الاثنين، 3 فبراير 2020

منارة توماس ووينسلو وفي انتظار جودو!

‏المنارة:
في ذاك المكان القصي المنعزل يصل الإثنين إليها، توماس ووينسلو، في مشهد ترحيبي يصلان فيه إلى صميم روحك، كسرا فيه كل الحواجز وهما ينظران إليك وأنت تنظر إليهم، يقتحمان عليك روحك عنوة، وما إن يبلغان منهت حتى يضع توماس غليونه في فمه ليقول: قد وصلنا الأن، وهُنا! 

‏تبدأ الرحلة في هذه الجزيرة المعزولة وسط المحيط الكبير في انتظار النوبة التالية قبل العاصفة، تماما مثل فلاديمير واستراجون في مسرحية سامويل بيكيت "في انتظار جودو" لكن جودو لا يأتي!
وكذلك هنا، تاتي العاصفة، ولا تأتي المناوبة التالية، فيدخل الاثنين في صراع العزلة والتوحد!

‏كان توماس قد حذر وينسلو من قتل طيور البحر، "انها طالع شوم" "تنقل اوراح البحارة" وعند من يجوبون البحر قول مأثور: لابد لقتيل البحر أن ينتقم، كما حاول آرو أن ينتهم من لونغ جون سيلفر! 
هنا تتقلب الصفحات القديمة لحياتهما، ليتعرى كلاً منهما أمام الآخر ساقطين في الملذات ينتظران جودو

‏لكن الطير يُقتل، فيقع المحضور، وتأتي العاصفة لتحرق روح الاثنين، فليتلبس تومس بلباس بوسايدون - والذي يشبهه في المظهر، وقد ظهر ذلك جليا في لحظة طهوره امامه في الليلة الماطرة وعيناه تشع نورا - فليقي بالاحكام على العاصي وينسلو فيستقبلها الاخر بكل بلاهة، وبعدها يعاودون للمذات

‏وما كانت الحورية الا تجسيدا لها الغرق في المذات بدال نوبات الجنون كالعاصفة التي استحوذت على كل شيء الا من أمل واهم ان يأتي جودو، وفلم يبتقى من المنارة الا امر واحد: الانتظار!
مثلها في ذلك مثل محطة القطار تماما!

‏لتنتهي هذه الرحلة في انتظار الموت، بتجرد لا هو خلاص ابدي، ولا هو خلود سرمدي، لكنه المضي في الحالة الجنونية انفرادية معزولة كذرة انتهت لانشطار نووي، فانتقم الثاني من الأول تذمراً، وذهب يبحث عن التطهير في المنارة لكنها احرقته وتركته للعنة البحر أن تُنهيه!
أما الأول قتله تسلطه!

‏الفيلم غريب لكن المخرج أجاد في ثلاث أشياء:
الأول اختيار الإطار الضيق للفيلم، كناية عن عدم السعة داخل هذه العزلة وفي روحي هاتين الشخصيتين.
والثاني في عدم تلوين الفيلم، كناية عن قتامة الحالة التي يعيشونها،داخل هذا الزمن القديم والبعد السحيق.
والثالث أخراج هذه الطاقة التمثيلية منهما
‏مدة الفيلم مناسبة جدا في هذه الرحلة الغريبة الصاعقة كصواعق عاصفته، وتجربة تستحق ان تشاهد، ربما كمثلي مرتين، ولن تمل.

كتبت في السابع والعشرين من شهر ديسمبر ٢٠١٩

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق