توت توت... صوت القطار!
لم يغادر المحطة، بقي ينتظرها حتى تصعد على متنه!
افتُتح المشهد بمأمور القطار وهو يحاول تقديم فنجان قهوة كناية عن الترحيب، ليباغتني سؤال: ماذا ستجلب لي؟
توت توت... صوت القطار!
كان يكتب معي بعض هذه الأسطر، هذا القطار، ويترك لي بعضها كي أتم القصة، خصوصًا عند عبور جسر أو نفق!
لم تجبني؟
لن أجب، ستأتين معي!
توت توت... صوت القطار!
كأن صوته دق باب قلبي ليأذن لها بالدخول!
وكنت أسأل نفسي: لماذا لا يقلق قلبي لصوت الدق على بابه؟
ثم توقف صوت القطار!
لأجد نفسي مرغمًا على ركوب الطائرة!
القطار في حياتنا فكرة رومانسية، أمنية الحبيبة بمحبوب العمر!
أما الطائرة فهي كزوجة الأب، مهما حنت عليك، ولو كنت ربيبها، فلن تكون أمًا لك!
أخذنا حقائبنا واتجهنا للمطار. في الطريق، تبين لي أننا قد ندرك تلك الأمنية في تلك المدينة!
وعند الوصول، ذهبت مهرولًا، رافعًا إحرامي عن الأرض، حتى محطة القطار، لأتفاجأ أن آخر رحلة له قد انطلقت بلا عودة! رغم توفر الرحلات في التطبيق!
تركت يداي مسبلتين، ليسبل فوقهما إحرامي الأبيض، وأنا أتمعن في هذا الانتظار الذي خلق هذه المحطة! هل الشوق هو ما جلبني لها؟
قفزت إلى ذهني تلك الأغنية التي تقول: "مقدر أقلك مع السلامة روح!"
جذبتني من يدي اليمنى وهي تشير لرجل واقف خلفنا، يعمل في مهنة عصية على الانقراض: كداد!
فحملنا معه حتى البيت الحرام!
كان ظلام تلك الليلة حالك السواد، ولحن شجي لأغنية اسكتلندية قديمة يتردد في ذهني، حملت هاتفي وكتبت رسالة، وأرسلتها لها.
عند رؤية البيت تهللت أساريري، هششت وبششت، وما إن أتممت شوطي الثالث حتى جذبتني مرة أخرى من يدي اليمنى، تريد أن تمس ستار البيت، فما كان مني إلا أن أخرجت صورة أبي القديمة من داخلي كي تتلبسني، ولم يبق أمامي إلا هي متعلقة بستار البيت، تناجي ربها، وما إن فرغت حتى انتزعتها من المكان كما ينتزع زهرة من بين الشوك، وأتممنا الطواف.
وعندما التفت تجاه يدي اليمنى، رأيت العزال المحرما، فتذكرت قول يزيد بن معاوية:
فوالله لولا الله والخـوف والرجا
لعانقتها بيـن الحطيم وزمـزم ِ
لكني اتجهت به إلى المسعى، وأتممنا النسك بحمد الله، ولم يبق إلا أن نصيب بعض الراحة!
لكن لم تهنأ نفسي إلا بالتفاتة متأملة للبيت قبيل الخروج، ووقفت متأملًا قليلًا وقلت: لا تحرمنا رؤيته ولا زيارته.
في اليوم التالي توجهنا إلى محطة القطار، ظهرًا، وكما تقول الأغنية: "تفضحني عيني لو جيت أودعك يوم!"
وعند شباك التذاكر سألني البائع وأنا في حالة كأني الحبيب الذي سينال وصلًا من حبيبته حتى يبلغ منها، سألني: أين وجهتك؟
قلت بلا تفكير: دار الهجرة!
تمت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق