السبت، 6 مايو 2023

حدث ذات مرة في الغرب

 

بينما كان الليل يخيم علينا في اندورا، وسط الجبال التي تكتسي قممها بالثلوج، جعنا، فقلت لمن معي: أترغبون بالعشاء أو النوم؟ أنا نازل! وإن بدا الليل هادئ!


لبست معطفي، ونزلت أبحث عن أي مطعم قريب، يقدم وجبة محترمة، قابلة للأكل، حتى وجدت عند نهاية الشارع الذي تبدو نهاية كرأس مثلث، مطعما في الزاوية اليسرى، دخلت وصادفني نادل كأنه حارس شخصي، ذو ملامح أوروبية ليست صارخة، قال لي: اسبنيولا؟ فغونسي؟ رددت: انجليزيي!

فلما قدم إلي قائمة الطعام بالانجليزية، قلت له: لم تحديدا اخترت هذه اللغتين؟ أأنت فرنسي أو بلجيكي؟

قال لي: لا هذا ولا ذلك! أنا من هناك!

- من هناك!

- ‏نعم!

- ‏أين هناك؟

- ‏روسيا!

- ‏حقا! موسكو؟ سانتبطرسبيرغ؟ فولغوجراد؟

- ‏من الجنوب أكثر من هذا! وهو يضحك!

- ‏غروزني؟

- ‏هههههه أنا قوقازي!

- ‏السلام عليكم! ومددت يدي اصافحه!

- ‏رد المصافحة وهو يقول: وعليكم السلام ولكني لست مسلم، اسمي جون!

- ‏قلت صحيح، ليس اغلب القوقازيين الروس مسلمين مقارنة بالشيشانيين والتتار، ولكن مرحبا بك على كل حال فرصة سعيدة، اسمي رعد بالعربية المقابل الانجليزي له: Thunder

- ‏من أي البلاد أنت؟

- ‏من العربية السعودية!

- ‏هذا يفسر اهتمامك بالجنوب، البعد الديني!

- ‏البعد الديني وغيره!

- ‏حسنٌ، ماذا تريد أن تأكل؟

- ‏اترك الموضوع لك! لكني اريد طبقا بحريا خفيفا ولكن مختلف عن السائد!

- ‏عُلم!

بعد نصف ساعة احضر لي طبق حبّار مقلي بالملح! مع ان مظهر الطبق لا يوحي بذلك، كأنه البقسماط المعتاد!

المهم اني اخذت حلقة حبار وما ان وضعتها في فمي حتى انفجر ملح البحر من فرط تركيز النكهة ذكرني الطعم عندنا كنا نسبح في البحر صغارا ثم نشرب من ماءه بسبب الموج، تداخلت مع كل مضغة حتى البلع كل الذكريات التعيسة لشرب ماء البحر المالح اثناء السباحة فيه!

فلما انتهيت وانا ما استسغت الملح، حتى استقرت اللقمة في معدتي، ناديت جون: ما هذا؟

- ألم تقل دع الموضوع لي؟ هذا هو الموضوع! العادة يا سيدي أننا نتانوله نحن مع النبيذ الابيض، لكن مشكلتك انت انك مسلم! فقط! وهو يقهقه ضاحكا!

- ‏اها! قل هذا لفلاديمير الاول، هو الذي اختار الارثدوكسية على الاسلام، فقط لأنه يريد أن يظل سكرانا! وغمزت له

- ‏ظروف الرجل! تريد ماء؟

- ‏ما ظنك!

ذهب لجلب الماء، وعندما عاد وشربت منه قلت: لهذا يقولون ان القوقازيين مجانين!

تغير وجهه قليلا ولم تعجبه النكتة، ولكنه قال: هذه صورة نمطية!

قلت: بلى! لكن مطلقها ليس الامريكيين، انما الروس الأصليين! الشماليين!

فتهللت اساريره، فزدت وقلت: لهذا نحن في السعودية نحب التتر والشيشانيين والقوقازيين اكثر من السلاف، هنا تستطيع ان تقول بسبب الدين!

فضكنا جميعا ثم قال: لابد لي من أن أقدم لك شيئا على حسابي!

قلت: شاي مع سوكشا مُحلى بالعسل؟

- اااه! هذا مطعم اوروبي، وأنت تبحث عن اشياء شرقية جدا، أتدري، فنجان قهوة ربما؟

- ‏لا بأس!

أنهيت قهوتي، وعندما هممت بالخروج جاء ودعني وقال: لعلي أراك قريبا!

قلت له بالعربية: إن شاء الله! فضحك، ثم أكملت بالروسية فقلت: داسفيدانيا До свидания 

فرد بالمثل وهو يضحك.

قفلت راجعا والجو بدأ. يزداد برودة بعد منتصف الليل، فاخذت لقطة ختام وانا استمع الى Казачья - Cossack مع لقطة الختام للشارع الذي بدأت تزينه زخات المطر.



تمت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق