الأحد، 14 يوليو 2019

كيف نُعلم الساحرة أن تكون سعيدة مجدداً؟ - (2013) Saving Mr. Banks



كيف نُعلم الساحرة أن تكون سعيدة مجدداً؟



Winds in the east / Mist coming in / Like something is brewing / About to begin / Can't put me finger / On what lies in store / But I feel what's to happen / All happened before.  


رياح في الشرق / ميست قادمة / وكأنه شيء قد تختمر / على وشك أن يبدأ / لا يمكني وضع أصبعي / في ما يكمن في المتجر / لكني أشعر أن ما يحدث / قد حدث قبلاً.


هذا الفيلم العميق المعد ببساطة مدقنة، جمع بين عمق وسوداوية الرواية البريطانية وببساطة أفلام والت ديزني المأخوذة عن هذه الروايات!

هل موت الكاتب في النص الأدبي حقيقة؟


كل شيء لا ينتهي تماماً، كل ما يكتب ويقال هو بعضٌ من كاتبه وقائله!


لم يخلّد شاعر لأنه كذب، ولم يعبر كاتب الأزمان لأن خياله خصب، هي مزيج بين المجاز وتأويله!

الفيلم يتناول الفترة التي قرر فيها والت ديزني انتاج رواية (ماري بوبينز) التي كانت من إبداع الكاتبة باميلا ليندون ترافرز، لكن باميلا لا تريد لهذا العمل أن يرى النور؛ فكما أن والت ديزني أحتفظ بغرفة تحمل أسم والده (إلياس ديزني) داخل عالم ديزني الساحر، الغرفة المليئة بالذكريات الموجعة، عن ذلك الطفل القديم الذي يوزع الصحف في تكساس، وإذا تأخر أو قصر في العمل، قام والده بضربه على ظهره بحزام بنطلونه كي لا يكررها، فإن باميلا كذلك ضمنت في روايتها ماري بوبينز شخصية (السيد بانكس) الذي كان يمثل كل ذكرياتها مع والدها، فهي عندما تقرأ في لا تقرأ عن بانكس بقدر ما هي تستحظر ذلك المخزون الكبير من الذكريات عن طفولة مشردة لطفلة أحبت أبيها حباً جماً، وكان أبوها يصنع المستحيل لأجلها.

ففي جنبات الفيلم، وخلال أقامتها اسبوعين في لوس أنجلوس، لإعداد السيناريو مع طاقم العمل، كان كل الرفض الطويل والمتكرر والمزعج لعدة أمور، منها ما يخص المنزل الأول .. البيت الثاني .. الشارع .. الحي .. العائلة .. يبدو مزعجاً لطاقم العمل، ويرون فيه خيلاء كاتبة مشهورة تتحكم بهم، وتبدر منها تصرفات هي غير مفهومة بالنسبة لهم، لكنه في الحقيقة مفهوم لباميلا! كيف تريدون أن تعبثوا في ذكرياتها! في حياتها التي عاشتها وأحبتها بحلوها ومرّها!

تفجر هذا الرفض مع تصميم شخصية السيد بانكس!


لا! أنه لا يشببه البتة! طبعاً لا يشببه؛ من سيشبه أباها الذي عاشت معه كل لحظاته حياته هو، وحياتها معه!


كل شيء تدمر، هذا الفيلم لم يرى النور!


أي نور؟


أنه نور تلك الذكرى القديمة، تلك الذكرى التي نحاول جميعاً ان نخفيها، أنها كنزنا الذي ندفنه في جزر نفوسنا، ما إن يطلع أحد عليه حتى نقيم عليه حد السرقة!

لكننا سنموت إذا لم نبح بكل مكنونات صدورنا، الصراخ لا يفيد، كما لم يفيد باميلا رمي فاكهة الكمثرى كلما وجدتها في سلة الفاكهة، هي تحبها وتتكرهها في آنٍ، فكان الهرب إلى الكتابة، كما كان هرب والت ديزني لإنتاج سينما الطفل!

الفيلم كان محملاً بالذكريات، بصورة شاعرية وإضاءة شعرية، تفجرت منذ دخول المشاهد للفيلم منذ لحظته الأولى، وتلك الذكريات تجيء وتغدو وتعود، ومن قال أن الذكريات إذا جائت لا تؤذي؟

موسيقى توماس نيومان أتت معبرة لكل لحظات الفيلم، تأسر شغاف قلبك، وتنقلك لعالم ذكرى باميلا القديم ذو التفاصيل الكثيرة وقصص أبيها التي لا تنتهي وصراعاته لأجل الحياة مع دنسها المسمى بالمال، وكأن مصائر الناس تقيم بقدر ما يملكون من المال!


هذا العالم البشع يحدد ماهيتم بمالك، وكأنك عبد لا تزال تباع وتشترى! كل محاولات الهروب من هذا الواقع البغيض لا تجدي نفعاً، كأس خمرة أو قلمٌ يكتب أو حتى الصراخ في البيداء، تجدك قد إنكفأت أمام هذا الموت واليأس الذات تقدمهما لك الحياة!


لكن؛ ما الذي يجعلنا نعيش؟ تلك الذكرى العابرة كسحابة صيف مع من نحب؛ لهذا لا نسمح لأحد أن يتعبث بها، فما بالك أن نغفر له!

كولين فاريل قدم أداءً استثناءياً، أداءً أقتلع قلبي وحاول سحب الدمع من عيني مراراً، أداءً مختلفاً جميلاً ذكياً لامس عناق السحاب، ذاك الأنسان المقهور البيسط، الذي يحب عائلته، ويستمتع بكل لحظاته معهم، لكنه فاقد الحيلة؛ أمام جشع هذه الدنيا والتي ترفض ان تقدم له ما يفرح قلب عائلته، هو إلى العدم، وهو مقر بذلك، لكنه لا يريد لعائلته ذلك المصير، لهذا كانت وصيته لإبنته: "كلما ابتعدتي عن المال، كلما زادت إنسانيتك أكثر، المال يفسد الإنسان".

لهذا نحن مفجوعون على الدوام من هذه الدنيا، نرحل منها بلا شيء، فقد بجسد بالي خاوٍ، إذا كبرنا ننسى ذكرياتنا فلا نتذكر منها إلا ومضة! وكذلك من نحب؛ نكذب عليهم أننا باقون معهم، ونحن نعلم يقيناً أن الموت سالبهم منّا!

ويبقى السؤال الذي سأله ترافر لإبنته باميلا: كيف نُعلم الساحرة أن تكون سعيدة مجدداً؟ 


اللحظة الأخيرة:

صمت المُفارق حديث!

والصدمة تجعلنا نحدثه ببوحٍ شديد من الصمت!

وقفة العزاء هي المؤثرة!


كتبت في ١٩ مايو/أيار ٢٠١٤ ميلادية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق