الثلاثاء، 22 أكتوبر 2024

Megalopolis 2024 - كيف غادرتنا هكذا؟

 

يفتتح الفيلم بمقدمة عن مدينة روما الجديدة، والتي يقطن فيها شخص يريد تحقيق يوتوبيا مدينة جديدة داخل هذه الامبراطورية التي تغلغل فيها الفساد ونخر في جذورها حتى يصبح افضل حل هو تأسيس مشروعه جديد!

تسير مع الفيلم لتكتشف مهزلة هذه المدينة، ومهزلة صاحب الحلم الذي يريد تأسيس لمدينة جديدة ذات ثقافة جديدة ايضا، لكن هنالك ما يؤرق كل هؤلاء الناس!

من هم هؤلاء؟

هم كل من أحاطوا في هذا الفيلم!

لكن قبل الحديث عن كل هؤلاء، لنتحدث عن البعض الأول!

الفيلم يتحدث عن سيزار الذي يدخل في صراع مع عمدة المدينة الحالي، يرغب فيه أن تعود مدينتهم لتكون كمدينة فاضلة تلهم الناس للحياة الرغيدة والأبداع عن طريق فكرتين عكس بعضهما تتصارع، عمدة مدينة حالية يديرها برؤوس الاموال والترفية والاستهلاك المادي والصيرورة اليومية للقطيع الذاهب للعمل، والاخر الذي يريد بناء يوتوبيا تشع للعالم اشعاع نيويورك ومثلها روما في سابق ايامها قبل ان تغرق في وحل المدنية، مدنية تساوي بين الجميع بفرص للجميع، هذه المدينة الحلم تُدعى: ميجالوبوليس!


الفيلم جاء كقصيدة نثر، مغرقة في الترميز حتى كادت ان تصبح بلا معنى، الفيلم تحدث عن كل شيء ونسى بقية الاشياء، انه هاجس المبدع الذي يريد أن يصنع فيلما تعبيريا يحمل كل الأفكار التي حملها عبر سنين العمل والخبرة الطويلة ليضخها، متحررا من كل قيد، الفعلي والمعنوي والمجازي، الفني والابداعي والمادي، حتى الذاتي!

خرج لنا الفيلم يحوي هذه النزعات، نزعات داخل جعبة ذاته التي تتفجر تعبيرا، قلبٌ يعبر بقلق عن المستقبل، لا يحيا ولا يموت، ينبض ابداعا، لكن بلا روافد يسقيها!

لا أقول هذا الكلام كي أُجمل الحالة، أو أنعتها بالسوء، لكن هذا لسان الحال، تدهشك اللحظة وتنفرك في آن واحدة!

تقول في نفسك: هذا فيلم لفرانسيس كوبولا، ثم تقول: أهذا هو فرانسيس مخرج العرّاب والقيامة الآن ودراكولا؟

الفيلم جاء كرسالة مناضل بلا عنوان، ولم تكتب سيرته لأنها ضاعت وسط زحام الثورات، الوهمي منها والحقيقي، كما في قصة الفيلم!

بل منشور سياسي رُمِيَ لأناركي لا سلطوي يردد بصوت عالي: إني أسير لأفك قيد البطل الأسير؟

لكن أين البطل؟

البطل ضائع في ترجمة الصورة الفنية!


حضرنا الفيلم وهو يحوي قصة كقشرة ثمرة الأفوكاتو، رقيقة، تحافظ على الثمرة، التي ما ان تلمسها حتى تنهرس بين يديك، ويتبقى قلب صلب، تضربه بحد السكين حتى ترميه!

الفلم اوجد قصة مليئة بالثغرات ولم يتكلف لترميم الصورة بل ترك الفراغات تتسع كثقب أوزون، لا تجدي كل محاولات الحفاظ على البيئة لرتقه!

مليئ بالرمزيات والرسائل والايحاءات والاحالات، من الربط بروما القديمة حتى جدوى الفن، من الرمزيات التي لا يمكن ان يفهمها الا نيويوركي فضلا عن امريكي، الى الرمزيات العامة التي تجمع الجميع، كالوقت!

إذا ما الذي يقوله الفيلم؟

لا أدري! هذا هو لسان البعض الثاني الذي نريد الحديث عنه!

خرجت من الفيلم، لستُ نادماً ولا آسفاً، بل على العكس، سُعدت بالتجربة، تجربة تقول لي: لا تسألني عن عنوان، أنا كل العناوين في كل الأزمنة!

خرجت مذهول! بكل ما تحمله الكلمة من معنى! ذهول الدهشة، ذهول الاستغراب، وربما يتخلل معاني الذهول، ذهول الاعجاب! وربما يتخلل هذا الاعجاب اعجاب خفي بمبدع مُقامر، برغم عملك في قرارة نفسك: أنها رسالة إنتحار!

رسالة انتحار مفادها:

" قُلتها!

لا أصدق!

ما زال يحوك في نفسي منذ أمدٍ بعيد!

ولكني قُلتها!

أنا الآن كنسمةِ ريحٍ عابرة، في صباح يحمد فيه القوم السُرَى"


خرجت وهذه المراجعة تحوك في نفسي، وفي الجو البارد تحاول أن تختمر، حتى تفتقت!

وتقصدت كتابتها هكذا، حتى تكون موازية لحالة المشاهدة رغم تعبيرها عما كان في الشاشة الفضية، فهي موازنة لفيلم فني تعبيري، فنحاول كتابة مراجعة تعكس هذا الشكل!

خرجت من الفيلم وانا اقدر لفرانسيس فورد كوبولا ثلاثة اشياء:

الأول: أني حضرت له أخيرا فيلم حديث في السينما بعد العراب، فهذه تجارب تستحق مهما كانت النتيجة!

والثاني: انه أعاد لي لحظات التقاشات التي تمتد اثناء وبعد الفيلم، وأفكار حول اعادة المشاهدة من عدمها في خضم الحديث، والمآلات وحديث عن افلامه ومسيره، وجائت مع مخرج في مقامه.

الثالث: أنه زاد في تقديري لرفيق دربه وحامل همه وهم مبدعي الفن السابع، مارتن سكورسيزي فوق مكانته عندي! الرجل الذي ما زال يصقل الماس في خانه الأثير.


وكما قال الشاعر:

فترسم خارطة المستحيل لتحرقها في لفافة تبغ ، وتمضي الى غاية مشتهاة

كيف غادرتنا هكذا ، وانت وحيد ٌ، دونما لحظة ِ للوداع ، دونما لحظة للوصية ... دونما همسة للرفاق 


أرجان ماري



تمت المراجعة في ٢١ اكتوبر/تشرين الأول

مطار هيثرو - لندن

الأهداء: لرفيقي الذي يكره لحظات الوداع

إنما هو كما قالت هي حين كذا ... الوداع

قلت: إلى لقاء؟

قالت: إلى اللقاء



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق