الأحد، 30 ديسمبر 2012

مع الزائر الأخير لعمرو بن العاص في ساعاته الأخيرة،،،



هذا النص، وكعادة نصوصي السابقة حول الحوارات بين شخوص تاريخية هي دائما مزيج بين الواقع والخيال
مزيجاً مناسباً نصنع منه حالة تعلق فينا ونتفكر بها ومعها
لعلها تفضي إلينا شيئا نجهله !!



== === == === ==


.. قرب المقطم .. في الفسطاط / مصر ..

.. سنة 43 هـ / 664 م ..
.. قصر الإمارة ..

.. // جالساً بجانب رجلٍ أصلعٍ أبيض الرأس واللحية، مستلقياً من جراء حمّى ألمت به،
دخل علينا ابنه ومعه رجلٌ أبيضٌ طويلاً، تبدو عليه مخايل الإمارة، بدى يتغلل الشيب كثيراً إلى رأسه ولحيته
// ..

رعد : أبا عبد الله .. يا أبا عبد الله
.. صاحبك يريد أن يراك ..

عمرو بن العاص : معاوية ؟!

معاوية بن أبي سفيان : لا بأس عليك يا عمرو .. لا بأس عليك

عمرو : وأيُ بأسٍ أشد مما أنا فيه؛ تعودني انت بالذات من دون الناس، وقد ورثت عن ابيك طول العمر، وورثت أنا عن أبي هذا المرض، وولدي وبني يقلبونني كيفما شاؤوا, وأنت لا تريد عيادتي إلا هذا اليوم

معاوية : تصبّر يا أبا عبد الله .. تصبّر

عمرو : أهكذا تريد ان ترى كيف ينتهي صاحبك القديم بعد تألق صاحبك الجديد، الذي غدى لك أخاً فيما بعد !!

معاوية : هه .. في أعمارنا لا يصلح لفظ الجديد؛ قد أبلانا الزمان يا صاحبي

رعد : لم يكن من رأيه أن تعزل زياداً عن فارس في ذاك الزمان

معاوية : أعلم ذلك .. أعلم

رعد : تُراك تتفكر الآن بالرجل الذي كان يثنيك عن استعمال زياداً ولم يعرف له فضله، وأنك الآن عرفت للرجلِ حقاً، فلكأنك أنتصرت برأيك على رأي صاحبك الذي تتبدال معه لغةً بأعينكما لا يفهمها سواكما

معاوية : معاذ الله يا سيدي .. معاذ الله .. .. لم أعد أعرف معنى النصر أو الهزيمة وأين أنا من هذا أو ذاك، وكيف أعرف ولم يعد عندي غايةٌ أتطلعُ إليها فأفوز بها أو أخطئُها، والذي مكث فينا من مطالب الروح والفؤاد، لم يعد إليه سبيل، وقضى عليه سيف ذلك الخارجي، كما قضى على مولاك خارجة، فنحنُ على وطارٍ واحدٍ يا عمرو، وإن بدى لك غيرُ ذلك.

عمرو : آآآهٍ يا معاوية ... ما بقي منك ؟

معاوية بن أبي سفيان : أما النساء فلا أرب لي فيهن. وأما الثياب فقد لبست من لينها وجيدها حتى وهى بها جلدي فما أدري أيها ألين! وأما الطعام فقد أكلت من لذيذه وطيبه، حتى ما عدت أدري أيها ألذ وأطيب! ربما صنعت هذا الذي تراه بيدي، أم صُنعتُ أنا له ... ...

عمرو : هه .. أنت تقول هذا ,,,

معاوية : لعل ما من شيءٍ ألذ عندي من شراب بارد في يوم صائف، ومن أنظر إلى بني، وبني بني يدورون حولي ...، لا أدري يا عمرو لعلي قد كبرت .. هه وضَعُفَ قلبي, لعل الفتى الذي في داخلي قد تغلبَ على رجلِ الدولة والسياسة، أو لعله ليس زمني، بل زمنُ زياد ابن ابيه .. أعني أخي ،،،

عمرو : أراك تُكثرُ من قولِ : ربما .. لعلي .. لا أدري .. !!!

معاوية : هه .. لعل هذا أيضاً من علامات الكِبَر .. ألست القائل أنني ورثت عن أبي طول عُمرِه ..

عمرو : هه

معاوية : هه هه .. كنّا في صبانا يا عمرو نعرف لكل سؤالاً جواباً، والآن تراني كلما نظرت في سؤالٍ رأيته على وجوه، ولا أدري هل هذا من زيادة العلم، أم من ضعف الهمة، هل أحاكم الآن رأيي برأي شبابي، أم أحاكم رأي شبابي برأي شيخوختي، أم كلاهما صوابٌ في مقامي، كحالك انت الآن يا عمرو؛ كنت تقول لي دوماً : " عجبا لمن نزل به الموت وعقله معه كيف لا يصفه " أ تُراك تقدر تصفه الآن وعلقك لا يزال معك ؟! لذلك كنتُ أقول لعله ليس زماننا، بل زمان من هم في سن أولادنا !

وعطف معاوية سائلاً: فما بقي منك يا عمرو؟

عمرو: مال أغرسه فأصيب من ثمرته وغلته، ويكون لعقبي.

فالتفت معاوية إلى خادم قد دنى من عمرو بكأس ماء وقارورة دواء يقال له وردان فقال له : ما بقي منك يا وردان؟

وردان : صنيعة كريمة سنية أعلقها في أعناق قوم ذوي فضل واصطبار، لا يكافئونني بها حتى ألقى الله تعالى، وتكون لعقبي في أعقابهم بعدي.

معاوية : هه .. تبًا لمجلسنا سائر اليوم يا عمرو، إن هذا العبد غلبني وغلبك !!

عمرو بن العاص : هه هه هه .. لم تترك عنك ظرفك يا معاوية حتى أنت في هذه السن، جزيت عني كل الخير، روحت عنّي وانا أقاسي ما أقاسي هنا.

رعد : وما تقاسي ؟

عبد الله بن عمرو : أبتي .. خفض عن نفسك .. لا تعكر عليها ساعة الأنس هذه ..

معاوية : دعه يا عبد الله .. دعه يخرج ما في صدره؛ فذلك أهون عليه من أن يُقبضُ مقبوض الصدر .. فقل يا عمرو ..

عمرو بن العاص : الموت أجل من أن يوصف ولكني سأصف لك اجدني كأن جبال رضوى على عنقي وكأن في جوفي الشوك وأجدني كأن نفسي يخرج من إبرة

معاوية : لا تقلق ستفضي إلى ربك طيب الخاطر ... أتذكر يا عمرو عندما صفعتني في مجلس عمر بن الخطاب عندما عرضت بعملك عنده ولم تستطع الرد على مقالتي ...

عمرو بن العاص : ههه .. أذكر؛ عندها تصرفت كما لو كنت طفلاً وقلت لا أفعل شيئاً حتى يأتي أبي ... ههه ،،،

معاوية : وتذكر عندما ... ... ... وتذكر ...،،... وتذكر ،،،

.. // فتركتها كلاً يواسي الآخر، فما أصنع بين صاحبين قديمي المودة، لعلي أنا أيضاً ضعف قلبي، ولم أعد أقوى أن أسمع أو أرى أي شيء له علاقة بحديث الفراق الأبدي // ..





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق