الخميس، 5 نوفمبر 2020

عندما غنّت أمامي

كانت تبلغ من العمر ستة وثلاثين، 
ترتدي معطف كحلي اللون تحته قميص عنابي، 
وتنورة حتي منتصف ساقها، أيضاً كحلية اللون، 
كان شعرها الأسود الحالك ينسدل حتى منتصف ظهرها، مع جزء منه تتركه تنسدل حتى اسفل صدرها من الأمام، كأنه ظفيرتين،
لم تكن طويلة، في ظني أنها تبلغ مائة واربعة وخمسين، فإذا وقفت ظن الرائي البعيد انها تصل لخاصرتي،
عيونها السوداء كخرزتين تلمعان في وجة دمية بيضاء مشرّب باسمرار طفيف كأنه حنّاء،
وترتدي قبعة سوداء لتظفي صورة إيمائية؛ لم تكن تعرف لغتي، وأنا اتلقط من لغتها ما اعرفه منها من التكرار السماعي لها،
وتحمل عصا رأسها كانه كريستال، وعند بائع التذاكر، في المحطة، رأيتها، فاعطتني إياها وهي تبتسم، عن طريق متشرد يعزف لحناً بالهارمونيكا، أرسل قرداً يردتي قبعة رسامين إيطالية، وبادلتني البسمة، وارسلت لها مرآة زينة قديمة تحمل بيد واحدة نحاسية!
وعند الشباك ابتعنا التذاكر، واترك هُنا عقلك لكي يحدثك؛ لأن هنا كانت كل الأضواء جميلة وهذه الضوضاء حولنا، تثير ما تثير من شجن وذكرى وشجوى، وكأن حياتك تلمع لمعان النجوم.
لكني وجدتها تبكي، أو تحبس بكاءً بالأحرى، وتترجمه في محاولة حديث بائسة، فسالتها أن تريني التذكرة، فكانت لباريس!
باريس، اثينا، فينيسيا، هارلم، وموسكو كلها أماكن الولوج لها قد يبدو غريباً لكنه ثقيل الوطأة عسير على العبور، ولا ودعي لحالك الذي يريد التعبير أن يخرج كل ما فيه؛ حتى وإن بدت انها بجانبك هذه الأمكنة؛
لعل هذا اليوم سيكون يوماً كأي يوم من أيام الشهر!
لأن الوقت لا يترجم الا كأيام تُحسب علينا!
ثم كان كمان - لي - ووردة بيضاء لها خلفت بسمة عريصة ابانت بياضاً لأسنانها كالؤلؤ، لانها رأت الوردة كيف تخلقت من مسودة ورقة صنعت أمامها لتمنحها هذه البسمة.
وهمست بلغتها التي اتلقط منها ما التقط:
"هذا جد كافٍ بالنسبة لي"
وتولدت حُمرة قانية في وجنتيها في محاولة منها للخروج من المشهد! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق