رؤى حالمة والأقزام السبعة
في الطريق للرحلة التالية، كلما اقتربنا إلى الوجهة التالية تضاءلت الأشياء من حولنا، كأني أدخل في بعد جديد!
كان الطريق ينتقل من مدينة غدانسك في أقصى شمال البلاد حتى الحدود البولندية - التشيكية، لكن الرحلة المرهقة هذه لا بد لها من عدة استراحات!
في الطريق توقفنا للتزود بالوقود، وربما تناول وجبة بسيطة، أوقفت السيارة عند مضخة الوقود، وما أن انتهيت من تعبئتها، حتى توجهت للمقهى القريب، توجهت لماكينة القهوة، وسحبت كوبًا فارغًا، واخترت حليبًا بالقهوة، ثم إلى البراد لأرى أي السندويتشات تتوفر، قلت في نفسي: سلمون اسكتلندي! لا بأس به! واتجهت إلى نافذة المحاسب، ضربت الجرس فلم يأت أحد، لكني أسمع صوتًا يقول: انتظر! إني قادم!
بدأت أتأفف وأنا أبحث عنه وأنا أسمع: هنا! انظر جيدًا! قريب وحولك! هاي! أنت! انظر خلفك! للأسفل!
نظرت في كل اتجاه فلم أجد أحدًا، وما زلت أسمع صوتًا، فكرت في البحث عن خدمة ذاتية كي أدفع الحساب، لكن الصوت ظل يردد: تعال! لا توجد خدمة ذاتية! ثم بدأت أسمع صوت من يعاني من دفع جسم ثقيل، حتى سقط رف العلكة على الأرض!
تنبهت إليه، وذهبت إلى هناك، ووجدت شيئًا ما يقفز!حسبته لعبة! لكن ما إن اقتربت منه حتى أتحسسه قال: انتظر! لا! لا! لا تحملني!
كان مثل القملة، ويردد: أنزلني أنزلني! ويحاول أن يرفس أصابعي، فلما وضعته على طاولة المحاسب، قال لي: أنت مسافر على هذه الطريق، أليس كذلك؟ إلى أين؟ سفرتي معك! سأكون مسليًا!
التفت خلفي، فإذا برؤى تنزل من السيارة إلي، وتقول: يبدو ظريفًا، خذه معنا، ما اسمك؟
قال: جيلفر!
قلت: إذا كنت أنت جيلفر، فأنا جونثان! ثم ضحكنا! أعاد السؤال عن وجهتي فقلت له سنذهب إلى روكلو، فقال لي: فروستوف تعني؟ قلت: هي ذات الوجهة نعم، ولبّيت رغبة رؤى ونقلته في جيبي سترتي وانطلقنا!
عندما ركبنا السيارة، طلب جيلفر أن يختار لنا أغنية، فاختار لنا: Lili Marleen Lale Andersen نسخة ١٩٣٩
كنا نسير في الطريق، وجيلفر يرقص فوق طبلون السيارة على أنغام الأغنية، وكأنه تلك الكرة البيضاء التي تظهر في برامج الأطفال فوق كلمات الأغاني، فكان كما أغنية الحب هذه، أضاف للرحلة نغمة جديدة!
فلما انتهت قلت له: انتظر! إنه دوري هذه المرة!واخترت ein bisschen Goethe, ein bisschen Bonaparte التي غنتها France Gall، ونحن نستمع لها، توقفت مرة أخرى عند قرية على مفترق طريقنا للتزود بتسليات الطريق، عندما عدت من الدكان مسكت كتفي وقالت: أتظن أن موروماتشي ينتظرنا؟
قلت: أحتاج أن أستدعيه أولًا! أتذكر أنه قال قبل أن يقفز في بحيرة الضفادع: شوجين ريوري!
ولم يمضِ أي وقت حتى سمعت صوت فتاة تقول: ساعدني، ساعدني كي لا نسقط كلنا في حفرة الخيال هذه!
رفعت رأسي للشماسة، فإذا بفتاة شقراء بطول الخنصر تقريبًا متعلقة بها، أنزلتها حتى وقفت فوق الطبلون، وجيلفر ينظر لها كأنه يعرفها! سألتها: وأنتِ؟
قالت: أنا حديث الزمان، طفلة الأقحوان، صغيرة كالبنان، وبديعة الحسن كما ترى - قالتها وهي تضحك وتدور حول نفسها وقد دار معها فستانها الأبيض النيلي - فلما انتهت من استعراضها قالت: اسمي ثامبلينا، وأنت؟ ما اسمك؟
قلت: أنا الذي يبني من دون أي شيء قلعة الحصن! في يدي عصا سحرية اسمها قلم، كلما خربشت بها على أي شيء، استحال لأشياء!
قالت: إذًا أنت صديقه! ثم التفتت للمقاعد الخلفية وقالت: أعطه زهرة الأقحوان وأغلق الباب خلفك!
التفتُ للمقاعد الخلفية، فرأيت رجلاً جبينه عريض ووجهه طويل، يسرّح شعره لليمين، ويرتدي قماشه كأنها ربطة عنق حول رقبته، ملامحه حادة ومميزة، وبالطو أسود مميز، لكن قصير القامة يكاد طوله يصل إلى ركبتي، صعد السيارة وأغلق الباب ومدّ لي إصيص زهرة الأقحوان وهو يقول: ضعها في مكان الأكواب!
فلما وضعتها قفزت إليها وهي تقول: أقدم لك هانس!
التفتُ وقلت: مع هذا العالم العجيب، لم يبق لنا إلا أن يظهر لويس وآليس!
فطرق زجاج الباب الأمامي الخاص بالسائق رجل معه فتاة تحمل أرنباً أبيض ويقول: هل تنقلنا معك إلى هناك! فروستوف!
كدت أجنّ، هذا لويس بشعره المسرح على الجانبين، ومعه أليس بشعرها الأشقر وقبعتها المميزة وفستانها الأزرق، وهذا أرنبها الناطق!
هنا اقترب جليفر من كتفي وهمس في أذني وقال: ألم تقل لي أنك جونثان، انتبه من الآن فصاعداً، أي اسم ستسميه، سيظهر لك! نحن الآن ستة هؤلاء الثلاثة، وهانس وزهرته وأنا! فهل نعتبر مركبتك سفينة جليفر في رحلة العجائب؟ سنسميك إذاً جونثان الساحر!
وقد كان، معنا في هذه الرحلة ٦ أقزام حتى الآن:
جيلفر، وثامبلينا، وأرنب آليس، وهانس، وآليس، وأخيراً لويس!رُتبت أسماؤهم حسب الطول، من الأقصر إلى الأطول، ثم قالت خليلتي: "بقي موروماتشي!" فأومأت برأسي ثم قلت: "لعله ينتظرنا هناك!"
فقالت لي: "لهذا اخترت أغنية لفرانس غال؟"
قلت: "لعل إحساسًا بداخلي يقول إنه ينتظرنا هناك، في الحديقة اليابانية في روكلو! لكن دعيني أعرفك أولًا على عصابة الأقزام هذه!"
جيلفر هو صاحب الرحلات الشهير الذي ذهب في الرحلة الشهيرة إلى جزيرة الأقزام في ليليبوت، وزار قلعة لابوتا الطائرة في السماء، وكان معه الساحر محضر الأرواح!
أما ثامبلينا فهي عقلة الإصبع، وهي من شخصيات وعوالم هانس كريستيان أندرسون، وهو الذي جاء حاملًا زهرة الأقحوان مسكًا لها!
أما الثلاثة الباقين فهذه أليس وأرنبها الناطق من بلاد العجائب، وهذا لويس كارول الذي أوجد لها هذا العالم!
حينها قال جيلفر: "وأنت الآن بيننا تتمثل جونثان سويفت الذي صنعت هذه الرحلة الغرائبية وكذلك الساحر الذي جاء بكل هذه الشخوص لهذه السيارة!"
قلت: "لعله كما تقول، وهذا القلم هو عصا الساحر، فلم يبق من كل صور التوافق إلا قبعة حتى أُلقي عليها السحر!"
فجاءت خليلتي ووضعت على رأسي قبعة إيرلندية كحلية اللون وهي تقول: "هذه هي! وهذا من بيان السحر!"فأرنا قوة بنانك وانطلق بنا!
واهتز رأسي فجأة، فصحوت على زوجي تشد لحافي في فندق دوبل تري في مدينة فروتسواف!
تمت