تحريتك
في تلك الليلة التي غاب عنها طويلا، في رحلة عمل قُطِّعَ بها كل سبل الاتصال، كان آخر ما سمعت منه قوله: "عسى الله يردك بالسلامه وتسلم لي يا حلو المعاني"
خرج في تلك الليلة، يلف الرصيف شيء اشبه بالضباب، فالمدينة كانت ولا زالت ميناء، تطل من نهاية الرصيف بقايا قلعة قديمة كأنها منارة، أو هكذا خيل إليه، وكأنه يستعيد صورة قديمة ظلت أثيرة عنده، تتدفق الى ذاكرته تدفق الدم في عروقه.
توت توت .. توت توت .. على محطة القطار!
من ميناء بحري إلى ميناء جاف!
وولج الى المقصورة، ولوج الطفل الى متحف لأول مرة!
بجانب النافذة الزجاجية، وجعل يرقب!
ثم اسند رأسه إليها، وعادت الصورة للتدفق من جديد!
"بس مر علينا"
ثم استيقظ سريعا، فالمكان هُوَ هُوْ! لكن لعله حلما اعتراه سريعا.
حمل جهازه المحمول، وبدأ يفتش على أغنية قديمة، وارتدى السماعات، وغفى وهو مبتسم طوال الرحلة!
وهناك، في تلك الغرفة البعيدة، داخل ذلك البيت العتيق، المحفوف بالذكريات في كل زاوية من زواياه، كانت مضطجعة على ظهرها، تلعب بيدها اليسرى بخصلة شعرها، وبيدها اليمنى كتاب، من تلك الكتب الكثيرة في غرفة المكتبة هذه، لا تدري ما هو ولا حتى العنوان، اهو ديوان شعري ام رواية، او حتى بحث، غير مهم، لكنها تريد ان تتحسس وجوده، اذ ان روحه تطيف في هذا المكان.
وهي على هذه الحال، كانت تتمتم:
"سلم على الي يهواك، ما اقدر بلياك لحظة أصبر، الدنيا ما تسوى والله ما تسوى"
ثم القت يدها اليمنى وسقط الكتاب خلفها، واستسلمت لسلطان النوم.
توت توت .. توت توت .. محطة التوقف!
تلقف هاتفه المحمول، وفتح المفكرة، وأنشأ يقول:
"خفت أن تهربين من بين هذه الاغنيات، أنتي أملي في العودة، فركبتي قطار الخليفة، حتى يأتي بك صالحا!"
ثم ترك هاتفه على طاولة الكرسي، كي يدرك الصلاة!
وعند صلاة الفجر، حتى شهرزاد تسكت عن الكلام المباح!
الليلة الأولى ،،،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق