الأحد، 20 مارس 2022

وأخيراً ويلز! أخيراً نلتقي!

 بالرغم من مبايعة بقية اللوردات الويلزيين لإدوارد الأول ملك إنجلترا في عقب وفاة ليويلين وإعدام شقيقه الأمير دافيد، في عام 1282م، إلا أنهم - أي اللوردات - حددوا أن ويلز بأنها ملحقة ومتحدة مع التاج، منفصلة عن إنجلترا ولكن تحت حكم الملك نفسه.

هذه الصرامة والحدة المستلهمة من طبيعة البلاد الجبلية، ظهرت في بداية اليوم عندما ذهبت إلى محطة عبور الملك فقال ان القطار لا يسير من هنا بل من محطة أخرى يجب أن تذهب لها عبر قطار الانفاق الذي يدور أسفل العاصمة الإنجليزية كأنه أمعائها! وبعد لفة طويلة وعندما وصلت لمحطة بادينغتون بعد دوان طويل تحت الأنفاق - وكأنها محاولة خفية من يد تنين ويلز الأحمر لأن أتوه عنها - لكن تكللت بالنجاح، لكن أيضا كان هنالك مفاجأة تالية!

فتاة انجليزية شقراء باهت لونها تفزع الناظرين عندما سألتها عن موعد تحرك القطار قالت بكل برود انجليزي تجمع في فمها وهي تنطق الكلمات الثلاث التالية: you missed it!

 وهنا تذكرت قول الشاعر: أجَاعَ اللهُ مَن أشبَعتُمُوهُ .. وأشبَعَ مَن بِجَورِكُمُ أُجِيعَا! وأنا حانق لأني مضطر للانتظار ساعة أخرى حتى القطار التالي!

وقد كان فبعد أخذ جرعة من مادة الكافيين اللندنية الفاسدة، لكني أتبعتها بساندويش سمك السلمون الأسكتلندي المدخن فخفف من وطأة جوعي وغضبي بسبب أنني لم أتناول فطوري باكراً كالعادة ثم أتبع بهذا الفيلم الصباحي العجيب الذي بدى وكأنه لعبة الدودة على الهاتف الجوال!

صعدت المقصورة في الساعة الثانية عشر والنصف من ظهر يوم الأحد المؤرخ بالعشرين من آذار/مارس 2022م الموافق السابع عشر من شعبان 1443هـ أخضر اللون كراية التنين الأحمر الذي يتوسطها ولا يتوسط العلم البريطاني، وانطلق بي كسهم روبرت هيكتون ليذهب إلى ديار السير آنتوني هوبكنز!

ولتتجلى العبثية والبساطة الريفية في هذا القطار الأخضر، جلسا في الكراسي اليمنى المقابلة للكرسي الذي أمامي، شابين إنجليزيين متعجرفين، لم يتركا أحدا في المقصورة الا وتهكما عليه بما فيها الفتاة التي تجلس في الكرسي الذي أمامها وشاب كويتي يجلس في الكرسي الي عن يسارهما - أي أمامي - ولما طال الانتظار حتى يكتمل جميع الركاب، ملّا الانتظار وقررا أن يجدا طريقة للنوم!

الأول كان يرتدي قبعة بيسبول صفراء كأن أشعة الشمس زادت من تعتيقها صفرةً، ويلبس نظارات شمسية كأنها نظارات سلفيستر ستالوني من أحد أفلامه المعتادة، وقميص أبيض نصف كم بشارب أشقر نحيل وبنطال قطني أسود، أسند رأسه التي كأنها الحنظل اذا جف الى النافذة وغطى نصف وجهه عني وترك الآخر للشمس! لا ادري كيف سيجد نوما هنيئا في هذا الحر!

أما رفيقه فكان يلبس شورت رصاصي مقلم كأنه نزع من أحد الستائر تواً وفوقه قميص أبيض بكم طويل يميل للصفرة لا أدري ما السبب ولا أريد أن أفكر به لكي لا تذهب خيالاتي لمناطق لا أريدها، وفوقها جاكيت رياضي صغير ذو لون رمادي غامق، لم يستطع أن ينام على الطاولة الصفيرة التي أمامه، مثل طاولات كراسي الطائرة، فأنزل حقيبته من أعلى وحضنها كأنها حبيبته وأنطلق في نوم عميق، عند كل محطة توقف يقوم بمسح لعابه المنساب كنهر التمز الإنجليزي عليها ثم يكمل الإغفاء بلعاب جديد!

ثم في منتصف الرحلة وقبيل الوصول لآخر محطة في الأراضي الإنجليزية فطن ذو الشارب أن للنافذة ستارة كشورت صاحبه يمكن أن يسحبها لتحجب عنه الشمس لكن ما إن أنزلها لربع المسافة حتى تركها وترك الشمس تعطي جلده لونا جديداً!

أما الفتاة بدأت تقيء فجأة في الكيس الذي بجانبها من فرط اهتزاز القطار بسبب ملل الرحلة برغم أن المدة ساعتين ونصف للرحلة! ولا أدري امانة ما الذي أنكرته لتدخل في هذه الدولمة وتستكمل الرحلة برائحة جديدة إضافة للروائح الأخرى المنتشرة والتي اتركها لخيال نيافة أنفكم الجليل!

بقي الشاب الكويتي أليس كذلك؟ الحقيقة أنه  نسي الإنجليزية وفجأة تحول محيط الكراسي الثلاثة - الذي أمامي والذي خلفي وأنا بينهم - إلى وكأننا في قطعة "ثلاثتعش"  أنظر للنافذة فأرى السهول الويلزية لكن الأجواء المحيطة بي تذكرني بـ"الفنطاس"

رحلة عجيبة تليق بتفرد هذه المكان الصغير نسبيا الغني بالتفاصيل، وفي كل رحلة يكون هنالك طابع من المكان  يشدك ويعكس أمامك صورة تستحضرها:

فإسكتلندا هي مثل والدك، مَهيب، ولا يبخل عليك، ولا يحني رأسه إلا لتقبله!

أما آيرلندا فهي كحضن والدتك، لا تشعر فيه بالغربة أبداً وتشعر دوما بالحنين إليه!

- وويلز؟

ويلز! هي صديقك المشاكس، الذي تتفق أنت وإياه في أمور، وتختلف معه في أمور أكثر، لكن دوما هنالك نقطة مشتركة تجمعان عليها بلا تردد!

مرحباً بكم في ويلز!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق