الخميس، 20 يوليو 2023

ما بين Asteroid City وعوالم Wes Anderson الأخرى

الاهداء:

الى الثلاثة خرجت معهم في ليلة السنة الجديدة، كان المقرر أن نشاهد هذا الفيلم سوية، لكنه انتهى للمشاهدة وحيدا، لكن احدهم رمى بهدية من حيث لا يشعر ساعدتني في أن ابلور فكرة المراجعة.

فشكرا لهم قدر ما ضحكنا في تلك الليلة

كان الثلاثاء ٣٠ ذي الحجة ١٤٤٤ ليلة الاول من المحرم ١٤٤٥ 


.............


كيف تكتب فيلما عن المسرح؟

بأن تكتب فيلما تسجيليا بطابع إذاعي عن المسرح!


يفتتح الفيلم بمشهد لمذيع يتحدث فيه عن مخرج يريد اخراج مسرحية عن مدينة تدعى "الكويكب" في الولايات المتحدة، ويقوم المخرج بمحاولة تقديم هذه الافكار عنوة، كوادر ثابته، ممتدة، كأنها لعبة ليجو، فيها عائلة خسرت أماً، وطلابا يزورون هذه المدينة المحمية من قبل الجيش، وفرقة ريفية، وفندقا غريبا يبيع كل شيء عبر مكائن البيع حتى العقارات كما لو كانت حلوى أو مشروبات.


تمر المشاهد، ليعاود الظهور مرة أخرى هذا المذيع ليروي كيف سُجل هذا الفيلم، يستمر معك، حتى يأتي المشهد الذي يكون فيه الممثل الذي يؤدي دور الأب، ليقوم بتحربه اداء امام المخرج، ليقيمه، ليحل بعدها صمت.


وكأن هنالك عدم يقين خفي من الممثل تجاه المخرج في الاستمرار بالتجربة، وطبعا الحل الوحيد للمخرج أمام هذه الفوضى اليقينية هو الاستمرار في التجربة!

لم؟

اوليس المسرح هو المكان الوحيد الذي يتحول فيه الكرسي الى قلعة، والضوء الاحمر الى دم، والشعاع الأزرق الى شلال ماء؟

فهذا الاحتراق للممثلين وتكثيف اللحظة، قد ينتج معاني متفرقة، والأهم: التجربة في حد ذاتها!

أن نكون فوق الخشبة مجتمعين!


يستمر سرد الاحداث بغض النظر عن أي شيء اخر، حتى يتم التنبه لامرين:


الأول: أن الشاشة التي ترسل الاشارات في المختبر، ما هو الا ترميز لتاريخ معين، لكن لا ندري ما هيته!


ليستمر هذا الشاب الذكي الذي اكتشف هذا الشيء في الجلوس مع اؤلائك الطلاب في الجلوس، ويكون والده الذي فقد زوجته مستمر قي التقاط الصور!


لنأتي عند الأمر الثاني: وهو نزول كائن فضائي من مركبة فضائية ويأخذ الكويكب معه، وقبيل رحيله يترك للمصور فرصة في التقاط صورة له، استعد هو الاخر بوضعية مميزة حتى يحبسه فيها، ثم سعد بالكويكب ورحل!


هنا كانت الفكرة الخام التي لم تتوج! اذ انها -الفكرة ممثلة بالفضائي - لم تجد الرابط الذي يربطها بجوهر العمل: الكويكب!


وبالتالي هذا دفع المذيع الذي يروي احداث كيف صنع هذا العمل، بان يظهر فجأة وسط الممثيل! وكأنه خرج عن احداث فيلمه التسجيلي!

وكأن الفكرة هنا لم تختمر، اذ أنه يعود بك لكواليس التي جمعت المخرج بالممثلين ليروي كيفية توزيع الادوار، غير أن كاتبا هناك (اندريان برودي) لم يكن يعاني من ذات القلق اليقيني الذي وجد عند الممثلين.


لكن الكائن الفضائي يعود، ويعيد الكويكب، بأن يرميه من علٍ، هكذا!

ليعاد فرض حضر التجول في المدينة من جديد، ثم يعاد ذات المشهد الذي يجمع المخرج بممثليه، حتى يمر احدهم - وهو والد الابن الذي اكتشف تاريخ قدوم الفضائي - غاضبا ويمر خلف الكوادر، للكالوس الخلفي وفي مسيره يمر علة الممثلين، وكان الوحيد الذي تكلم هو ممثل قيل له: انه سيؤدي دور رجل الفضاء! ولا يعلم المغزى!

حتى وصل الى كاتب العمل: فسأله سؤالاً مباشراً:

ما معنى كل هذا؟ ما الغاية من كل هذا؟

فما كان الرد الا ان قال له: هل يجب أن يكون له معنى؟ هو الاستمرار في الجناية: جناية التجربة! تثريك وتصقلك، يجب ان تؤدي وان تقف على الخشبة وخلف الكاميرا، كما الكاتب ان يكتب، فقط يكتب، حتى يجد ضالته!

وخرج من عنده للشرفة الخارجية ليستنشق الهواء، ويحرق لفائف التبغ، ليتصادف مع الممثلة التي كان من المفترض أن تكون صوت زوجته، وكأنه مشهد للتعبير عن دخول الممثل في لحظة التقمص!


عاد الممثل من تلك اللحظة، لحظة التقمص ليتمرغ في نصه ليعودون في صورة صارخة واضحة كأنها مسرحية لدي لارتي.


ليعود في الاخير تجمع كل الممثلين والفنين في ترديد كلمة واحدة مع مبدعي العمل: لا يمكنكم الاستيقاظ إن لم تغطوا في النوم!

ليمر الكائن الفضائي بينهم حتى نهاية الممر وهم يرددوا هذه الفكرة، ويخف الضوء حتى لا تبقى الا عينيه الكبيرتين.

ثم يقف المذيع التوثيقي في زاوية الكادر وهو ينظر: هل وعيت اللحظة؟


ليعود الفيلم بعدها في مشهد مدينة الليجو للاب المصور وهو لا يجد ايا من رفقاءه الا من صاحب النزل العجيب، ليركب سيارته ويخرج هو الاخر من كادر المدينة عبر الطريق الطويلة الممتدة!

في اشارة واضحة لفكرة محددة: الاستمرار في التجربة!


فعلى العكس من The French Dispatch، اذ ان ذلك الفيلم كان يتحدث عن سر الحكاية، وهي تُخلد في كاتب يرويها، وأن البحث في سرها هو الذي يجعلها كلما رويت ازدادت خلودا.


وكما كان The Darjeeling Limited هو حديث عن رحلة الهروب، محاولة الهروب من واقع يظن صاحبه أنه مأزوم منه.


وكما أن The Grand Budapest Hotel يتحدث عن المجاز في الصورة.


فان مدينة الكويكب يتحدث عن تفاصيل العمل المسرحي، ولكن كما لو كنت تجري اللقاء مع الخشبة نفسها! وذلك يتضح بمثال: الاهتمام بالفضائي فهو من ناحية فكرة العمل الضائعة، ومن ناحية اخرى هو الكمبارس المهمل الذي قد يُنجح العمل او يُبليه، عن المخرج الذي يبحث عن صورة مُثلى للعرض، عن كاتب لا يرى جدوى حقيقة فيما يقدمه، وعن ممثلين يحاولون الدخول في الحالة ولو لم يقتنعوا بالعمل، عن الديكور الذي يعكس روح الحكاية، وغيرها وغيرها من التفاصيل المنثورة هنا وهناك!


اذا ما الذي شاهدناه؟

شاهدنا فيلما تسجيليا عن مسرحية ما!

وعن ماذا تتحدث؟

لعله كما قال احد الاصدقاء: " ... بما ان الفيلم عبثي فالفليم ليس له معنى واضح "


أوليس هنالك مسرحا تجريبيا؟




حررت في العشرون من يوليو/تموز ٢٠٢٣م الموافق الثاني من المحرم لعام ١٤٤٥ للهجرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق