع الرغبات المتعددة التي لم تتضح الا حين القيت قنابل مسيلة للدموع برفقة الرصاص المطاطي ولم تصبه، لتحين اللحظة التي ظننت فيها انه سيتضح كل شيء، وحين الاعلان ويحدث الالتماس الكهربائي ويرحل الشاعر ولم يعلن البيان، هل كان الاعلان ضروري؟ أم يكفي رحيل الشاعر لكي يكون أبلغ بيان رغم حياته التي علمت منها ما علمت؟ هُنا الشاعر تحول إلى فكرة كعادة كل الشعراء، فالفكرة والقافية وتكثيف المعنى هو الذي يخلدهم وإن غادرت أرواحهم!
هنا هل كان سر الحكاية هو تلك الصحفية التي زعمت حيادا رغم اقرارها بعدم وجوده؟ في في قصة هذا الشاب نفسه؟ أم اختزال تلك الحكاية في رقعة الشطرنج؟

لعل الجواب يظهر في حكاية مثل قهوة النسكافية، التي كلنا نعلم انها لا تبلغ القمة ولكن قد تغني!
عندما وثق ذلك الكتاب الصراع عندما اختطف ذلك الطفل الصغير وسعى والده خلفه وي قمة المطاردة يتوقف لتناول العشاء فيأتي نسكافية ليمارس طقسه الغريب على حد وصف كاتب الحكاية، ثم يأتي المذيع ليرمي سؤاله المزعج: لم تكتب عن الطعام؟ وكأم يقول له هل هنا مكمن سر الحكاية؟ لكن الجواب لم يكن شافيا وإن أغلق خانة الاجابة.
لكن الطفل في لحظة فارقة من الصراع وبشيفرة مورس يطلب الطباخ ليسقيهم السم على فعلته وينجو هو ويعود لحضن ابيه ويعيش الكل مع النسكافية سعداء، فأين السر هنا؟
لكن يأتي رئيس المؤسسة ويقول: ما المميز في هذه القصة؟ فيرد كاتبها: الحقيقة هنالك صفحة انتزعتها من المقالة ، شيء قاله لي الطباخ بعد ان تماثل للشفاء، ويخرجها من سلة المهملات (مهملات ذاكرة الكاتب) ويريه اياها، هي التي تحتوي اجابة ذلك المذيع واجابة الفيلم برمته!
"كان هنالك طعما لذلك السم، كأن به ملوحة مع تركيز للبهارات!"
فيقول له هنا الحكاية! ونشرت هذه الصفحة المهملة!

بلى مثل تان تان ذلك الصحفي الذي عدت قصصة كأنها رحلة تحقيق ومغامرات فريدة لحكايات لم تتكرر، هنا يكمن سر الحكاية: في الكاتب الذي يرويها!
هو ذات السر الذي وجده مثلا ميلوش فورمان عندما قرأ نص فيلم أماديوس قرر أن يخرجه ليغدو أحد التحف السينمائية!
هنالك دوما في اي حكاية ما يروى أن اقتنصت الجوهرة التي في داخلها.
البحث في الحكاية هو بحث في مكمن السحر الذي يجلعها كلما رويت ازدادت جمالا وبقيت ذكراها على ألسن الناس، حتى لو رحل المبدع فان ما خلفة يبقى أرثا، ولهذا كان التأبين عبارة عن حديث بينهم عنه.
ولعل هذه التدوينة التي كتبت على عُجالة هي محاولة للبحث عن سر هذا السحر الذي خلفه هذا الفيلم.




حرر في 28 اكتوبر/تشرين الاول 2021 الموافق 22 بيع الاول 1443هـ الساعة3:48 صباح الخميس

الثلاثاء، 19 أكتوبر 2021

The Pink Panther - 1960 // النمر الوردي - 1960

The Pink Panther
الحلقة الأولى





الآراء تتشكل عبر الألوان

وليش شرطا ً أن كل لون يعبر رأي فقد يكون في داخل اللون الواحد مجموعة آراء كالعادة تنشد الكمال وفي ثناياها التناقظ مثل مجموعة الإنسان

فالملك والفقير كلاهما عزيز وذليل، كريم وبخيل، ذكي وغبي، يكره قدر ما يحب، ينتقم بقدر ما يبذل، مغرور بقدر ما هو اعجاب بالنفس، وإلا لما صار ناقصا ً ينشد الكمال وسط هذا التناقض، لأنه لو كان إنسانا ً لكان كاملا ً.





هذه هي المقدمة الرائعة التي عبرت عنها أول حلقات النمر الوردي حينما كان زميله القصير يطلي الجدران بالأزرق ذالك اللون الهادئ والمريح القريب للقلب قربي منكم الآن وجد فيه النمر فسادا ً للذوق العام فهو مجرد تجسيد للعفن في الغابات و وسط الطرقات وكأن تنبعث منه رائحة الجيف فقرر أن يهب الإنسانية لونا ً يعبر عن الهدوء ممزوجا ً بالخمول يدعو للدعة والراحة وإن كان يؤذي مشاعر الآخرين وأحدى الحواس الخمس رأئ فيه أشراقة الصباح على جبين جذوع الأشجار في الغابات .. اشراقة صباح جيددة .. صفحة جيدة .. حياة جديدة





تكتشف مع مرور الوقت أن ذلك اللون الأزرق ما فتئ أن تحول إلى مجرد تجسيد لكمية الحقد التي تولدت لدى صديق النمر الوردي الصغير من ذا الذي يعبث بعملي..؟ أوسولت له نفسه ذلك..؟ "

في المقابل أصبح اللون الوردي لدى النمر تعبيرا ً للسكينة النفسية لديه بعد أن قدم للبشرية خدمته العظيمة من وجهة نظره ، كما كان الأزرق سابقا ً يعبر عن الرائحة أصبع فيه دلالة عميقة للحقد البشري تجاة بني جنسها أفراد المملكة الحيوانية ، إلى أن تحول الأمر في النهاية لدى النمر أن في اللون الوردي شعور بتفريغ شحنات الغضب تماما ً كما يفعل الممثل الهادئ في حياته العامة حين يدخل داخل احدى شخصياته العنيفه ليفرغ ما يواجهه في حياته اليومية





أتت النهاية لتؤكد تلك السخرية فعدما قام صديقنا الصغير بدفن كل الألوان الوردية في الأرض ظهرت الحشائش والأشجار بالنمو من جديد وانتعشت الأرض لكن هل أمتلأت بالحياة من جديد..؟


لا





فكل الذي ظهر كان بالون الوردي

احمرار قرص الشمس..زرقة البحر والسماء..خضرة الأرض..صفار الصحراء

كل هذا تحول للوردي والنمر ذهب ليعزل بقية الألوان في مكان ٍ ناء ٍ عن صديقنا الصغير في دلالة ٍ على صعوبة أن يعيش الناس على جبلة واحدة على رأي واحد على منظومة واحدة في تفاصيلها




 حررت هذه التدوينة في سنة ٢٠٠٥ في يوم ما ،اتذكر ظروفه لكني لا اتذكر تاريخه