السبت، 27 فبراير 2021

مورمانسك - الوصول

 ‏عندما وصلت، انتابني شعور بالرغبة في النوم، فالليل خيم على أرجاء المكان، وجفوني ثقلت.

قال رفيق دربي - بلسان لغته الثقيل - : ما انت فاعل؟

- "سأنام"

- "نحتاح للتبضع!"

- "ولكن المحلات مقفلة ليلاً"

- "اي ليلٍ هذا الذي تتحدث عنه، الان الواحدة والنصف ظهراً!"

- "كيف قلت؟!"

‏رفعت يدي أنظر للساعة،فكان كما قال، ثم رفعت رأسي للسماء فلا أجد الا ستارة خضراء ولا أرى شمساً!

ظننت أني أحلم، كأني في لوحة سريالية أو مشهد من فيلم تجريبي، فمخي لم يستوعب بعد مرور ثلاثة أيام أننا هُنا في مورمانسك لا نرى الشمس ستة أشهر، وعلي أن أنظر كل هذا الوقت حتى لا أرى ليلاً قط!

‏ولكني قررت أن أهرب من كل هذا بالنوم، وهو بكل حس بارد كأجواء بلده القارس، جلس على الأريكة يتصفح هاتفه المحمول، بعد أن عدنا من التبضع


استيقضت الساعة الثامنة والنصف صباحاً، لكن الشمس لم تستيقض، حككت رأسي وأذني، وإذا يقول لي: "أتريد قهوة الصباح؟"

ضحكت ساخراً - أي صبحٍ وأي مساء تعني!

‏إيفان لم يعتد على المكان مثلي، فهو وإن كان روسياً، لكنه لم يزر هذه المدينة قط، وكنت أنا الآتي من مدار السرطان من حفزته على زيارة الدائرة القطبية الشمالية، لكنه يتمتع ببرودة هذا الثلج الذي يستاقط علينا يومياً يكسو كل شيء باللون الأبيض والسماء فوقنا مكسوة بالسواد.


- "يا بارد!"

‏- "нет!

لكنه وقت الذروة في الطريق، وأريد التركيز!"


هُنا جن جنوني، فالساعة بالرغم انها اقتربت من التاسعة الا ان الناس في نفس تحركاتها، كأنك في استديو ترومان عندما كان يتكرر كل شيء على جيم كاري.


ليس أمامي الا أن ابدأ روتيناً جديداً مع إيفان!

‏"هل تصدق أنها العاشرة صباحاً! "

"دعك من تصوير الطريق وقل لي: هل لدينا ما يكفي للتدفئة؟"

‏- "اتدري ما هذا الذي يضيء من بعيد؟"

- "كوكب ما؟"

- لا! إنها الشمس! 

‏كانت الساعة الحادية والنصف صباحاً ورأسي المتضخمة تكاد تفتك بي من الصداع، ومع محاولات شروق الشمس العصية، تحول كل شيء للون الأبيض: ثلج في الأرض، وبياض نور الشمس في السماء!


"إيفان! أرجوك! خذني للشاطئ!"

"لم؟ لن ترى شيئاً!"

"وهل كنت أرى لأرى الآن؟! لكن أريد أن أكسر حدة هذه الألوان!"

‏صار الاسود والأبيض ألواناً حادة، لم يعد يعنيان لي أي شيء، بل صار للالوان الأخرى معاني أكثر جلالاً، ولربما يوماً أطلق زوجي حتى ارتاح من غيرتها من شدة تغزلي بالشمس!


وعند الشاطئ كان قمة الصدمة!

رغم كل هذا البياض، الا ان لون الماء أسود!

وكأنك في حديقة خريفية لا لون فيها الا الصفرة!

‏"سمك من النهر ثانية!"

"وماذا تريد غير ذلك؟ لا يمنكننا الصيد!" 


اكلت بمضض وأنا اتذكر:


قلتُ: هل من مزيد؟

وأَوقدتُ قنديلها

ثم حاولتُ تعديلها

كان يمكن أن لا أكون سُنُونُوَّةً

لو أرادت لِيَ الريحُ ذلك،

والريح حظُّ المسافرِ

شمألتُ، شرَّقتُ، غَرَّبتُ

أما الجنوب فكان قصياً عصيّاً عليَّ

‏كان إيفان ينظر إلي مستعجبا وانا اردد قول الشاعر، لعله مثلي كان يشعر بهذه القشعريرة تنتابه وهو يحاول التعايش!

لكنه فهم أني أحاول أن اسجي هذا الوقت الذي لا تشعر انه يمر رغم صوت عقارب الساعة تدق!

دخل لأحد الغرف، واخرج آلة البالاليكا، وبدأ بالعزف: 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق