الاثنين، 8 يونيو 2020

Lincoln ‎...، والسؤال لا يزال حائر !


 


في الرابع والعشرين من جولاي 2013 ميلادية أنتهيت من مشاهدة فيلم لينكون لستيفين سبيلبيرغ ومن من بطولة دانيال دي لويس، عندما ظهر كريدت النهاية قلت في نفسي: " هذا الفيلم ليس فيلما عظيماً عن شخص عظيم! ".

بلى؛ ليس فيلماً عظيماً، لكنه سرد مختلف قائم على ثلاثة أمور:
الفكرة
الأداء
واقتطاع حقبة تاريخية محددة من حياته لتوثيقها

أما الحقبة التاريخية المقتطعة، فهي فترة تمرير تعديل المادة 13 من الدستور في البرلمان والخاصة بالعبودية، وإثارة السؤال التاريخي حول ما إذا كان إصرار لينكون حول الأمر حينها هو السبب في استمرار ويلات الحرب الأمريكية، أو أن تأجيل هذا التعديل من الممكن حسمه في المستقبل الأمريكي القادم بعد توقف الحرب.

كانت الفترة مختارة بعناية وبذكاء، والسير في جنباتها مع لينكون حتى منتهى الذروة كان كفيلاً لنقل المشهد من زاويته هو ونظرته للأمر، أليس كل عظماء التاريخ إذا قرروا أمراً بذلوا له كل المبررات والسبل والوسائل؟! هذا كان لسان حال من هم حول لينكون.

الفيلم أتى مثل صورة كـ Flashback، ومحاولة صنع وثيقة مصورة درامية لحقبة محددة من تاريخ لينكون تدفعنا للتساؤل من جديد:
هل عرفنا لينكون؟
هل عرف الأمريكيين لينكون؟
هل لينكون كان واثق من كل ما كان يفعله؟
وكل تلك الأسئلة كانت تظهر وتطفو على سطح شاشة المشاهد، كانت الصورة معبرة والألوان جميلة والديكورات والملابس منتقاه بعناية، وهذا ما يميز سبيلبيرغ تلك الصورة الشاعرية المبهرة، ولا شيء غير ذلك.

أما الأداء فكان هو الشيء الأبر والذي أنقذ فيلماً أعرجاً طويلاً من السقوط في مهالك الملل، كان أبرزهم بالنسبة لي هو الأداء الخلاق والرائع للممثل توملي جونز ذاك النائب المناضل الثائر الشرس صاحب الباع الطويل في السياسة الذي استسلم أخيراً امام خيار المساواة الكاملة إلى خيار المساواة أمام القانون ليس إلا، فقط " لنمرر التعديل عبر البرلمان! ".

بالنسبة لدانيال دي لويس فقد كان متمكن من الشخصية ومن جوانبها..إيهابها..حضورها..إلا أداءه بالرغم من تمكنه من الأمساك بخيوط الشخصية، إلا أن به فتور ما يجل ضوء الكنيك العالي للأداء يخبو، يظهر ذلك جلياً في بدايات كل مشهد جديد لدي لويس، تشعر انه عندما يبدأ وكأنه سأل: " هل أدرتم الكاميرا؟ " ربما بسبب التكنيك المسرحي الذي استخدمه والذي يعرف بــ " البناء والهدم " والذي يجعل الممثل في حالة بناء وهدم مستمرة للشخصية، وفي كل مرة يصورها وكأنه يصورها لأول مرة، له علاقة بذلك؟ ربما! لا أدري، لكني على يقين ان دي لويس ممثل له باع طويل في التمثيل، ولربما هذا الذي جعلني عندما رأيت دي لويس يستلم الأوسكار كان في نفسي من المشهد شيءٌ منه لم يندمل، لكن دي لويس فعلها للمرة الثالثة.

أعظم ما الفيلم والتي تشفعت للفيلم عندي هي فكرته!
هل لينكون كان على يقين مما يفعل ؟
كثير من العظماء عندما يتخذون قراراتهم التاريخية التي يقررون فيها مصيرهم ومصير من حولهم، يتخذونها وهم في كامل قواهم العقلية، لا مبالين بأحد ولا يتراجعون، " يجب أن يكون هكذا " هذا لسان حالهم، فإذا سكنوا إلى نفوسهم، تفكروا، وأعادوا السؤال من جديد: هل ما فعلناه هو الحق؟ أم هو الوهم ؟ هل نحن أُمةٌ في رجل ؟ أم رجلٌ في أُمةٌ ؟ من نحن ؟ وماذا نفعل هنا ؟ وتثار كُل تلك الأسئلة في وجدانهم..ويراجعون..ويقلبون تلك الأسئلة من جديد لتتفتق عن اسئلة جديدة..حتى إذا انجلى ذلك اليوم الحائر، وأصبحوا على من حولهم في اليوم التالي، وجد الناس عظيمهم متمسك برأييه بعزيمةٍ أكبر، هم لم يكونوا أصناماً بل بشراً، حتى الطغاة يحتارون، فهل لينكون كان طاغية ؟!
وما الطغيان ؟
في عرف الناس .. في عرف الدين .. في عرف التاريخ .. في عرف المنطق ؟
عندما يستغني الإنسان يطغى! ولهذا يحتار!
والعظماء يستغنون برأيهم عن الناس، ولهذا يحتارون! 
أهم وأعظم مشهد في الفيلم بالنسبة لي والذي يجسد ما قلته قبل قليل، هو اللحظة التي قبل فيها لينكون زيارة مفوضين ريتشموند الجنوبيين للسلام، فأراد إرسال برقية للملازم غرانت بذلك أنه لا يمانع بزيارتهم لواشنطون العاصمة على أن يبقى هو والجيش على أهبة الإستعداد ...

عندما التفت موظف البريد للرئيس وقال له: " هل أرسل البرقية يا سيدي ؟ "
رد عليه الرئيس بعد صمتٍ طويل: " هل تعتقد أننا أخترنا أن نولد ؟ "
رد موظف البريد: " لا أفترض ذلك "
الرئيس: " هل نحن ملائمون للأوقات التي ولدنا بها ؟ "
موظف البريد: " أنا لا أدري عن نفسي .. أنت .. ربما .. "
الرئيس ملتفتاً لموظف البريد الآخر: " ماذا تعتقد أنت ؟ "
 رد الموظف الآخر:" أنا مهندس! "
الرئيس:" لربما قرأت عن نطريات أقليدس في الرياضيات أيها المهندس، يفترض ان كل شيء بدأ بالتساوي....البداية كانت بالمساواة..، أليس كذلك؟ المساواة هي العدل..، أليس كذلك ؟ "

ويظل حائر، يريد لمن يؤكد له ما هو متأكد مما يفعله، ولكنه لا يريد الإجابة؛ كيف! وهو من هو في هذا المقام، "لكنّي لستُ متيقن" هذا لسان حاله.

ويظل السؤال "هل أخترنا أن نولد ؟ " الفيلم كان عبارة عن تساؤل طويل، وصراعات المبادئ وألاعيب السياسة ومدى الإيمان بهذه المبادئ، يجعلك قلق لا تهدأ، متى يكون المستقر؟

بقِيَّ لدي تمنّي، وهو أنه ليت الفيلم لم ينتهي مع مشهد مقتل لينكون الذي لا أدري كيق ظهر على الشاشة بهذا الغباء، لو أن الإضاءة بدأت تخبو وهو يتحدث مع غرانت عند البيت الخشبي قريب من نهاية الحرب، لكانت نهاية أبلغ وأعمق من النهاية الفعلية للفيلم.


كتبت في ٢٧ - ٧ - ٢٠١٣م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق