"تحت الدرج، البيت الله يسترك!"
"تحت بيت الدرج!"
"لأ، أقصدي الشقة، تحت الدرج، البيت يا حضرت!"
"أي، فهمتك!"
هذا أول حوار بيني وبينه، المهندس أحمد ابن عم أبي أحمد، وهذا الاسم الذي بدأ كأنه لغز: معك أحمد ابن أبو أحمد!
جاء الحوار بعدما وقف سيارته خلف سيارة سائق أمي، فقال: لو كنت أعرف أن هذا سائق حضرتك، ما كان كل هذا حصل!
طيب، ماذا الذي حصل؟
كنت عائداً من العمل حينها، وأستعد لاستقبال أهلي من المطار. وفي طريق العودة، كان سائق العائلة قد وصل وتوقف عند أقرب موقف غير مشغول بسيارة، ينتظرني وأخي كي نحمل الأمتعة معه.
ما يميز هذا الموقف المختار للسيارة أنه بجانب المدخل الرئيسي للبناء، مريح في صعود ونزول العمالة المنزلية في حال حمل الأمتعة أو تنزيلها.
وبعد العناق ولحظة جمع الشمل، إذا بالسائق يقول: تعال هنا، في نفر مصري جنجال!
أنا لا إرادياً تصورت المشهد، ولم تسبق لي ملاقاته سابقاً، وكنت قبل ذلك بيوم أو يومين، جلبت ذبيحة كاملة للمنزل استعداداً للشهر الكريم، فما كان مني إلا أن أخذت معلاق الذبيحة كاملاً مع الرأس، ونزلت لجاري، وإذا هو أمامي:
- هلا يا جار!
- أهلاً، اي دا كله!
- واللهي كل سنة وأنتم طيبين، واحنا ذابحين للشهر، وقلت لازم أطعمكم منها، وأنتم المصريين تحبون الكبدة ولحم الرأس واللزي منه! وغمزت له!
- لا والله، ملوش لزمة، بتحرجني كده، نردها لكم بالأفراح!
- تحت الدرج البيت، الله يسترك!
- تحت بيت الدرج!
- لأ، أقصدي الشقة، تحت الدرج، البيت يا حضرت!
- أي فهمتك! هذا سائق أمي، الوالدة جايتنا وتخبرنا لازم نخليه قريبًا، ونريحها، وقلنا نمون عليك.
- ولو، بالخدمة، كنت عارف أن ده سائق حضرتك، ما كانش كل ده حصل! خلي رقمي عندك، والبيت بيتك، أي حاجة إحنا بالخدمة!
- تسلم، اسمك الكريم إيه؟
- مهندس أحمد ابن عم أبو أحمد!
- عم أحمد؟ جارنا اللي كان عنده دكان العطارة اللي قبالنا؟
- هو بِجلالة قدره!
- والله أبرك الساعات، لازم نشوفه!
- ضروري، عندي بإذن الله، أستاذ؟
- رعد!
- بإذن الله أستاذ رعد!
وافترقنا ونحن نضحك على صغر هذه الدنيا التي تجمع الأحباب والأضداد.
جاري المصري، علاقتي معه لا تزخر بمواقف كثيرة، لكنها تزخر بحوارات وسواليف أو كما يقول المصريون: رغي! وعمليات تشبه "النفط مقابل الغذاء"، لعب الطاولة مثلاً في المناسبات الدورية، وصوت ملاعق الشاي وهي تزف لحناً داخل الفناجين الزجاجية: "حاجة عجيبة"!
دائماً ما أصادفه أول النهار أو نهايته، إما ذاهباً للعمل بحقيبته، أو عائداً من العمل بأكياس الخضرة والفاكهة الورقية، وتكون الحوارات سريعة من قبيل: "كيفك؟ تحتاج شيئاً؟" أو "صباح الخير، الله يسترك!".
وَالبلبل إذا غنى على ورق الفل، يقول: "سهران معكم الليلة للصبح ليس إلا".
تمت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق