السبت، 12 أغسطس 2017

كيف نحاكم مبدع؟ هيدوكوجيما نموذجاً [1]



يومي منك يا كوجيما يومٌ طويل ! "

باستحضار هذه العبارة بتصرف عن أحد الخلفاء، الذي تذكر معارضاً له قتلهُ وهو في سكرات الموت قال:" يومي منك يا فلان يومٌ طويل" أي: سيحاسبني الله على قتلك في يومٍ طويل!

لطالما طال السجال حول سلسلة ألعاب الفيديو الخالدة ميتال جير سوليد، وأي أجزاء السلسلة يعتبر هو الأكمل والأجمل والأكثر خلوداً في الوجدان، ولطالماً بناء على هذه الاختيارات للأجزاء ننتقد كوجيماونؤنبه من خلال الأفكار التي يطرحها، وإخراجه للسلسلة، وطول العروض ومساحة اللعب من قصرها .... الخ

لكن من أين ننطلق ؟ ..... ليكن البدء بسؤال:

كيف نحاكم مبدع ما على ما يطرحه من أفكار؟
أنت لا تستطيع أن تحاكم مبدع ما على أي أفكار يطرحها لك من خلال عمل فنّي ما، لكنك تحاكم المنتج الذي أخرج لك به هذه الأفكار!
بمعنى:
- أنت لا تستطيع أن تؤنب كوجيما لأنه يركز تارةً على الخيال العلمي أو أنه يجنع للسياسة أو انه يتكلم عن دراما الحروب ... إلخ ويركز على جانب دون آخر؛ فهذه أفكاره هو أراد أن يناقشك بها ويتعاطا معك حولها بطريقة إبداعية جمالية، فإما أن تقبلها أو ترفضها أو تدخل معه في سجال.
- بالمقابل، تستطيع أن تقول له، لم استخدمت طريقة سبيلبيرغ التي تعتمد على الإبهار البصري في إخراج هذا المشهد الحواري، ولم تستخدم طريقة كوروساوا المسرحية في إخراج ذات المشهد.

في الثانية أنت تنتقد طريقة عرض المحتوى، اما المحتوى فأنت تتناقش فيه، وبين الإثنين بونٌ شاسع!

المبدع عندما يطرع أسئلته ورؤآه عبر شكل فنّي معين، فهو ينتظر شيئين من المتلقي معاً - ( سواء أكان هذا المتلقي لاعب أو ناقد ) - :
تعاطيك مع الأفكار ( الفكري منها والفنّي ) & نقدك لأسلوب الطرح ( في الشكل والمضمون )

والملاحظ على كل نقاشاتنا حول أجزاء السلسلة من تفضيل او تحبيذ أو ذم فجلّه إن لم يكن كلهُ يحوم حول حمى الطرح والشكل الذي قدمت فيه اللعبة، وليس الأفكار!
كوجيما لا ينتظر منّا نقدنا لأفكاره، بل تعاطينا معها، وعندما استمع لنا، لم يستمع عندما تحدثنا حول دراما الحرب، أو سوداوية شخصية ذا سورو، أو التركيبة السياسية المعقدة حول شخصية سوليدوس ... إلخ، بل استمع لنا عندما تحدثنا عن طول العروض السينمائية من قصرها، عن حجم القيم بلاي، عن المحاكاة الفجة لبعض اللحظات السينمائية الخالدة، عن طريقة طرح الحوارات واللغة المستخدمة ... إلخ،

المبدعين في الفنون ليسوا ككتاب الصحف!
لا ينتظرون آرائنا فيما يطرحون من فكر، ولا تقييمنا لها، بل ينتظرون تعاطينا مع الفكرة، وتقليبها وإثارة أسئلة جديدة عن طريقها!
أما كاتب الصحيفة كالسائس على مكتبه، وكخطيب الجمعة على المنبر، ينتظرون تقييمنا لأفكارهم، وكأننا نقيمهم هم، ولا يوجد عندهم شيء اسمه " موت الكاتب " ولهذا خُلق كتّاب الرأي كمحاولة للثورة!

لهذا يا أصدقائي مهما فعل كوجيما، ومهما تساجلت معه، أو إنتقدته، فأنا راضٍ؛ يرسل ابداعه حتى المنتهى، يثريني ويغذي أسألتي، ويبعث فيني أملاً حول صناعة أتابعها ولو عن بعد، ويذكرني بكل الأمور التي أحب، فرقتنا اللغة والمكان، وجمعنا الفن!

لهذا كُنتُ أقول: " يومي منك يا كوجيما يومٌ طويل! "


كتبت في الثلاثين من يونيو-حزيران 2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق