السبت، 21 مايو 2022

مالك وللحياة أيها الشمالي ؟ فيلم لـ روبرت ايجرز

مالك وللحياة أيها الشمالي؟

على ماذا ستعتمد في حماية حياتك ونسلك وعرشك؟

على روابط الدم التي تجمعكم أم على الدم الذي سفك بينكم؟

لهذا يظل الذئب دائما يعوي، لا ينسى ثأر، والدب يصارع للبقاء، والضبعة تعتاش على كل هذا، حاملة معها شؤم الغراب!


توت ... توت ... تبدأ الصورة وكأنها صوت رحلة قطار عبر الزمن لذلك المكان القصي العاصف الممطر في أقصى الشمال، وكأنك في متحف صدوق العجائب، لملك يهدي ابنه أرثا ونبوءة تتوارى خلف هذا الإرث، ليصبح هذا الإرث هو نداء الثأر الذي لا يموت كالهدير يجتث كل ما هو أمامه.

وتدق طبول الحقد، تحت صرخات الثأر، فالملك لا يعرف نسباً سوى الدم، أما سفكا على أراضي المعارك، أو في مخادع النساء، أو كقرابين داخل معابد الآلهة، يعين عليها ترداد انشودة الثأر والغاية بعيدة المنال، حتى لو سُلِمَت تالياً لوريث جديد!

وكحكاية ملحمية لأسطورة شعبية قدمت في فصول تعين المشاهد على رؤية الصورة ببعدها الأدبي، تتضح بصمة المخرج الذي استفاد من تجربته السابقتين ما بين المكان الواحد واللحظات المرعبة لكي تعطي دفعة لكل هذا الغضب داخل الفيلم.

فالفيلم هو سرد أحادي الرؤية لبطله صاحب الإرث، وإن بدت نماذج تعاني مما يعانيه البطل، لكن غير مهم حيث ان الغاية كل الغاية هي إطفاء شرارة الثأر التي لا تموت الا بارتوائه.

فالمخرج هنا أعاد توظيف القصة بكامل المعتقدات والذاكرة الجمعية عنها بصورة جمالية تعكس البيئة ببعد رمزي ونفسي مستفيداً من وجه المكان ووجه الممثل حيث ان الصورة الطاغية للمكان بألوانه تعطي خطابا مباشراً للمتلقي، يعين فيها كل لحظة تنظر فيها أحد الشخصيات للكاميرا مباشرة تنبه المتلقي لما هو آتٍ تالياً من دون أن يحتاج الى كسر حاجز مع المتلقي بطريقة حوارية - وهو ما استفادة من تجربة فيلم المنارة تحديداً -

فالأسطورة دوما تخدم تكون المدينة او بداية حياة مجموعة عرقية وحتى أحيانا دخول دين جديد، ومن هنا مثلا كانت محاولة نفث النار لدى ثأر أمليث في أن موت والده كان هباء منثورا اذ ان هارالد طرد عمه من النرويج وبقي في آيسلندا وعاد من الأراضي الروسية حيث لم يبقى الان لهذا الملك الذي بلا اخ الا مواجهة مصيرة المحكوم سلفا بنبوءة مشعوذة!

ولهذا شواهد كثيرة، مثل السيف المتعطش للدماء، الذي لا يشهر الا ليلاً، ولا يرفع نهارا بلا غمد الا يوم الثأر، حيث سيكون غمده هو دماء خصمه، تحت صوت صرخات الثأر وحرارة انفاس الأزاهيج، يخدم الصورة هنا موسيقى تصويرية عبرت في كل لحظة من لحظات الفيلم عن أعمق اعماقها - اي الصورة والشخصيات -

وبالرغم من صورة هاملت الجلية، لكنها لم تطغى بحيث انها كانت أحد اشكال التوظيف داخل الحكاية الأسطورية، وظلت تسير كما لو أنها رواية شفهية بقصيدة تروي هذا البؤس الاستفزازي الكئيب  يخرج منها سامعها مذهولا!

ولنتذكر أن الغدر مرتعه وخيم، وأن الحقد اذا اشتعل اعمى صاحبه، ولهذا كانت أولغا تطلب من أمليث أن يتنفس عميقا ويزفر كلما غضب حتى لا تتملكه غضبته وينسى الرَّوية في اكل طبق انتقامه، ولعل هذه الأسطر الأخيرة تشبه العظة التي تخرج منها بعد أي حكاية تروى لك قبل المنام!


تمت في الحادي والعشرين من شهر مايو/أيار 2022م

الموافق عشرين شوال 1443هـ

الساعة 2:46 صباح السبت

الرياض

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق