صوت عصفور يشدو،
ومؤذنٌ انتهى من أذانه الثاني،
وحمامةٌ حائرةٌ كحمامة أبي فراس،
وكاتبٌ يكتب هذه الأسطر،
وسيارةٌ عتيقةٌ مسرعةٌ في طريقٍ خططه سلفاً،
لا أدري إلى أين سيفضي بي هذا النص.
كانت هناك رغبةٌ دفينةٌ ممتدةٌ منذ دخول هذه السنة لكتابة نصٍّ ما، تبعثرت وسط زحام الأيام وأحاديث الأصدقاء ونزوات النفس، والتزامات الأهل، لكن هذه الأسطر يجب أن تولد حتى لو لم تكن مفهومةً!
كاتبٌ يعيش على صوت نقر حروف آلة الكتابة، ينزف حبراً ويرشح أفكاراً، يعيد الورقة تلو الأخرى للآلة، ولأرق رفيقه الأوحد القريب منه قرب حبل الوريد!
كمصابٍ بربو، يبحث عن بخاخ الفنتولين كي يوسع شُعبه الهوائية، هكذا هو قلم هذا الكاتب، يساعد في عملية فصد الأفكار، فيُثريها، كعازفٍ يمرر الريشة بعبثية على أوتار العود، لعل لحناً ما يعبر من بينها...
يضع يده اليسرى -هذا الكاتب- على صدغه الأيسر وهو يبسطها على بقية رأسه متكئةً على وسادةٍ أسندها على فخذه الأيسر، ومتأملاً...
-"أين أنتِ؟"
تجيبه من بعيد:"لم تَـهجُرني؟"
يقابلها بابتسامة، ثم يناديها، فتأتيه، لتجلس في حضنه وتقول: "حاول ألا تتركني، أرسل لي مع هذا الصقر وهذه الحمامة، وأجل لكل فرض ميقاتًا لك كي تتذكرني كتابةً".
قد شغفتِ حبًا والله، رؤى!
الشغف هو أن تولعَ ولعًا بشيء تكاد تحترق من أجله!
أن يكون ما تعشق هو حياتك ولا سواها!
أن تشعر أن شغاف قلبك تكاد تتقطع من مكانها فينتفخ صدرك لوعة لا خوفًا!
وكُلٌّ فيما يعشق يهيم!
ولا ما قال أبو نواس إن حامله تعب!
كحالِي مع الكتابة، ورؤى ابنةٌ من بنات أفكاري، فلو كانت لهمت بها، فما حالكم أنتم؟
تمت
فجرًا
في صومعتي
الساعة الخامسة والنصف من فجر الأربعاء
التاسع عشر من شباط
العشرون من شعبان
١٤٤٦ للهجرة
٢٠٢٥ للميلاد