الاثنين، 3 يونيو 2019

قراءة في رؤية مايازاكي الأدبية

الإهداء:
 إليها، من أحبت غليونه القذر المُدمى، وزارت كوة الحان الصغيرة، لترى هذا العجوز الذي لا يكف عن الشخير، وفي الليل يأتي طيف هارب للصٍ عابث، يداعب ظفيرتيها، ليترك دبوس شعرٍ كُتِبَ عليه: شارلوك! 

 في خضم الحديث عن أفلام مايازاكي ذات الاقتباسات الأدبية، كان المحرك لهذه المقالة هو فيلم لوبان الثالث: قلعة كاليسترو، حيث أن لوبان الثالث تلك السلسلة القديمة التليدة، حضرت في بال المبدع العظيم لكي يصنع منها واحداَ من أجمل إبداعاته، فهذا الفيلم يمثل واحد من ثلاثة أعمال - الثاني هو شارلوك هولمر والثالث فتى المستقبل كونان أو عدنان ولينا - تتضح بها رؤيته الأدبية.
 ان هذه الاعمال الثلاثة ( عدنان ولينا، قلعة كاليسترو، وشارلوك هولمز ) تمثل قمة تجلي ميازاكي في التعاطي الادبي، السبب: ان شارلوك هولمز مثلاً كان مستقى تماماً من الرواية كأنه اختزال وتكثيف، العناوين هي ذات العناوين للقصص التي كتبها آرثر كونان دويل، نفس العلاقات التي تجمع الشخصيات بين بعضها ( تبلد شارلوك واحاسيسه، انبهار واطسون به، الكره المقيم لمورييارتي به، حتى غباوة ليسترد بقيت) اللهم أن العمل حضي بالمسحة الميازاكية المعتادة في الكوميديا والنرميز لطبائع الشخصيات بالحيوان، الثعلب للمحقق والذئب للص والكلب للشرطي والخراف للنساء ...الخ، وبالتالي يصح القول فيه انه اقتباس ادبي مباشر للعمل، اما عدنان ولينا أو فتى المستقبل كونان فهو الإقتباس الآتي بعد ارهاصات الحرب العالمية (حيث أن هذه الحرب ما زالت محفورة داخل الذاكرة الجمعية في الوجدان الياباني وكثير من الاعمال تتمحور حولها) كما انه حافظ على روح الرواية وجوهرها (رواية المد الهائل لآلكسندر كي) و لهذا هو يختلف عن "شارلوك هولمز" في كمية المادة المستقاه من العمل، وان كان هو لم يغير فيها كما قلت بل حافظ، و لكنه يشبه "هايدي" في ناحية تلبيس الفكرة، وهنا ندخل لعمل جديد كان له يد فيه مع رفيق دربه تاكاهاتا. اذ أن هايدي وعلى العكس من كونان فتى المستقبل (عدنان ولينا) كان هنالك التزام اكبر بروح العمل الأصلي لكنه البسها فكرة التعاطي البشري مع الطبيعة و المدنية، بمعنى أنه اعطى مع رفيقه قرائتهما الخاصة لهذا العمل، وهو غير متوفر في كونان فتى المستقبل أو عدنان ولينا، ولعل ابرز مثال واضح لهذه النقطة هو السعادة المستمرة لهايدي في الريف وفي بيت جدها، لكن تقتلها الغمة اذا عادت للمدينة وبين جبات جدران البيوت وإن كانت فارهة عامرة، حتى ان كلارا تتعافى ولو روحيا في الريف، حيث أن الإنسان دوما يحن إلى أصلة ومنبته. في حالة فتى المستقبل كونان (عدنان ولينا) الأمر أقل حدة من هذا، صحيح أن الفكرة ربطت بحال اليابان بعد الحرب وكيف أن الحروب استمرت في المحيط القريب منها خلال الحرب الباردة، وان البشر لا يتعلمون من اخطائهم - وهي ذات الفكرة موجودة في الرواية - لكن تفاعل الشخصيات هنا نابع من تفاعلهم داخل بيئة العمل نفسها دون دفع اكبر من ميازاكي تجاه اتجاهات أو أفكار محددة، وان كان ملتزما بشكل صارخ بفكرة الرواية الأم، ولهذا تشعر أن هنالك وطأة أقل لروح ورؤية المبدع.
 اما لوبان الثالث في قلعة كاليسترو فكان التحدي هو استبدال شخصية البطل في الرواية الأم ( أعني بذلك أرسين لوبان الأصلي الذي ابتدعه موريس لبلان) بشخوص اخرى (العصابة الربعية رفاق لوبان الحفيد) مع الحفاظ على كامل شخصية لوبان وان وزعت على رفاقة الأربعة، وربط كل هذا بعوالم محيطة سواء لآرسين لوبان نفسه أو موريس لبلان حتى اذ ان الاخير كان معاصررا لارثر كونان دويل مبدع شارلوك هولمز وإيان فلمنغ مبدع جيمس بود، وولعل هذا يتضح في تفصيللات الفيلم التي ركز عليها، مثل نوع السيارات المستخدمة، طريقة القتال بالاسلحة، وغيرها من الامثلة التي تنلثرت داخل هذا الفيلم، و هنا تظهر عظمة العمل والاعمال التي سبقت و من هنا ايضاً اشاد مخرجين كثر امثال كوبولا وسبيلبرغ ولوكاس به.
 اما عمله الأخير في مهب الريح فلا اعتبره اقتباس من قصة تاتسو هوري لأن مايازاكي هنا هو من يتحدث، القصة كانت مجرد ثوب البسه اياه لكي لا يقول انه فيلم سيرة ذاتية، لكن الفيلم كان شخصي جدا لدرجة معها تشعر أنه بقي فقط من أوجه التطابق أن يختفي صوت هيداكي أنو ويظهر صوت هاياو ميازاكي، هذا الهيام الكبير بالطائرات والإيطاليين وموضوعة الحرب وغيرها مما نجدة دورما رفيقا لميازاكي في رحلته الفنية لا تنفكس عنه، ولعل مثالا مشبها هنا يظهر يحاكي ذات فكرة الاقتنباس التي تخدم الموضوع ولا تلتزم بالعمل الأهلي وهو ما فعله كريستفر نولان مع سلسلة افلامه لباتمان فهو صراع الخير والشر بلباس باتمان واعداءه و ليس اقتباس للكوميك. 
 ومن هنا اقول ان هذا الجهل بهذه الامور عند المشاهد يُنقص من اجلاله للعمل الفني ، لانه لا يعرف ربع هذه الاشياء التي تضفي على الصورة معاني جليلة كجلال معاني الكلمة خلف قصيدة الشاعر. 

 وأخيراَ أرسل أجزل كلمات الشكر لتلك التي أحبت غليون العجوز المدمى في حانه الصغيرة، هائما في أيامه وذكرياته

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق