الخميس، 14 يوليو 2022

لعنة الوعي!

 انا لا يهمني ما هو المعنى الدقيق لهذا المصطلح، كل ما في الأمر أننا كلنا اجتمعنا في تلك الليلة المباركة التي اصبنا فيها بلعنة الوعي!

الكل كان حاضراً بتجلي:

المُعلم

والتشيرمان

ورازييل

وكنتارو تشان

وآكل تفاحة آدم الإلكترونية

والمطوع

ومدير الثقافة الشعبية

واخيرا: المشعوذ النحيس!

وكما هي العادة في توزيع الاتهامات حول الحضور من عدمه، اتضح انه المجموعة المعتادة من "الزلايب" لم يحضروا البته! وكلهم أرباب أُسر أُغلِقت عليهم أبواب بيوتهم، في تلك البقعة التي تحتوينا، كان لكل منا اختصاصه:

فالسيد: تشيرمان متخصص في احضار نبيذ الكامليا بالريحان المديني الأصيل، ومهما كثرت حافظاته الا انها دوما اقل من المطلوب، تقول الأسطورة: ان احد رواد هذه البقعة عندما اجرى تحليلا للدم، لم يوجد هيموجلوبين بل وجد بدلا عنه شاي الوزة!


أما السيد: المُعلم فهو سنساي بمعنى الكلمة، وكيبيديا متنقلة تمشي على هذه البسيطة، وتريد هديها نحو الصراط القويم، لديه من الفضول ما يفيض عن حاجة المجموعة الشمسية، الى درجة ان هيئة الاحصاء تستعين بقاعدة بياناته التي يمتلكها، ولا ينافسه في هذا إلا مواطن ولايته "الزلابه" الذي تقول الاسطورة عنه: انه يحتاح الى ست اشهر  ونيّف حتى ينام مثل بقية البشر، لكن كل هذه المعادلة تسقط تساقط الاجرام في الثقب الاسود، اذا كان هنالك سهرة لحفل ألعاب سواء لشركة سوني او مايكروسوفت لو غيرها.

ما علينا، الشاهد: الأسطورة تحكي عن المعلم، انه كان مجد سابق في وكالة الفضاء الدولية ناسا، وانه ساعد في اكتشاف الحياة على العملاق الغازي: المشتري!


اما السيد: رازييل فهو ضبابي، هُلامي، يعتبر الوسادة من اعز صديقاته، مع شبكة عنكبوتية في العلاقات، افضت في لحظة فارقة من التاريخ الى شربكة هذه المجموعة المباركة، اسلوبه في الحياة هو: اللا اسلوب! إذ تقول الأسطورة: انه في النهار صامت يعبر عنه محيطه، وفي الليل ينطلق، كأن القمر يناديه: انت تشبه الكونت دراكولا!


ما يميز السيد: كنتارو تشان، غير خروجه الاستثنائي من لحظة في انمي الحياة فارقة، إلا أنه يخفي خلف هذا المظهر حس كوميدي عالي، قد يكون ميال لمنحنيات متفرقة، ومع ذلك متذوق جيد ومقيم محايد. تقول الأسطورة: انه استطاع تحويل بقرة برازيلية كاملة لعدة شرائح من البرجر لتكون تموينا لمدة شهر!


اما السيد: آكل تفاحة آدم الإلكترونية فهو يشترك مع كينتارو تشان في التذوق والأكل، ويفضُلانِه في مشاركة الأمكنة الجيدة، اذ ان احد الإشاعات المرافقة للمعلم هي انه يرفض مشاركة الأمكنة الجيدة كي لا تزدحم بالرعاع والدهماء والسوقه!

ومع هذا، فإن آكل تفاحة آدم الإلكترونية يشترك مع "زلابة" أخرى من "الزلايب" التي لم تأتي تلك الليلة، تشترك لي عملية التبشير التقني المقيتة، بدون اي فائدة للمتلقي، على الاقل التبشير المسيحي القديم ترافقه حلوى وبعض دريهمات، اما هنا تبشير و"مغثة" بدون اي فائدة للمتلقي، وقد يكون مع ذلك الزلابة، هما الاقدر فهما للتقنية، فتقوم المجموعة برمي احمالها عليهما، اذ كل منهما متخصص باحد قطبي التقنية الخاصة ب"الأمريتشان التشلاب"

تقول الأسطورة: أنه يختار مقتنياته وامتعته الشخصية بعناية فائقة تجعله براقا كأنه اعلان في شركة سيجنال تو، وهذه اضافة لامعه سلبت لب رفيق له من ذات الولاية!


بالنسبة للسيد: مدير الثقافات الشعبية، فهذا طارئ على البقعة، كان يظن أن كل رواد البقعة لا هم لهم الا حديث النخبة وعلية القوم والثقافة والفن والتاريخ الما بعد حداثي، لكن كانت صدمته الحضارية حينما وطأت قدماه بقعة بلا حدود او قيود، تحلق حتى المنتهى، ولا تنتهي إلا حين ينتهي!

فالروتين اليومي للحديث داخل البقعة، يتنقل حسب التوقيت المحلي فيها، فهو لا يدري ايسير الحديث مع عقارب الساعة او عكسها!

ومع ذلك، من خلال فجوات في هذا الحديث المستمر اللا متناهي حو ادق دقائق الأشياء وفي كل تفاصيلها، يجد مدخلا للعبور ولو بسالفة!

تقول الأسطورة: أمانة: لا توجد هنالك اسطورة لنقولها!


أما السيد: المطوع، فقد دخل بقعتنا على ناصية حملة صليبية تعهدها بنفسه، مرددا عبارته الشهيرة: يا إخوان .. يا إخوان .. ومع ذلك يعتبر نسخة تايوانية او صينية، إذ أنه يتقاطع مع كل الاشياء التي في البقعة، ثم يطوعها طوعا ليذيقها نبيذا رومانيا عتيقا حتى تخرج من هناك بحملة صليبية تنطوي على "سالفة" جديدة!

تقول الأسطورة: برغم من انه دخيل قديم، إلا أنه يحب ختم الأمكنة التي يذهب اليها بسحر ريفيا!


ثم نأتي اخيرا للأوحد الفريد: المشعوذ النحيس!

الحقيقة ان الحديث عنه حديث مضطرب، فمجرد حضور اسمه يستجلب غيمه سوداء تدمر كل الخطط، ولا أدل من ذلك، الا رحلة السينما لمشاهدة فيلم انتهت تفرقتنا في كراسي متفرقة داخل الصالة الواحدة، وكأننا لسنا رفقاء بقعة واحدة! روحه التي تطيف بالمكان كلما حظرت فكرة العشاء، رفض قاطع لقائمة طويلة ممتدة مما أباح الباري، لننتهي بالنهاية لنفس الخيارات الاربعة والخمسة المعتادة، ويخفي بداخله كروجيا عظيما على حد تعبير المعلم - الذي بدوره كروجيا يرفض التعببر - ولكن يصرخ باهتمامات اخرى، ومع ذلك تصريحاته النارية مفيدة احيانا في ازالة القلق عن مجموعة البقعة، لكن هنالك ثمة شيء سحري خفي في مقر عمله المجهول الذي يشبه تجمعات الماسونية تجعله حاملا لهذه الطاقة السلبية، المرافقة لقصصها الغرائبية التي لا تراها الا في كتاب البخلاء!

تقول الأسطورة: أن لديه قائمة طويلة ممتدة من الاعداء تحوي كل من في هذا الكوكب الأزرق الجميل الذي يدور حول الشمس،  مستثنى منها افراد البقعة ودُخلائها، وحتى هم عليهم بعض الملاحظات!


المهم انه في تلك الليلة المباركة اجتمعنا وكان الكل غاضب، مم؟ لا ندري! لكن نفوسهم كانت على استعداد لتدمير كل شيء!

 ابتدأ الموضوع من الباب الذي يدخلنا لعالم البقعة وهو لا يُفتح بشكل سلس، وهنا تأتي لحظات من التجلي البشري، حيث يبدأ الحديث عن: "كل هذا اللعب في النادي الرياضي بلا طائل" والى: "الزواج يدمر صحة الرجل" حتى: "لقد تقدمنا في السن ولا نقوى" حتى يُفتح الباب كما لو كانت مغارة علي بابا، لكن بدون الحرامية!

ثم ناتي للممر الطويل الشعبي المؤدي للبقعة، الذي بسببه تستشعر جفافا في حلقك من عدد السحالي التي تظن انك رمقتها.

وعند الباب الايسر في نهاية المرر ينقشع الضباب لنجد باب ثاني بجواره تآكل من الصدأ، مكتوب عليه تحذير، ما إن تقرأه حتى تسمع ضحكات، وارتفاع لأبخرة ثم الدخول في همس الحديث!

المهم ان بابنا الاقصى الايسر فُتِحَ، وكان في استقبالنا ذلك القط الاشقر المختضب بالبياض ذو عينين عسلية، ويعاني دوما من رغبتين: الرغبة بالأكل والتزاوج  كنا نظن انه بيتر، لكنه اتضح في نهاية المطاف انها هايدي، لأن بيتر يأتي من بقعة اصحاب باب التحذير، ويبادلها احاديث عمر بن ابي ربيعة وينصرف!

وبعد الفقرة المعتادة من محاولة ابعاده، ندخل للبقعة، وهي تغلي سخونة ونحتاج جهدا عظيما حتى تعتدل درجة الحرارة فيها، وذلك ليس بسبب الطقس، انما سخونة الحوارات!

ابتدأت الحفلة منذ دقيقة الولوج الأولى، المبشر الذي لم يصبح زلابه حتى تاريخه، كان اول الواصلين وفي انتظار رازييل الضبابي، فلما رأى الدخان عند مدخل مكان الجلوس في البقعة  وصل!

وكالعادة:

- متى جيت؟

- الحين!

تكثر هذه الأسئلة الغبية في تجمعاتهم، يشير للماء ويسأل: هل هذا ماء؟

وبعد نقاش حاد عنيف حول التكييف في البقعة، اُكتُشِفَ في لحظة فارقة من الجلسة، قفدان كمية من كاسات الورق التي تساعدهم على شرب نبيذ الكامليا، فَطُلِبَ من المشعوذ النحيس أن يجلبها، لكنه حضر هكذا فجأة كما لو كان قادما على بساط الريح!

- وين الكاسات؟

- محد قالي!

- كاتبن لك!

- ما شفتها!

- شلون ما شفتها؟

- كنت لاهي اوخر عن الفورد والأكسنت!

وبالتالي طُلِبَ من التشيرمان ان يحضرها وبالتالي اعاد تدوير رحلته للبقعة فقط كي يحضرها!

وكان دخوله الأول - وهو آخر الواصلين - ان يرميها في حضن المشعوذ النحيس: "خذها! ليش ما جبتها؟"

- ياخي ما شفت رسالتكم! باختصار!

هذا البرود البريطاني قاتل لكنه مضحك!

المهم قد اكتمل الآن جمعهم، ولا يمكن لأي سالفة أو اقصوصة الا ويتم قطعها، اما بالتنظير او الخروج عن عنها للبحث عن المكنونات الخفية خلف الذهنية التي اخرجت هكذا قصة او حكاية، ثم يتطور الامر الى تفنيد المسائل الذوقية والخلقية والحديث بالنايبة عن الأخرين وقلة الاسماء في قائمة نوايا الانتقام - نسبيا - تظل مسألة تناول العشاء مرهقة، وتزداد ارهاقا اذا كان احد "الزلايب" المتغيبين - وهو من ولاية المعلم - الذي هو بالضرورة صديق لبطنه بعقليته المتأمركة، اقول تزداد تعقيدا، لينتهي الأمر بأم الحميع: ماما نورة، او عم الكل: البيك!

ثم نتظرق ايضا لتفنيد فكرة انه لماذا تنتهي خياراتنا في هذا الإطار الضيق ورفض كل محاولات التجديد لروتين البقعة اليومي، منذ ايام العاب الطاولة المجيدة، وحتى مشاريع الشواء الخارجية، ودوما يكون هذا من نصيب تلك القطة "هايدي" التي تستأثر بالبقية الباقية الصالحة للأكل، ولعل هذا هو الذي يجعلها باقية هنا للإزعاج!

المهم انه ما بين كل هذا لا تدري ما هو النقاش الحاصل، وتحت وطأة تأثير تحليل التمظهرات والظواهر الاجتماعية الفريدة التي تبدأ من رائحة معسل بقعة الجيران لتنتهي عند ظاهرة الاستمطار للسحب، وما بين الاستهلاك المعرفي والثقافي والغذائي، قرر مدير الثقافة الشعبية أن يسأل المُعلم سؤالا بسيطا وواضحا ومباشرا: خليني اسمع منك؟

فقال - بعد ديباجة طويلة ومقدمة عميقة - : في النهاية يا صديقي هذا الوعي لعنة! وكلنا مصابين فيه!

وهنا في هذه اللحظة الفارقة ووسط ضحكاتنا التي تبدو شريرة ومتهكمة في آن، أبرقت السماء، ودمغت كل من في هذه البقعة بلعنة الوعي!

فالوعي ليس أن تعي، انما ان تعي انك تعي، فعندما تبحث عما يثري هذا الوعي لديك، تجده يفرغ عليك لعنته!

فما بين الجد والهزل لا تدري ما هو الوعي!

فانتبه ان تصيبك لعنته يا قارئ هذه الأسطر!

حتى ذلك الحين: ذاكر دروسك جيدا حتى تصاب بلعنة الوعي!

دمتم!



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق