السبت، 27 فبراير 2021

مورمانسك - بعد خروج الليل

 ‏إيفان

إيفان

إإييييفااااااان!

- فالتفت علّي من تحت لحافه وقال: "ما بك؟ الا يكفي ضجيج الناس في الخارج!"

- "اهو احتفال ما؟"

- "لا، لكن اليوم الشمس ستشرق من جديد ولن تغيب إلا بعد ستة أشهر!"

- تهللت اساريري وكادت عيني تلمع وانا اقول: "كيف قلت؟"

- "ما بك شمس ستطلع!"

- "يا بارد!"

‏لم يفهم هذا المسكين، ماذا تعني لي الشمس!

صحيحٌ أن في بلادي تشعر كأنها فوهة التنور فوق رأسي، لكنها هي بسمة الفجر واشراقة اليوم وغضب الظهيرة وغمازة وجنة العصرية ومغيبها مثل مغيب الخطيبة اذا جلست لخاطبها بجانب والدها لعله يؤدم بينهما!


نورها.. والسحب التي تحاول حجبها.. لون شعاعها...

‏"كم الساعة إيفان؟"

"الثامنة مساء! "

"تشرق؟ وفي الثامنة؟ مساءً!"

"اييييي دعني انم! أنت غدوت كهؤلاء الأطفال في الخارج"

"اطفال!" 

‏شعرت لوهلة أني ركبت قطار آينشتاين العابر للزمن، شمس وتشرق في المساء؟ هل هذه دنيا أخرى جديدة؟ اخر مرة رأيت الصبية يلعبون في موسكو، وعند ذلك الشاطئ الأسوء عندما استحالت الدنيا البياض، قلت حينها لعله البحر هو الذي جلبهم، كانهم كائنات تقتات على بخار الماء الدافئ جوار الشاطى.

‏وانا مذهول منهش من هذا المشهد، كأنه عرس، فكما نحن نفرح بالبدر في الليلة الظلماء، كان لخروجها كأنه انبعاث للزمن، الان نولد، وكلما نظرت في وجوه الناس، تبينت ذات المعنى لذلك الشاعر الذي يشعل الغضى وهو يرى البدر ساطعاَ فوقه 

‏وسط كل هذا الدفئ من شروقها، ليس لأن شعاعها غير حرارة المكان، بل لا تزال هي تحت الصفر بـ ٤٦ درجة، لكنه دفئ المحب الذي كان كلما طلب حبيبته لم ينلها، قد نال منها وطراً، هو تلك الحميمية بين عملاق رايته مرة في عرشه صباحاً يلمع كانه كوكب صغير كالزهرة ويحاول أن يلمع كالنجم خجلاً

‏وسط كل هذا اتاني إيفان حاملاً فأسه يقول:" خذها! نحتاج أن نحتطب بها!"

قطع صمتي كمراسل صحفي يبث خبرا عاجلاً، وسالته: "هل استأجرت سيارة؟ أرني!"

......

...

صحت - "ما هذه؟ جيب من العهد السوفييتي!"

"المتاح مما هو متاح، اشكر ربك!"

"هذه بقايا ماركسية فيك؟"

"اصعد واسكت!" 

‏ونحن نجمع اكوام الحطب ابتداني إيفان بالحديث:

- "لو لم أعرفك، لقلت انك سوري أو عراقي!"

- "بسبب الحديث عن الشيوعية في ذلك الليل الادهم لستة اشهر؟ لو لم اعرفك لظننتك قوقازيا او تتريا بسبب المامك بتفاصيل كثيرة تخص المسلمين"

-" انتبه وانت تحزمهم"

-"اصمت!حتى الاحتطاب عادة قديمة عندنا"

‏في الطريق:

-" ماذا تريد على العشاء الليلة؟"

-"اي ليلة يا ايفان، الا ترى الشمس؟ كانها الظهيرة والساعة الحادية عشرة وعشر دقائق مساء، اي ليلة؟ "

-"بدأت تظهر عليك الاعراض؟"

-"تظل افضل من الليل المعتم، ثم دعنا نصل للنزل، ونستمتع بهذه الموسيقى الفلكلورية"

-"ما اسمها؟"

-"ليلة في روسيا!" 

‏-" هذا حطب يكفي وزيادة"

-"وإذا لم نكتفي نستخدم أجزاء من هذا المنزل الناجي من العهد البلشفي"

-"ظريف"

- 😂 

‏-"لا لاااااااااا ارجوك بدات اشعر اني ساتنفس من خياشيم تظهر في رقبتي الآن"

-"ولكنه سمكٌ بحري هذه المرة"

-"السمك هو السمك ان شاء الله جئت به من البحيرات المجمدة، ارجوك، أريد لحماً"

-"وهذا؟"

-"اعطه لطيور النورس البغيضة البيضاء"

-"احضر الطنجرة"

-"ما هذا؟ ما هـ ذا؟ "

-! 

‏-"لن آكل منها، ولن آكل سمكاً بالذات، فسفور واشعاع مستحيل!"

-"ولكن الميناء نجى من الحرب حينها"

-"اصمت، هذه القدر السوفييتية لن آكل منها، ثم من اين تأتي بهذه الأشياء، الحقيقة، منذ أن شاهدت السيارة وأنا انقطعت سبل الرجاء منك"

-"والآن ماذا تريد؟"

-"ساعتي..لم يأتي الفجر!"

-"اتت شمس! "

‏جلست في زاوية الغرفة، واضعا يدي بين فهذي، محاولا تأمل المكان، وإيفان البارد يعد طعام النورس، وأنا أحاول أن أعيد ترتيب اوراقي في مكان استحال الى صفرة أقرب لقشر البرتقال من شمس تشع كأنها العصر والساعة تشير للخامسة فجراً.

‏ألد أعدائي هُنا ساعة، عقرب يلدغ وقتاً تجتره سماً، ولا تدور الأرض، لكن رأسك هي التي دارت بك!


اخذتها، وخرجت مسرعاً للمرج خارج المكان وكأني خارج من الزمان، رميتها وقلت كما قال:

بم؟ التعلل لا أهل ولا وطن

ولم ارى لمعتها وهي تختفي اسفل المرج

وتذكرت لحنا قديما صدح حينها رأيته يواسيني 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق