الجمعة، 31 أغسطس 2018

نظارة عُمر!

نظارة عُمَر!

عُمَر هو الحياة، ويسمى المولود عُمَراً لأنه عُمر جديد للحياة.

وكل عُمَر هو حاد كالصقر، ينظر يعينين ثاقبة للأمام، وخلف تلك العينين رقة وحنين، ويأخذ من يومه لغده، ولا يبالي، لا يستبد به قديمٌ تالد، ولا جديدٌ طارف.

وفوق ذلك هو الفاروق عُمَر، تميز كل شيء عند النظر لسيرته التي كانت كراحة يده، باطنها كظاهرها.

هذا المختار: عُمَر، سقطت منه نظاراته في آخر عهده بالدنيا وأول عهده بالآخره، لكن أي دنيا ودع وهو ينظر نظراته الأخيرة؟

كانت الخضراء: ليبيا هي كل شيء بالنسبة له، ثمانين سنة لا شيء لأجل تلك الرمال، ولم يملي عينيه منها بعد، فترك نظارته للطفل عَلِيّ الذي هرع لإلتقاطها لعله يرى فيها ببصيرة عُمَر المختار الذي تعهده بعدما أستشهد والده لأجل الخضراء ... ليبيا، وكأنما قدر لهذين الاسمين أن لا يفترقا.

تلك النظارة التي كلما لبسها عُمَر المختار في الدرس، كانت إشارة منه لأن يخرجوا ويلعبوا فيخرج الصبية فرحين تاركين لوح الدرس عند صاحب النظارة، تماما كما كان الصبية يتعلقون ببرد عُمَر بن الخطاب إذا خرج للإحتساب في السوق، تاركين أهاليهم لوحدهم.

تلك النظارة التي شدت عَلِيّ في أول جلوس له مع عُمَر المختار، فما كان منه إلا أن لبسها محاولاً تقليده لعله يصبح منه بمكان عَلِيّ بن أبي طالب من عُمَر بن الخطاب رضي الله عنهما أجمعين.

تلك النظارة التي شهدت كل سني الكفاح، وشهدت ما شهده عُمَر المختار في حياته، فكانت منه كما كانت درّة عُمَر بن الخطاب منه، كانت لابد أن تذهب لجيل جديد يحمل ما فيها معه، لتغدو رمزاً كما غدت الدرّة رمزاً أيضاً.

فهذه النظارة لا تموت، كما لم يمتملتقطها، ولم يمت ملتقطها، وتبقى خالدة تالدة لليبيين كما بقي مفتاح الكعبة لبني شيبة، لا ينزع هذا الإرث من الوجدان العربي إلا ظالم!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق