الأحد، 27 يونيو 2021

عندما يسقط القمر

مُهداة إلى @AlmoatazMHD 


كل ما أتذكره هو أنني كنت أطرب كثيرا لأغنية النهاية لماوكلي فتى الأدغال كما كنت أطرب لصوت ثائرة حويجة في مقدمتها، ويرجع ذلك لصوت آلة الفلوت والعود فيها، أي موسيقى النهاية.

طارق العربي طرقان اسم ارتبط كثيرا في ذهني مثلما ارتبط حسين نازك وحسين قدوري وطالب غالي ووائل أبو نوار وموسى عمار وغيرهم ممن كان لهم اسهام كثير في تشكيل ذاكرة الطفولة وذائقتها معا، ذلك الحس العالي المبكر في الاهتمام بالطفل دونما اسفاف لم تفارق تفاصيله ذاكرتي المتواضة

هذا التعرف يؤدي الى تعرف، وكلما غضت داخل الابداع اكتشفت الى أي درجة يخفي هذا النجم الكبير من طاقة داخلة ومخزون كبير يبثه في تمضهرات مختلفة.

وقد علمت من فترة ليست بالبعيدة أن الفنان رياض قضماني هو احد الاسماء التي تتوارى خلف هذا الابداع مثل اسماء كثيرة في عالم الدوبلاج العربي والكارتون الذي يحمل بين طياته الكثير من المبدعين ممن قدموا من ابداعهم ما شكل هذا الأرث للطفل في أماكن مختلفة من الوطن العربي

وقد علمت أنه على صلة بأحد الأصدقاء وانه يعمل في مجال الديكور، قفز الى رأسي اسم فهد يكن، ذلك الفنان الملتزم الذي انقطع عن الابداع وامتهن مجال الديكور ويقيم في مدينتي: الرياض!

فقلت في نفسي لعلها هي الفرصة في ان اجمع بين المجدين طفولتي بشبابي، وقد كانت الأولى!

كان ذلك اليوم هو السبت وقد تواعدنا عند كهفه الأثير، حيث مكان عمله ومكتبه الصغير، مررت في طريقي على محل حلويات عربية حتى يصبح بيننا "عيش وملح" وعندما نزلنا استقبلنا رياض بحميمية وكأننا نعرف بعضنا من سنين، واختفت كل الفوارق التي بيننا وفقط بقي ثلاثة: رياض وأبا القاسم وأنا!
كانت تلك الجلسة التي تقاسمنا بيننا كل المشترك، من ذكريات العمر الماضي الى حديث الاصدقاء وذكريات الطفولة التي ظننا أنها صارت منا بعيدة، كان حديث هو السحر الحلال ينتقل من الموسيقى للتاريخ منه للأدب والشعر ولعل أغنية تعبر في خلفية حديثنا، مثلما عبرت أغنية عندما يسقط القمر لفهد يكن في ثنايا حديث خلنا انه لم ينتهي، ثم نعاود الرجوع لحنين الأيام المنصرمة ويعاود استحضار أؤلائك الشخوص كأنهم يجلسون معنا الآن، ومع كل افتتاحية حديث ارتشاف لقهوة سادة مع ملعقة من صحن الكنافة الممتد أمامنا، وتتخل كل حكاية ضحكة ممزوجة من جمال الموقف وقد تتخللها سخرية ما، كانت جلسة كما قال الطنطاوي رحمه الله: "أجمل المجالس الأدبية، فوضى"
 كانت من لذتها أنّا لم نعد نستشعر الوقت، ولا يذكرنا الوقت انه حاضر الا حين تحين الصلاة فنضطر للنظر إلى الساعة بذهول، كان أول ما التقينا في الأصيل، والأن قد تشرف الساعة التاسعة ولم نمل، وهل يمل المرء من حديث كلما افتتح زيد فيه وإن لم ينتهي؟ 

علمت حينها أن أبا القاسم قد أهداني هدية عيد ميلادي دونما سابق تخطيط أو معرفة، أجمل الهدايا هي التي تأتي بلا سابق علم، وكذلك هي اللقيا، فما أجمل اللقيا بلا ميعاد!

كتبت مسودتها في 26 يونيو 2021
الموافق 16 ذو القعدة 1442