الثلاثاء، 12 نوفمبر 2024

هاجس حول ماهية الصحافة التقليدية!


يخيل إليَّ أحيانا كثيرة، أن هذه الفكرة المطروقة لم تحرر بشكل كافٍ، فلم لا نجرب هذا!


طيب ما هي الصحافة التقليدية؟


اذا المقصود بالتقليدي ادوات النشر بمعنى الورق والبث التلفزيوني والاذاعي، فهذه ادوات بعضها تطور وبعضها على ماهو عليه

الورق صار ورق الكتروني، والنشر تحول كذلك ايضا، وصارت المنصات بديلا لمنافذ البيع.

والبث المتلفز صار بثاً على اليوتيوب او ما شابه

و الاذاعة، اليست بثاً صوتيا؟ بم يعرف البودكاست عادة؟ بث صوتي! والبث الصوتي هو ثاني اداة اعلامية بعد الورق ظهرت للعيان وبقيت صامدة ومتزنة وتصقل المواهب وتغذي التلفزيون أيضا!


إذا ما المقصود بالتقليدي؟


ان كان التقليدي هو طريقة العمل، فالتحقيق الصحفي وصحافة الرأي والخبر الصحفي والاستقصائي والتحليل والحوار، هذا كله كان موجود سواء كمقروء او مسموع او مشاهد.


إذا نعيد السؤال، ما المقصود بالتقليدي؟ وجوه وأماكن؟


جزء من عملية التراكم المهني، هو الامتداد والبناء عليه، وللتوضيح، كلنا شاهدنا ممسك الدفة في قناة سي ان ان بعد لاري كنج، بيرس مورجان

وفي الواقع المحلي توجد حالات مشابهة في التلفزيون.


فما التقليدي؟

يخيل إليَّ باختصار انها تعني في المضمر: السابقة لنا!


هل البث الاذاعي المتلفز صحافة غير تقليدية؟

أم أن شكل مزج النص المكتوب مع الصوت والصورة  في مادة واحدة هو الذي يجعل الموضوع اننا امام طريقة حديثة؟

مثال:

 مقال فيه فيديو وفيه روابط تشعيبية او موسيقى


النشرات البريدية؟ الا تعتبر شكل من اشكال النشرات او التحقيقات او الملاحق الصحفية؟

 

الصحافة او الممارسة الاعلامية لم تتغير، كليات ومدارس واقسام الاعلام ...الخ بغض النظر عن طريقة نشرها

مثل مهن كالمحاسبة مثلا بدلا عن دفاتر اليومية وملحقاتها تعد يدويا، صارت تستخدم برامج هي من تقول بالتحليل البياني، لكن من المدخل؟ ممارس للمهنة مطور لأدواته؟


سؤالٌ صعبٌ سؤال يراودني!

الاثنين، 11 نوفمبر 2024

جاري اللبناني

 

الشقة الأولى

ليس رقما للشقة، لكنها الأولى عندما ادخل للسكن، الأولى لناظري على الأقل، لا اراديا التفت اليها، كلما دخلت من المدخل الرئيس للسكن.


هذه الشقة منذ أن هُجِرَت لأسباب اجتماعية-اقتصادية وهي لم تسكن، وظلت هكذا، بابٌ مغلقٌ كأنه مدخل الى حكاية قادمة من عالم موازي.


تمضي الأيام، بين مغادة القصواء للمكان - (القصواء هو اسم سيارتي الأثيرة التي كانت دائما ملاذا لي في ملمات الأيام، سميتها كذلك تيمناً بناقته عليه الصلاة والسلام) - فقد كانت مأمورة بالرحيل، وغادرت في الخريف، تاركةً صورتها باقية في ألبوم الصور.


وفي ذات ليلةٍ طويلةٍ بعد يومٍ حافل، بينما كنتُ أومئ، بالكاد أغفو، لم يظهر لا غراب ولا بوم ولا حتى نورس بطبيعة الحال، التفت لهذه الشقة الأولى، لأجد:

مجموعة من قوارير مياة دورق لبرادات المياه

وبالونات اربعة معلقة على الجدار

ولوحة جدارية

وسجادة على المدخل مكتوب عليها مرحبا بالانجليزية

مهضوم كتير هالجار!


بعد اسبوع، وانا خارج للعمل، وجد قد كتب على اللوحة:

"اللهم انبته نباتا حسنا!"

سألت جاري الفضولي، قال لي: بالأمس، جائت سيارة اسعاف، لأن زوجته ولدت صبيا في البيت!

قلت: اسعاف والا دايه؟

قال: لا اسعاف يا رجل! وجلسنا نضحك!


عدت ليلتها من العمل، وصادفته, فكان الحوار التالي:

- اهلين جار!

- اهلين جار!

- الحق نجيبلك قهوة وشاهي، لكن ما شفتك، لكن جبنالك تمر، بالاحرى عجوة! شوي اجيبهالك!

- تسلم! كتر خيرك! 

- ولو جيران النبي لازم!

- عليه الصلاة والسلام!


وذهبت للبيت، ولكن داهمني "call of duty" بين مزدوجين كما يفضلها مدرسي اللغة العربية من الجمهورية!


وبعد انتهاء الواجب، حملت كرتون التمر، ودققت الجرس، ولا من مجيب!

التفت للوحة، وجدتها قد صارت: " اللهم انبتها نباتا حسنا!"

تركت الكرتون عند الباب، وانسحبت من المشهد بهدوء ...


في صباح اليوم التالي، جائتني رسالة صوتية من رقم غير مسجل فحواها:

"أهلين خيي، كتر خيرك، ويجزيك الخير، صار لازم تشرفونا, ما تعرفنا اسمي ابراهيم!"


فرددت برسالة صوتيه مفادها: "ولو، خير الله يا خي، ابشر ان شاء الله"


وانا في الطريق الصباحي المعتاد، اخترت اغنية: برهوم حاكيني لنجاح سلام!


كانت فرصة سارة سعيدة لها -اي الأغنية- 



تمت


بين أصالة وأصيل محاولة حديث عن تكوين شكل فني يعكسنا

  


بين أصالة وأصيل

محاولة حديث عن تكوين شكل فني يعكسنا


بعد كل مشاهدة لعمل سعودي حديث، لابد أن يعود الحديث بنا لأشهر عمل انتجته الدراما السعودية، وهو طاش ما طاش!


 ولعل هذا يبرز سؤال: ما الذي جعل طاش يعبر في الزمن حتى مع جيل ربما لم يعايش هذه التفاصيل جميعها؟

الإجابة باختصار: القدرة على عكس تفاصيل الحياة!


ولعل هذا يدفعنا لسؤال أشمل: ما الذي يجعل العمل الفني أصيلا نابع من البيئة والمكان؟


الفيلم هو يحكي حكاية او حالة، مُعاشة أو عِيشَ في محيطها، وتترجم هذه الحكاية او هذه الحالة بشكل درامي مصور، يكون فيه صراع وصعوط وهبوط وتحول الخ


ولكي نترجم هذا المعنى بشكل اخر، لنستحضر قصة 


وصف وحشي بن حرب قٕتلُهُ حمزة بن عبدالمطلب أمام النبي، اذ يقول:


" فخرجت مع الناس، وكنت رجلاً حبشياً أقذف بالحربة قذف الحبشة، قلَّما أخطئ بها شيئاً، فلما التقى الناس خرجت انظر حمزة وأتبصره، حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق، يهدُّ الناس بسيفه هدَّاً، ما يقوم له شيء، فوالله إني لأتهيأ له، أريده وأستتر منه بشجرة أو حجر ليدنو مني إذ تقدمني إليه سباع بن عبد العزى، فضربه ضربة كأن ما أخطأ رأسه، وهززت حربتي، حتى إذا رضيت منها، دفعتها عليه، فوقعت في ثنته، حتى خرجت من بين رجليه، وذهب لينوء نحوي، فغُلب، وتركته وإياها حتى مات، ثم أتيته فأخذت حربتي، ثم رجعت إلى العسكر، فقعدت فيه، ولم يكن لي بغيره حاجة، وإنما قتلته لأعتق"


هذا الوصف المطول، المليء بالتفاصيل البصرية والمشاعر المختلطة، والتفاصيل الشخصية، سواء للمتحدث أو المتحدث عنه، وكأنك أمام تمظهر مسرحي أو مشهد سينمائي، ولو تخيلت المنظر أمامك لما تحاوز الخمس أو العشر دقائق، لكن الراوي فخم الحالة كي يعطيها البُعد الذي يريد.


هذا هو صنيع الفن السابع، هو أعادة خلق الحالة، أو الحكاية، وترجمتها بصريا بحيث تعكس واقع راويها.


وبالتالي من هذا التعريف والمثال نخلص الى أن الصورة يُستطاع أن يعبر عنها أنها رباعية الابعاد!


البعد الأول: المكان!


يجب أن يكون المكان حقيقيا، يعكس طبيعة الحبكة والشخصيات، مكان نابض بالحكاية مثل مزرعة البكتيريا، يسمع للشخصيات بالتفاعل فيه وصنع الحد


البعد الثاني: ايهاب الشخصية


يجب أن تكون ابن بيئتها، تعكس التفاصيل في كل تفصيلة فيها، من ملبس، تصرفات، لغة، لهجة، ال


البعد الثالث: زمن الحدث


يجب أن يعبر تعبيرا منطقيا عن سير الحدث، سواء كان الحدث واقعي او موازي، متخيل او حقيقي، لكن صيرورة القصة فيه تكون منطقية ومحكمة


البعد الرابع: اللغة المستخدمة


وفي اللغة نعني أمرين

الاول هو الورق المكتوب

والثاني اللغة البصرية وهي ترجمة ما هو مكتوب الى صورة ناطقة


وبالعودة لمثالنا السابق -اعني وصف وحشي لقتل حمرة- كيف ترجم في رائعة العقاد: فيلم الرسالة ١٩٧٣؟


جيء بالشخصية صامتة في مكان منبسط حولة جبل ممتد، بلباس بسيط يعكس حال العبودية، حاملا حربته، يبحث عن هذا الفارس المميز، الذي كلما هجم عليه احد لا تراه الا ساقطا من قوة ضرباته، فرفع الحربة وهزها ثلاثا، حنى استقرت اسفل بطنه، وقد تلقاها بصدمة شديدة، والتفت لقاتله لثوانٍ ثم ما لبث أن خر صريعا، فجاء إليه، فأخذ حربته، وخرج من المشهد!


هذا المشهد، وظف كل هذه العناصر التي ذكرناها آنفا، حتى في نسخته الانجليزية، لم يتغير عليك أي شيء من تفاعلك تشاه المشهد، كذلك استطاع ان يعكسه بصريا في صورة صامته، الا من موسيقى مستوحاه من صوت الآذان تخللت المشهك، عندما خر الحمزة صريعا.


ولعلي اجد في هذا المثال جوابا للسؤال الأول؟ وهو كيفية عبور عمل ما للزمن، والبقاء فيه خالدا!


تستطيع أن تسقط هذا المثال، على أي نوع قصصي تريده، اصلي او مقتبس!


وبالعودة الى طاش ما طاش، طاش حتى في الحلقات الخيالية (مثل الزار او الغرب الأمريكي) أن تعكس الثقافة والموروث.


ففي الزار مثلا، هي تتحدث عن العالم الماورائي الذي يتحدث عنه رواد جلسات الخبيتي والسامري عن طريق فكرة العالم الموازي


أما الغرب الأمريكي فتم عكس فيه البيئة البدوية والقروية المحلية في ثوب وايهاب الغرب الأمريكي، وكأنها سعودة لرواية أمريكية!


هذا غير انها شملت نواحي حياتية كثيرة، من يوميات الحياة الى قصص عابرة، وصولا للحديث عن قطاعات معينة كالاعلام والتعليم وحتى عوالم حياتية قريبة، كاليوميات العمال او الوافدين الخ


اذ انه استطاع التعامل مع هذه الأبعاد الاربعة، برشاقة مميزة حسب الظرف الموضوعي لكل حكاية، بدرجات متفاوته لكل بعد


لكن لا ننفي عنه السقوط في فخ المتخيل عن عالم ما، مثل حلقة طلاب الجامعة على سبيل المثال، فهي لم تعكس الواقع المعاش للطلاب في الجامعات في حينه، والسبب كان الاخلال بأحد هذه الابعاد، وكان في هذا المثال، بعد المكان!



ختاما:

فكرة قول الناس أن العمل يشبهننا، لا يعني ان يتم تصويره في مدينة ما، او مكان ما، او قصة معاصرة، انما ان يكون نابع من البيئة نفسها، يعكس تفاصيل الحكاية بكل حيثياتها، تشعرك وكأنها سالفة صديق او حكاية لجد معمر للحفيد!


 


تمت