السبت، 19 مارس 2022

حدث ذات مرة في المكتبة


مُهداة إلى: @ForgottenOsama 



المكان: أدمبره، أسكتلندا

في مكتبة ما في طريق بجانب القلعة الشامخة المطلة عليها

الحقيقة أن الطريق اسمه رويال مايل، وهو الطريق الرئيس للمدينة القديمة ويربط بين أهم مكانين في المدينة: قلعة أدمبره الأبية، وقصر هوليرود الذي شهد مأساة ماري ملكة اسكتلندا  والتي انتقم لها اينها جيمس بأنه ورث عرش ملك إنجلترا!

كان بابا عتيقا كحلي اللون خشبي عتيق دلفنا منه للداخل، عندما دخلت استمعت لموسيقى مألوفة فتوقفت وسألت صاحب المكتبة بصوت عالٍ: هذه موسيقى تبدو مألوفة؟

فرد قائلا: تظن؟ أنها محلية جداً!

قفلت له: مهما يكن، أنها مألوفة جداً بالنسبة لي!

وعندما طال سماعي لها تذكرت، فقلت له: لعلها أحد أفلام ويس أندرسون!

فقال لي: ربما، ويس أندرسون يحب هكذا إضافات داخل أفلامه، أذا أنت تعمل كمخرج سينمائي؟

قلت: تقريبا!

قال لي: بأي معنى؟ كاتب سيناريو؟ روائي؟

قلت: تقريباً

قال: إذا ماذا تعمل؟

قلت: ليس المهم ماذا أعمل، المهم أني مهتم في هذه المجالات بدافع الفضول!

قال: ما الذي أتى بك إلى المكتبة على كل حال؟ أعني بالتأكيد ستشتري كتاباً، لكن أيضا هنالك سبب آخر؟

قلت: صديقي يريد شراء نسخة عتيقة من رواية موبي ديك، أنه يحبها حباً جماً، وقد خضنا أحاديث حول التقارب والتباعد بينها وبين رواية الشيخ والبحر، وهو قرأهما باللغتين العربية والإنجليزية، والآن يريد الاحتفاظ بنسخة عتيقة من القصة.

قال: هذا مثير فعلاً، أين هو لم أراه!

قلت: قد انسل من بيننا ليسبح داخل قسم الأدب الأمريكي!

وفي هذه اللحظة صدح صوت رفيقي الأثير في الرحلة الاسكتلندية وقال: هل لديك نسخة أيضا من " في انتظار جودو" لصامويل بيكت؟

قلت له: على فكرة، هل قرأت هذه الأعمال كلها؟ هل أعجبتك نهاية موبي ديك؟

فقال: أنها ليست عن النهاية، بل عن رحلة الرجل في مطاردة هذا الحوت المثير، رحلة الثأر أن صح التعبير، لكن أعلم ماذا تعني، الكثير من الناس تتعلق بالنهايات، وكثير من اللغط حول أنها عمل ذو نهاية كأنها مفتوحة!

قلت: كأنها؟

قال صاحبي الأثير: دعك منه، كل مكتبة ندخلها منذ أن وطأت قدماه المملكة المتحدة وهو يسأل صاحبها هذا السؤال عندما نأتي على ذكرها، كأن في نفسه شيء منها؟

قلت: ليس في نفسي منها شيء، بل عمل يعجبني وأتفق معكما، لكن هي محاولة استخراج رأي قارئ يكون في ذات الوقت أمينا لمكتبة، ودوما هناك إجابات مفاجأة تتعلق أيضا بالمقارنة مع روايات أخرى!

قال الاسكتلندي: بالفعل ولهذا أنت عرجت على رواية الشيخ والبحر، والتي فيها لنقل نهاية واضحة المعالم!

قلت: بالفعل هنالك أقرب لحكاية الجدات، وهنا كأنها قصة عن رجل يرويها معاصر به عنه!

قال: على هذه السيرة، أنت قلت أنكما قرأتماها بالعربية، إذا أنتما من أين؟

قلت: أحزر؟ نحن أيضاً ننتمي إلى مملكة! وغمزت له وأنا أضحك!

قال: أن كان كذلك، فأظن أنها السعودية!

قلنا: أصبت! ومن الرياض!

قال: جدي الذي لم أدركه كان في الرياض أثناء تنفيذ مشروع مستشفى الملك فهد التخصصي، لكني لا أذكر السنة بالضبط، فأنا لم أدركه على كل حال، لكن أبي كان يروي هذه القصة لنا دوما!

قلنا: إذا يتوجب عليك زيارة ثانية الآن، فقد صارت بيننا صخبة ومعرفة قديمة، من الجد للحفيد!

قال: بالتأكيد!

ثم درنا في المكتبة قليلاً، وعندما قضينا منها وطرنا، عندا وقال: أنتما أقرب ما يكون تبدوان كصحفيين متجولين ...

قاطعته وقلت: مثل تان تان لكن بدون ميلو!

فأسند ظهره على كرسيه ضاحكاً وهو يقول: يا إلهي! فعلاً!

قلت: تان تان واحد من أجمل أعمال القصص المصورة الأوروبية ...

وهنا قاطعني صاحبي الأثير وقال: لكن هو تعلق باسكتلندا لعدة أسباب أخرى من ضمنها عمل قصصي مصور لشخصية اسكتلندية، هو سكروج ماك داك (عم ذهب) فصوت والدة هذه الشخصية ما زال يناديه من غلاسكو!

فضحكنا وقال: أتدري لو زرتماني مبكراً لأجلستكما فحديثكما لا يمل، لكن حان وقت الإغلاق في الخامسة

فودعنا بعضنا وانطلقنا لنتابع بقية يومنا في نهاية اخر ضوء من نهار ،،،


يقول المتنبي: إنما يحصل النجاح مع الطبع .. وعند التعمق الزللُ - بتصرف -

ويقول الشيخ علي الطنطاوي: " أجمل المجالس الأدبية: فوضى!"

جزء من جمال الأشياء أن تأتي عفوية، وأن تكون بلا موعد ولا أعداد، أن لا تستشعر الوقت، إلا حين النظر إلى الساعة بذهول، ولم  نمل، وهل يمل المرء من حديث كلما افتتح زيد فيه وإن لم ينتهي؟ أنه والله السحر الحلال!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق